عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 08-05-2023, 09:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,420
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السابع
الحلقة (526)
سُورَةُ الْوَاقِعَةِ
صـ 515 إلى صـ 522



وقوله : ثلة خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير هم ثلة ، والثلة الجماعة من الناس ، [ ص: 515 ] وأصلها القطعة من الشيء وهي الثل ، وهو الكسر .

وقال الزمخشري : والثلة من الثل ، وهو الكسر ، كما أن الأمة من الأم وهو الشبح ، كأنها جماعة كسرت من الناس ، وقطعت منهم . ا هـ . منه .

واعلم أن الثلة تشمل الجماعة الكثيرة ، ومنه قول الشاعر :


فجاءت إليهم ثلة خندفية بجيش كتيار من السيل مزبد
لأن قوله : تيار من السيل : يدل على كثرة هذا الجيش المعبر عنه بالثلة .

وقد اختلف أهل العلم في المراد بهذه الثلة من الأولين ، وهذا القليل من الآخرين المذكورين هنا ، كما اختلفوا في الثلتين المذكورتين في قوله : ثلة من الأولين وثلة من الآخرين [ 56 \ 39 - 40 ] ، فقال بعض أهل العلم : كل هؤلاء المذكورين من هذه الأمة ، وإن المراد بالأولين منهم الصحابة .

وبعض العلماء يذكر معهم القرون المشهود لهم بالخير في قوله - صلى الله عليه وسلم : " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم " الحديث ، والذين قالوا : هم كلهم من هذه الأمة ، قالوا : إنما المراد بالقليل وثلة من الآخرين وهم من بعد ذلك إلى قيام الساعة .

وقال بعض العلماء : المراد بالأولين في الموضعين الأمم الماضية قبل هذه الأمة ، فالمراد بالآخرين فيهما هو هذه الأمة .

قال مقيده عفا الله عنه ، وغفر له : ظاهر القرآن في هذا المقام أن الأولين في الموضعين من الأمم الماضية ، والآخرين فيهما من هذه الأمة ، وأن قوله تعالى : ثلة من الأولين وقليل من الآخرين في السابقين خاصة ، وأن قوله : ثلة من الأولين وثلة من الآخرين في أصحاب اليمين خاصة .

وإنما قلنا : إن هذا هو ظاهر القرآن في الأمور الثلاثة ، التي هي شمول الآيات لجميع الأمم ، وكون قليل من الآخرين في خصوص السابقين ، وكون ثلة من الآخرين في خصوص أصحاب اليمين لأنه واضح من سياق الآيات .

أما شمول الآيات لجميع الأمم فقد دل عليه أول السورة ، لأن قوله : إذا وقعت الواقعة إلى قوله : فكانت هباء منبثا لا شك أنه لا يخص أمة دون أمة ، وأن [ ص: 516 ] الجميع مستوون في الأهوال والحساب والجزاء .

فدل ذلك على أن قوله : وكنتم أزواجا ثلاثة [ 56 \ 7 ] عام في جميع أهل المحشر ، فظهر أن السابقين وأصحاب اليمين منهم من هو من الأمم السابقة ، ومنهم من هو من هذه الأمة .

وعلى هذا فظاهر القرآن أن السابقين من الأمم الماضية أكثر من السابقين من هذه الأمة ، وأن أصحاب اليمين من الأمم السابقة ليست أكثر من أصحاب اليمين من هذه الأمة ، لأنه عبر في السابقين من هذه الأمة بقوله : وقليل من الآخرين وعبر عن أصحاب اليمين من هذه الأمة وثلة من الآخرين .

ولا غرابة في هذا ، لأن الأمم الماضية أمم كثيرة ، وفيها أنبياء كثيرة ورسل ، فلا مانع من أن يجتمع من سابقيها من لدن آدم إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - أكثر من سابقي هذه الأمة وحدها .

أما أصحاب اليمين من هذه الأمة فيحتمل أن يكونوا أكثر من أصحاب اليمين من جميع الأمم ، لأن الثلة تتناول العدد الكثير ، وقد يكون أحد العددين الكثيرين أكثر من الآخر ، مع أنهما كليهما كثير .

ولهذا تعلم أن ما دل عليه ظاهر القرآن واختاره ابن جرير - لا ينافي ما جاء من أن نصف أهل الجنة من هذه الأمة .

فأما كون قوله : وقليل من الآخرين دل ظاهر القرآن على أنه في خصوص السابقين ، فلأن الله قال : والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم [ 56 \ 10 - 12 ] ، ثم قال تعالى مخبرا عن هؤلاء السابقين المقربين : ثلة من الأولين وقليل من الآخرين .

وأما كون قوله : وثلة من الآخرين في خصوص أصحاب اليمين ، فلأن الله تعالى قال : فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين [ 56 \ 36 - 40 ] ، والمعنى هم - أي أصحاب اليمين - ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ، وهذا واضح كما ترى .
قوله تعالى : على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين .

[ ص: 517 ] السرر جمع سرير ، وقد بين تعالى أن سررهم مرفوعة في قوله في الغاشية : فيها سرر مرفوعة [ 18 \ 13 ] ، وقوله تعالى : موضونة منسوجة بالذهب ، وبعضهم يقول بقضبان الذهب مشبكة بالدر والياقوت ، وكل نسج أحكم ودخل بعضه في بعض تسميه العرب وضنا ، وتسمي المنسوج به موضونا ووضينا ، ومنه الدرع الموضونة إذا أحكم نسجها ودخل بعض حلقاتها في بعض .

ومنه قول الأعشى :


ومن نسج داود موضونة تساق مع الحي عيرا فعيرا
وقوله أيضا :


وبيضاء كالنهي موضونة لها قونس فوق جيب البدن
ومن هذا القبيل تسمية البطان الذي ينسج من السيور ، مع إدخال بعضها في بعض - وضينا .

ومنه قول الراجز :


إليك تعدو قلقا وضينها معترضا في بطنها جنينها

مخالفا دين النصارى دينها
وهذه السرر المزينة هي المعبر عنها بالأرائك في قوله : متكئين فيها على الأرائك [ 18 \ 31 ] ، وقوله : هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون [ 36 \ 56 ] . وقوله في هذه الآية الكريمة متكئين حال من الضمير في قوله : على سرر والتقدير : استقروا على سرر في حال كونهم متكئين عليها .

وما ذكره - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة من كونهم على سرر متقابلين ، أي ينظر بعضهم إلى وجه بعض ، كلهم يقابل الآخر بوجهه ، جاء موضحا في آيات أخر كقوله تعالى في الحجر : ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين [ 15 \ 47 ] وقوله في الصافات : أولئك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون في جنات النعيم على سرر متقابلين [ 37 \ 41 - 44 ] .
[ ص: 518 ] قوله تعالى : يطوف عليهم ولدان مخلدون .

قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الطور في الكلام على قوله تعالى : ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون [ 52 \ 24 ] .
قوله تعالى : وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون .

قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الطور في الكلام على قوله تعالى : يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم [ 52 \ 23 ] ، وفي المائدة في الكلام على قوله تعالى : إنما الخمر والميسر الآية [ 5 \ 90 ] .
قوله تعالى : وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون .

قد قدمنا الكلام عليه في سورة الطور في الكلام على قوله تعالى : وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون [ 56 \ 22 ] .
قوله تعالى : وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون .

قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة البقرة في الكلام على قوله تعالى : ولهم فيها أزواج مطهرة الآية [ 2 \ 25 ] ، وفي الصافات في الكلام على قوله تعالى : وعندهم قاصرات الطرف عين [ 37 \ 48 ] ، وفي غير ذلك من المواضع .
قوله تعالى : لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما .

قد قدمنا الكلام عليه بإيضاح في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى : لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا [ 19 \ 62 ] ، وتكلمنا هناك على الاستثناء المنقطع وذكرنا شواهده من القرآن وكلام العرب ، وبينا كلام أهل العلم في حكمه شرعا .
قوله تعالى : وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة .

أما قوله : وظل ممدود فقد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة النساء في الكلام على قوله تعالى : وندخلهم ظلا ظليلا [ 4 \ 57 ] ، وأما قوله : وماء مسكوب [ ص: 519 ] فقد دلت عليه آيات كثيرة من كتاب الله كقوله تعالى : فيها أنهار من ماء غير آسن [ 47 \ 15 ] ، وقوله : إن المتقين في جنات وعيون [ 15 \ 45 ] ، وقوله : ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء الآية [ 7 \ 50 ] إلى غير ذلك من الآيات .

والمسكوب اسم مفعول ، سكب الماء ونحوه إذا صبه بكثرة ، والمفسرون يقولون : إن أنهار الجنة تجري في غير أخدود ، وأن الماء يصل إليهم أينما كانوا كيف شاءوا ، كما قال تعالى : عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا [ 76 \ 6 ] ، وأما قوله : وفاكهة كثيرة : فقد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الطور في الكلام على قوله تعالى : وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون [ 52 \ 22 ] .
قوله تعالى : إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين .

الضمير في أنشأناهن قال بعض أهل العلم : هو راجع إلى مذكور ، وقال بعض العلماء : هو راجع إلى غير مذكور ، إلا أنه دل عليه المقام .

فمن قال إنه راجع إلى مذكور ، قال : هو راجع إلى قوله : وفرش مرفوعة قال : لأن المراد بالفرش النساء ، والعرب تسمي المرأة لباسا وإزارا وفراشا ونعلا . وعلى هذا فالمراد بالرفع في قوله : مرفوعة رفع المنزلة والمكانة .

ومن قال : إنه راجع إلى غير مذكور ، قال : إنه راجع إلى نساء لم يذكرن ، ولكن ذكر الفرش دل عليهن ; لأنهن يتكئن عليها مع أزواجهن .

وقال بعض العلماء : المراد بهن الحور العين ، واستدل من قال ذلك بقوله : إنا أنشأناهن إنشاء لأن الإنشاء هو الاختراع والابتداع .

وقالت جماعة من أهل العلم : إن المراد بهن بنات آدم التي كن في الدنيا عجائز شمطا رمصا ، وجاءت في ذلك آثار مرفوعة عنه - صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا القول : فمعنى أنشأناهن إنشاء أي خلقناهن خلقا جديدا .

وقوله تعالى : فجعلناهن أي فصيرناهن أبكارا ، وهو جمع بكر ، وهو ضد الثيب .

وقوله : عربا قرأه عامة القراء السبعة غير حمزة وشعبة عن عاصم عربا [ ص: 520 ] بضم العين والراء ، وقرأ حمزة وشعبة " عربا " بسكون الراء ، وهي لغة تميم ، ومعنى القراءتين واحد ، وهو جمع عروب ، وهي المتحببة إلى زوجها الحسنة التبعل ، وهذا هو قول الجمهور . وهو الصواب إن شاء الله .

ومنه قول لبيد :


وفي الخباء عروب غير فاحشة ريا الروادف يعشى دونها البصر
وقوله تعالى : أترابا جمع ترب بكسر التاء ، والترب اللدة ، وإيضاحه أن ترب الإنسان ما ولد معه في وقت واحد ، ومعناه في الآية : أن نساء أهل الجنة على سن واحدة ليس فيهن شابة وعجوز ، ولكنهن كلهن على سن واحدة في غاية الشباب .

وبعض العلماء يقول : إنهن ينشأن مستويات في السن على قدر بنات ثلاثة وثلاثين سنة ، وجاءت بذلك آثار مروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكون الأتراب بمعنى المستويات في السن مشهور في كلام العرب .

ومنه قول عمر بن أبي ربيعة :


أبرزوها مثل المهاة تهادى بين خمس كواعب أتراب
وهذه الأوصاف الثلاثة التي تضمنتها هذه الآية الكريمة من صفات نساء أهل الجنة - جاءت موضحة في آيات أخر .

أما كونهن يوم القيامة أبكارا ، فقد أوضحه في سورة الرحمن في قوله تعالى : لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان [ 55 \ 56 ، 74 ] ، في الموضعين ; لأن قوله : لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان نص في عدم زوال بكارتهن ، وأما كونهن عربا أي متحببات إلى أزواجهن ، فقد دل عليه قوله في الصافات : وعندهم قاصرات الطرف عين [ 37 \ 48 ] ، لأن معناه أنهن قاصرات العيون على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم لشدة محبتهن لهم واقتناعهن بهم ، كما قدمنا إيضاحه ، ولا شك أن المرأة التي لا تنظر إلى غير زوجها متحببة إليه حسنة التبعل معه .

وقوله في " ص " : وعندهم قاصرات الطرف أتراب [ 38 \ 52 ] ، وقوله في الرحمن : فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان [ 55 \ 56 ] ، [ ص: 521 ] وأما كونهن أترابا فقد بينه تعالى في قوله في آية " ص " هذه : وعندهم قاصرات الطرف أتراب ، وفي سورة النبأ في قوله تعالى : إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا [ 78 \ 31 - 33 ] .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : لأصحاب اليمين يتعلق بقوله : إنا أنشأناهن . وقوله : فجعلناهن أي : أنشأناهن وصيرناهن أبكارا لأصحاب اليمين .
قوله تعالى : وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم .

قد قدمنا معنى أصحاب الشمال في هذه السورة الكريمة ، وأوضحنا معنى السموم في الآيات القرآنية التي يذكر فيها في سورة الطور في الكلام على قوله تعالى : فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم [ 52 \ 27 ] .

وقد قدمنا صفات ظل أهل النار وظل أهل الجنة في سورة النساء في الكلام على قوله تعالى : وندخلهم ظلا ظليلا [ 4 \ 57 ] ، وبينا هناك أن صفات ظل أهل النار هي المذكورة في قوله هنا : وظل من يحموم لا بارد ولا كريم [ 56 \ 43 - 44 ] ، وقوله في المرسلات : انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب [ 77 : 30 - 31 ] .

وقوله : من يحموم أي من دخان أسود شديد السواد ، ووزن اليحموم يفعول ، وأصله من الحمم وهو الفحم ، وقيل : من الحم ، وهو الشحم المسود لاحتراقه بالنار .
قوله تعالى : إنهم كانوا قبل ذلك مترفين وكانوا يصرون على الحنث العظيم .

قد قدمنا الكلام عليه في سورة الطور في الكلام على قوله تعالى : قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا الآية [ 52 \ 26 - 27 ] .
قوله تعالى : وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون .

لما ذكر - جل وعلا - ما أعد لأصحاب الشمال من العذاب ؛ بين بعض أسبابه ، فذكر منها أنهم كانوا قبل ذلك في دار الدنيا مترفين أي متنعمين ، وقد قدمنا أن القرآن دل على أن الإتراف والتنعم والسرور في الدنيا من أسباب العذاب يوم القيامة ، لأن صاحبه معرض عن الله لا يؤمن به ولا برسله ، كما دلت عليه هذه الآية الكريمة ، وقوله تعالى : [ ص: 522 ] فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا [ 84 \ 11 - 13 ] ، وقد أوضحنا هذا في الكلام على آية الطور المذكورة آنفا .

وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من كون إنكار البعث سببا لدخول النار ، لأن قوله تعالى لما ذكر أنهم في سموم وحميم وظل من يحموم ؛ بين أن من أسباب ذلك أنهم قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما - جاء موضحا في آيات كثيرة كقوله تعالى : وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [ 13 \ 5 ] .

وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى : وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا [ 25 \ 11 ] . وما ذكره - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة من إنكارهم بعث آبائهم الأولين في قوله : أوآباؤنا الأولون [ 56 \ 48 ] ، وأنه تعالى بين لهم أنه يبعث الأولين والآخرين في قوله : قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم [ 56 \ 49 - 50 ] - جاء موضحا في غير هذا الموضع ، فبينا فيه أن البعث الذي أنكروا سيتحقق في حال كونهم أذلاء صاغرين ، وذلك في قوله تعالى في الصافات : وقالوا إن هذا إلا سحر مبين أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون أوآباؤنا الأولون قل نعم وأنتم داخرون فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون [ 37 \ 15 - 19 ] .

وقوله : أوآباؤنا الأولون ، قرأه عامة القراء السبعة ، غير ابن عامر وقالون عن نافع : أوآباؤنا بفتح الواو على الاستفهام والعطف . وقد قدمنا مرارا أن همزة الاستفهام إذا جاءت بعدها أداة عطف كالواو والفاء وثم ، نحو : أوآباؤنا أفأمن أهل القرى [ 7 \ 97 ] ، أثم إذا ما وقع [ 10 \ 51 ] - أن في ذلك وجهين لعلماء العربية والمفسرين : الأول منهما أن أداة العطف عاطفة للجملة المصدرة بالاستفهام على ما قبلها ، وهمزة الاستفهام متأخرة رتبة عن حرف العطف ، ولكنها قدمت عليه لفظا لا معنى لأن الأصل في الاستفهام التصدير به كما هو معلوم في محله .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.64 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.73%)]