عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 03-05-2023, 06:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (447)
صــ 442إلى صــ 456







ذكر الآثار بذلك :

8300 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثنا محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة : أنه حدثه عن ابن عباس قال : دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بيت المدراس ، فوجد من يهود ناسا كثيرا قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص ، كان من علمائهم وأحبارهم ، ومعه حبر يقال له أشيع . فقال أبو بكر رضي الله عنه [ ص: 442 ] لفنحاص : ويحك يا فنحاص ، اتق الله وأسلم ، فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله ، قد جاءكم بالحق من عند الله ، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل! قال فنحاص : والله يا أبا بكر ، ما بنا إلى الله من فقر ، وإنه إلينا لفقير! وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا ، وإنا عنه لأغنياء ، ولو كان عنا غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم! ينهاكم عن الربا ويعطيناه! ولو كان عنا غنيا ما أعطانا الربا! فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة ، وقال : والذي نفسي بيده ، لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله! فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين . فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، انظر ما صنع بي صاحبك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : ما حملك على ما صنعت؟"فقال : يا رسول الله ، إن عدو الله قال قولا عظيما ، زعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء! فلما قال ذلك غضبت لله مما قال : فضربت وجهه . فجحد ذلك فنحاص وقال : ما قلت ذلك! فأنزل الله تبارك وتعالى فيما قال فنحاص ، ردا عليه وتصديقا لأبي بكر : "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق" وفي قول أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب : ( لتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ) [ سورة آل عمران : 186 ] .

8301 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد [ ص: 443 ] بن أبي محمد ، مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة مولى ابن عباس قال : دخل أبو بكر فذكر نحوه ، غير أنه قال : "وإنا عنه لأغنياء ، وما هو عنا بغني ، ولو كان غنيا" ، ثم ذكر سائر الحديث نحوه .

8302 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " ، قالها فنحاص اليهودي من بني مرثد ، لقيه أبو بكر فكلمه فقال له : يا فنحاص ، اتق الله وآمن وصدق ، وأقرض الله قرضا حسنا! فقال فنحاص : يا أبا بكر ، تزعم أن ربنا فقير يستقرضنا أموالنا! وما يستقرض إلا الفقير من الغني! إن كان ما تقول حقا ، فإن الله إذا لفقير! فأنزل الله عز وجل هذا ، فقال أبو بكر : فلولا هدنة كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بني مرثد لقتلته .

8303 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : صك أبو بكر رجلا منهم الذين قالوا : " إن الله فقير ونحن أغنياء " ، لم يستقرضنا وهو غني؟! وهم يهود .

8304 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح قال : " الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " ، لم يستقرضنا وهو غني؟ قال شبل : بلغني أنه فنحاص اليهودي ، وهو الذي قال : " إن الله ثالث ثلاثة " و"يد الله مغلولة" .

8305 - حدثنا ابن حميد قال : حدثني يحيى بن واضح قال : حدثت عن عطاء ، عن الحسن قال : لما نزلت : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) [ سورة البقرة : 245\ سورة الحديد : 11 ] قالت اليهود : إن ربكم يستقرض منكم! فأنزل الله : " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " . [ ص: 444 ]

8306 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن الحسن البصري قال : لما نزلت : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) قال : عجبت اليهود فقالت : إن الله فقير يستقرض! فنزلت : " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " .

8307 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء" ، ذكر لنا أنها نزلت في حيي بن أخطب ، لما أنزل الله : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) قال : يستقرضنا ربنا ، إنما يستقرض الفقير الغني!

8308 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : لما نزلت : " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " ، قالت اليهود : إنما يستقرض الفقير من الغني!! قال : فأنزل الله : " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " .

8309 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " ، قال : هؤلاء يهود .

قال أبو جعفر : فتأويل الآية إذا : لقد سمع الله قول الذين قالوا من اليهود : "إن الله فقير إلينا ونحن أغنياء عنه" ، سنكتب ما قالوا من الإفك والفرية على ربهم ، وقتلهم أنبياءهم بغير حق .

واختلفت القرأة في قراءة قوله : "سنكتب ما قالوا وقتلهم" .

فقرأ ذلك قرأة الحجاز وعامة قرأة العراق : ( سنكتب ما قالوا ) بالنون ، [ ص: 445 ] " وقتلهم الأنبياء بغير حق " بنصب"القتل" .

وقرأ ذلك بعض قرأة الكوفيين : ( " سيكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق" ) بالياء من"سيكتب" وبضمها ، ورفع"القتل" ، على مذهب ما لم يسم فاعله ، اعتبارا بقراءة يذكر أنها من قراءة عبد الله في قوله : "ونقول ذوقوا" ، يذكر أنها في قراءة عبد الله : "ويقال" .

فأغفل قارئ ذلك وجه الصواب فيما قصد إليه من تأويل القراءة التي تنسب إلى عبد الله ، وخالف الحجة من قرأة الإسلام . وذلك أن الذي ينبغي لمن قرأ : "سيكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء" على وجه ما لم يسم فاعله ، أن يقرأ : "ويقال" ، لأن قوله : "ونقول" عطف على قوله : "سنكتب" . فالصواب من القراءة أن يوفق بينهما في المعنى بأن يقرآ جميعا على مذهب ما لم يسم فاعله ، أو على مذهب ما يسمى فاعله . فأما أن يقرأ أحدهما على مذهب ما لم يسم فاعله ، والآخر على وجه ما قد سمي فاعله ، من غير معنى ألجأه على ذلك ، فاختيار خارج عن الفصيح من كلام العرب .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا : "سنكتب" بالنون"وقتلهم" بالنصب ، لقوله : "ونقول" ، ولو كانت القراءة في"سيكتب" [ ص: 446 ] بالياء وضمها ، لقيل : "ويقال" ، على ما قد بينا .

فإن قال قائل : كيف قيل : "وقتلهم الأنبياء بغير حق" ، وقد ذكرت في الآثار التي رويت ، أن الذين عنوا بقوله : " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير " بعض اليهود الذين كانوا على عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن من أولئك أحد قتل نبيا من الأنبياء ، لأنهم لم يدركوا نبيا من أنبياء الله فيقتلوه؟

قيل : إن معنى ذلك على غير الوجه الذي ذهبت إليه . وإنما قيل ذلك كذلك ، لأن الذين عنى الله تبارك وتعالى بهذه الآية ، كانوا راضين بما فعل أوائلهم من قتل من قتلوا من الأنبياء ، وكانوا منهم وعلى منهاجهم ، من استحلال ذلك واستجازته . فأضاف جل ثناؤه فعل ما فعله من كانوا على منهاجه وطريقته ، إلى جميعهم ، إذ كانوا أهل ملة واحدة ونحلة واحدة ، وبالرضى من جميعهم فعل ما فعل فاعل ذلك منهم ، على ما بينا من نظائره فيما مضى قبل .
القول في تأويل قوله ( ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد ( 182 ) ( 181 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : "ونقول" للقائلين بأن الله فقير ونحن أغنياء ، القاتلين أنبياء الله بغير حق يوم القيامة" ذوقوا عذاب الحريق " ، يعني بذلك : عذاب نار محرقة ملتهبة .

[ ص: 447 ]

و"النار" اسم جامع للملتهبة منها وغير الملتهبة ، وإنما"الحريق" صفة لها يراد أنها محرقة ، كما قيل : "عذاب أليم" يعني : مؤلم ، و"وجيع" يعني : موجع .

وأما قوله : "ذلك بما قدمت أيديكم" ، أي : قولنا لهم يوم القيامة ، " ذوقوا عذاب الحريق " ، بما أسلفت أيديكم واكتسبتها أيام حياتكم في الدنيا ، وبأن الله عدل لا يجور فيعاقب عبدا له بغير استحقاق منه العقوبة ، ولكنه يجازي كل نفس بما كسبت ، ويوفي كل عامل جزاء ما عمل ، فجازى الذين قال لهم [ ذلك ] يوم القيامة من اليهود الذين وصف صفتهم ، فأخبر عنهم أنهم قالوا : " إن الله فقير ونحن أغنياء " ، وقتلوا الأنبياء بغير حق بما جازاهم به من عذاب الحريق ، بما اكتسبوا من الآثام ، واجترحوا من السيئات ، وكذبوا على الله بعد الإعذار إليهم بالإنذار . فلم يكن تعالى ذكره بما عاقبهم به من إذاقتهم عذاب الحريق ظالما ، ولا واضعا عقوبته في غير أهلها . وكذلك هو جل ثناؤه ، غير ظلام أحدا من خلقه ، ولكنه العادل بينهم ، والمتفضل على جميعهم بما أحب من فواضله ونعمه .
[ ص: 448 ] القول في تأويل قوله ( الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ( 183 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : لقد سمع الله قول الذين قالوا : " إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول " .

وقوله : " الذين قالوا إن الله ، في موضع خفض ردا على قوله : " الذين قالوا إن الله فقير " .

ويعني بقوله : "قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول" ، أوصانا ، وتقدم إلينا في كتبه وعلى ألسن أنبيائه"أن لا نؤمن لرسول" ، يقول : أن لا نصدق رسولا فيما يقول إنه جاء به من عند الله من أمر ونهي وغير ذلك" حتى يأتينا بقربان تأكله النار " ، يقول : حتى يجيئنا بقربان ، وهو ما تقرب به العبد إلى ربه من صدقة .

وهو مصدر مثل"العدوان" و"الخسران" من قولك : "قربت قربانا" .

وإنما قال : "تأكله النار" ، لأن أكل النار ما قربه أحدهم لله في ذلك الزمان ، كان دليلا على قبول الله منه ما قرب له ، ودلالة على صدق المقرب فيما ادعى أنه محق فيما نازع أو قال : كما : -

8310 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " حتى يأتينا بقربان تأكله النار " ، [ ص: 449 ] كان الرجل يتصدق ، فإذا تقبل منه ، أنزلت عليه نار من السماء فأكلته .

8311 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " بقربان تأكله النار " ، كان الرجل إذا تصدق بصدقة فتقبلت منه ، بعث الله نارا من السماء فنزلت على القربان فأكلته .

فقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : [ قل ، يا محمد ، للقائلين : إن الله عهد إلينا ] أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار : [ قد جاءكم ] رسل من قبلي بالبينات" ، يعني : بالحجج الدالة على صدق نبوتهم وحقيقة قولهم" وبالذي قلتم " ، يعني : وبالذي ادعيتم أنه إذا جاء به لزمكم تصديقه والإقرار بنبوته ، من أكل النار قربانه إذا قرب لله دلالة على صدقه ، " فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين " ، يقول له : قل لهم : قد جاءتكم الرسل الذين كانوا من قبلي بالذي زعمتم أنه حجة لهم عليكم ، فقتلتموهم ، فلم قتلتموهم وأنتم مقرون بأن الذي جاءوكم به من ذلك كان حجة لهم عليكم" إن كنتم صادقين " في أن الله عهد إليكم أن تؤمنوا بمن أتاكم من رسله بقربان تأكله النار حجة له على نبوته؟

قال أبو جعفر : وإنما أعلم الله عباده بهذه الآية : أن الذين وصف صفتهم من اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لن يعدوا أن يكونوا [ ص: 450 ] في كذبهم على الله وافترائهم على ربهم وتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم ، وهم يعلمونه صادقا محقا ، وجحودهم نبوته وهم يجدونه مكتوبا عندهم في عهد الله تعالى إليهم أنه رسوله إلى خلقه ، مفروضة طاعته إلا كمن مضى من أسلافهم الذين كانوا يقتلون أنبياء الله بعد قطع الله عذرهم بالحجج التي أيدهم الله بها ، والأدلة التي أبان صدقهم بها ، افتراء على الله ، واستخفافا بحقوقه .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير ( 184 ) )

قال أبو جعفر : وهذا تعزية من الله جل ثناؤه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على الأذى الذي كان يناله من اليهود وأهل الشرك بالله من سائر أهل الملل . يقول الله تعالى له : لا يحزنك ، يا محمد ، كذب هؤلاء الذين قالوا : " إن الله فقير " ، وقالوا : " إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار " ، وافتراؤهم على ربهم اغترارا بإمهال الله إياهم ، ولا يعظمن عليك تكذيبهم إياك ، وادعاؤهم الأباطيل من عهود الله إليهم ، فإنهم إن فعلوا ذلك بك فكذبوك وكذبوا على الله ، فقد كذبت أسلافهم من رسل الله قبلك من جاءهم بالحجج القاطعة العذر ، والأدلة الباهرة العقل ، والآيات المعجزة الخلق ، وذلك هو البينات .

وأما"الزبر" فإنه جمع"زبور" ، وهو الكتاب ، وكل كتاب فهو : "زبور" ، ومنه قول امرئ القيس :

[ ص: 451 ]
لمن طلل أبصرته فشجاني؟ كخط زبور في عسيب يماني


ويعني : ب"الكتاب" ، التوراة والإنجيل . وذلك أن اليهود كذبت عيسى وما جاء به ، وحرفت ما جاء به موسى عليه السلام من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، وبدلت عهده إليهم فيه ، وأن النصارى جحدت ما في الإنجيل من نعته ، وغيرت ما أمرهم به في أمره .

وأما قوله : "المنير" ، فإنه يعني : الذي ينير فيبين الحق لمن التبس عليه ويوضحه .

وإنما هو من"النور" والإضاءة ، يقال : "قد أنار لك هذا الأمر" ، بمعنى : أضاء لك وتبين ، "فهو ينير إنارة ، والشيء منير" ، وقد : -

8312 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : " فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك " ، قال : يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم .

8313 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك " ، قال : يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم .

وهذا الحرف في مصاحف أهل الحجاز والعراق : "والزبر" بغير"باء" ، وهو في مصاحف أهل الشام : "وبالزبر" بالباء ، مثل الذي في"سورة فاطر" . [ 25 ] .
[ ص: 452 ] القول في تأويل قوله ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ( 185 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : أن مصير هؤلاء المفترين على الله من اليهود ، المكذبين برسوله ، الذين وصف صفتهم ، وأخبر عن جراءتهم على ربهم ومصير غيرهم من جميع خلقه تعالى ذكره ، ومرجع جميعهم إليه . لأنه قد حتم الموت على جميعهم ، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : لا يحزنك تكذيب من كذبك ، يا محمد ، من هؤلاء اليهود وغيرهم ، وافتراء من افترى علي ، فقد كذب قبلك رسل جاءوا من الآيات والحجج من أرسلوا إليه ، بمثل الذي جئت من أرسلت إليه ، فلك فيهم أسوة تتعزى بهم ، ومصير من كذبك وافترى علي وغيرهم ومرجعهم إلي ، فأوفي كل نفس منهم جزاء عمله يوم القيامة ، كما قال جل ثناؤه : " وإنما توفون أجوركم يوم القيامة " ، يعني : أجور أعمالكم ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر" فمن زحزح عن النار " ، يقول : فمن نحي عن النار وأبعد منها"فقد فاز" ، يقول : فقد نجا وظفر بحاجته .

يقال منه : "فاز فلان بطلبته ، يفوز فوزا ومفازا ومفازة" ، إذا ظفر بها .

وإنما معنى ذلك : فمن نحي عن النار فأبعد منها وأدخل الجنة ، فقد نجا وظفر بعظيم الكرامة" وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " ، يقول : وما لذات الدنيا وشهواتها وما فيها من زينتها وزخارفها"إلا متاع الغرور " ، يقول : إلا متعة [ ص: 453 ] يمتعكموها الغرور والخداع المضمحل الذي لا حقيقة له عند الامتحان ، ولا صحة له عند الاختبار . فأنتم تلتذون بما متعكم الغرور من دنياكم ، ثم هو عائد عليكم بالفجائع والمصائب والمكاره . يقول تعالى ذكره : ولا تركنوا إلى الدنيا فتسكنوا إليها ، فإنما أنتم منها في غرور تمتعون ، ثم أنتم عنها بعد قليل راحلون .

وقد روي في تأويل ذلك ما : -

8314 - حدثني به المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن بكير بن الأخنس ، عن عبد الرحمن بن سابط في قوله : " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " ، قال : كزاد الراعي ، تزوده الكف من التمر ، أو الشيء من الدقيق ، أو الشيء يشرب عليه اللبن .

فكأن ابن سابط ذهب في تأويله هذا ، إلى أن معنى الآية : وما الحياة الدنيا إلا متاع قليل ، لا يبلغ من تمتعه ولا يكفيه لسفره . وهذا التأويل ، وإن كان وجها من وجوه التأويل ، فإن الصحيح من القول فيه هو ما قلنا . لأن"الغرور" إنما هو الخداع في كلام العرب . وإذ كان ذلك كذلك ، فلا وجه لصرفه إلى معنى القلة ، لأن الشيء قد يكون قليلا وصاحبه منه في غير خداع ولا غرور . وأما الذي هو في غرور ، فلا القليل يصح له ولا الكثير مما هو منه في غرور .

و"الغرور" مصدر من قول القائل : "غرني فلان فهو يغرني غرورا" بضم"الغين" . وأما إذا فتحت"الغين" من"الغرور" ، فهو صفة للشيطان الغرور ، الذي يغر ابن آدم حتى يدخله من معصية الله فيما يستوجب به عقوبته .

وقد :

8315 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبدة وعبد الرحيم قالا حدثنا [ ص: 454 ] محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ، واقرءوا إن شئتم" وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " .
القول في تأويل قوله ( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ( 186 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : تعالى ذكره : " لتبلون في أموالكم " ، لتختبرن بالمصائب في أموالكم"وأنفسكم ، يعني : وبهلاك الأقرباء والعشائر من [ ص: 455 ] أهل نصرتكم وملتكم" ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، يعني : من اليهود وقولهم : " إن الله فقير ونحن أغنياء " ، وقولهم : " يد الله مغلولة " ، وما أشبه ذلك من افترائهم على الله" ومن الذين أشركوا " ، يعني النصارى "أذى كثيرا" ، والأذى من اليهود ما ذكرنا ، ومن النصارى قولهم : " المسيح ابن الله " ، وما أشبه ذلك من كفرهم بالله" وإن تصبروا وتتقوا " ، يقول : وإن تصبروا لأمر الله الذي أمركم به فيهم وفي غيرهم من طاعته" وتتقوا" ، يقول : وتتقوا الله فيما أمركم ونهاكم ، فتعملوا في ذلك بطاعته" فإن ذلك من عزم الأمور " ، يقول : فإن ذلك الصبر والتقوى مما عزم الله عليه وأمركم به .

وقيل : إن ذلك كله نزل في فنحاص اليهودي ، سيد بني قينقاع ، كالذي : -

8316 - حدثنا به القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عكرمة في قوله : " لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا " ، قال : نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي أبي بكر رضوان الله عليه ، وفي فنحاص اليهودي سيد بني قينقاع قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رحمه الله إلى فنحاص يستمده ، وكتب إليه بكتاب ، وقال لأبي بكر : "لا تفتاتن علي بشيء حتى ترجع" . فجاء أبو بكر وهو متوشح بالسيف ، فأعطاه الكتاب ، فلما قرأه قال : "قد احتاج ربكم أن نمده"! فهم أبو بكر أن يضربه بالسيف ، ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تفتاتن علي بشيء حتى ترجع" ، [ ص: 456 ] فكف ، ونزلت : ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم ) . وما بين الآيتين إلى قوله : " لتبلون في أموالكم وأنفسكم " ، نزلت هذه الآيات في بني قينقاع إلى قوله : " فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك " قال ابن جريج : يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم قال : "لتبلون في أموالكم وأنفسكم" ، قال : أعلم الله المؤمنين أنه سيبتليهم ، فينظر كيف صبرهم على دينهم . ثم قال : " ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، يعني : اليهود والنصارى " ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ) فكان المسلمون يسمعون من اليهود قولهم : "عزير ابن الله" ، ومن النصارى : "المسيح ابن الله" ، فكان المسلمون ينصبون لهم الحرب إذ يسمعون إشراكهم ، فقال الله : " وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور " ، يقول : من القوة مما عزم الله عليه وأمركم به .



وقال آخرون : بل نزلت في كعب بن الأشرف ، وذلك أنه كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويتشبب بنساء المسلمين .

ذكر من قال ذلك :





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.34%)]