عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 03-05-2023, 05:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,551
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (437)
صــ 292إلى صــ 306




8027 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " ، من الفتح . [ ص: 292 ]

8028 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "حتى إذا فشلتم " ، أي تخاذلتم "وتنازعتم في الأمر " ، أي : اختلفتم في أمري "وعصيتم " ، أي : تركتم أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم; وما عهد إليكم ، يعني الرماة "من بعد ما أراكم ما تحبون " ، أي : الفتح لا شك فيه ، وهزيمة القوم عن نسائهم وأموالهم .

8029 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن المبارك ، عن الحسن : "من بعد ما أراكم ما تحبون " ، يعني : من الفتح .

قال أبو جعفر : وقيل معنى قوله : " حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " حتى إذا تنازعتم في الأمر فشلتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون وأنه من المقدم الذي معناه التأخير ، وإن "الواو " دخلت في ذلك ، ومعناها السقوط ، كما يقال ، ( فلما أسلما وتله للجبين وناديناه ) [ سورة الصافات : 103 - 104 ] معناه : ناديناه . وهذا مقول في : ( حتى إذا ) وفي ( فلما أن ) . [ لم يأت في غير هذين ] . ومنه قول الله عز وجل : ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج ثم قال واقترب الوعد الحق ) [ سورة الأنبياء : 96 - 97 ] . [ ص: 293 ] ومعناه : اقترب ، كما قال الشاعر :


حتى إذا قملت بطونكم ورأيتم أبناءكم شبوا وقلبتم ظهر المجن لنا
إن اللئيم العاجز الخب


القول في تأويل قوله ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "منكم من يريد الدنيا ، الذين تركوا مقعدهم الذي أقعدهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب من أحد لخيل المشركين ، ولحقوا بعسكر المسلمين طلب النهب إذ رأوا هزيمة المشركين " ومنكم من يريد الآخرة " ، يعني بذلك : الذين ثبتوا من الرماة في مقاعدهم التي [ ص: 294 ] أقعدهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتبعوا أمره ، محافظة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وابتغاء ما عند الله من الثواب بذلك من فعلهم والدار الآخرة . كما : -

8030 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " ، فالذين انطلقوا يريدون الغنيمة هم أصحاب الدنيا ، والذين بقوا وقالوا : "لا نخالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، أرادوا الآخرة .

8031 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس مثله .

8032 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " ، فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم أحد طائفة من المسلمين ، فقال : "كونوا مسلحة للناس " ، بمنزلة أمرهم أن يثبتوا بها ، وأمرهم أن لا يبرحوا مكانهم حتى يأذن لهم . فلما لقي نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبا سفيان ومن معه من المشركين ، هزمهم نبي الله صلى الله عليه وسلم! فلما رأى المسلحة أن الله عز وجل هزم المشركين ، انطلق بعضهم وهم يتنادون : "الغنيمة! الغنيمة! لا تفتكم "! وثبت بعضهم مكانهم ، وقالوا : لا نريم موضعنا حتى يأذن لنا نبي الله صلى الله عليه وسلم! . ففي ذلك نزل : "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " ، فكان ابن مسعود يقول : ما شعرت أن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها ، حتى كان يوم أحد . [ ص: 295 ]

8033 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس : لما هزم الله المشركين يوم أحد ، قال الرماة : "أدركوا الناس ونبي الله صلى الله عليه وسلم لا يسبقوكم إلى الغنائم ، فتكون لهم دونكم "! وقال بعضهم : "لا نريم حتى يأذن لنا النبي صلى الله عليه وسلم " . فنزلت : "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " ، قال : ابن جريج ، قال ابن مسعود : ما علمنا أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها ، حتى كان يومئذ .

8034 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن المبارك ، عن الحسن : " منكم من يريد الدنيا " ، هؤلاء الذين يجترون الغنائم " ومنكم من يريد الآخرة " ، الذين يتبعونهم يقتلونهم .

8035 - حدثنا الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي عن عبد خير قال : قال عبد الله : ما كنت أرى أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزل فينا يوم أحد : " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " .

8036 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن عبد خير قال : قال ابن مسعود : ما كنت أظن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أحدا يريد الدنيا ، حتى قال الله ما قال .

8037 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع [ ص: 296 ] قال : قال عبد الله بن مسعود لما رآهم وقعوا في الغنائم : ما كنت أحسب أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى كان اليوم .

8038 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كان ابن مسعود يقول : ما شعرت أن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها ، حتى كان يومئذ .

8039 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق " منكم من يريد الدنيا " ، أي : الذين أرادوا النهب رغبة في الدنيا وترك ما أمروا به من الطاعة التي عليها ثواب الآخرة " ومنكم من يريد الآخرة " ، أي : الذي جاهدوا في الله لم يخالفوا إلى ما نهوا عنه لعرض من الدنيا رغبة فيها ، رجاء ما عند الله من حسن ثوابه في الآخرة .
القول في تأويل قوله ( ثم صرفكم عنهم ليبتليكم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ثم صرفكم ، أيها المؤمنون ، عن المشركين بعد ما أراكم ما تحبون فيهم وفي أنفسكم ، من هزيمتكم إياهم وظهوركم عليهم ، فرد وجوهكم عنهم لمعصيتكم أمر رسولي ، ومخالفتكم طاعته ، وإيثاركم الدنيا على الآخرة ، [ ص: 297 ] - عقوبة لكم على ما فعلتم ، "ليبتليكم " ، يقول : ليختبركم ، فيتميز المنافق منكم من المخلص الصادق في إيمانه منكم . كما : -

8040 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ثم ذكر حين مال عليهم خالد بن الوليد : "ثم صرفكم عنهم ليبتليكم " .

8041 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن مبارك ، عن الحسن في قوله : "ثم صرفكم عنهم " ، قال : صرف القوم عنهم ، فقتل من المسلمين بعدة من أسروا يوم بدر ، وقتل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته ، وشج في وجهه ، وكان يمسح الدم عن وجهه ويقول : "كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم " ؟ فنزلت : ( ليس لك من الأمر شيء ) [ سورة آل عمران : 128 ] ، الآية . فقالوا : أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدنا النصر ؟ فأنزل الله عز وجل : " ولقد صدقكم الله وعده " إلى قوله : " ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم " .

8042 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق : " ثم صرفكم عنهم ليبتليكم " ، أي : صرفكم عنهم ليختبركم ، وذلك ببعض ذنوبكم .
[ ص: 298 ] القول في تأويل قوله ( ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين ( 152 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ولقد عفا عنكم " ، ولقد عفا الله أيها المخالفون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتاركون طاعته فيما تقدم به إليكم من لزوم الموضع الذي أمركم بلزومه عنكم ، فصفح لكم من عقوبة ذنبكم الذي أتيتموه ، عما هو أعظم مما عاقبكم به من هزيمة أعدائكم إياكم ، وصرف وجوهكم عنهم ، إذ لم يستأصل جمعكم ، كما : -

8043 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن مبارك ، عن الحسن ، في قوله : " ولقد عفا عنكم " ، قال : قال الحسن ، وصفق بيديه : وكيف عفا عنهم ، وقد قتل منهم سبعون ، وقتل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته ، وشج في وجهه ؟ قال : ثم يقول : قال الله عز وجل : "قد عفوت عنكم إذ عصيتموني ، أن لا أكون استأصلتكم " . قال : ثم يقول الحسن : هؤلاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي سبيل الله غضاب لله ، يقاتلون أعداء الله ، نهوا عن شيء فصنعوه ، فوالله ما تركوا حتى غموا بهذا الغم ، فأفسق الفاسقين اليوم يتجرثم كل كبيرة ، ويركب كل داهية ، ويسحب عليها ثيابه ، ويزعم أن لا بأس عليه!! فسوف يعلم .

8044 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : " ولقد عفا عنكم " ، قال : لم يستأصلكم . [ ص: 299 ]

8045 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولقد عفا عنكم " ، ولقد عفا الله عن عظيم ذلك ، لم يهلككم بما أتيتم من معصية نبيكم ، ولكن عدت بفضلي عليكم .

وأما قوله : " والله ذو فضل على المؤمنين " ، فإنه يعني : والله ذو طول على أهل الإيمان به وبرسوله ، بعفوه لهم عن كثير ما يستوجبون به العقوبة عليه من ذنوبهم ، فإن عاقبهم على بعض ذلك ، فذو إحسان إليهم بجميل أياديه عندهم . كما : -

8046 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين " ، يقول : وكذلك من الله على المؤمنين ، أن عاقبهم ببعض الذنوب في عاجل الدنيا أدبا وموعظة ، فإنه غير مستأصل لكل ما فيهم من الحق له عليهم ، لما أصابوا من معصيته ، رحمة لهم وعائدة عليهم ، لما فيهم من الإيمان .
القول في تأويل قوله ( إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ولقد عفا عنكم ، أيها المؤمنون ، إذ لم يستأصلكم ، إهلاكا منه جمعكم بذنوبكم وهربكم " إذ تصعدون ولا تلوون على أحد " . [ ص: 300 ]

واختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأه عامة قرأة الحجاز والعراق والشام سوى الحسن البصري : ( إذ تصعدون ) بضم "التاء " وكسر "العين " . وبه القراءة عندنا ، لإجماع الحجة من القرأة على القراءة به ، واستنكارهم ما خالفه .

وروي عن الحسن البصري أنه كان يقرأه : ( إذ تصعدون ) بفتح "التاء " و "العين " .

8047 - حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال : حدثنا القاسم بن سلام قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن .

فأما الذين قرأوا : ( تصعدون ) بضم "التاء " وكسر "العين " ، فإنهم وجهوا معنى ذلك إلى أن القوم حين انهزموا عن عدوهم ، أخذوا في الوادي هاربين . وذكروا أن ذلك في قراءة أبي : ( إذ تصعدون في الوادي ) .

8048 - حدثنا [ بذلك ] أحمد بن يوسف قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا حجاج ، عن هارون .

قالوا : فالهرب في مستوى الأرض وبطون الأودية والشعاب : "إصعاد " ، لا صعود . قالوا وإنما يكون "الصعود " على الجبال والسلاليم والدرج ، لأن معنى "الصعود " ، الارتقاء والارتفاع على الشيء علوا . قالوا : فأما الأخذ في مستوى الأرض والهبوط ، فإنما هو "إصعاد " ، كما يقال : "أصعدنا من مكة " ، إذا ابتدأت في السفر منها والخروج "وأصعدنا [ ص: 301 ] من الكوفة إلى خراسان " ، بمعنى : خرجنا منها سفرا إليها ، وابتدأنا منها الخروج إليها .

قالوا : وإنما جاء تأويل أكثر أهل التأويل ، بأن القوم أخذوا عند انهزامهم عن عدوهم في بطن الوادي .

ذكر من قال ذلك :

8049 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ولا تلوون على أحد " ، ذاكم يوم أحد ، أصعدوا في الوادي فرارا ، ونبي الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم في أخراهم : "إلي عباد الله ، إلي عباد الله"! .

قال أبو جعفر : وأما الحسن ، فإني أراه ذهب في قراءته : "إذ تصعدون" بفتح"التاء" و"العين" ، إلى أن القوم حين انهزموا عن المشركين صعدوا الجبل . وقد قال ذلك عدد من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

8050 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما شد المشركون على المسلمين بأحد فهزموهم ، دخل بعضهم المدينة ، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس : "إلي عباد الله ، إلي عباد الله"! فذكر الله صعودهم على الجبل ، ثم ذكر دعاء نبي الله صلى الله عليه وسلم إياهم ، فقال : " إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم " . [ ص: 302 ]

8051 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : انحازوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعلوا يصعدون في الجبل ، والرسول يدعوهم في أخراهم .

8052 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

8053 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس ، قوله : " إذ تصعدون ولا تلوون على أحد " ، قال صعدوا في أحد فرارا .

قال أبو جعفر : وقد ذكرنا أن أولى القراءتين بالصواب ، قراءة من قرأ : "إذ تصعدون" ، بضم "التاء" وكسر "العين" ، بمعنى : السبق والهرب في مستوى الأرض ، أو في المهابط ، لإجماع الحجة على أن ذلك هو القراءة الصحيحة . ففي إجماعها على ذلك ، الدليل الواضح على أن أولى التأويلين بالآية ، تأويل من قال : "أصعدوا في الوادي ومضوا فيه" ، دون قول من قال : "صعدوا على الجبل" .

قال أبو جعفر : وأما قوله : " ولا تلوون على أحد " ، فإنه يعني : ولا تعطفون على أحد منكم ، ولا يلتفت بعضكم إلى بعض هربا من عدوكم مصعدين في الوادي .

ويعني بقوله : " والرسول يدعوكم في أخراكم " ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوكم أيها المؤمنون به من أصحابه"في أخراكم" ، يعني : أنه يناديكم من خلفكم : "إلي عباد الله ، إلي عباد الله" ! . كما : - [ ص: 303 ]

8054 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : " والرسول يدعوكم في أخراكم " ، إلي عباد الله ارجعوا ، إلي عباد الله ارجعوا! .

8055 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " والرسول يدعوكم في أخراكم " ، رأوا نبي الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم : "إلي عباد الله"!

8056 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي مثله .

8057 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : أنبهم الله بالفرار عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وهو يدعوهم ، لا يعطفون عليه لدعائه إياهم ، فقال : "إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم " .

8058 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " والرسول يدعوكم في أخراكم " ، هذا يوم أحد حين انكشف الناس عنه .
القول في تأويل قوله ( فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون ( 153 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " فأثابكم غما بغم " ، يعني : فجازاكم بفراركم عن نبيكم ، وفشلكم عن عدوكم ، ومعصيتكم ربكم "غما بغم" ، يقول : غما على غم .

[ ص: 304 ]

وسمى العقوبة التي عاقبهم بها من تسليط عدوهم عليهم حتى نال منهم ما نال"ثوابا" ، إذ كان عوضا من عملهم الذي سخطه ولم يرضه منهم ، فدل بذلك جل ثناؤه أن كل عوض كان لمعوض من شيء من العمل ، خيرا كان أو شرا أو العوض الذي بذله رجل لرجل ، أو يد سلفت له إليه ، فإنه مستحق اسم "ثواب" ، كان ذلك العوض تكرمة أو عقوبة ، ونظير ذلك قول الشاعر :


أخاف زيادا أن يكون عطاؤه أداهم سودا أو محدرجة سمرا
فجعل"العطاء" القيود . وذلك كقول القائل لآخر سلف إليه منه مكروه : "لأجازينك على فعلك ، ولأثيبنك ثوابك" .

وأما قوله : "غما بغم" ، فإنه قيل : "غما بغم" ، معناه : غما على غم ، كما قيل : ( ولأصلبنكم في جذوع النخل ) [ سورة طه : 71 ] ، بمعنى : ولأصلبنكم على جذوع النخل . وإنما جاز ذلك ، لأن معنى قول القائل : "أثابك الله غما على غم" ، جزاك الله [ ص: 305 ] غما بعد غم تقدمه ، فكان كذلك معنى : "فأثابكم غما بغم" ، لأن معناه : فجزاكم الله غما بعقب غم تقدمه ، وهو نظير قول القائل : "نزلت ببني فلان ، ونزلت على بني فلان" ، "وضربته بالسيف وعلى السيف" .

واختلف أهل التأويل في الغم الذي أثيب القوم على الغم ، وما كان غمهم الأول والثاني؟

فقال بعضهم : "أما الغم الأول ، فكان ما تحدث به القوم أن نبيهم صلى الله عليه وسلم قد قتل . وأما الغم الآخر ، فإنه كان ما نالهم من القتل والجراح" .

ذكر من قال ذلك :

8059 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فأثابكم غما بغم " ، كانوا تحدثوا يومئذ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أصيب ، وكان الغم الآخر قتل أصحابهم والجراحات التي أصابتهم . قال : وذكر لنا أنه قتل يومئذ سبعون رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ستة وستون رجلا من الأنصار ، وأربعة من المهاجرين وقوله : لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ، يقول : ما فاتكم من غنيمة القوم"ولا ما أصابكم" ، في أنفسكم من القتل والجراحات .

8060 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "فأثابكم غما بغم" ، قال : فرة بعد فرة : الأولى حين سمعوا الصوت أن محمدا قد قتل ، والثانية حين رجع الكفار ، فضربوهم مدبرين ، حتى قتلوا منهم سبعين رجلا ثم انحازوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا يصعدون في الجبل والرسول يدعوهم في أخراهم . [ ص: 306 ]

8061 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .

وقال آخرون : "بل غمهم الأول كان قتل من قتل منهم وجرح من جرح منهم . والغم الثاني كان من سماعهم صوت القائل : "قتل محمد " ، صلى الله عليه وسلم .

ذكر من قال ذلك :

8062 - حدثنا الحسين بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " غما بغم " ، قال : الغم الأول : الجراح والقتل ، والغم الثاني حين سمعوا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد قتل . فأنساهم الغم الآخر ما أصابهم من الجراح والقتل ، وما كانوا يرجون من الغنيمة ، وذلك حين يقول : " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم " .

8063 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " فأثابكم غما بغم " ، قال : الغم الأول الجراح والقتل ، والغم الآخر حين سمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل . فأنساهم الغم الآخر ما أصابهم من الجراح والقتل ، وما كانوا يرجون من الغنيمة ، وذلك حين يقول الله : لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم " .

وقال آخرون : "بل الغم الأول ما كان فاتهم من الفتح والغنيمة ، والثاني إشراف أبي سفيان عليهم في الشعب . وذلك أن أبا سفيان - فيما زعم بعض أهل السير - لما أصاب من المسلمين ما أصاب ، وهرب المسلمون ، جاء حتى أشرف عليهم وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب أحد ، الذي كانوا ولوا إليه عند الهزيمة ، فخافوا أن يصطلمهم أبو سفيان وأصحابه .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.50 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.36%)]