عرض مشاركة واحدة
  #76  
قديم 19-04-2023, 12:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,031
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضان فى عيون الادباء متجدد

رمضان فى عيون الادباء
أنوارٌ رمضانية في رؤى شعرية
شمس الدين حسين درمش


رمضان والعيد وزلة أمير الشعراء:

هيام الشعراء في كل واد.. وإطلاق ألسنتهم بالقول كما تمليه عليهم مشاعرهم صدقاً كان أم كذباً إحدى القضايا التي مازال نقاد الأدب يتجاذبونه قبولاً ورفضاً، وإقراراً ومنعاً، وهي قضية الالتزام الإسلامي والخلقي في الأدب.

فمع أن الشاعر أحمد شوقي شاعر متمكن، اشتهر بقصائده الإسلامية، إلا أن قصيدته في رمضان والتي كان يُتوقع لها أن تكون في قمة قصائده الإسلامية تخذلنا من العنوان الذي وضع للقصيدة! " رمضان ولى"؟! (15). فكلمة ولى تُعطي ظلال الكراهية ومشاعر الإعراض، ويعزز هذا الشعور بالمعنى ما أتبعه (شوقي) عفا الله عنه من كلام صريح يؤكد هذا الإحساس لدى القارئ، يقول شوقي:

رمضان ولى، هاتها يا ساقي

ثم قال:

مشتاقة تسعى إلى مشتاق

بالأمس قد كنا سجيني طاعة

واليوم من العبد بالإطلاق

وهذه عثرة من شوقي، ووصفٌ لا يليق أن يصدر من مثله أبداً، فالطاعة ليست بسجن، بل عبادة وطاعة وأنس وحياة، ويتابع شوقي التعبير عن رغبته في شرب الخمر مُكنياً عنها بابنة الكروم!!، فيقول:

ضحكت إليّ من السرور ولم تزل *** بنت الكروم كريمة الأعراق

هات اسقنيها غير ذات عواقب *** حتى نراع لصيحة الصفاق(16)

صرفا مسلطة الشعاع كأنما *** من وجنتيك تدار والأحداق

وقد أثارت هذه القصيدة حفيظة عدد من الشعراء، فهبوا بدافع غيرتهم ودفاعهم عن الحق، يعارضون شوقي بل يناقضونه ويردون عليه، ويبينون خطأه في تناول موضوع الصيام الذي هو أحد أركان الإسلام بهذا الأسلوب الذي ينم عن عدم شعور بمسؤولية الكلمة، وخصوصاً من شاعر مثله يحمل لقب أمير الشعراء.

وقد رد الشاعر جابر قميحة جزاه الله خيراً على شوقي بقصيدة عنوانها: (لا أمير الشعراء)(17) نقض فيها قصيدة شوقي، يقول الشاعر جابر قميحة:

رمضان ودع وهو في الآماق *** يا ليته قد ظل دون فراق

ما كان أقصره على ألافه *** وأحبه في طاعة الخلاق

زرع النفوس هداية ومحبة *** فأتى الثمار أطايب الأخلاق

"اقرأ" به نزلت ففاض سناؤها *** عطراً على الهضبات والآفاق

ولليلة القدر العظيمة فضلها *** عن ألف شهر بالهدى الدفاق

فيها الملائك والأمين تنزلوا *** حتى مطالع فجرها الألاق

ثم ينتقل إلى مخاطبة (شوقي) ينقض معانيه، فيقول:

لا، يا أمير الشعر ما ولى الذي

آثاره في أعمق الأعماق

نور من الله الكريم وحكمة... لا يا أمير

علوية الإيقاع والإشراق

الشعر ليس بمسلم

من صام في رمضان صوم نفاق

فإذا انتهت أيامه بصيامها

نادى وصفق (هاتها يا ساقي)

(الله غفار الذنوب جميعها

إن كان ثم من الذنوب بواقي)

عجباً أيضلع في المعاصي آثم... لا يا أمير

لينال مغفرة بلا استحقاق!!؟

الشعر ما صام الذي

رمضانه في زمرة الفساق

لا يا أمير الشعر ما صام الذي

منع الطعام وهمه في الساقي

من كان يهوى الخمر عاش أسيرها

وكأنه عبد بلا إعتاق

ويبدو الشاعر جابر قميحة ممتلئاً غضباً وحُقَّ له ذلك تجاه قصيدة شوقي لذلك يتحول شعره إلى خطاب عنيف قائلاً:

واسمع أياً من أمّروه بشعره

ليس الأمير بمفسد الأذواق

إن الإمارة قدوة وفضيلة

ونسيجها من أكرم الأخلاق

ويبين جابر قميحة مهمة الشعر ومقصده فيقول:

والشعر نبض القلب في إشراقه

لا دعوة للفسق والفساق

والشعر من روح الحقيقة ناهل

ومعبر عن طاهر الأشواق

ويتابع خطابه لشوقي موضحا مكانة رمضان في قلوب المؤمنين فيقول:

رمضان يا شوقي ربيع قلوبنا *** فيها يشيع أطايب الأعباق

إن يمض عشنا أوفياء لذكره *** ويظل فينا طيب الأعراق

وهو بذلك ينقض البيت الذي يمجد فيه شوقي الخمر ويصفها أنها (طيب الأعراق)!! كيف وهي تُذهب العقل وتدفع لفعل الفواحش؟

ومما لا شك فيه أن قصيدة شوقي ليست موفقة في الحديث عن رمضان بالأسلوب الذي يظهر التخلص من رمضان وكأنه كان قيدا ثقيلا وسجنا مريراً، والخروج ليس إلى المباح من الطعام والشراب بل إلى الخمر المحرم شرعا والموصوفة بأنها رجس من عمل الشيطان.

وأحسبُ أن ما قيل في مناقضة قصيدة شوقي هذه لو جمع لشكل ديواناً جديراً بالدراسة، وهو يمثل أنموذجاً من الأدب الإسلامي الحي الذي ينتفض لمس جناب الدين الحنيف، وتناول موضوعاته بما لا يليق من الأساليب والأوصاف.

ـــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1) رياض الصالحين، الإمام النووي، رقم 1220. متفق عليه.

(2) شاعر سعودي، ديوان إلى العرين شامخاً، ص 159، ط1، 1422ه، جدة.

(3) شاعر مصري، مجلة الأدب الإسلامي، ص 14- 15، العدد الخامس، 1415ه

(4) ديوان إلى العرين شامخا، ص 159، مصدر سابق.

(5) شاعر مصري، ديوان يا إلهي، إصدارات رابطة الأدب الإسلامي العالمية، مكتبة العبيكان، الرياض.

(6) سورة، الآية

(7) مجلة الأدب الإسلامي، ص 14- 15، العدد الخامس.

(8) شاعر سعودي، مجلة الأدب الإسلامي، ص 53، العدد 38، 1424ه.

(9) شاعر أردني، مجلة الأدب الإسلامي، ص 57، العدد 19، 1419ه.

(10) ديوان يا إلهي، ص 7، مصدر سابق.

(11) شاعر سعودي، مجلة الأدب الإسلامي، ص 29، العدد 38، 1424ه.

(12) شاعر سوري، ديوان معارج.. الأعمال الشعرية الكاملة، ص 91، ط1، مكتبة العبيكان، الرياض، 1426ه.

(13) شاعر مصري، ديوان مدائن الفجر، ص...، إصدارات رابطة الأدب الإسلامي العالمية، مكتبة العبيكان، الرياض.....

(14) شاعر سعودي، مجلة الأدب الإسلامي، ص 35، العدد 38، 1424ه.

(15) ديوان الشوقيات، المجلد الأول، ص 77، دار العودة، بيروت.

(16) الصفاق: الديك

(17) شاعر مصري، ديوان حديث عصري إلى أبي أيوب الأنصاري، ص 27، إصدارات رابطة الأدب الإسلامي العالمية، مكتبة العبيكان، الرياض، 1426ه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.56 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.11%)]