عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 04-10-2006, 10:53 PM
أبو محمد المصرى أبو محمد المصرى غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 75
الدولة : Egypt
افتراضي

قال أبو عبدالرحمن : وقد عصيته في هذه الملاحظة، لأن ذكر الصفحة والجزء ضروري لإثبات الرجوع إلى الطبعة التي يعيِّن المؤلف هُويتها في ثبت مراجعه، ولأن معرفة المادة بدهي يدل عليه السياق ونفس المادة التي هي محل البحث .
ومنهجي أن أذكر المادة اللغوية إضافة إلى الصفحة والجزء عندما تكون الإحالة إلى معلومة موجودة في مادة لغوية أخرى ذات علاقة بالمادة محل البحث .
وورد في كتابي التعبير بقيمتي الحق والخير، وفني التصوير والنحت، ومفهومي الإحساس والإدراك، وطعمي التفاحة الحمراء والخضراء، ومعنيي الإشعاع والإحراق .
وقلت أيضاً :"وهو مذهب المفكر المعاصر أو زبورن في كتابية نظرية الجمال، وعلم الجمال والنقد".
وقلت :"إنه تفريق مثلاً بين أساليب طه حسين والزيات وسيد قطب ودريني خشبة، وأساليب الهمذاني والحريري".
ولم يرتض لي أخي الهدلق هاته التعبيرات، وهداني إلى ول الدكتور بكر أبو زيد:"لم أقل مصنفي، ولا مسندي، لأن قاعدة العطف (أن العطف) يكون على المضاف لا على المضاف إليه، فكأن السياق : مصنف عبدالرازق ومصنف ابن أبي شيبة . أما لو قلت : "مصنفي عبدالرازق وابن أبي شيبة" فكأنما قيل : مصنفي عبدالرازق ومصنف ابن أبي شيبة . أما لو قلت :"مصطفي عبدالرازق وابن أبي شيبة" فكأنما قيل : مصنفي عبدالرزاق، ومصنفي ابن أبي شيبة ، فتنبه ، وانظر : "قطوف أدبية" لعبدالسلام هارون: (ص/462)"(13).
قال أبو عبدالرحمن : وكل ما ذكرته تعبير سليم صحيح على الأصل، وبيان ذلك أنك تقول : ذلك أنك تقول : لابد من التقيد بقيمتي الحق والخير. والمراد قيمةُ الحق معطوفةُ على قيمة الخير . وليس المراد أن للحق قيمتين وأن للخير قيمتين، فيكون التقدير : لابد من التقيد بقيمتي الحق وقيمتي الخير .فتكون القيم أربعاً .وإذا أردت هذا المعنى فلابد أن تظهر المعطوف، فتقول : بقيمتي الحق وقيمتي الخير .
وقولك "لابد من التقيد بقيمتي الحق والخير" لا ينصرف فيه الذهن إلى غير قيمتين فحسب واحدة للحق، وأخرى للخير. والبرهان على ذلك ثلاثة أمور :
أولها : أن التعبير اصطلاح فلسفي، وقد جرى الاصطلاح على أن الحق في ذاته قيمة .إلا أن الحق أخص، لأن القيم متعددة، فالإضافة لتمييز المضاف مثل حب بر . وليس في العرف الاصطلاحي أن الحق أكثر من قيمة إذا قوبل بالقيمتين الباقيتين وهما الخير والجمال، وإنما يقال : قيم الحق - إذا لم تذكر القيمتان الأخريان - والمراد البراهين والأحكام .
وثانيها : أن العطف في الأصل على أقرب مذكور، وأقرب مذكور الحق، فالعطف إذن عطف مضاف إليه على مضاف إليه، فتكون القيمتان مضافتين إلى المضاف والمعطوف عليه معاً. هذا هو الأصل حتى يقوم برهان على خلافة ، وقد أسلفت البرهان على أن خلاف هذا الأصل غير محتمل، فقام لنا برهانان في توجيه الكلام بعطف الخير على الحق : أحدهما برهان الأصل ، وثانيهما برهان امتناع غير الأصل .
وثالثهما : أن الأصل عدم التقدير ، فلا يرد احتمال : قيمتي الحق وقيمتي الخير.
وأما الاحتجاج بقوله تعالى "على لسان داود وعيسى" حيث أفرد المضاف إلى اثنين ولم يقل :"لساني" فغير وارد هاهنا، ولا يعني أن القاعدة إفراد المضاف بإطلاق، بل يعني خروج هذا المثال على الأصل بناء على أحد الاحتمالين في تفسير الآية الكريمة وفق قاعدة متحققة وهي التخفيف على اللسان مع أمن اللبس وتعيُّن المراد .
ويأتي شرح ذلك بعد أسطر إن شاء الله .
ولو قيل "لابد من التقيد بقيمة الحق والخير" لتعين أن المراد قيمة واحدة مشتركة .
وهكذا تُوجَّه بقية الأمثلة : فني التصوير والنحت ، وأساليب طه والزيات .إلخ .
وقولي عن أوزبورن "في كتابيه نظرية الجمال، وعلم الجمال والنقد" أصح من قول "في كتابه نظرية .إلخ" لأن الاحتمال يرد بأن العنوانين اسم كتاب واحد إلا بتقدير : في كتابه نظرية الجمال، وكتابه علم الجمال. وهذا تقدير لغير الظاهر وإلغاء للظاهر، والأولى حمل الكلام على ظاهره ما دام غير ممتنع .
والصواب ما أنكره شيخنا العلامة الدكتور بكر أبو زيد، وهو "مصنفي عبدالرازق وابن أبي شيبة" .
ولا يجوز مصنف - بالإفراد - إلا إذا كان المصنف من تأليفهما معاً .
وما نقله الدكتور إنما هو رأي أنستاس الكرملي الخاطئ، وليس رأي عبدالسلام هارون الصحيح .
ودعوى أن القاعدة "العطف على المضاف لا المضاف إليه" يدفعها قاعدة "أن العطف على أقرب مذكور" .
وإنما يكون العطف على المضاف عند إظهار المعطوف إذا قلت : قرأت مصنف عبدالرزاق ومصنف ابن أبي شيبة . فتجعل مصنفاً الثانية منصوبة لأنها معطوفة على مصنف الأولى، وأهملت قاعدة العطف على أقرب مذكر، لأن الخبر عن المضاف وليس عن المضاف إليه . أي أن تعلق فعل القراءة بالمضاف .
والخلاف هاهنا ليس في عطف مضاف موجود ظاهر ، وإنما الخلاف في تقدير ذلك المضاف مما يترتب عليه إلغاء الظاهر وهو عطف "ابن أبي شيبة" على أقرب مذكور وهو المضاف إليه "عبدالرزاق" . وليس كل الناس يعلم أن عبدالرزاق وابن أبي شيبة - أو غيرهما - لم يشتركا في مصنف واحد، وإنما يعلم ذلك جمهور الخاصة، فلا نلبس على غير العالم ونقول "مصنف عبدالرزاق وابن أبي شيبة" ونحن نريد مصنف كل واحد مهما .
قال أبو عبدالرحمن : إذن الأصل حمل الكلام على ظاهره، وهو أن كل مفرد أو مثنى أو جمع أحيل إلى مفرد أو مثنى أو جمع فظاهره أن المضاف للمضاف إليه إذا كان واحداً، وأنه مشترك إذا كان المضاف إليه أكثر من واحد.
ويرد في كلام العرب خلاف هذا الأصل من أجل سنة العرب في طلب السهولة على اللسان في النطق . وتحقيق هذا المطلب مشروطاً بأمن اللبس .
أي تعيُّن المراد بغير احتمال معتبر ومن هنا أسوق تحقيق العلماء لنماذج ممَّا خرج عن الظاهر، وكان أرجح من الظاهر للخفة وأمن اللبس مبيدأ بكلام أنستاس الكرملي الذي فنده الأستاذ عبدالسلام هارون .
قال أبو عبدالرحمن : كان أنستاس الكرملي يتعقب تعبيرات لعبدالسلام منها عبارته "معجمي استينجاس وريتشارد سن" فيقول "وهذا تعبير مولد لا تعرفه لغة القرآن، وقد أولع به المعاصرون، واستعمله صاحب تاج العروس والمصباح وغيرهما من اللغويين في إيراد شروحهم لبعض الكلم . ولو فكروا قليلاً لعدلوا عنه ، لأن معناه أن لاستينجاس معجمين ولريتشاردسن أيضاً . معجمين، إذ قد يكون للمؤلف الواحد تأليفان (14) . فالعطف يكون على المضاف لا على المضاف إليه (15) ، فكأنك تقول : معجمي استينجاس ومعجمي ريتشاردسن .
والصواب معجم استينجاس وريتشارسن" (16) .
ثم رد عبدالسلام على أنستناس بقوله : ليت شعري كيف نفرق بين وجهي هذه العبارة - التي جعلتها الصواب- إذا أريد بها مرة أن لكل واحد من الشخصين معجماً خاصاً، وأريد بها مرة أخرى أن الشخصين اشتركا في وضع معجم واحد ؟.
وقد أشرت إلى لغة القرآن ، ولعلك تعني ما جاء في قوله تعالى "على لسان داود وعيسى بن مريم" حيث أفرد (لسان) . وهذه مسألة خلافية بعيدة عن مسألتنا، وهي مسألة الإضافة إلى متضمنين مفرقين (17) باعتبار أن اللسان جزء من داود وعيسي عليهما السلام، وانظر تفصيلهما والخلاف فيها في همع الهوامع (1/51) في نهاية باب الجمع(18).
أما مسألتنا هذه فهي إضافة ما ليس جزءاً مما أضيف إليه، فكلمة (معجم) ليست جزءاً من أحد الشخصين . ومذهب البصريين فيها أن ما ورد على خلاف الأصل - وهو المطابقة - فمسموع، وقاسه الكوفيون . أما ابن مالك فقاسه إذا أُمن اللبس . واللبس في مسألتنا هذه غير مأمون كما أسلفت. فما ذهبتُ إليه في عبارتي هو الأرجح الأصوب عند النحاة"(19).
قال أبو عبدالرحمن : إذن إحالة المتع من عبارة "معجمي" إلى عبدالسلام من التقميش السريع . وقبل تحقيق هذه المسألة أحب إيراد شئ من كلام المعربين للآية من سورة المائدة، وشيء من نصوص همع الهوامع .
فأما الآية الكريمة فقد تكلم عن تأويلها السمين بقولة "وجاء قوله"على لسان" بالإفراد دون التثنية والجمع، فلم يقل : على لساني، ولا على ألسنة، لقاعدة كلية ، وهي : أن كل جزأين مفردين من صاحبيهما إذا أُضيفا إلى كليهما من غير تفريق جازَ فيهما ثلاثة أوجهٍ: لفظُ الجمع - وهو المختار - ويليه التثنية عند بعضهم ، وعند بعضهم الإفراد مقدم على التثنية ، فيقال : قطعت رؤوس الكبشين . ومنه "فقد صفت قلوبكما" . فقولي "جزأين" تحرز من شيئين ليسا بجزأين نحو درهميكما ، وقد جاء من بيوتكما وعمائمكما وأسيافكما لأمن اللبس.
وبقولي "مفردين" تحرز من نحو العينين واليدين . فأما قوله تعالى "فاقطعوا أيديهما" ففهم بالإجماع . وبقولي "من غير تفريق" تحرز من نحو قطعت رأس الكبشين : السمين والكبش الهزيل، ومنه هذه الآية فلا يجوز إلا الإفراد . وقال بعضهم : هو مختار . أي فيجوز غيره، وقد مضى تحقيق هذه القاعدة في سورة المائدة بكلام طوسل فعليك بالالتفات إليه" (20) .
وعن قول الله تعالى "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" (سورة المائدة/ 38) قال السمين"قوله :أيديهما" جمع واقع موقع التثنية لأمن اللبس، لأنه معلوم أنه يقطع من كل سارق يمينه، فهو من باب "صغت قلوبكما" ويدل على ذلك قراءة عبدالله "فاقطعوا أيمانهما" .
واشترط النحويون في وقوع الجمع موقع التثنية شروطاً من جملتها : أن يكون ذلك الجزء المضاف مفرداً من صاحبه (21) بخلاف العينين واليدين والرجلين لو قلت : فقأت أعينهما وأنت تعني عينيهما، وكتفت أيديهما وأنت تعني يديهما . لم يجز للبس (22) . فلولا أن الدليل دل على أن المراد اليدان اليمنيان لما ساغ ذلك، وهذا مستفيض في لسانهم - أعني وقوع الجمع موقع التثنية بشروطة - قال تعالى :"فقد صغت قلوبكما".
ولنذكر مفردين من صاحبيهما جاز فيهما ثلاثة أوجه : الأحسن الجمع، ويليه الإفراد عند بعضهم، ويليه التثنية.
وقال بعضهم : الأحسن الجمع ثم التثنية ثم الإفراد نحو : قطعت رؤوس الكبشين، ورأس الكبشين، ورأسي الكبشين . قال :
ومهمهمين قذفين مرتين * * * ظهراهما مثل ظهور الترسين
فقولي "جزآن" تحرز من الشيئين المنفصلين لو قلت : قبضت دراهمكما . تعني درهميكما لم يجز للبس(25) . فلو أمن جاز كقوله : اضرباه بأسيافكما، وإلى مضاجعكما (26) .
وقولنا "أضيفا" تحرز من تفرقهما كقوله "على لسان داود وعيسى بن مريم" (27) . وقولنا "لفظاً" مثاله ، فإن الإضافة فيه لفظية (28) .وقولنا "أو تقديراً" نحو قوله :
رأيت بني البكري في حومة الوغى * * * كفاغري الأفواه عند عرين
فإن تقديره كفاغري أفواههما .
وإنما اختير الجمع على التثنية وإن كانت الأصل، لاستثقال توالي تثنيتين . وكان الجمع أولى من المفرد لمشاركته التثنية في الضم (29) . وبعده المفرد لعدم الثقل (30) . هذا عند بعضهم . قال لأان التثنية لم ترد إلا ضرورة كقوله:
هما نفثا في فِيَّ من فمويهما * * * على النابح العوي أشد رجام
بخلاف الإفراد فإنه ورد في فصيح الكلام ، ومنه مسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما .
قال بعضهم : الأحسن الجمع ثم الإفراد كقوله (31) :
حمامة بطن الواديين ترنمي * * * سقاك من الغر الغوادي مطيرها
وقال الزمخشري : "أيديهما" يديهما ، ونحوه : "فقد صغت قلوبكما" اكتفى بتثنية المضاف إليه عن تثنيته المضاف، وأريد باليدين اليمنيان بدليل قراءة عبدالله "والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم" . ورد عليه الشيخ (32) بأنهما ليسا بشيئين ، فإنه لا ينقاس(33) ، لأن المتبادر إلى الذهن من قولك : " قطعت آذان الزيدين" أربعة الآذان.. وهذا الرد ليس بشيء، لأن الدليل على أن المراد اليمنيان"(34).
وعن قول الله تعالى "إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما" (سورة التحريم /4) قال السمين "وقلوبكما" من إفصح الكلام حيث أوقع الجمع موقع المثنى استثقالاً لمجيئ تثنيتين لو قيل : قلباكما .
ومن مجئ التثنية قوله :
فتخالسا نفسيهما بنوافذ * * * كنوافذ العبط التي لا ترقع
والأحسن في هذا الباب الجمع ثم الإفراد ثم التثنية . وقال ابن عصفور : لا يجوز الإفراد إلا في ضرورة كقوله :
حمامة بطن الواديين ترنمي * * * سقاك من الغر الغوادي مطيرها
وتبعه الشيخ وغلَّظ ابن مالك في كونه جعله أحسن من التثنية، وليس بغلظ للعلة التي ذكرها(36) ، وهي كراهة توالي تثنيتين مع أمن اللبس" (37) .
قال أبو عبدالرحمن : تلخص من هذا التالي :
1.يضاف الجمع إلى المثنى والمراد المثنى لا الجمع كقوله تعالى "فقد صغت قلوبكما"، فإنما المراد به : قلب كل واحد منكما . فهما قلبان لا قلوب .
والمسوغ لذلك التخفيف على اللسان، لأنه لو قال "قلباكما" لثقل الكلام بتوالي تثنيتين .
وشرط الأخذ بهذا المسوغ أن يكون الجمع غير متحقق واقعاً . فأما الآية من سورة التحريم فاللبس مأمون بكون الاثنين ذوي قلبين فحسب . لكل واحد قلب واحد .
وأما الآية من سورة المائدة عن السارق فتحتمل قطع الأيدي الأربع، إذ لكل سارق يدان، ولكن لما وجد البيان الشرعي من خارج الآية بأن القطع لليمين فحسب علم أن الأيدي بمعني التثنية على نحو "صغت قلوبكما"، لأنه ليس للسارقين غير يمينين .
2.إذا كان المضاف جزءاً واحداً من المضاف إليه، وكان المضاف إليه مثنى جاز فيه أيضاً أن تجعل المضاف مفرداً فتقول: قطعت رأس الكبشين. والمعنى رأس كل واحد على منهما.
ووجه ذلك أن هذا المعنى متعين لا يُحتمل غيره، لأن الكبشين لا يشتركان في رأس واحد فتحمل الإفراد على الرأس المشترك، ولا يجوز حمل المفرد على رأس واحد منهما فحسب، فلم يحتمل العقل غير أن المراد رأس كل واحد منهما، فماَل المفرد حينئذ إلى معنى التثنية، وسوَّغ التعبير بالمفرد أن معنى التثنية متعين واقع، وأن المفرد على تقدير لا يحتمل معه غير معنى الاثنين، وذلك بتقدير "كل واحد من" أي قطعت رأس كل واحد من الكبشين.
3. ومن شواهد الجمع بمعنى التثنية قول الشماخ :
رأيت بني البكري في حومة الوغى* * * كفاغري الأفواه عند عرين
لم يقل الشاعر : فاغري الفوهين، وإنما قال : فاغري الأفواه، فعلم أن المراد التثنية لأنه ليس لهما غير فوهين.
والأفواه متعين إضافتين إلى المثنى وهو ضمير الفاغرين . ولو أريد أفواه غيرهما لبقي الجمع على حقيقته، لأنك ستطلب معنى الجمع من أكثر من فاغر .
4. ومن شواهد الإفراد ما ذكره الشنقيطي . قال :
"حمامة بطن الواديين ترنمي * * * سقاك من الغر الغوادي مطيرها
استشهد به على وضع المفرد موضع المثنى، والأصل : بطني الواديين .
قال أبو حيان : ومن العرب من يضع الجمع موضع الاثنين، ووجه ذلك : أنه لما أمن اللبس، وكره الجمع بين تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة : صرف لفظ التثنية الأولى إلى لفظ المفرد، لأنه أخف من الجمع، وذلك قليل جداً لا ينبغي أن يقاس عليه، ومنه قوله : حمامة بطن الواديين . إلخ . أراد : بطني الواديين فأفرد .
وهذا البيت لتوبة بن الحمير" (38) .
"بما في فؤادينا من الهم والهوى * * * فيحبر منهاض الفؤاد المشعف
استشهد به معطوفاً على ما قبله، واستشهد به أبو حيان على وجه أصرح وأبين، ولفظه : ومن العرب من يخرج اللفظ على أصله من التثنية، فيقول : قطعت رأسي الكبشين، وذلك قليل ا هـ .
ومنهاض الفؤاد الذي أصاب فؤاده هيض . أي كسر بعد جبر . والمشعف : الذي أصاب الحب سعاف قلبه، وهو رأسه عند معلق النياط .
وقال :
"نذود بذكر الله عنا من السرى * * * إذا كان قلبانا بنا يجفان
الشاهد فيه كالذي قبله .
قال أبو حيان في شرح التسهيل : وقال الأستاذ أبو الحسن ابن عصفور : وقد ذكر للقياس من وضع الجمع كوضع التثنية، فقال قطعت رؤوس الكبشين . هذا هو المختار، ومن العرب من يخرج اللفظ على أصله من التثنية، فيقول: قطعت رأسي الكبشين، وذلك قليل. قال الفرزدق : بما في فؤادينا . إلخ.
وقال الآخر : نذود بذكر الله . إلخ ا هـ .
وهذا البيت أظنه لعروة بن حزام أو لكعب صاحب ميلاء" (40) .
هما نفثا في فِيَّ من فمويهما * * * على النابح العوي أشد رجام
الشاهد فيه كالذي قبله .
وفي شرح التسهيل لأبي حيان : وقد جمع الشاعر بين اللغتين، وأنشد البيت .
وضمير المثني في قوله "هما نفثا في فِيَّ" لإبليس وابنه الذكورين في بيت قبل الشاهد .
وفي البيت أيضاً الجمع بين البدل والمبدل منه، وهما الميم والواو .
قال سيبوبيه : وأما فم فقد ذهب من أصله حرفان، لأنه كان أصله فوه، فأبدلوا الميم مكان الواو، فهذه الميم بمنزلة العين نحو ميم دم تثبت في الاسم، فمن ترك دم على حاله إذا أضيف ترك فم على حاله، ومن رد إلى دم اللام رد إلى فم العين، فجعلها مكان اللام، كما جعلوا الميم مكان العين، وأنشد البيت .
ونفثا أي ألقيا على لساني يعني إبليس وابن إبليس، لأنه مما يقال :إن لكل شاعر شيطاناً، والنابح هنا أراد به من يتعرض للهجو والسب من الشعراء، وأصله في فِيَّ الكلب . ومثله : العاوي والرجام مصدر راجمه بالحجارة . أي راماه، وراجم فلان عن قومه إذا دافع عنهم . جعل الهجاء في مقابلة الهجاء كالمراجعة لجعله الهاجي كالكلب النابح .
والبيت آخر قصيدة للفرزدق قالها في آخر عمره تائباً إلى الله تعالى مما فرط منه في مهاجاته الناس، وذم فيها إبليس، لإغوائه إياه في شبابه" (41) .
وقال :
فتخالسا نفسيهما بنوافذ * * * كنوافذ العبط التي لا ترقع
الشاهد في قوله "فتخالسا نفسيهما" وتقدم ما في هذا النوع .
وقال ابن الأنباري : والأكثر فتخالسا أنفسهما، لأن كل شيئين من شيئين : (42) يثنيان بلفظ الجمع كقولك : ضربت صدورهما وظهورهما . قال الله تعالى : "فقد صغت قلوبكما" والضمير للشجاعين المذكورين قبل هذا البيت في عد أبيات من قصيدة أبي ذؤيب الهذلي المشهورة" (43) .
ومن الله أستمد العون، وأستلهم الرشد .
وكتبه لكم :
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
{وفي الحيِّ أحوى ينفضُ المَرْدَ شادنُ * * * مظاهرُ سمطيْ لؤلؤ وزبرجد
خذولُ تُراعي ربرباً بخميلة * * * تناولُ أطرافَ البريرِ وترتدي
وتبسم عن أَلْمى كأن منوَّراً * * * تخلَّل حُرَّ الرملِ دعصُ له ندي
سقته إياةُ الشمسِ إلا لثاتِه * * * أُسِفَّ ولم تَكْدِمْ عليه بإثمد
ووجهُ كأن الشمس حلت رداءها * * * عليه نقيُّ اللونِ لم يتخدد
"طرفة بن العبد"
أحوى في شفتيه سمرة . المرد الغض من ثمر الأراك . مظاهر لبس ثوباً فوق ثوب . شبه حبيبه بظبي .
خذول : خذلت أولادها . تراعي ربرباً ترعى مع قطيع من الظباء . الخميلة رملة منبتة . البرير شجر الآراك ، فهي ترتدي بأغصانه .
الألأمى يضرب لون شفتيه إلى السواد . منوراً أقحوان له نور بفتح النون . حر الرمل : خالصة . الدعص الكثيب من الرمل .
إياة الشمس شعاعها . لثاته مغارز أسنانه . والكدم العض . واللثات لا يستجيب بريقها، ونساء العرب يلعسنها بالإثمد . التخدد كثرة التجاعيد }
(1)في مثل هذا لا توضع النقطتان، لأن مقو القول لم يرد، وإنما حكي موجزه.
(2)دراسات في علم الجمال ص21.
(3)الأخطاء الشائعة ص195.. قال أبو عبدالرحمن: وعبارة القطب الشيرازي نقلها عنه الزبيدي من كتابه شرح المفتاح، وذلك بتاج العروس 15/582.
(4)مقاييس اللغة ص838.
(5)المفردات ص639.
(6)تاج العروس 15/578.
(7)تاج العروس 15/581.
(8)تقع في مجموع، ومقداره خمس عشرة صفحة، وهي كثيرة التصحيف والتحريف، وقد أوردها السيوطي بكتابه الأشباه والنظائر 6/130-169، ولم يعلق عليها بشيء، وكذلك محقق الكتاب الدكتور عبدالعال سالم مكرم لم يعلق بشيء على مسألة "فلان لا يملك درهماً فضلاً عن دينار".
(9)في الأصل: محذوف.
(10)في الأصل: لمستخير.
(11)في الأصل: تقريره.. والسياق يقتضي ما أثبته، وهو المثبت في أشباه النظائر.
(12)في الأصل الكثير.
(13)تحريف النصوص من مآخذ أهل الأهواء في الاستدلال ص83.
(14)قال أبو عبدالرحمن: ليس هذا بصحيح، بل لإدارة هذا المعنى تعبير آخر وهو الإظهار، فيقول: معجمي فلان، ومعجمي فلان.
(15)وذلك عندما يكون المضاف الآخر ظاهراً، أو قام البرهان بلا لبس أنه متعين التقدير.. ولا تعين هاهنا، لأنه ليس كل أحد يعلم لكل واحد من المذكورين معجماً مستقلاً، بل يحتمل الجاهل أنهما اشتركا في تأليفه.
(16)قطوف أدبية ص461-462.
(17)أي مفرقين بالعطف.
(18)قال أبو عبالرحمن: للآية احتمالان:
أحدهما: أن يكون المراد باللسان اللغة، وحينئذ يكون لسان داوود وعيسى عليهما السلام واحداً، فالكلام على ظاهره.
وثانيهما: أن يكون المراد باللسان الجارحة، فحينئذ يتعين أن المراد لسانان بتعين تقدير مضاف آخر هكذا: لسان داوود ولسان عيسى، لأنه متعين بالضرورة أن لكل واحد لساناً، وأنهما غير مشتركين في لسان واحد.. فلما أمن اللبس بهذا التعين اختير الإفراد لأنه أخف.
(19)قطوف أدبية ص485.
(20)الدر المصون 4/382.
(21)أي أن الواحد من المضاف كالقلب (مفرد القلوب المضافة إلى المثنى) جزء واحد من المضاف إليه وليس جزأين فأكثر كاليدين، فلا يقع الجمع حينئذ موقع التثنية، لأنه لو جعل بمعنى المثنى لكان في ذلك إلغاء لمقتضى الجمع بلا برهان.. والجمع هو الدلالة الصحيحة، لأن عند كل رجل يدين ثنتين، وللاثنان أربع، وذلك جمع.
وإنما حملت آية السرقة من سورة المائدة على التثنية لأنه قام البرهان على أن المراد جزء واحد لا يوجد في المفرد غيره وهو اليد اليمين، فليس للإنسان غير يمين واحدة.
(22)وجه البس أن قولك للاثنين:"عيونكما" ظاهر في الجمع، لأن للاثنين أربع أعين، فلو جعل للمثنى لا لتبس المثنى بالجمع، ولاقتضى الأمر التوقف في دلالة "عيونكما" حتى يأني مرجح من خارج يعين هل المراد المثنى أو الجمع.
وأجود من التعبير بأمن اللبس أن تقول: إن حمل الجمع على المثنى حينئذ إلغاء للظاهر وهو الجمع، وإعمال لغير الظاهر وهو التثنية بلا برهان.
(23)أي لم يجز حمل الجمع في قولك:"أعينهما" على معنى المثنى، لأن الظاهر الجمع، إذ لهما أرع أعين.
(24)كالقلب فإنه جزء واحد من الإنسان ليس له غير قلب واحد.. قال تعالى:{ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه}[سورة الأحزاب/4].
فالقلب جزء، والرجل كل.
(25)لأنه لم يقم برهان على أنه ليس عندهما غير درهمين.
(26)الضرب بالأسياف يحتمل معنى الجمع فلا يحمل على التثنية، لأن الفرد ق يجالد بسيفين في المرة الواحدة، وقد يجالد طرفاص واحداً بأكثر من سيف في عدة مرات.. إلا أن هذا خلاف العادة. المضاجع إذا أريد بهما الزمان الواحد فلا لبس، وإذا لم ترد وحدة الزمان فقد يكون للإنسان أكثر من مضجع في عدة أماكن.
(27)فلم يقل:"على لسانيهما" فتكون الإضافة إلى مثنى.
(28)أي مثل"قلوبكما" و"رؤس الكبشين" فإن الرجلين والكبشين مثنيان لفظاً لا تقديراً.
(29)والتثنية ضم واحد إلى واحد، والجمع ضم أكثر من واحد.
(30)التعليل قاصر هاهنا، لأن عدم الثقل مشترك بين الجمع والتثنية: وإنما يقال: يعبر بالجمع والمفرد معاً في المسألة المذكورة:لأن توالي تثنيتين مستثقل، وقدم الجمع على المفرد على الرغم من اشتراكهما في الخفة! لأن الجمع يشارك المثنى في معنى الضم.
(31)وجه هذا التفضيل فيما يظهر لي أن التثنية هي الأصل فقدمت على المفرد لمجرد الخفة، وقدم الجمع للخفة ولأمر آخر غير مجرد الخفة وهو مشاركة المثنى في الضم.
(32)هو أبو حيان النحوي.
(33)وهو قلوبكما.
(34)وهو الأيدي، لأن للفرد أكثر من يد.
ورد السمين على شيخه أبي حيان وجيه جداً، وكلام الزمخشري صحيح.
(35)الدر المصون 4/262-264.
(36)بل يقال: التثنية أولى من الإفراد والإفراد جائز بما جاز به الجمع من الخفة حسب الشروط المذكورة.
(37)الدر المصون 10/366.
(38)الدرر اللوامع على همع الهوامع شرح جمع الجوامع في العلوم العربية 1/154-155.
(39)الدرر اللوامع 1/155.
(40)الدرر اللوامع 1/155-156.
(41)الدرر اللوامع 1/156-157.
(42)يتحتم في مثل هذا وضع نقطتين فوق بعض: ليعلم أن ما بعدهما خبر وليس وصفاً.
(43)الدرر اللوامع 1/158
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.99 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]