
16-04-2023, 11:59 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,047
الدولة :
|
|
رد: اللطائف الروحية في الدروس الرمضانية ..... يوميا فى رمضان

اللطائف الروحية في الدروس الرمضانية
مشعل بن عبد العزيز الفلاحي
(25)
الجراح المتجددة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد
لقد ثخنت المسلمون جراحاً في أقطار الدنيا كلها شرقها وغربها وشمالها وجنوبها . وقد وعى صغارنا اليوم قبل كبارنا أن اندمال جراح في بلا د ما مؤذن بانفجار جرح آخر في بلاد غيرها . وصدق القائل حين قال :
أنى اتجهت للإسلام في بلد تجده كالطير مقصوصاً جناحاه

فليست قضية المسلمين اليوم فلسطين فقط . بل عامة أقطار البلاد الإسلامية تعاني من الجراح . ولئن كانت بلاد من هذه البلاد لم يولها العدو وجهه فإنها تئن من الجراح الداخلي ما هو أنكى في أحيان كثيرة من الجراحات التي يتفرّج عليها العالم بأسرة . ولا أظن أحداً من المسلمين ينكر هذا . وأوضح ما يعبّر به المسلمون تجاه هذه النكبات أحاديث عابرة ، وتسخطات مقالية ، وأحاديث جانبيه . وهنا ينتهي دور المتحمسين منهم ، ناهيك عن من لايعنيه أمر المسلمين ولا يبحث عن مصائبهم .

وأجزم يقيناً أن بلوى المسلمين ليست في القاعدين فقط عن التفاعل إنما هي في هؤلاء المتلمظين ، من ينثرون أحاديث الشكوى في كل زمان ومكان دون عمل مثمر ولئن أردنا الخروج من هذه المآسي بجدية فإنه يلزمنا جميعاً على كافة المستويات الفردية والجماعية ما يلي :
أولاً : أن ننطلق في كل تصحيح نرجوه في ما يستقبل من أيام من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهما المخرج من التخلّف الذي تعانيه الأمة على كافة المستويات . أرأيتم أيها الصائمون ذلك المسلم الذي يتلمظ من واقعه ، ويحدب على زمانه ، ويشير بأصابع الاتهام إلى أفراد في الأمة أنهم هم السبب في هذا التخلف المرير ؟ ولو تتبعت أمره ،

وتقصيّت أخباره جيداً لأدركت أنه يعيش تخلفاً في أصول الدين العظيمة ، ولك أن تحسب كم هي المرات التي تلذذ بالنوم عن صلاة الفجر ، وكم هي الأوقات التي فاتته صلاة العصر وهو على سرير النوم غارق في شهواته وملذاته . هذا مثال واحد فقط ، وإلا لو تتبعت آثار كثير من هؤلاء لوجدت فرقاً وبوناً شاسعاً بينهم وبين هدي الوحيين .

ثانياً : العمل لهذا الدين ، وتجاوز الأنانية ومفهوم الفردية في حياتنا هو الكفيل بإعادة ترتيب الحياة على وجه أفضل ، وفي ديننا الحنيف نصوصاً تدعو إلى العمل ، والمشاركة في هذه الحياة عموماً ، حتى تصل هذه المشاركة في آخر أيام الدنيا . الأيام التي لا ينتظر فيها ثمار ما يزرعه أويشارك به حين قال : (( إذا قامت الساعة وفي يد أحكم فسيلة فليغرسها ........ )) . الحديث .(142)
ثالثاً : المشاركة الإيجابية عنصر من عناصر البناء في النفس الإنسانية ، وقل أن تجد مجتمعاً من المجتمعات يشارك كل فرد منه في تخصصه بفاعليه إلا وضحت لك جوانب الفاعلية والقوة في هذا المجتمع . وليس أوضح دليل على هذا من ثورة التكنلوجيا التي يعيشها الغرب في كل جوانب الحياة المادية .

لقد استغل كل فرد منهم قدرته ووظفها التوظيف الإيجابي لصالح مجتمعه ،
وحينئذ تفوقت هذه المجتمعات في جوانب هذه الحياة . بينما تجد أن كثيراً من المسلمين يعيش سلبية عظيمة في حياته ، ولو سألت أي فرد من الطبقة المثقفة عن مدى مشاركته الفعلية في جوانب الحياة في مجتمعه على مستوى المسجد مثلاً أو مكاتب الدعوة أو الجمعيات الخيرية للتحفيظ والبر وغيرها من تجمعات الخير لوجدت سلبية كبيرة جداً طغت على هذه الطبقة من طبقات المجتمع ، وقل ذلك على مستويات أعلى أو أقل .

رابعاً : الانتماء والإخاء عنصران مهمان لتجاوز التخلفات التي نعيشها . إن الأثرة وحب الذات باتت تكتب أسطرها في حياة كثير من الناس ، ونسينا أو نسي بعضنا أن أهداف الحياة أكبر من أن يعيش الإنسان فيها لذاته أو لأسرته فقط ، وإنما ينتظره دور أوسع ، يتجاوز فيه محيط الذات والأسرة إلى محيط المجتمع والأمة ، غير مبال بالفوراق مهما كانت .

إن المسلم أياً كان سواء في مجتمعك الذي تعيش فيه أو حتى في أطراف الدنيا هو من إخوانك ، يجمعنا جميعاً شعار التوحيد ، وتؤلف بين قلوبنا رسالة الإسلام ، وهذا يعني أن نمد لكل هؤلاء يد المعروف والإخاء ، وأن نحي فيما بيننا روح التناصر والتآزر ، وحينها يمكن لأي طامع من الأعداء أن يفكّر كثيراً قبل أن يصنع قراراً مشؤوماً لا يدرك عواقبه .

هذه أربعة مقومات قد تسهم في الخروج من الجراح المريرة التي تعيشها الأمة على كافة المستويات ، آمل أن تجد في رمضان بالذات اهتماماً يجعلها مثار الحديث على الأقل في أوساط المسلمين في الفترة المستقبلية من بناء الأمة . ولن نعدم حينها ممن يدعهما ، ويوسّع في أثرها ، والله المسؤول أن يجعل غاية همنا هو هذه الرسالة العظيمة التي جاء بها رسولنا صلى الله عليه وسلم .

----------------------------------------
(142) رواه الإمام أحمد
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|