بين يدي رمضان (3)
بوعلام محمد بجاوي
حكاية الخلاف في ليلة نزول القرآن:
قال الطَّبريُّ أبو جعفر محمد بن جرير (ت: 310): وقوله: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 3] أقسم - جلَّ ثناؤه - بهذا الكتاب، أنَّه أنزله في ليلة مباركة، واختلف أهلُ التأويل في تلك الليلة، أي ليلة مِن ليالي السَّنة هي؟
فقال بعضهم: هي ليلة القدر...
وقال آخرون: بل هي ليلة النصف من شعبان؛ اهـ[1].
ولم يسم القائل، ولم يذكر روايةً، والظاهر أنه أخذها من تفسيرٍ لـ: عكرمة أبي عبدالله مولى ابن عباس (ت: 104) في الآية بعدها: ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4]؛ لأنَّ الضمير يعود عليها ﴿ لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 3]، ويأتي الكلام عنها.
قال القرطبي أبو عبدالله محمد بن أحمد (ت: 671): وقال عكرمة: الليلة المباركة هاهنا: ليلة النِّصف مِن شعبان.
والأول أصح؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1]؛ اهـ[2].
الظاهر أنَّه تبع ابن عطية أبا محمد عبدالحق بن غالب (ت: 542) قال: وقال عكرمة وغيره: الليلة المباركة هي النِّصف من شَعبان؛ اهـ[3].
وكأنَّه حمَل المطلَق أو المبهم ﴿ لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 3] على المقيد والمفسر ﴿ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1].
وقال الطبريُّ: والصواب مِن القول في ذلك قول مَن قال: "عُني بها ليلة القدر"؛ لأنَّ الله - جلَّ ثناؤه - أخبر أن ذلك كذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴾ [الدخان: 3] خَلْقَنا بهذا الكتاب الذي أنزلناه في الليلة المباركة عقوبتنا أن تحلَّ بمَن كفر منهم، فلم يثب إلى توحيدنا، وإفراد الألوهة لنا؛ اهـ[4].
استدلَّ بعود الضمير ﴿أَنْزَلْنَاهُ ﴾ على "القرآن" بدليل قوله: ﴿ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴾ على أنَّ المراد ليلة القدر؛ لأنهَّا الليلة التي نزَل فيها القرآن: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1]، ولأنَّ القرآن نزَل في شهر رمضان: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185]، وكأنَّ المخالف يُنكر عود الضمير في: ﴿ أَنْزَلْنَاهُ ﴾ على القرآن.
وذكر أبو شامة - كما يأتي قريبًا - توجيهَ هذا القول بأنَّ القرآن نزَل في ليلة القدر لـمَّا وافقت ليلةَ النِّصف من شَعبان بناء على أنهَّا تتنقل في جميع الشُّهور ولا تختص بشهر رمضان، أمَّا آية البقرة فالمقصود: شَهر رمضان الذي أُنزل في شأنه وفضله القرآنُ.
وعليه ليس الخلاف بين "ليلة القدر" و"ليلة النِّصف من شَعبان" كما ذكر الطبريُّ وغيره، وإنما بين "نزوله في شَعبان" وبين "نزوله في رمضان"؛ ولهذا يُحكى الخلاف في "آية الدخان" دون "آية القدر"، لكن جواب أبي شامة - وأيضًا ابن العربي - ينبني على أنَّ المخالف يَنفي نزولَ القرآن في "ليلة القدر".
وعلى هذا المخالفُ:
♦ يحَمل آيةَ القدر على غير القرآن؛ ولا قائل به إلَّا أن يلزم به.
♦ ويحمل آيةَ البقرة على غير نزول القرآن.
الخلاصة: الخلاف لا يثبت سندًا، ثمَّ عكرمة - كما سبق - يَروي عن ابن عبَّاس أنه نزل في ليلة القدر، ويُروى عنه - لكن بسند منقطع - أيضًا، ولا معنى له؛ إذ لا خلاف في عود الضمير في سورة القدر على القرآن، وفي أنَّ ليلة القدر في رمضان، وفي آية البقرة على أن المراد نزول القرآن، وإنما الخلاف في معنى نزوله، بين نزوله جملة، وبين ابتداء نزوله، فليتَ الطبريُّ ترك حكايةَ الخلاف.
قال ابن العربي أبو بكر محمد بن عبدالله (ت: 543): وجمهور العلماء على أنها "ليلة القدر".
ومنهم مَن قال: إنها "ليلة النِّصف من شَعبان"، وهو باطل؛ لأنَّ الله تعالى قال في كتابه الصادق القاطع: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185]، فنصَّ على أنَّ ميقات نزوله رمضان، ثم عبَّر عن زمانيَّة الليل هاهنا بقوله: ﴿ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 3]، فمَن زعم أنه في غيره فقد أعظَم الفريةَ على الله، وليس في ليلة النِّصف من شَعبان حديث يعوَّل عليه، لا في فضلها، ولا في نسخ الآجال فيها، فلا تلتفتوا إليها؛ اهـ[5].
وقال أبو شامة أبو القاسم عبدالرحمن بن إسماعيل (ت: 665): قال الله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 3]، وقال - جلَّت قدرته -: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1]، فـ "ليلة القَدر" هي: الليلة المباركة، وهي في شَهر رمضان جمعًا بين هؤلاء الآيات؛ إذ لا منافاة بينها، فقد دلَّت الأحاديثُ الصحيحة على أن "ليلة القدر" في شهر رمضان، وأمر النَّبي صلى الله عليه وسلم بالْتِماسها في العشر الأخير منه[6]، ولا ليلة أبرك مِن ليلةٍ هي خيرٌ مِن ألف شهر، فتعيَّن حمل قوله سبحانه: ﴿ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ على "ليلة القدر"، كيف وقد أرشد إلى ذلك قوله تعالى: ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4]، فهو موافِق لمعنى تَسميتها بـ "ليلة القدر"؛ لأنَّ معناه التقدير، فإذا ثبت هذا، علمت أنه قد أَبْعَدَ مَن قال: الليلة المباركة هي ليلة النِّصف من شَعبان، وأن قوله تعالى: ﴿ أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185] معناه: أنزل في شأنه وفضل صيامه وبيان أحكامه، وأن "ليلة القدر" توجد في جميع السَّنة لا تختص بشهر رمضان؛ بل هي منتقلة في الشهور على مرِّ السنين، واتَّفق أن وافقت زمن إنزال القرآن ليلة النِّصف من شَعبان.
وإبطال هذا القول متحقق بالأحاديث الصَّحيحة الواردة في بيان ليلة القدر وصفاتها وأحكامها؛ اهـ[7].
♦ ♦ ♦ ♦ ♦
﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 2]
قال البخاريُّ محمد بن إسماعيل (ت: 256): قال [سفيان] ابن عيينة (ت: 198): ما كان في القرآن ﴿ مَا أَدْرَاكَ ﴾ فقد أعلمه، وما قال: ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ ﴾ فإنَّه لم يعلمه؛ اهـ[8].
أخرجه ابن حجر أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت: 852) في "تغليق التعليق"[9] من طريق ابن أبي حاتم[10]: "ثنا" أبي، "ثنا" محمد ابن أبي عمر العدني قال: قال سُفيان - يعني ابن عيينة -: كل شيء في القرآن ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ ﴾ فقد أخبره به، وكل شيء ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ ﴾ [الأحزاب: 63] فلم يخبره به.
والطَّبري في التفسير (23/ 207 - ط: هجر): حدَّثنا [محمد] ابن حميد [الرازي: متروك] قال: "ثنا" مهران [بن أبي عمر] عن سفيان.
وعزاه السيوطيُّ عبدالرحمن بن الكمال (ت: 911) في الدرِّ المنثور إلى تفسيرَي: ابن أبي حاتم أبي محمد عبدالرحمن بن محمد (ت: 327) وابن المنذر أبي بكر محمد بن إبراهيم (ت: 319)[11].
وجعله السمعانيُّ أبو المظفر منصور بن محمد (ت: 489) من تفسير ابن عباس[12].
والمقصود تعظيم شأن هذه الليلة، كما هو الحال في: اليوم الآخر (الحاقة، القارعة، يوم الفصل، يوم الدين) وجهنم (سقر، هاوية، الحطمة) وكتب أعمال المؤمنين والكفار - أو موضعهما - (سجين، علِّيون) وعظيم مخلوقات الله (الطارق) وعظيم الأعمال العتق (العقبة).
♦ ♦ ♦ ♦ ♦
﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3]
المقصود أن ثواب الأعمال فيها أكثر من ثواب العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر[13].
قال ابن كثير أبو الفداء إسماعيل بن عمر (ت: 774): وهذا القول بأنهَّا أفضل مِن عبادة ألف شهر - وليس فيها ليلة القدر - هو اختيار ابن جرير، وهو الصواب لا ما عداه، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم: ((رباط ليلة في سبيل الله خير مِن ألف ليلة فيما سواه من المنازل))؛ رواه أحمد [470، 558 (مكرر)، وفيه "يوم" بدل "ليلة"، وأخرجه من طريق آخر (442)]؛ اهـ[14].
قال الطبريُّ أبو جعفر محمد بن جرير (ت: 310): وأشبه الأقوال في ذلك بظاهر التنزيل قول مَن قال: عمَل في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر، وأما الأقوال الأخر، فدعاوى معان باطِلة، لا دلالة عليها مِن خبر ولا عقل، ولا هي موجودة في التنزيل؛ اهـ[15].
والمحروم مَن حُرم العمل، وانشغل عنه بالمباح أو الحرام في الأيام الفاضلة، فكم يضيِّع مَن ضيَّع ليلة القدر.
♦ ♦ ♦ ♦ ♦
﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾ [القدر: 4]
قال ابن كثير: أي: يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزَّلون مع تنزل البركة والرَّحمة كما يتنزَّلون عند تلاوة القرآن ويحيطون بحِلَق الذِّكر، ويضَعون أجنحتَهم لطالب العلم بصدقٍ تعظيمًا له.
وأما الروح: فقيل: المراد به هاهنا جبريل عليه السلام، فيكون مِن باب عطف الخاص على العام، وقيل: هم ضرب من الملائكة؛ اهـ[16].
﴿ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾:
له احتمالان:
الاحتمال الأول: متعلق بما قبله.
المعنى: تتنزَّل الملائكة بما يُقضى في السَّنة كلها.
قال الطبريُّ: اختلف أهلُ التأويل في تأويل ذلك:
فقال بعضهم: معنى ذلك: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ ﴾ وجبريلُ معهم - وهو الروح - في ليلة القدر، ﴿ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾ [القدر: 4]، يعني: بإذن ربهم مِن كلِّ أمرٍ قضاه الله في تلك السَّنة؛ من رزق وأجَل وغير ذلك... فعلى هذا القول منتهى الخبر، وموضع الوقف: ﴿ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾؛ اهـ[17].
يروى عن:
قتادة بن دعامة السدوسي (ت: 117 أو 118):
تفسير عبدالرزاق (3666) عن مَعمر [بن راشد]، عن قتادة في قوله تعالى: ﴿ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ ﴾ [القدر: 4، 5] قال: يقضى فيها ما يكون في السَّنة إلى مثلها؛ المقصود ﴿ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾، أمَّا قوله: ﴿ سَلَامٌ هِيَ ﴾ فلها - عنده - معنى مستقل كما يأتي.
تفسير الطَّبري (24/ 547، 548) حدَّثنا [محمد] ابن عبدالأعلى [الصنعاني] قال: "ثنا" [محمد] ابن ثور، عن مَعمر [بن راشد]، عن قتادة في قوله: ﴿ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾ [القدر: 4]، قال: يقضى فيها ما يكون في السَّنة إلى مثلها.
يشهد له قولُه تعالى في سورة الدخان: ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4]، المقصود قَضاء السَّنة.
يروى عن:
عبدالله بن عباس (ت: 68):
تفسير الطَّبري (21/ 11) حدثني محمد بن معمر قال: "ثنا" أبو هشام [المغيرة بن سلمة المخزومي] قال: "ثنا" عبدالواحد [بن زياد العبدي] قال: "ثنا" [أبو سهل] عثمان بن حكيم قال: "ثنا" سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: "إنَّ الرجل ليمشي في الناس وقد رفع في الأموات، قال: ثمَّ قرأ هذه الآية: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 3، 4] قال: ثمَّ قال: يفرق فيها أمر الدنيا من السنة إلى السنة.
أبي عبدالرحمن [عبدالله بن حبيب] السلمي (ت: 73):
تفسير مجاهد (ص: 597) أخبرنا [أبو القاسم] عبدالرحمن [بن الحسن الهمذاني] قال: "نا" إبراهيم [بن الحسين بن علي الهمذاني] قال: "نا" آدم [بن أبي إياس] قال: "نا" ورقاء [بن عمر اليشكري]، عن حصين بن عبدالرحمن، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبدالرحمن السلمي، قال: "يفرق (يدبر: رواية ابن فضيل) في ليلة القدر أمر السَّنَة إلى مثلها من قابل".
سعيد بن منصور (1962) "نا" سويد بن عبدالعزيز [متروك] قال: "نا" حصين.
تفسير الطَّبري (21/ 8) حدَّثنا الفضل بن الصباح قال: "ثنا" محمد بن فضيل، عن حصين.
شعب الإيمان (3390) أخبرنا أبو عبدالله الحافظ [الحاكم]، حدَّثنا أبو العباس الأصم، حدَّثنا أحمد بن عبدالجبار، حدَّثنا ابن فضيل، عن حصين.
وأخرجه سعيد بن منصور (1961) "نا" خالد بن عبدالله، عن حصين، عن أبي عبدالرحمن السلمي [لم يذكر سعد بن عبيدة].
مجاهد بن جبر (ت: 104):
تفسير مجاهد (ص: 597) "أنا" [أبو القاسم] عبدالرحمن [بن الحسن الهمذاني] قال: "نا" إبراهيم [بن الحسين بن علي الهمذاني] قال: "نا" آدم [بن أبي إياس] قال: "ثنا" ورقاء [بن عمر اليشكري]، عن [عبدالله] ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال في ليلة القدر: يفرق كل أمر يكون في السَّنة إلى مثلها مِن السنة الأخرى؛ مِن المعايش والمصائب كلها، إلَّا الحياة والموت.
تفسير الطَّبري (21/ 8) حدثني محمد بن عمرو قال: "ثنا" أبو عاصم [الضحاك بن مخلد] قال: "ثنا" عيسى [بن ميمون]:
وحدثني [أبو محمد] الحارث [بن محمد - صاحب المسند] قال: "ثنا" الحسن [بن موسى الأشيب] قال: "ثنا" ورقاء، عن ابن أبي نجيح.
استثنى: الحياة والموت.
سعيد بن منصور (1960) "نا" جرير [بن عبدالحميد]، عن منصور [بن المعتمر] قال: قلتُ لمجاهد: ما تقول في هذا الدعاء: "اللهمَّ إن كان اسمي في السُّعداء فأثبته فيهم، وإن كان في الأشقياء فامحُه منه، واجعله في السعداء"؟ فقال: حسَن.
ثمَّ مكثتُ حولًا فسألتًه عن ذلك؟ فقال: ﴿ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 1 - 4]، قال: يُفرق في ليلة القدر ما يكون من السنة مِن رزق أو مصيبة، فأمَّا الشقاء والسعادة، فإنه ثابت لا يتغيَّر.
من طريقه البيهقي في القضاء والقدر (258).
الطَّبري (21/ 9 - 13/ 561 - 562) حدَّثنا [محمد] ابن حميد [الرازي: متروك] قال: ثنا جرير.
الطَّبري (13/ 561) حدَّثنا [محمد] ابن بشار قال: "ثنا" أبو أحمد [محمد بن عبدالله الزبيري] "ثنا" سُفيان [الثَّوري] عن منصور؛ مختصرًا.
استثنى الشقاء في النار والسعادة في الجنة.
وجمع بينها - الحياة والموت، السعادة والشقاء - في تفسير: ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ﴾ [الرعد: 39]، والمقصود القضاء ليلة القدر قد يتغيَّر إلَّا ما استثني؛ أي: إنَّ التقدير في ليلة القدر يكون موافقًا لِما هو عليه في اللَّوح المحفوظ، فمن قُدِّر له فيها أنه يموت في يوم مِن أيام تلك السنة فلن يتخلَّف، وكذا من قدِّر فيها أنه مِن الأشقياء في النار أو السعداء في الجنة فلن يتخلّف، ويأتي الكلام عنه.
الحسن بن أبي الحسن البصري (ت: 110):
الطَّبري (21/ 7) (24/ 544 - 545) حدثني يعقوب [بن إبراهيم القيسي] قال: "ثنا" [إسماعيل] ابن علية قال: "ثنا" ربيعة بن كلثوم قال: قال رجل للحسن - وأنا أسمع -: رأيتُ ليلةَ القدر في كل رمضان هي؟ قال: نعم، واللهِ الذي لا إله إلَّا هو إنها لفي كلِّ رمضان، وإنها لليلة القدر، ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4]؛ فيها يَقضي الله كلَّ أجَل وعمل ورزق، إلى مثلها.
ربيعة بن كلثوم: قليل الحديث[18].
قتادة بن دعامة السدوسي (ت: 117 أو 118):
عبدالرزاق (2801) عن مَعمر [بن راشد]، عن قتادة في قوله تعالى: ﴿ لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ قال: هي ليلة القدر، ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4]؛ فيها يُقضى ما يكون من السَّنة إلى السنة.
تفسير الطَّبري (21/ 9) حدَّثنا [محمد] ابن عبدالأعلى [الصنعاني] قال: "ثنا" [محمد ابن ثور]، عن مَعمر [بن راشد]، عن قتادة قال: "هي ليلة القدر، فيها يُقضى ما يكون من السَّنة إلى السنة".
تفسير الطَّبري (21/ 8 - 9) حدَّثنا بشر [بن معاذ العقدي] قال: "ثنا" يزيد [بن زريع] قال: "ثنا" سعيد [ابن أبي عروبة]، عن قتادة: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 3]؛ ليلة القدر، ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4]، كنَّا نحدث أنَّه يفرق فيها أمر السَّنة إلى السنة.
أبو مالكغزوان الغفاري (تابعي، يروي عن البراء بن عازب وابن عباس):
تفسير الطَّبري (21/ 8) حدَّثنا [محمد] ابن بشار قال: "ثنا" عبدالرحمن [بن مهدي] قال: "ثنا" سُفيان [الثَّوري]، عن سلمة [بن كهيل]، عن أبي مالك [غزوان الغفاري] في قوله: ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4]، قال: أمر السَّنة إلى السنة؛ ما كان مِن خلقٍ أو رِزق أو أجَل أو مصيبة، أو نحو هذا.
تخصيص الآية بـ "الحُجَّاج" (من يَحج تلك السنة):
سعيد بن جبير (ت: 95):
تفسير الطَّبري (24/ 544) [حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء]، ثنا وكيع [بن الجراح]، عن سُفيان [بن سعيد الثَّوري]، عن محمد بن سوقة، عن سعيد بن جبير: "يؤذَن للحُجَّاج في ليلة القدر، فيكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، فلا يغادِر منهم أحد، ولا يزاد فيهم، ولا ينقص منهم".