البشـــائر النبـــوية للأعمــال الخيرية (6)
الأجر المستمر إلى يوم القيامة
عن أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من غسل مسلماً فكتم عليه غفر له الله أربعين مرة، ومن حفر له فأجنَّه أجري عليه كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة، ومن كفنه كساه الله يوم القيامة من سندس وإستبرق الجنة»، في الحديث: أن للذي يغسل مسلماً أجراً عظيماً، وهذا الأجر مشروط بشرط: الكتمان والستر على الميت، فلا يُـحَدِّث بما قد يراه مكروهاً منه.
والأجر كذلك للمسلم الذي أجنه، أي: ستره في القبر، وضعه فيه، فتجرى له الحسنات كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة، وهذا أجر مستمر، فالغاسل يستحب له أن يستر على الناس، ويظهر المحاسن، ويستر المساوئ، هذا هو الذي نص عليه أهل العلم، فالسنة أن الغاسل يستر إذا رأى شيئًا يزعجه، ولا يبين؛ لأن هذا نوع من الغيبة، ولكن إذا رأى نورًا، أو رأى محاسن بين ذلك.
وفي مسؤولية الأمة في تغسيل الميت وتكفينه ودفنه قال الإمام النووي -رحمه الله- في (المجموع): «وغسل الميت فرض كفاية بإجماع المسلمين، ومعنى فرض الكفاية: أنه إذا فعله من فيه كفاية سقط الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلهم أثِمُوا كلُّهم»، وقال الشافعي -رحمه الله- في كتابه (الأم): «حق على الناس غسل الميت والصلاة عليه ودفنه، لا يسع عامتهم تركه، وإن قام بذلك منهم من فيه كفاية له أجزأ -إن شاء الله».
وإن كان جزاء من جهز الميت وآواه في التراب عظيماً مستمرا إلى يوم القيامة، وكأنه قد وهبه بيتاً يسكن فيه؛ فكيف بمن أوقف أرضاً ثم أحاطها، وجعل فيها مغسلة لتغسيل الموتى وتكفينهم والصلاة عليهم، وأوقف لهم الأوقاف للصرف على من يعمل بهذه المقبرة من حفر القبور وتجهيزها، وجعل فيها من الحسبة الذين يحيون السنن ويميتون البدع التي تكثر في المقابر من بدع يندى لها الجبين، ووفر فيها المياه للشرب والوضوء ومظلات، وطرق ممهدة؛ حتى يسهل على الناس المشي في حمل الجنازة والسير لدفنها، وكراسي لجلوس كبار السن، ومواقف للسيارات، وسيارات لنقل الموتى، وأوقف أدوات الحفر، وألواح لحمل الموتى، ومكان لصلاة الجنازة قريب من المقبرة، ورصف الطرق؛ حتى لا يتعثر المشيعون؟! فذلك باب أجر عظيم للواقف، وتيسير على أهل المتوفى، وحفظ كرامة المتوفى، وكذلك تخفيف المشقة على المشيعين؛ فمنهم الكبير والعاجز، وهذا ترغيب للأمة بهذه الأعمال الفاضلة.
عيسى القدومي