
19-03-2023, 08:07 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة :
|
|
رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي
شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب البيع)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (285)
صـــــ(1) إلى صــ(15)
الحالة الأولى: أن يبرأ البائع من عيب يسميه للمشتري.
الحالة الثانية: أن يبرأ البائع من العيوب مطلقاً ولا يسميها ولا يذكرها للمشتري.
فأمّا إذا برئ البائع من عيب يسميه للمشتري فلا يخلو المشتري من حالتين: الحالة الأولى: أن يعلم العيب ويراه بالاطلاع، كأن يقول له مثلاً: بعتك سيارتي الفلانية، وأنت تعلم أن بها العيب الفلاني، فهذه براءة من عيب معلوم من الطرفين، وهذا يقع خاصة مع الأصدقاء والإخوان والأقارب فإنهم يعلمون عيوب السلع؛ لأن المداخلة وقرب بعضهم من بعض يوجب اطلاع بعضهم على عيوب السلع الموجودة عند البعض، فإذا برئ له من عيب سمّاه وعلمه المشتري فبالإجماع يكون البيع جائزاً.
الحالة الثانية: أن يسمّي له العيب ولا يعلمه المشتري، ولا يعرف ما هو هذا العيب، كأن يقول له: بعتك هذه الساعة وفيها عيب كذا، ويكون المشتري جاهلاً بهذه العيوب وتخفى عليه، فالواجب على المشتري ألا يغرر بنفسه، وألا يقبل بالبراءة حتى يطلع أهل الخبرة ويرجع إليهم ويسألهم عن هذا العيب، فإن تقحم ورضي بذلك فقال بعض العلماء: إنه يلزم بالبراءة، فلو جاء يشتكي بعد ذلك وقال: هذا العيب أنا ما كنت أظن أنه بهذه الصفة، أو ما كنت أظن أنه بهذه المثابة؛ فإنه لا يقبل عذره؛ لأنه هو الذي فرّط وهو الذي قصر، والبائع قد برئت ذمته حينما سمّى له العيب وبيّنه له.
وقال بعض العلماء: بل يبقى له الخيار، على تفصيل سيأتي في خيار العيب.
وهذا بالنسبة إذا سمى له عيباً لا يعرفه المشتري.
أمّا الحالة الثانية وهي: أن يبرأ له من العيوب ولا يسميها، كأن يقول له: هذا البيت أنا بريء من أي عيب فيه، سواء كنت أعلمه أو لا أعلمه، أو يقول له: هذا البيت أبيعكه كأرض تراب -أي ليس فيها شيء- فلا تلزمني غداً بعيب في البناء ولا بعيب في المنافع الموجودة في البيت، فأنا بريء من كل هذه العيوب وكما يقال في السيارات: (كوم حديد)، أو يقال في الخشب: (كوم خشب) أو نحو ذلك، وكل هذا يقصد منه التخلص من المسئولية، فهذا النوع من البيوع اختلف العلماء فيه على قولين: قال بعض العلماء: إذا برئ براءة مطلقة من العيوب لا يجوز ولا يصح البيع؛ لأنه من أكل أموال الناس بالباطل، فلا يجوز ولا يصح هذا الشرط ولا يلزم به؛ ولأنه يفضي إلى الغرر، فأمّا كونه أكلاً لأموال الناس بالباطل؛ فلأنه يشتري السلعة وهي تستحق القيمة، فلما ظهر فيها العيب نقصت قيمتها فأُكل الفرق بالباطل، كما لو كانت قيمة السلعة عشرين ألفاً بدون عيب، وبالعيب تصبح عشرة آلاف، فتؤكل عشرة آلاف زائدة بدون وجه حق.
وأما أنه غرر، فالنبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الحديث الصحيح أنه: (نهى عن بيع الغرر)، فأنت حينما تشتري قلماً من أجل أن تكتب به فإذا به عيب يمنع من الكتابة، فبمجرد أن تطلع على هذا العيب لا تستطيع أن تنتفع بهذا القلم إلا إذا أصلحته، وقد يكون هذا العيب لا يمكن إصلاحه أو يكلف مالاً كثيراً لا تستطيع أن تقوم به فتعطلت منافعك، فأنت تغرر وتخاطر بنفسك، والبائع يغرر بالمشتري ويخاطر به، خاصة إذا نظر إلى المبيعات الغالية والمبيعات التي تتعلق بها مصالح الناس أو ترتبط بها أرواح الناس كأجهزة العلاج أو نحوها، فهذه أمور ليست بالسهلة حينما يبرأ البائع من كل عيب فيها ويخاطر المشتري بنفسه ويقبل بهذا الشرط ثم يلزم به شرعاً، ولا شك أن ما ذكروه صحيح، وبناءً على هذا: فإن هذا القول -أعني: المنع والتحريم- هو الصحيح؛ لأن الذي قال بالجواز استدل بقوله عليه الصلاة والسلام: (المسلمون على شروطهم)، ولكن يرد هذا الاستدلال بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله)، وتوضيحه: أنه إذا اشترط البراءة فمعناه أنه سيسقط حق المشتري في الرجوع بالأرش (أرش العيب)، والثابت في الصحيحين من حديث أبي هريرة: أن المشتري له حق في العيب كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر)، فهذا النوع من الشروط يسقط لتعارضه مع ما ثبتت به السنة وهو خيار الرد، وحينئذٍ يكون من الشروط التي تعارض كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى أنها تورث الأحقاد وتنزع الثقة بين المسلمين، فإن الإنسان إذا اشترى من أخيه شيئاً بهذه الصفة ثم وجد فيه عيباً يمنع من الانتفاع به لا شك أن هذا سيؤثر عليه فيكرهه أو يبغضه ويوجب ذلك القطيعة بين المسلمين، وقد حرم الله عز وجل بيع المسلم على بيع أخيه؛ لأنه يفضي إلى القطيعة، فلا شك في أن هذا النوع من البيوع وهذا النوع من الشروط يفضي إلى هذه المفاسد الدينية والدنيوية، وبناءً عليه: فليس من حق البائع أن يبرأ إلا من عيب معلوم يسميه للمشتري ويكون منه على بصيرة من أمره، إن شاء أمضى الصفقة وإن شاء ألغاها
خيار العيب وحكمه
قال رحمه الله: [وإن باعه داراً على أنها عشرة أذرع فبانت أكثر أو أقل: صح].
قوله: (وإن باعه داراً على أنها عشرة أذرع فبانت أكثر) كأن تبين خمسة عشر أو عشرين أو ثلاثين، (أو أقل) أي: لو باعه إياها على أنها عشرة فأصبحت تسعة أو ثمانية فإن البيع صحيح في أصله، ونركب الخيار للمشتري.
فنقول له: أنت بالخيار إن شئت أن ترضى بهذه الدار بهذه الصفة وتأخذ أرش النقص -كما سيأتي إن شاء الله في خيار العيب- وإن شئت رددت الصفقة، وعلى هذا فهو بين أمرين: الأمر الأول: أن يمتنع لفوات غرضه.
الأمر الثاني: أن يمضي ويأخذ الأرش.
ففي الحالة الأولى: أن يمتنع لفوات الغرض.
مثال ذلك: لو اشتريت أرضاً في مخطط على أن مساحتها تساوي أربعمائة متر مربع مثلاً، فتبين أن المساحة أقلّ من ذلك، فتقول: لا أستطيع إمضاء البيع؛ لأن الشيء الذي من أجله اشتريت هذه الأرض لابد وأن يكون بهذه المساحة، فإذا قلّ عنها فات غرضي من البيع، فلو أننا ألزمنا المشتري في هذه الحالة لكان فيه ضرر وفيه إجحاف، فحينئذٍ نقول له: لك الخيار أن تأخذ الثمن ثم ترد الأرض وتشتري ما شئت مما يتفق أو يعين على تحقيق غرضك.
وأما في حالة العكس كأن تكون الأرض أكثر وأكبر من المساحة التي اتفق على شرائها.
فمثلاً: لو كانت الأرض المتفق عليها أربعمائة متر فتبين أنها خمسمائة متر، فالمائة الزائدة ترد إلى البائع، وإذا أراد المشتري أن يشتريها فيشتريها بعقد جديد، وتكون مضافة إلى الأصل، ولا تصبح تابعة للبيع الأول.
قال رحمه الله: [ولمن جهله وفات غرضه: الخيار].
قوله: (ولمن جهله وفات غرضه) أي: من جهل هذا العيب الموجود في السلعة -كما ذكرنا- في بيع البراءة أنه قال له: بعتك هذه السيارة على أنني بريء من عيب كذا وسماه، وهذا العيب يجهله المشتري فله الخيار.
أو (فات غرضه) كأن يكون اشترى الأرض -كما ذكرنا- بأربعمائة متر ليبني عليها شيئاً، ولابد من وجود هذه المساحة للبناء عليها فبان أقلّ، فمعنى ذلك أن الغرض سيفوت، مثلاً: لو اشترى الأرض من أجل أن يأخذ عليها قرضاً، والقروض تشترط مساحة معينة، فاشترى الأرض على أن مساحتها تعادل مائتي متر مربع، وتبين أن مساحتها دون المائتين، فحينئذٍ غرضه أن يقترض ويبني، فلما نقصت مساحة الأرض فات غرضه الذي من أجله اشترى، فمن حقه -وله الخيار- أن يقول له: أعطني مالي وخذ أرضك، ثم يشتري ما يحقق أو يعين على غرضه الذي من أجله يشتري السلعة
الأسئلة
الفرق بين الشروط الصحيحة والفاسدة
السؤال
مر معنا سابقاً جواز اشتراط المشتري على البائع كون العبد مسلماً وكاتباً، أفليس هذان شرطان في البيع، أثابكم الله؟
الجواب
باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فقد قلنا: إنه يجوز أن يشترط أن يكون العبد مسلماً، أو كاتباً، أو يكون عنده صنعة كالحجام ونحوه من أجل أن يستفيد ربُّ أو سيد العبد بعد شرائه، وبيّنا علة ذلك، والمصنف رحمه الله ذكر هذا في الشروط الصحيحة، ومسألة أن العبد فيه صفتان أو ثلاث صفات فهذا ذكر العلماء رحمهم الله أنها قد تكون شرعية، مثل اشتراط الإسلام يُقصد منه معنىً شرعي، كما لو أنه اشترط أن تكون الأمة مسلمة من أجل أن يُسَهِّل نكاحها من الغير؛ لأنها لو كانت وثنية فإنه لا يستطيع أن يتزوجها عبد مسلم، فهذا يكون فيه معنىً شرعي، ويكون المقصود منه مقصوداً شرعياً، ليس بمتمحض المنفعة مثل مسائلنا التي ذكرناها في عقود الصفقات حينما يجمع بين منفعتين أو بين شرطين في عقد البيع، وعلى هذا يجوز أن يقول له: أشترط أن يكون العبد كاتباً، ثم إن هذا يرجع إلى الصفات وليس بشرط زائد عن العقد، فالشرطان في البيع -كما تعلمون حسب الشرح الذي شرحناه- أن يقول له: أبيعك هذا الحطب على أن تكسره وتوصله، فـ (الحطب) الذي هو العين موجود أو مفقود؟ موجود، والتكسير سيوجد، والحمل سيوجد، وللتكسير قيمته وللحمل قيمته؛ لكن إذا قال له: أشترط أن يكون العبد مسلماً، فهذا شرط البيع أصلاً، أي: قائم في صفة المبيع بذاته وليس بشرط زائد عن البيع كعقد إجارة مثل أن يكسره ويحمله، كما لو قال: أشترط أن يكون الكتاب لونه أخضر، وأن تكون صفحاته من لون كذا؛ لكن لماّ تعقد البيع وتأتي بشرط زائد عن البيع فلا ترضى بالحطب مثلاً كما هو وتقول: أريد أن يكون مكسراً، ولا ترضى باللحم كما هو وتقول: أريد أن يكون مكسراً أو مفصولاً عن العظم، فحينئذٍ أدخلت الصفات على المبيع؛ لكن صفة الكتابة موجودة في العبد منذ أن تشتريه، وصفة الإسلام موجودة في العبد منذ أن تشتريه، ويقصد منها المعنى الشرعي، فهو يقصد الإسلام لمعنى شرعي، ويقصد الكتابة من أجل الرفق في نفس المبيع الذي يريد أن يشتريه، وعلى هذا ليس هذا من هذا، والبابان مختلفان، ولذلك لا تعارض بين الصفقتين في هذا البيع ولا في هذا البيع، والله تعالى أعلم
الجوائح وتأثيرها في العقود
السؤال
في بيع السلم هل يجوز أن يشترط البائع على المشتري عدم رد المال إليه إن أصابت الثمار جائحة، أثابكم الله؟
الجواب
السلم -سيأتينا إن شاء الله-؛ لكن بالنسبة للذي يشترط ألا تكون هناك جائحة، الجوائح موضوعة، وحكم الجوائح لا إشكال فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجائحة، وبناءً على ذلك إن أصابت الجائحة المال فللعلماء وجهان: فبعضهم يرى: أنه يلزمه إحضار عين كالعين المعقود عليها، فلو اتفق معه على مائة صاع وأصاب هذه الأرض التي زرعها إعصار يعطي له مائة صاع من غيره، ويكون هذا من باب الانتقال إلى المعاوضة لوجود العذر الحسي؛ لأن الأعذار الحسية تمنع من نفاذ العقود وحينئذٍ لا يلزم صاحب الأرض؛ لأن الأرض أخرجت شيئاً وهلك فليس بوسعه أن يخرجها مرة ثانية في نفس الوقت المتفق عليه؛ لأنه قال: (إلى أجل معلوم)، فعقد السلم إلى أجل معلوم، وحينئذٍ يلزمه إذا فات منه أن يأتيه بمثل المتفق عليه من غيره، مثل الإجارة فإنه إذا قال: أريدك أن توصلني إلى مكة وتعطلت سيارته، يلزمه أن يستأجر سيارة مثلها في نفس الصفات فإن كانت هذه مثلاً مكيفة تكون هذه مكيفة، وكانت هذه تحمل الأغراض هذه تحمل الأغراض، ويستأجرها له من الموضع الذي فسدت فيه سيارته من أجل أن توصله إلى المكان المتفق عليه، وهكذا لو استأجره فأصابه عذر أقام غيره مقامه، وهذا أصل ذكره العلماء، وسيأتي معنا في باب الإجارة، والبيع في حكم الإجارة كما لا يخفى.
والله تعالى أعلم
حكم اشتراط المرأة عدم الزواج عليها في عقد النكاح
السؤال
إذا اشترط الولي على الزوج ألا يتزوج على ابنته زوجة ثانية، فهل هذا الشرط معتبر، أثابكم الله؟
الجواب
قد تشترط المرأة أو يشترط وليها أنه لا سابقة ولا لاحقة، ولا بأس أن يشترطوا؛ لكن: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)، وهذه المسألة اختلف فيها السلف رحمهم الله.
فبعض العلماء يرى أنه لو اشترطت ألا سابقة ولا لاحقة، أي: لا تكون له زوجة؛ لأنه في بعض الأحيان يخفي الزوج أمر زواجه، ويتزوج على زوجته القديمة فتشترط: (لا سابقة ولا لاحقة)، فهذا الشرط للعلماء فيه وجهان: فبعض العلماء: يقول: الشرط ماضٍ، فإذا وُجد عنده امرأة سابقة فإنه من حقها أن تفسخ النكاح، ويكون المهر لها، ويمضي العقد على الوجه الذي تمّ بينهما، وليس من حقه أن يبقيها، وتكون طلقة بائنة بينونة صغرى ولا تحل له إلا بعقد جديد.
وقال بعض العلماء: إن اشترطت: (لا سابقة ولا لاحقة) فإن الشرط باطل والعقد صحيح، وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس -ونسأل الله أن يتمم بخير-، وإن كان هذا لا يرضي النساء؛ لكن هذا حكم الله سبحانه وتعالى، فالله عز وجل أخبرنا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)، والذي في كتاب الله: {فانكحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر:1]، فالله يندب ويحبب ويرغب؛ لأن هذا من الرفق بالنساء، فالمرأة قد تكون عانسة، أو مطلقة، أو مات عنها زوجها فتضم إلى بيت من البيوت تحت رجل يستر عرضها، ويقوم على شأنها ويرفق بها، فإذا جاءت هذه تقول له: لا سابقة ولا لاحقة، آذت المسلمين وأضرت بهم، ثم أيضاً أضرّت به هو فهو قد يقع في الحرام، وهذا موجود في بعض البيئات التي يرون نفاذ هذا الشرط فإنها تقع مصائب عظيمة، فالرجل يتزوج المرأة وتشترط عليه: لا سابقة ولا لاحقة ثم تنجب له عشرة أبناء، وقد يذهب جمالها فيخاف على نفسه الحرام وقد يصيبها شيء من العاهات والآفات فيخاف على نفسه الحرام، فلا يستطيع أن يطلقها ولا يستطيع أن يتزوج عليها؛ لأنه إذا تزوج عليها طلقت طلقة بائنة فذهب عليها أولادها، وإذا بقي ربما يقع في الحرام، فهذا الشرط لا شك أنه يضر بالزوج ويضر بالمرأة ويضر بالنساء، فمن باب الرفق بالجميع أنه لا يعتبر هذا الشرط ولا يعتد به، وهذا هو الذي تميل إليه النفس، وإن كان هناك من خالف، لكن الصحيح: أن هذا الشرط يخالف شرع الله.
وأما من قال: إن هذا الشرط مشروع لقوله عليه الصلاة والسلام: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج)، فنقول: نعم بشرط أن يكون موافقاً لشرع الله لا معارضاً له، فمثلاً: تشترط عليه أن يكون لها بيت داخل المدينة، فهذا شرط استحلّ به الفرج فلابد أن يفي لها، أو يشترط وليها فيقول: أشترط أن تؤثث بيتها من الفراش الفلاني، أو أن تكون لها شقة، فيشترط شروطاً في كتاب الله وفيها رفق بالمرأة، وفيها أيضاً رفق بالزوج، فإذا كان على هذا الوجه فهذا من كتاب الله وموافق لشرع الله؛ لكن إذا اشترطت عليه: لا سابقة ولا لاحقة ويبقى على امرأة واحدة؛ فقد لا يأمن على نفسه الحرام إن حاضت، أو إن حملت، أو إن نفست، فهذا لا شك أن فيه ضرراً، وهو يخالف شرع الله؛ لأنه يفضي إلى تحريم التعدد عليه، وعلى هذا: فالذي تطمئن إليه النفس أن الشرط لاغٍ والعقد صحيح وتام.
والله تعالى أعلم
حكم بيع التقسيط والزيادة فيه
السؤال
ما الدليل على جواز الزيادة في بيع التقسيط؟ وهل يجوز للبائع إذا أتى موعد السداد وعجز المشتري عن السداد أن يزيد عليه في القسط، أثابكم الله؟
الجواب
أما المسألة الأخيرة وهي أن يزيد عليه في القسط فهذا ربا، فلو قال له: إما أن تسدد في الوقت فإذا لم تسدد في الوقت فعليك زيادة (6%)، فهذا عين الربا بإجماع العلماء رحمهم الله؛ لكن لو أنه اشترى منه بالتقسيط أو إلى أجل وزاد في القيمة فهذا لا بأس به؛ وذلك أولاً: لعموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:275]، فإن بيع المؤجل قيمته ليست كالمعجل، وقد جعل الله لكل شيء قدراً، فإنك إذا بعت السيارة حاضرة قيمتها مائة ألف؛ لكن إذا بعتها إلى أجل تضررت بتأخر القيمة فجعلت القيمة المؤجلة غير القيمة المعجلة وزدت فلا بأس.
وأما مسألة تقسيط الثمن فإن الشرع قد أذن بتقسيط الثمن كما في بيع المكاتب، فإن المكاتب يدفعها أقساطاً، وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لـ بريرة: (إن شئت نقدتك إياها) أي: نقدتك الأقساط المؤجلة، وبيع التقسيط بإجماع العلماء ليس فيه حرج.
أما حديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة) فإنه لا ينطبق على بيع التقسيط إلا في صورة واحدة وهي أن يقول له: أبيعك هذه السيارة بمائة ألف نقداً وبمائتي ألف إلى نهاية السنة، ويفترقا ولا يحددا، أما لو حدد أنه اشتراها حاضرة أو اشتراها إلى أجل فليست من بيعتين في بيعة، فإذا قال له: اشتريت بمائة بالتقسيط فقد تمت صفقة واحدة ولم تتم صفقتين، ولذلك ابن عباس رضي الله عنهما حبر الأمة وترجمان القرآن الذي دعي له بالفقه في الدين فسّر الحديث على هذا الوجه: أنه إذا أوجب إحدى الصفقتين فليس من بيعتين في بيعة، وروى عبد الرزاق في مصنفه، وابن أبي شيبة في مصنفه عن طاوس وعن جماعة من السلف وعن ابن سيرين أنه حكى عن جماعة من التابعين أنهم لا يشكُّون ولا يختلفون أنه إذا أوجب إحدى البيعتين فليس ببيعتين في بيعة؛ إنما المحرم أن يقول له: اشتريت.
ولا يحدد هل اشترى نقداً أو اشترى إلى أجل، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (فله أوكسهما -أي: أوكس القيمتين- أو الربا)، فجعله حائزاً إما على القليل أو حائزاً على الربا، وهذا إذا لم يحدد إحدى البيعتين؛ لأنه إذا حدد إحدى البيعتين لم يقع في التخيير ولم يقع في الربا، وعليه: فإن هذا -أعني: بيع التقسيط- جائز ومشروع، وحكى بعض العلماء أنه لا خلاف بين أهل العلم في جواز بيع الأجل -أي: المقسط- الذي يوضع على الشهور أو يوضع على السنوات.
والله تعالى أعلم
حكم البراءة من العيوب التي يعلمها المشتري
السؤال
إذا اشترطت على من يشتري السيارة أن يأخذها لأهل الخبرة كمهندس ونحوه ثم أبرأ بذلك عند ذكر العيوب التي يعرفها، فهل هذا جائز، أثابكم الله؟
الجواب
باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فإذا عرض السيارة للبيع وقال للمشتري: خذها إلى من له خبرة ينظر فيها ويبين لك عيوبها، فأخذها ومضى بها إلى مهندس ونحوه فاكتشف أن بها عيوباً، وجاء إلى البائع وقال: وجدت فيها العيب الفلاني وسمى العيوب، فقال له البائع: أنا بريء منها، فإن البراءة صحيحة والبيع صحيح إذا أنعما وأطلع البائع المشتري أو مكّن المشتري من الاطلاع عليه على هذا الوجه، وهكذا لو قال له: هذه الأرض، وهذه مواصفاتها وهذا ما فيها فاذهب إلى أهل الخبرة فإن وجدوا بها عيباً فأخبرني، ثم لما وجدوا فيها عيباً أو عيوباً ذكرها له فبرئ منها وأوجب الصفقة على ذلك صح هذا؛ لأن المشتري يكون على بينة من أمره وليس فيه غرر ولا غبن.
والله تعالى أعلم
مدى صحة قولهم: (البضاعة لا ترد ولا تستبدل)
السؤال
بعض المحلات تشترط ويُكتب في الفاتورة: البضاعة لا تردّ ولا تستبدل، هل هذا الشرط صحيح؟ وهل يؤثر في العقد، أثابكم الله؟
الجواب
هذا الشرط يقصد منه أحد أمرين: الأمر الأول: إما أن يقصد صاحب المتجر أن البضاعة إذا خرجت من المحل فإني لا أردها ولا أستبدلها إذا جاءت كاملة بنفس الصفة، كأن تكون تبيع أطعمة أو تبيع ملبوسات أو أقمشة فتقول: من خرج من دكاني لا أردّ شيئاً مما اشتراه، من حيث الأصل الشرعي: من فارقك وقد اشترى منك شيئاً يُلزم بالصفقة وليس من حقه أن يرجع، فإذا رجع وطابت نفسك أن ترد له فهذا لك، ففي هذه الحالة إذا قُصد من قوله: (البضاعة لا ترد ولا تستبدل) دفع إحراج الناس، كأن يشتري منك نوعاً من القماش ثم يرجع بعد ساعة فيقول: أريد النوع الفلاني الثاني أو الثالث، وهذا يُحْدِث عندك ربكة ويحدث عندك تعطيل العمال ويضر بعملك ولا تريد إلَاّ أن تكون أعمالك منظَّمة مرتبة، بحيث إذا أخذت المال تستطيع أن تنتفع به وتستطيع أن تشتري به، خاصة بالنسبة للأشياء التي لها قيم غالية، فإنه يأخذ بيد ويشتري بيدٍ أخرى ولربما النصف ساعة هذه التي يملك فيها العشرة آلاف والعشرين ألف قد يشتري بها صفقة ثانية فإذا جاءه هذا يريد أن يستبدل أو يرد فإنه يضر به، فهذا النوع من الاشتراط، وهو أنه إذا رد لك السلعة كاملة ولا تريد أن تردها، فعندها من حقك أن تقول: لا أُقيل، وهذا يسمى الامتناع من الإقالة، وهو من حقك؛ لأن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1]، فإذا أخذ الصفقة كاملة وليس فيها عيب يلزمه أن يمضي البيع.
الأمر الثاني: أن يُقصد من هذه العبارة أنه حتى لو وُجد عيب فليس من حقك أن ترد وليس من حقك أن تستبدل، فهذا باطل، وليس من حق البائع أيّاً كان أن يشترط على المشتري أنه إذا وجد العيب ليس من حقه أن يرد، وهذا ما سميناه ببيع البراءة المطلقة؛ لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها فهو بخير النظرين) (ابتاعها) أي: اشتراها.
ومعنى الحديث أنهم كانوا في القديم يأخذون الناقة ويحبسون اللبن في ضرعها يوماً أو يومين فينتفخ الضرع، فمن رأى ضرع الناقة ظن أنها حلوب وزاد في السعر ورغب في الشراء، فلا ينكشف هذا العيب إلا بعد ثلاثة أيام؛ لأنه يحلبها في اليوم الأول الحليب المخزّن فيها فإذا به كثير، ثم في اليوم الثاني ينقص، وفي اليوم الثالث تتجلى الأمور في الناقة وفي الشاة أنها ليست بحلوب، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغش فقال: (لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها) أي: اشترى هذا النوع من الصفقات المبنية على الغش (فهو بخير النظرين: إن رضيها أمسكها) إن أعجبته فأمسكها فلا إشكال، كأن تشتري الناقة وإذا بها مصراة وأنت تريدها للحم، فتقول: كونها حلوباً أو ليست بحلوب لا يهمني؛ لأنني أريدها أضحية أو غير ذلك فلا يضرك كونها ليست بحلوب، إذاً: فهذا العيب لا يضرك فتمسكها (إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر) فقوله عليه الصلاة والسلام: (ردها) أثبت الرد بالعيب، فلما يكتب على الفاتورة: (لا ترد ولا تستبدل) ليس من حقه الامتناع مع وجود العيب، فإذا كان فيها عيب فمن حقك أن ترد ومن حقك أن تستبدل إلَاّ في بيع العين -كما سيأتي-، فمن قال: أي سلعة تخرج من المحل لا ترد ولو كانت معيبة، نقول له: هذا باطل.
وبناءً على ذلك: كلمة: (البضاعة لا ترد ولا تستبدل) فيها تفصيل: إن قُصد منها إسقاط الحقوق في العيوب، فباطلة وليست بشرط معتبر؛ لأنه ليس من الشروط التي في كتاب الله، وإن قُصد منها إمضاء البيوع مع تمام الصفقات وعدم وجود العيوب فيها فإنه شرط صحيح؛ لأنه يوافق مقتضى العقد، وهذا يندرج تحت القسم الثاني من الشروط وهو -كما ذكرنا- أن يوافق مقتضى العقد؛ لأن مقتضى العقد إتمام الصفقة، فإذا قال لك: لا ترد ولا تستبدل فمعناه أنه يريد أن يتم الصفقة، والأصل في البيع أن تتم صفقته ولا تنقض، وأن تمضي ولا ترد، وعلى هذا فهو شرط شرعي صحيح إذا كانت السلعة مستوفية لصفاتها التي بيعت عليها.
والله تعالى أعلم
الفرق بين (الفساد) و (البطلان)
السؤال
هل هناك فرق بين لفظ (الفساد) ولفظ (البطلان) وذلك في العقود، أثابكم الله؟
الجواب
يعبر العلماء رحمهم الله بفساد البيع ويعبرون ببطلانه ولا يفرقون بين الفساد والبطلان على مذهب الجمهور، لكن عند الحنفية رحمهم الله تفريق بين الباطل والفاسد، فيجعلون الباطل ما لم يشرع بأصله ولا وصفه، والفاسد ما بطل بوصفه دون أصله، فيكون البيع في أصله مشروعاً؛ ولكن صفة البيع والطريقة التي تم بها البيع هي التي أوجبت فساده؛ ولكنها لا توجب بطلانه من أصله، فمثلاً بيع الخمر والميتة والخنزير هذه يقولون: بيع باطل؛ لأن الشرع لم يجعل لقاء الخمر قيمة، ولم يجعل لقاء الخنزير قيمة، ولم يجعل لقاء الميتة قيمة، لقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله ورسوله حرَّم بيع الميتة والخمر والخنزير والأصنام) فهم يفرقون بين الباطل والفاسد من هذا الوجه، والصحيح مذهب الجمهور، وهو أنه لا فرق، وعند طائفة من العلماء أن الخلاف لفظي؛ لأن النتيجة واحدة والثمرة واحدة، ولكنه خلاف مصطلحات، وأيّاً ما كان فمن ناحية الحكم فإن الحكم واحد عند المذهبين؛ لكن الجمهور لا يفرقون بين الباطل ولا الفاسد، فيرون أنهما بمعنى واحد.
والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|