عرض مشاركة واحدة
  #483  
قديم 18-03-2023, 11:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الشورى
الحلقة (483)
صــ 281 إلى صــ 290





[ ص: 281 ] الله لطيف بعباده قد شرحنا معنى [اسمه] "اللطيف" في [الأنعام: 103] . وفي عباده هاهنا قولان . أحدهما: أنهم المؤمنون . والثاني: أنه عام في الكل . ولطفه بالفاجر: أنه لا يهلكه .

يرزق من يشاء أي: يوسع له الرزق .

قوله تعالى: من كان يريد حرث الآخرة قال ابن قتيبة : أي: عمل الآخرة، يقال: فلان يحرث الدنيا، أي: يعمل لها ويجمع المال; فالمعنى: من أراد بعمله الآخرة نزد له في حرثه أي: نضاعف له الحسنات .

قال المفسرون: من أراد العمل لله بما يرضيه، أعانه الله على عبادته، ومن أراد الدنيا مؤثرا لها على الآخرة لأنه غير مؤمن بالآخرة، يؤته منها، وهو الذي قسم له، وما له في الآخرة من نصيب لأنه كافر بها لم يعمل لها .

فصل

اتفق العلماء على أن أول هذه الآية إلى "حرثه" محكم، واختلفوا في باقيها على قولين .

[ ص: 282 ] أحدهما: [أنه] منسوخ بقوله: عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد [الإسراء: 18]، وهذا قول جماعة منهم مقاتل .

والثاني: أن الآيتين محكمتان متفقتان في المعنى، لأنه لم يقل في هذه الآية: نؤته مراده، فعلم أنه إنما يؤتيه الله ما أراد، وهذا موافق لقوله: "لمن نريد"، ويحقق هذا أن لفظ الآيتين لفظ الخبر ومعناهما معنى الخبر، وذلك لا يدخله النسخ، وهذا مذهب جماعة منهم قتادة .
أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم . ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير . ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور . أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور .

قوله تعالى: أم لهم شركاء يعني كفار مكة; والمعنى: ألهم آلهة شرعوا أي: ابتدعوا لهم دينا لم يأذن به الله؟! ولولا كلمة الفصل [ ص: 283 ] وهي: القضاء السابق بأن الجزاء يكون في القيامة لقضي بينهم في الدنيا بنزول العذاب على المكذبين . والظالمون في هذه الآية والتي تليها: يراد بهم المشركون . والإشفاق: الخوف . والذي كسبوا: هو الكفر والتكذيب، وهو واقع بهم يعني جزاءه . وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: ذلك يعني: ما تقدم ذكره من الجنات الذي يبشر الله عباده قال أبو سليمان الدمشقي: "ذلك" بمعنى: هذا الذي أخبرتكم به بشرى يبشر الله بها عباده . وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو ، وحمزة، والكسائي: "يبشر" بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين .

قوله تعالى: قل لا أسألكم عليه أجرا في سبب نزول هذه الآية ثلاثة أقوال .

أحدها: أن المشركين كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فنزلت هذه الآية، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثاني: أنه لما قدم المدينة كانت تنوبه نوائب وليس في يده سعة، فقال الأنصار: إن هذا الرجل قد هداكم الله به، وليس في يده سعة، فاجمعوا له من أموالكم مالا يضركم، ففعلوا ثم أتوه به، فنزلت هذه الآية، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا .

والثالث: أن المشركين اجتمعوا في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: أترون محمدا يسأل على ما يتعاطاه أجرا، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة .

[ ص: 284 ] والهاء في "عليه" كناية عما جاء به من الهدى .

وفي الاستثناء هاهنا قولان .

أحدهما: أنه من الجنس، فعلى هذا يكون سائلا أجرا . وقد أشار ابن عباس في رواية الضحاك إلى هذا المعنى، ثم قال: نسخت هذه بقوله: قل ما سألتكم من أجر فهو لكم . . . [الآية] [سبأ: 47]، وإلى هذا المعنى ذهب مقاتل .

والثاني: أنه استثناء من غير الأول، لأن الأنبياء لا يسألون على تبليغهم أجرا; وإنما المعنى: لكني أذكركم المودة في القربى، وقد روى هذا المعنى جماعة عن ابن عباس، منهم العوفي، وهذا اختيار المحققين، وهو الصحيح، فلا يتوجه النسخ أصلا .

وفي المراد بالقربى خمسة أقوال .

أحدها: أن معنى الكلام: إلا أن تودوني لقرابتي منكم، قاله ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد في الأكثرين . قال ابن عباس: ولم يكن بطن من بطون قريش إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة .

والثاني: إلا [أن] تودوا قرابتي، قاله علي بن الحسين، وسعيد بن جبير، والسدي . ثم في المراد بقرابته قولان . أحدهما: علي وفاطمة وولدها، وقد رووه [ ص: 285 ] مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . والثاني: أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة ويقسم فيهم الخمس، وهم بنو هاشم وبنو المطلب .

والثالث: أن المعنى: إلا أن توددوا إلى الله تعالى فيما يقربكم إليه من العمل الصالح، قاله الحسن، وقتادة .

والرابع: إلا أن تودوني، كما تودون قرابتكم، قاله ابن زيد .

والخامس: إلا أن تودوا قرابتكم وتصلوا أرحامكم، حكاه الماوردي . والأول: أصح .

قوله تعالى: ومن يقترف أي: من يكتسب حسنة نزد له فيها حسنا أي: نضاعفها بالواحدة عشرا فصاعدا . وقرأ ابن السميفع، وابن يعمر، والجحدري : "يزد له" بالياء إن الله غفور للذنوب شكور للقليل حتى يضاعفه .

أم يقولون أي: بل يقول كفار مكة افترى على الله كذبا حين زعم أن القرآن من عند الله! فإن يشأ الله يختم على قلبك فيه قولان .

[ ص: 286 ] أحدهما: يختم على قلبك فينسيك القرآن، قاله قتادة .

والثاني: يربط على قلبك بالصبر على أذاهم فلا يشق عليك قولهم: إنك مفتر، قاله مقاتل، والزجاج .

قوله تعالى: ويمح الله الباطل قال الفراء: ليس بمردود على "يختم" فيكون جزما، وإنما هو مستأنف، ومثله مما حذفت منه الواو ويدع الإنسان بالشر [الإسراء: 11] . وقال الكسائي: فيه تقديم وتأخير . تقديره: والله يمحو الباطل . وقال الزجاج : الوقف عليها "ويمحوا" بواو وألف; والمعنى: والله يمحو الباطل على كل حال، غير أنها كتبت في المصاحف بغير واو، لأن الواو تسقط في اللفظ لالتقاء الساكنين، فكتبت على الوصل، ولفظ الواو ثابت; والمعنى: ويمحو الله الشرك ويحق الحق بما أنزله من كتابه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم .
وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون . ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد . ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير .

قوله تعالى: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده قد ذكرناه في [براءة: 104] .

قوله تعالى: ويعلم ما تفعلون أي: من خير وشر . قرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بالتاء، وقرأ الباقون: بالياء، على الإخبار عن المشركين والتهديد لهم .

و "يستجيب" بمعنى يجيب . وفيه قولان .

[ ص: 287 ] أحدهما: أن الفعل فيه لله، والمعنى: يجيبهم إذا سألوه; وقد روى قتادة عن أبي إبراهيم اللخمي ويستجيب الذين آمنوا قال: يشفعون في إخوانهم، ويزيدهم من فضله قال: يشفعون في إخوان إخوانهم .

والثاني: أنه للمؤمنين; فالمعنى: يجيبونه . والأول أصح .

قوله تعالى: ولو بسط الله الرزق لعباده قال خباب بن الأرت: فينا نزلت هذه الآية، وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير فتمنيناها، فنزلت هذه الآية . ومعنى الآية: لو أوسع الله الرزق لعباده لبطروا وعصوا وبغى بعضهم على بعض، ولكن ينزل بقدر ما يشاء أي: ينزل أمره بتقدير ما يشاء مما يصلح أمورهم ولا يطغيهم إنه بعباده خبير بصير فمنهم من لا يصلحه إلا الغنى، ومنهم من لا يصلحه إلا الفقر .
[ ص: 288 ] وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد . ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير . وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير . وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير .

وهو الذي ينزل الغيث يعني المطر وقت الحاجة من بعد ما قنطوا أي: يئسوا، وذلك أدعى لهم إلى شكر منزله وينشر رحمته في الرحمة هاهنا قولان . أحدهما: المطر، قاله مقاتل . والثاني: الشمس بعد المطر، حكاه أبو سليمان الدمشقي . وقد ذكرنا "الولي" في سورة [النساء: 45] و "الحميد" في [البقرة: 267] .

قوله تعالى: وما أصابكم من مصيبة وهو ما يلحق المؤمن من مكروه فبما كسبت أيديكم من المعاصي . وقرأ نافع، وابن عامر: "بما كسبت أيديكم" بغير فاء، وكذلك [هي] في مصاحف أهل المدينة والشام ويعفو عن كثير من السيئات فلا يعاقب بها . وقيل لأبي سليمان الداراني: ما بال العقلاء أزالوا اللوم عمن أساء إليهم؟ قال: إنهم علموا أن الله تعالى إنما ابتلاهم بذنوبهم، وقرأ هذه الآية .

قوله تعالى: وما أنتم بمعجزين في الأرض إن أراد الله عقوبتكم ،وهذا يدخل فيه الكفار والعصاة كلهم .
ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام . إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل [ ص: 289 ] صبار شكور . أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير . ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص . فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون .

قوله تعالى: ومن آياته الجوار في البحر والمراد بالجوار: السفن . قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو : "الجواري" بياء في الوصل، إلا أن ابن كثير يقف أيضا بياء، وأبو عمرو بغير ياء، ويعقوب يوافق ابن كثير، والباقون بغير ياء في الوصل والوقف; قال أبو علي: والقياس ما ذهب إليه ابن كثير، ومن حذف، فقد كثر حذف مثل هذا في كلامهم .

كالأعلام قال ابن قتيبة : كالجبال، واحدها: علم . وروي عن الخليل بن أحمد أنه قال: كل شيء مرتفع -عند العرب- فهو علم .

قوله تعالى: إن يشأ يسكن الريح التي تجريها فيظللن يعني الجواري رواكد على ظهره أي: سواكن على ظهر البحر [لا يجرين] .

أو يوبقهن أي: يهلكهن ويغرقهن، والمراد أهل السفن، ولذلك قال: بما كسبوا أي: من الذنوب ويعف عن كثير من ذنوبهم، فينجيهم من الهلاك .

ويعلم الذين يجادلون قرأ نافع، وابن عامر: "ويعلم" بالرفع على الاستئناف وقطعه من الأول; وقرأ الباقون بالنصب . قال الفراء: هو مردود على الجزم، إلا أنه صرف، والجزم إذا صرف عنه معطوفه نصب .

وللمفسرين في معنى الآية قولان .

[ ص: 290 ] أحدهما: ويعلم الذين يخاصمون في آيات الله حين يؤخذون بالغرق أنه لا ملجأ لهم .

والثاني: أنهم يعلمون بعد البعث أنه لا مهرب لهم من العذاب .

قوله تعالى: فما أوتيتم من شيء أي: ما أعطيتم من الدنيا فهو متاع تتمتعون به، ثم يزول سريعا، وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا لا للكافرين، لأنه إنما أعد لهم في الآخرة العذاب .
والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون . والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة . وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون . والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون . وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين . ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل . إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم . ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور .

قوله تعالى: والذين يجتنبون كبائر الإثم وقرأ حمزة، والكسائي: "كبير الإثم" على التوحيد من غير ألف، والباقون بألف . وقد شرحنا الكبائر في سورة [النساء: 31] . وفي المراد بالفواحش هاهنا قولان . أحدهما: الزنا . والثاني: موجبات الحدود .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.89 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.44%)]