عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18-03-2023, 10:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,180
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سورة الزمر
الحلقة (474)
صــ 191 إلى صــ 200






والرابع: أن أهل مكة قالوا: يزعم محمد أن من عبد الأوثان [ ص: 191 ] وقتل النفس التي حرم الله لم يغفر له، فكيف نهاجر ونسلم وقد فعلنا ذلك؟! فنزلت هذه الآية; وهذا مروي عن ابن عباس أيضا .

ومعنى "أسرفوا على أنفسهم" ارتكبوا الكبائر . والقنوط بمعنى اليأس . وأنيبوا بمعنى ارجعوا إلى الله من الشرك والذنوب، وأسلموا له أي: أخلصوا له التوحيد . و "تنصرون" بمعنى تمنعون .

واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم قد بيناه في قوله: يأخذوا بأحسنها [الأعراف: 145] .
أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين . أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين . بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين .

[ ص: 192 ] قوله تعالى: أن تقول نفس قال المبرد: المعنى: بادروا قبل أن تقول نفس، وحذرا من أن تقول نفس . وقال الزجاج : خوف أن تصيروا إلى حال تقولون فيها هذا القول . ومعنى يا حسرتا يا ندامتا ويا حزنا . والتحسر: الاغتمام على ما فات . والألف في "يا حسرتا" هي [ياء] المتكلم، والمعنى: يا حسرتي، على الإضافة . قال الفراء: والعرب تحول الياء إلى الألف في كل كلام معناه الاستغاثة ويخرج على لفظ الدعاء، وربما أدخلت العرب الهاء بعد هذه الألف، فيخفضونها مرة، ويرفعونها أخرى، وقرأ الحسن، وأبو العالية، وأبو عمران، وأبو الجوزاء: "يا حسرتي" بكسر التاء، على الإضافة إلى النفس . وقرأ معاذ القارئ، وأبو جعفر: "يا حسرتاي"، بألف بعد التاء وياء مفتوحة . قال الزجاج : وزعم الفراء أنه يجوز "يا حسرتاه على كذا" بفتح الهاء، و "يا حسرتاه" بالضم والكسر، والنحويون أجمعون لا يجيزون أن تثبت هذه الهاء مع الوصل .

قوله تعالى: في جنب الله فيه خمسة أقوال . أحدها: في طاعة الله تعالى، قاله الحسن . والثاني: في حق الله، قاله سعيد بن جبير . والثالث: في أمر الله، قاله مجاهد، والزجاج . والرابع: في ذكر الله، قاله عكرمة، والضحاك . والخامس: في قرب الله; روي عن الفراء أنه قال: الجنب: القرب، أي: في قرب الله وجواره; يقال: فلان يعيش في جنب فلان، أي: في قربه وجواره; فعلى هذا يكون المعنى: [على] ما فرطت في طلب قرب الله تعالى، وهو الجنة .

[ ص: 193 ] قوله تعالى: وإن كنت لمن الساخرين أي: وما كنت إلا من المستهزئين بالقرآن وبالمؤمنين في الدنيا .

أو تقول لو أن الله هداني أي: أرشدني إلى دينه لكنت من المتقين الشرك; فيقال لهذا القائل: بلى قد جاءتك آياتي قال الزجاج : و "بلى" جواب النفي، وليس في الكلام لفظ النفي، غير أن معنى "لو أن الله هداني": ما هديت، فقيل: "بلى قد جاءتك آياتي" . وروى ابن أبي سريج [عن الكسائي]: "جاءتك"، "فكذبت"، "واستكبرت"، "وكنت"، بكسر التاء فيهن، مخاطبة للنفس . ومعنى "استكبرت": تكبرت عن الإيمان بها .
ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين . وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون .

قوله تعالى: ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله فزعموا أن له ولدا وشريكا وجوههم مسودة . وقال الحسن: هم الذين يقولون: إن شئنا فعلنا، وإن شئنا لم نفعل . وباقي الآية قد ذكرناه آنفا [الزمر: 32] .

قوله تعالى: وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: "بمفازاتهم" . قال الفراء: وهو كما تقول: قد تبين أمر القوم وأمورهم، وارتفع الصوت والأصوات، والمعنى واحد . وفيها للمفسرين ثلاثة أقوال . أحدها: بفضائلهم، قاله السدي . والثاني: بأعمالهم، قاله ابن السائب، ومقاتل . والثالث: بفوزهم من النار .

[ ص: 194 ] قال المبرد: المفازة: مفعلة من الفوز، وإن جمع فحسن، كقولك: السعادة والسعادات، والمعنى: ينجيهم الله بفوزهم، أي: بنجاتهم من النار وفوزهم بالجنة .
الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل . له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون .

قوله تعالى: له مقاليد السماوات والأرض قال ابن قتيبة : أي: مفاتيحها وخزائنها، لأن مالك المفاتيح مالك الخزائن، واحدها: إقليد، وجمع على غير واحد، كما قالوا: مذاكير جمع ذكر، ويقال: هو فارسي معرب . [وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي: الإقليد: المفتاح، فارسي معرب]، قال الراجز:


لم يؤذها الديك بصوت تغريد ولم تعالج غلقا بإقليد


والمقليد: لغة في الإقليد، والجمع: مقاليد .

وللمفسرين في المقاليد قولان . أحدهما: المفاتيح، قاله ابن عباس . والثاني: الخزائن، قاله الضحاك . وقال الزجاج : تفسيره أن كل شيء في السموات والأرض، فهو خالقه وفاتح بابه . قال المفسرون: مفاتيح السموات: المطر، ومفاتيح الأرض: النبات .
قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون . ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين . بل الله فاعبد وكن من الشاكرين .

[ ص: 195 ] قوله تعالى: أفغير الله تأمروني أعبد قرأ نافع، وابن عامر: "تأمروني أعبد" مخففة، غير أن نافعا فتح الياء، ولم يفتحها ابن عامر . وقرأ ابن كثير: "تأمروني" بتشديد النون وفتح الياء، وقرأ الباقون بسكون الياء . وذلك حين دعوه إلى دين آبائه أيها الجاهلون أي: فيما تأمرون .

قوله تعالى: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك فيه تقديم وتأخير، تقديره: ولقد أوحي إليك لئن أشركت ليحبطن عملك، وكذلك أوحي إلى الذين من قبلك . قال أبو عبيدة: ومجازها مجاز الأمرين اللذين يخبر عن أحدهما ويكف عن الآخر،قال ابن عباس: هذا أدب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وتهديد لغيره، لأن الله عز وجل قد عصمه من الشرك . وقال غيره: إنما خاطبه بذلك، ليعرف من دونه أن الشرك يحبط الأعمال المتقدمة كلها ولو وقع من نبي . وقرأ أبو عمران، وابن السميفع، ويعقوب: "لنحبطن" بالنون، "عملك" بالنصب . بل الله فاعبد أي: وحد .
وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون .

قوله تعالى: وما قدروا الله حق قدره سبب نزولها أن رجلا من أهل الكتاب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا القاسم، بلغك أن الله تعالى يحمل الخلائق على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على إصبع والثرى على إصبع؟! فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فأنزل الله تعالى هذه الآية، قاله [ ص: 196 ] ابن مسعود . [وقد أخرج البخاري ومسلم في "الصحيحين" نحوه في ابن مسعود] . وقد فسرنا أول هذه الآية في [الأنعام: 91] . قال ابن عباس: هذه الآية في الكفار، فأما من آمن بأنه على كل شيء قدير، فقد قدر الله حق قدره .

ثم ذكر عظمته بقوله: والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه وقد أخرج البخاري ومسلم في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟"; وأخرجا من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" يطوي الله عز وجل السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون، أين المتكبرون؟" . قال ابن عباس: الأرض والسموات كلها بيمينه .

[ ص: 197 ] وقال سعيد بن جبير: السموات قبضة والأرضون قبضة .
ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون . وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون . ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون .

قوله تعالى: ونفخ في الصور فصعق وقرأ ابن السميفع، وابن يعمر، والجحدري : "فصعق" بضم الصاد من في السماوات ومن في الأرض أي: ماتوا من الفزع وشدة الصوت . وقد بينا هذه الآية والخلاف في الذين استثنوا في سورة [النمل: 87] .

ثم نفخ فيه أخرى وهي نفخة البعث فإذا هم يعني الخلائق قيام ينظرون .

[ ص: 198 ] قوله تعالى: وأشرقت الأرض بنور ربها أي: أضاءت . والمراد بالأرض: عرصات القيامة .

قوله تعالى: ووضع الكتاب فيه قولان . أحدهما: كتاب الأعمال، قاله قتادة، ومقاتل . والثاني: الحساب، قاله السدي . وفي الشهداء قولان .

أحدهما: أنهم الذين يشهدون على الناس بأعمالهم، قاله الجمهور . ثم فيهم أربعة أقوال . أحدها: أنهم المرسلون من الأنبياء . والثاني: أمة محمد يشهدون للرسل بتبليغ الرسالة وتكذيب الأمم إياهم، رويا عن ابن عباس رضي الله عنه . والثالث: الحفظة، قاله عطاء . والرابع: النبيون والملائكة وأمة محمد صلى الله عليه وسلم والجوارح، قاله ابن زيد .

والثاني: أنهم الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله، قاله قتادة; والأول أصح .

ووفيت كل نفس ما عملت أي: جزاء عملها وهو أعلم بما يفعلون أي: لا يحتاج إلى كاتب ولا شاهد .
وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين . قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين . وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها [ ص: 199 ] وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين . وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين . وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين .

قوله تعالى: وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا قال أبو عبيدة: الزمر: جماعات في تفرقة بعضهم على إثر بعض، واحدها: زمرة .

قوله تعالى: رسل منكم أي: من أنفسكم . و كلمة العذاب هي قوله: لأملأن جهنم [الأعراف: 18] .

قوله تعالى: فتحت أبوابها قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وابن عامر: "فتحت" "وفتحت" مشددتين; وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: بالتخفيف .

وفي هذه الواو ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها زائدة، روي عن جماعة من اللغويين منهم الفراء .

والثاني: أنها واو الحال; فالمعنى: جاؤوها وقد فتحت أبوابها، فدخلت [ ص: 200 ] الواو لبيان أن الأبواب كانت مفتحة قبل مجيئهم، وحذفت من قصة أهل النار لبيان أنها كانت مغلقة قبل مجيئهم، ووجه الحكمة في ذلك من ثلاثة أوجه .

أحدها: أن أهل الجنة جاؤوها وقد فتحت أبوابها ليستعجلوا السرور والفرح إذا رأوا الأبواب مفتحة، وأهل النار يأتونها وأبوابها مغلقة ليكون أشد لحرها، ذكره أبو إسحاق ابن شاقلا من أصحابنا .

والثاني: أن الوقوف على الباب المغلق نوع ذل، فصين أهل الجنة عنه، وجعل في حق أهل النار، ذكره لي بعض مشايخنا .

والثالث: أنه لو وجد أهل الجنة بابها مغلقا لأثر انتظار فتحه في كمال الكرم، ومن كمال الكرم غلق باب النار إلى حين مجيء أهلها، لأن الكريم يعجل المثوبة، ويؤخر العقوبة، وقد قال عز وجل: ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم [النساء: 147]; قال المصنف: هذا وجه خطر لي .

والقول الثالث: أن الواو زيدت، لأن أبواب الجنة ثمانية، وأبواب النار سبعة، والعرب تعطف في العدد بالواو على ما فوق السبعة على ما ذكرناه في قوله: ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم [الكهف: 22]، حكى هذا القول والذي قبله الثعلبي .

واختلف العلماء أين جواب هذه الآية على ثلاثة أقوال .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.45%)]