عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 18-03-2023, 10:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سورة الزمر
الحلقة (473)
صــ 181 إلى صــ 190






قوله تعالى: هل يستويان مثلا هذا استفهام معناه الإنكار، أي: لا يستويان، لأن الخالص لمالك واحد يستحق من معونته وإحسانه ما لا يستحقه صاحب الشركاء المتشاكسين . وقيل: لا يستويان في باب الراحة، لأن هذا قد عرف الطريق إلى رضى مالكه، وذاك متحير بين الشركاء . قال ثعلب: وإنما قال "هل يستويان مثلا" ولم يقل: مثلين، لأنهما جميعا ضربا [ ص: 181 ] مثلا واحدا، ومثله: وجعلنا ابن مريم وأمه آية [المؤمنون: 50]، ولم يقل: آيتين، لأن شأنهما واحد . وتم الكلام هاهنا، ثم قال: الحمد لله أي: له الحمد دون غيره من المعبودين بل أكثرهم لا يعلمون والمراد بالأكثر الكل .

ثم أخبر نبيه بما بعد هذا الكلام أنه يموت، وأن الذين يكذبونه يموتون، وأنهم يجتمعون للخصومة عند الله عز وجل، المحق والمبطل، والمظلوم والظالم . وقال ابن عمر: نزلت هذه الآية وما ندري ما تفسيرها، وما نرى أنها نزلت الا فينا وفي أهل الكتابين، حتى قتل عثمان، فعرفت أنها فينا نزلت . وفي لفظ آخر: حتى وقعت الفتنة بين علي ومعاوية .
فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين . والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون . لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين . ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون .

[ ص: 182 ] قوله تعالى: فمن أظلم ممن كذب على الله بأن دعا له ولدا وشريكا وكذب بالصدق إذ جاءه وهو التوحيد والقرآن أليس في جهنم مثوى للكافرين أي: مقام للجاحدين؟! وهذا استفهام بمعنى التقرير، يعني: إنه كذلك .

قوله تعالى: والذي جاء بالصدق فيه أربعة أقوال .

أحدها: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله علي بن أبي طالب، وابن عباس، وقتادة، وابن زيد . ثم في الصدق الذي جاء به قولان . أحدهما: أنه "لا إله إلا الله"، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال [سعيد] بن جبير . والثاني: [أنه] القرآن، قاله قتادة .

[وفي الذي صدق به ثلاثة أقوال . أحدها: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا، هو جاء بالصدق، وهو صدق به، قاله ابن عباس، والشعبي . والثاني: أنه أبو بكر، قاله علي بن أبي طالب . والثالث: أنهم المؤمنون، قاله قتادة]، والضحاك ، وابن زيد .

والقول الثاني: [أن] الذي جاء بالصدق: أهل القرآن، وهو الصدق الذي يجيبون به يوم القيامة، وقد أدوا حقه، فهم الذين صدقوا به، قاله مجاهد .

والثالث: أن الذي جاء بالصدق الأنبياء، قاله الربيع، فعلى هذا، يكون الذي صدق به: المؤمنون .

والرابع: أن الذي جاء بالصدق: جبريل، وصدق به: محمد، قاله السدي .

[ ص: 183 ] قوله تعالى: أولئك هم المتقون أي: الذين اتقوا الشرك; وإنما قيل: "هم"، لأن معنى "الذي" معنى الجمع، كذلك قال اللغويون، وأنشد أبو عبيدة، والزجاج:


فإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم، كل القوم، يا أم خالد


قوله تعالى: ليكفر الله عنهم المعنى: أعطاهم ما شاؤوا ليكفر عنهم أسوأ الذي عملوا ، أي: ليستر ذلك بالمغفرة ويجزيهم أجرهم بمحاسن أعمالهم، لا بمساوئها .
أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد . ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام . ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون .

[ ص: 184 ] قوله تعالى: أليس الله بكاف عبده ذكر المفسرون أن مشركي مكة قالوا: يا محمد، ما تزال تذكر آلهتنا وتعيبها، فاتق أن تصيبك بسوء، فنزلت هذه الآية . والمراد بعبده هاهنا: محمد صلى الله عليه وسلم .

وقرأ حمزة، والكسائي: "عباده" على الجمع، وهم الأنبياء، لأن الأمم قصدتهم بالسوء; فالمعنى أنه كما كفى الأنبياء قبلك، يكفيك . وقرأ سعد بن أبي وقاص، وأبو عمران الجوني: "بكافي" مثبتة الياء "عبده" بكسر الدال والهاء من غير ألف . وقرأ أبي بن كعب ، وأبو العالية، وأبو الجوزاء، والشعبي مثله، إلا أنهم أثبتوا الألف في "عباده" . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو جعفر، وشيبة، والأعمش: "بكاف" بالتنوين، "عباده" على الجمع . وقرأ ابن مسعود، وأبو رجاء العطاردي: "يكافي" بياء مرفوعة قبل الكاف وياء ساكنة بعد الفاء "عباده" على الجمع .

ويخوفونك بالذين من دونه أي: بالذين يعبدون من دونه، وهم الأصنام .

ثم أعلم بما بعد هذا أن الإضلال والهداية إليه تعالى، وأنه منتقم ممن عصاه . ثم أخبر أنهم مع عبادتهم، يقرون أنه الخالق . ثم أمر أن يحتج عليهم بأن ما يعبدون لا يملك كشف ضر ولا جذب خير .

وقرأ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم: "كاشفات ضره" و "ممسكات رحمته" منونا . والباقون: "كاشفات ضره" و "ممسكات رحمته" على الإضافة .
[ ص: 185 ] قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون . من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم . إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل .

قوله تعالى: قل يا قوم اعملوا ذكر بعض المفسرين أنها والآية التي تليا نسخت بآية السيف .

قوله تعالى: إنا أنزلنا عليك الكتاب يعني القرآن للناس أي: لجميع الخلق بالحق ليس فيه باطل . وتمام الآية مفسر في آخر [يونس: 108]، وذكروا أنه منسوخ بآية السيف .
الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون .

قوله تعالى: الله يتوفى الأنفس حين موتها أي: يقبض الأرواح حين موت أجسادها والتي لم تمت أي: ويتوفى التي لم تمت في منامها .

فيمسك أي: عن الجسد [والنفس] التي قضى عليها الموت وقرأ حمزة، والكسائي: "قضي" بضم القاف وفتح الياء، "الموت" بالرفع .

ويرسل الأخرى إلى الجسد إلى أجل مسمى وهو انقضاء العمر إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون في أمر البعث . وروى [ ص: 186 ] [سعيد] بن جبير عن ابن عباس قال: تلتقي أرواح الأحياء وأرواح الأموات في المنام، فيتعارفون ويتساءلون، ثم ترد أرواح الأحياء إلى أجسادها، فلا يخطأ بشيء منها، فذلك قوله: "إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" وقال ابن عباس في رواية أخرى: في ابن آدم نفس وروح، فبالنفس العقل والتمييز، وبالروح النفس والتحريك، فإذا نام العبد، قبض الله نفسه ولم يقبض روحه . وقال ابن جريج: في الإنسان روح ونفس، بينهما حاجز، فهو تعالى يقبض النفس عند النوم يردها إلى الجسد عند الانتباه، فإذا أراد إماتة العبد في نومه، لم يرد النفس وقبض الروح .

وقد اختلف العلماء، هل بين النفس والروح فرق؟ على قولين قد ذكرتهما في "الوجوه والنظائر"، وزدت هذه الآية شرحا في باب التوفي في كتاب "النظائر" . وذهب بعض العلماء إلى أن التوفي المذكور في حق النائم هو نومه، وهذا اختيار الفراء وابن الأنباري; فعلى هذا، يكون معنى توفي النائم: قبض نفسه عن التصرف، وإرسالها: إطلاقها باليقظة للتصرف .
أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون . قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون .

قوله تعالى: أم اتخذوا يعني كفار مكة .

[ ص: 187 ] وفي المراد بالشفعاء قولان . أحدهما: أنها أصنام، زعموا أنها تشفع لهم في حاجاتهم، قاله الأكثرون . والثاني: الملائكة، قاله مقاتل .

قل أولو كانوا لا يملكون شيئا من الشفاعة ولا يعقلون أنكم تعبدونهم؟! وجواب هذا الاستفهام محذوف، تقديره: أولو كانوا بهذه الصفة تتخذونهم؟!

قل لله الشفاعة جميعا أي: لا يملكها أحد إلا بتمليكه، ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه .

وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون . قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون . ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون . وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون .

قوله تعالى: وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: انقبضت عن التوحيد، قاله ابن عباس، ومجاهد . والثاني: استكبرت، قاله قتادة . والثالث: نفرت، قاله أبو عبيدة، والزجاج .

قوله تعالى: وإذا ذكر الذين من دونه يعني الأصنام إذا هم يستبشرون يفرحون . وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [الأنعام: 14، 73 ،البقرة: 113، الرعد: 18] إلى قوله: وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون .

[ ص: 188 ] قال السدي: ظنوا أن أعمالهم حسنات، فبدت لهم سيئات . وقال غيره: عملوا أعمالا ظنوا أنها تنفعهم، فلم تنفع مع شركهم . قال مقاتل: ظهر لهم حين بعثوا ما لم يحتسبوا أنه نازل بهم; فهذا القول يحتمل وجهين .

أحدهما: أنهم كانوا يرجون القرب من الله بعبادة الأصنام، فلما عوقبوا عليها، بدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون .

والثاني: أن البعث والجزاء لم يكن في حسابهم . وروي عن محمد بن المنكدر أنه جزع عند الموت وقال: أخشى هذه الآية أن يبدو لي ما لا أحتسب .

قوله تعالى: وحاق بهم أي: نزل بهم ما كانوا به يستهزئون أي: ما كانوا ينكرونه ويكذبون به .
فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون . قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون . فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين . أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون .

قوله تعالى: فإذا مس الإنسان ضر دعانا قال مقاتل: هو أبو حذيفة ابن المغيرة، وقد سبق في هذه السورة نظيرها [الزمر: 8] . وإنما كنى عن النعمة بقوله: أوتيته ، لأن المراد بالنعمة: الإنعام .

على علم عندي، أي: على خير علمه الله عندي . وقيل: على علم من الله بأني له أهل، قال الله تعالى: بل هي يعني النعمة التي أنعم [الله] عليه بها فتنة أي: بلوى يبتلى بها العبد ليشكر أو يكفر، [ ص: 189 ] ولكن أكثرهم لا يعلمون أن ذلك استدراج لهم وامتحان . وقيل: "بل هي" أي: المقالة التي قالها "فتنة" .

قد قالها يعني تلك الكلمة، وهي قوله: "إنما أوتيته على علم" الذين من قبلهم وفيهم قولان . أحدهما: أنهم الأمم الماضية، قاله السدي . والثاني: قارون، قاله مقاتل .

قوله تعالى: فما أغنى عنهم أي: ما دفع عنهم العذاب ما كانوا يكسبون وفيه ثلاثة أقوال . أحدها: من الكفر . والثاني: من عبادة الأصنام . والثالث: من الأموال .

فأصابهم سيئات ما كسبوا أي: جزاء سيئاتهم، وهو العذاب .

ثم أوعد كفار مكة، فقال: والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين أي: إنهم لا يعجزون الله ولا يفوتونه .

قال مقاتل: ثم وعظهم ليعلموا وحدانيته حين مطروا بعد سبع سنين، فقال: أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك أي: في بسط الرزق وتقتيره لآيات لقوم يؤمنون .
قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم . وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون . واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون .

قوله تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم في سبب نزولها أربعة أقوال .

[ ص: 190 ] أحدها: أن ناسا من المشركين كانوا قد قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزلت هذه الآية، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس .

والثاني: أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة والوليد ونفر من المسلمين كانوا قد أسلموا، ثم عذبوا فافتتنوا، فكان أصحاب رسول الله يقولون: لا يقبل الله من هؤلاء صرفا ولا عدلا، قوم تركوا دينهم بعذاب عذبوه، فنزلت هذه الآية، فكتبها عمر إلى عياش والوليد وأولئك النفر، فأسلموا وهاجروا; وهذا قول ابن عمر .

والثالث: أنها نزلت في وحشي; وهذا القول ذكرناه مشروحا في آخر [الفرقان: 68] عن ابن عباس .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.88 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.41%)]