عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 18-03-2023, 10:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سورة الزمر
الحلقة (471)
صــ 161 إلى صــ 170




[ ص: 161 ] بسم الله الرحمن الرحيم

تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم . إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين . ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار .

قوله تعالى: تنزيل الكتاب قال الزجاج : الكتاب هاهنا القرآن، ورفع "تنزيل" من وجهين . أحدهما: الابتداء، ويكون الخبر من الله ، فالمعنى: نزل من عند الله . والثاني: على إضمار: هذا تنزيل الكتاب; و مخلصا منصوب على الحال; فالمعنى: فاعبد الله موحدا لا تشرك به شيئا .

قوله تعالى: ألا لله الدين الخالص يعني: الخالص من الشرك، وما سواه ليس بدين الله الذي أمر به; [وقيل]: المعنى: لا يستحق الدين الخالص إلا الله .

والذين اتخذوا من دونه أولياء يعنى آلهة، ويدخل في هؤلاء اليهود حين قالوا: عزير ابن الله والنصارى لقولهم: المسيح ابن الله [التوبة: 30] وجميع عباد الأصنام، ويدل عليه قوله بعد ذلك : لو أراد الله أن يتخذ ولدا [الزمر: 4] .

[ ص: 162 ] قوله تعالى: ما نعبدهم أي: يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى أي: إلا ليشفعوا لنا إلى الله . والزلفى: القربى، وهو اسم أقيم مقام المصدر، فكأنه قال: إلا ليقربونا إلى الله تقريبا .

إن الله يحكم بينهم أي: بين أهل الأديان فيما كانوا يختلفون فيه من أمر الدين . وذهب قوم إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف، ولا وجه لذلك .

قوله تعالى: إن الله لا يهدي أي: لا يرشد من هو كاذب في قوله: إن الآلهه تشفع كفار أي: كافر باتخاذها آلهة، وهذا إخبار عمن سبق عليه القضاء بحرمان الهداية .

لو أراد الله أن يتخذ ولدا [أي]: على ما يزعم من ينسب ذلك إلى الله لاصطفى أي: لاختار مما يخلق . قال مقاتل: أي: من الملائكة .
خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار .

قوله تعالى: خلق السماوات والأرض بالحق [أي]: لم يخلقهما لغير شيء .

[ ص: 163 ] يكور الليل على النهار قال أبو عبيدة: يدخل هذا على هذا . قال ابن قتيبة : وأصل التكوير: اللف، ومنه كور العمامة . وقال غيره . التكوير: طرح الشيء بعضه على بعض .

وسخر الشمس والقمر أي: ذللهما للسير على ما أراد كل يجري لأجل مسمى أي: إلى الأجل الذي وقت الله للدنيا . وقد شرحنا معنى العزيز في [البقرة: 129] ومعنى الغفار في [طه: 82] .
خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون .

قوله تعالى: خلقكم من نفس واحدة يعني آدم ثم جعل منها زوجها أي: قبل خلقكم جعل منها زوجها، لأن حواء خلقت قبل الذرية، ومثله في الكلام أن تقول: قد أعطيتك اليوم شيئا، ثم الذي أعطيتك أمس أكثر; هذا اختيار الفراء . وقال غيره: ثم أخبركم أنه خلق منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام أي: خلق ثمانية أزواج ، وقد بيناها في سورة [الأنعام: 143]

خلقا من بعد خلق أي: نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظما ثم لحما ثم أنبت الشعر، إلى غير ذلك من تقلب الأحوال إلى إخراج الأطفال، هذا قول الجمهور . وقال ابن زيد: خلقا في البطون من بعد خلقكم في ظهر آدم .

قوله تعالى: في ظلمات ثلاث ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة [ ص: 164 ] المشيمة، قاله الجمهور، وابن زيد معهم . وقال أبو عبيدة: إنها ظلمة صلب الأب، وظلمة بطن المرأة، وظلمة الرحم .

قوله تعالى: فأنى تصرفون أي: من أين تصرفون عن طريق الحق بعد هذا البيان؟!
إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور .

إن تكفروا فإن الله غني عنكم أي: عن إيمانكم وعبادتكم ولا يرضى لعباده الكفر فيه قولان . أحدهما: لا يرضاه للمؤمنين، قاله ابن عباس . والثاني: لا يرضاه لأحد وإن وقع بإرادته، وفرق بين الإرادة والرضى، وقد أشرنا إلى هذا في [البقرة: 205] عند قوله: والله لا يحب الفساد .

وإن تشكروا يرضه لكم أي: يرضى ذلك الشكر لكم، إنه عليم بذات الصدور أي: بما في القلوب .
وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار .

[ ص: 165 ] قوله تعالى: وإذا مس الإنسان ضر اختلفوا فيمن نزلت على قولين . أحدهما: في عتبة بن ربيعة، قاله عطاء . والثاني: في أبي حذيفة بن المغيرة، قاله مقاتل . والضر: البلاء والشدة .

منيبا إليه أي: راجعا إليه من شركه .

ثم إذا خوله أي: أعطاه وملكه نعمة منه بعد البلاء الذي أصابه، كالصحة بعد المرض، والغنى بعد الفقر نسي أي: ترك ما كان يدعو إليه، وفيه ثلاثة أقوال . أحدها: نسي الدعاء الذي كان يتضرع به إلى الله تعالى . والثاني: نسي الضر الذي [كان] يدعو [الله] إلى كشفه . والثالث: نسي الله الذي [كان] يتضرع إليه . قال الزجاج : وقد تدل "ما" على الله عز وجل، كقوله: ولا أنتم عابدون ما أعبد [الكافرون: 3] . وقال الفراء: ترك ما كان يدعو إليه . وقد سبق معنى الأنداد [البقرة: 22] ومعنى ليضل عن سبيل الله [الحج: 9] .

قوله تعالى: قل تمتع بكفرك لفظه لفظ الأمر ومعناه التهديد، ومثله: فتمتعوا فسوف تعلمون [النحل: 55] .
أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب . قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب .

قوله تعالى: أمن هو قانت قرأ ابن كثير، ونافع، وحمزة، وأبو جعفر، [ ص: 166 ] والمفضل عن عاصم، وزيد عن يعقوب: "أمن" بالتخفيف; وقرأ الباقون: بالتشديد . فأما المشددة، فمعناها: أهذا الذي ذكرنا خير، أمن هو قانت؟ والأصل في "أمن": أم من، فأدغمت الميم في الميم . وأما المخففة، ففي تقديرها ثلاثة أوجه .

أحدها: أنها بمعنى النداء . قال الفراء: فسرها الذين قرؤوا بها فقالوا: يا من هو قانت، وهو وجه حسن، والعرب تدعو بالألف كما تدعو بياء، فيقولون: يا زيد أقبل، وأزيد أقبل، فيكون المعنى: أنه ذكر الناسي الكافر، ثم قص قصة الصالح بالنداء، كما تقول: فلان لا يصوم ولا يصلي، فيا من يصوم أبشر .

والثاني: أن تقديرها: أمن هو قانت كمن ليس بقانت؟!

والثالث: أمن هو قانت كمن جعل لله أندادا؟!

وقد ذكرنا معنى القنوت في [البقرة: 116] ومعنى آناء الليل في [آل عمران: 113] .

قوله تعالى: ساجدا وقائما يعني في الصلاة . وفيمن نزلت فيه هذه الآية خمسة أقوال . أحدها: أنه أبو بكر الصديق، رواه عطاء عن ابن عباس . [ ص: 167 ] والثاني: عثمان بن عفان، قاله ابن عمر . والثالث: عمار بن ياسر، قاله مقاتل . والرابع: ابن مسعود، وعمار، وصهيب، وأبو ذر، قاله ابن السائب . والخامس: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكاه يحيى بن سلام .

قوله تعالى: يحذر الآخرة أي: عذاب الآخرة . وقد قرأ ابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، وعروة، وسعيد بن جبير، وأبو رجاء، وأبو عمران: "يحذر عذاب الآخرة" بزيادة "عذاب" .

ويرجو رحمة ربه فيها قولان . أحدهما: أنها المغفرة، قاله ابن السائب . والثاني: الجنة، قاله مقاتل .

قوله تعالى: قل هل يستوي الذين يعلمون أن ما وعد الله من الثواب [ ص: 168 ] والعقاب حق والذين لا يعلمون وباقي الآية قد تقدم في [الرعد: 19]، وكذلك قوله: للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة قد تقدم في [النحل: 30] .

وفي قوله: وأرض الله واسعة قولان . أحدهما: أنه حث لهم على الهجرة من مكة إلى حيث يأمنون . والثاني: أنها أرض الجنة رغبهم فيها .

إنما يوفى الصابرون الذين صبروا لأجل الله تعالى على ما نالهم بغير حساب أي :يعطون عطاء كثيرا أوسع من أن يحسب وأعظم من أن يحاط به، لا على قدر أعمالهم .
قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين . وأمرت لأن أكون أول المسلمين . قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم . قل الله أعبد مخلصا له ديني . فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين . لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون . والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد . الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب .

قوله تعالى: قل إني أمرت قال مقاتل: وذلك أن كفار قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حملك على الذي أتيتنا به؟! ألا تنظر إلى ملة آبائك [ ص: 169 ] فتأخذ بها؟! فنزلت هذه الآية; والمعنى: قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين أي: أمرت أن أعبده على التوحيد والإخلاص السالم من الشرك، وأمرت لأن أكون أول المسلمين من هذه الأمة .

قل إني أخاف إن عصيت ربي بالرجوع إلى دين آبائي عذاب يوم عظيم وقد اختلفوا في نسخ هذه الآية كما بينا في نظيرتها في [الأنعام: 15] .

قل الله أعبد مخلصا له ديني بالتوحيد، فاعبدوا ما شئتم ، وهذا تهديد، وبعضهم يقول: هو منسوخ بآية السيف، وهذا باطل، لأنه لو كان أمرا، كان منسوخا، فأما أن يكون بمعنى الوعيد، فلا وجه لنسخه .

قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم بأن صاروا إلى النار [و]خسروا أهليهم فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم خسروا الحور العين اللواتي أعددن لهم في الجنة لو أطاعوا قاله الحسن، وقتادة .

والثاني: خسروا الأهل في النار، إذ لا أهل لهم فيها، قاله مجاهد، وابن زيد .

والثالث: خسروا أهليهم الذين كانوا في الدنيا، إذ صاروا إلى النار بكفرهم، وصار أهلوههم إلى الجنة بإيمانهم، قاله الماوردي .

قوله تعالى: لهم من فوقهم ظلل من النار وهي الأطباق من النار . وإنما قال: ومن تحتهم ظلل لأنها ظلل لمن تحتهم ذلك الذي وصف الله من العذاب يخوف الله به عباده المؤمنين .

[ ص: 170 ] قوله تعالى: والذين اجتنبوا الطاغوت روى ابن زيد عن أبيه أن هذه الآية والتي بعدها نزلت في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يوحدون الله تعالى: زيد بن عمرو بن نفيل، وأبو ذر، وسلمان الفارسي، رضى الله عنهم; قال: أولئك الذين هداهم الله بغير كتاب ولا نبي .

وفي المراد بالطاغوت هاهنا ثلاثة أقوال . أحدها: الشياطين، قاله مجاهد . والثاني: الكهنة، قاله ابن السائب . والثالث: الأوثان، قاله مقاتل، فعلى قول مقاتل هذا: إنما قال: "يعبدوها" لأنها مؤنثة . وقال الأخفش: إنما قال: "يعبدوها" لأن الطاغوت في معنى جماعة، وإن شئت جعلته واحدا مؤنثا .

قوله تعالى: وأنابوا إلى الله أي: رجعوا إليه بالطاعة لهم البشرى بالجنة فبشر عباد بباء، وحرك الياء أبو عمرو .

ثم نعتهم فقال: الذين يستمعون القول وفيه ثلاثة أقوال .

أحدها: [أنه] القرآن، قاله الجمهور . فعلى هذا، في معنى فيتبعون أحسنه أقوال قد شرحناها في [الأعراف: 145] عند قوله: وأمر قومك يأخذوا بأحسنها .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.48 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.46%)]