
17-03-2023, 12:05 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السابع
الحلقة (517)
سُورَةُ الذَّارِيَاتِ .
صـ 443 إلى صـ 450
[ ص: 443 ] وهذا يدل على أنهم إنما اتفقوا ، لأن قلوب بعضهم تشبه قلوب بعض في الكفر والطغيان ، فتشابهت مقالاتهم للرسل لأجل تشابه قلوبهم .
وقد أوضح تعالى هذا المعنى في سورة البقرة : كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم [ 2 \ 118 ] .
قوله تعالى : فتول عنهم فما أنت بملوم .
نفيه - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة للوم عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - يدل على أنه أدى الأمانة ونصح للأمة .
وقد أوضح تعالى هذا المعنى في غير هذا الموضع كقوله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [ 5 \ 3 ] ، وقوله تعالى : فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب [ 13 \ 40 ] ، والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة معلومة .
قوله تعالى : وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين .
قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يجعل الله شيئا لحكم متعددة فيذكر بعض حكمه في بعض المواضع ، فإنا نذكر بقية حكمه ، والآيات الدالة عليها ، وقد قدمنا أمثلة ذلك .
ومن ذلك القبيل هذه الآية الكريمة ، فإنها تضمنت واحدة من حكم التذكير وهي رجاء انتفاع المذكر به ، لأنه تعالى قال هنا : وذكر ، ورتب عليه قوله : فإن الذكرى تنفع المؤمنين .
ومن حكم ذلك أيضا خروج المذكر من عهدة التكليف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد جمع الله هاتين الحكمتين في قوله : قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون [ 7 \ 134 ] .
ومن حكم ذلك أيضا النيابة عن الرسل في إقامة حجة الله على خلقه في أرضه ; لأن الله تعالى يقول : رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل [ 4 \ 165 ] .
[ ص: 444 ] وقد بين هذه الحجة في آخر " طه " في قوله : ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك [ 20 \ 134 ] .
وأشار لها في القصص في قوله : ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين [ 28 \ 47 ] .
وقد قدمنا هذه الحكم في سورة المائدة في الكلام على قوله تعالى : عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم [ 5 \ 105 ] .
قوله تعالى : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون .
اختلف العلماء في معنى قوله : ليعبدون ، فقال بعضهم : المعنى ما خلقتهم إلا ليعبدني السعداء منهم ويعصيني الأشقياء ، فالحكمة المقصودة من إيجاد الخلق التي هي عبادة الله حاصلة بفعل السعداء منهم كما يدل عليه قوله تعالى : فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين [ 6 \ 89 ] ، وهذا القول نقله ابن جرير عن زيد بن أسلم وسفيان .
وغاية ما يلزم على هذا القول أنه أطلق فيها المجموع وأراد بعضهم .
وأمثال ذلك كثيرة في القرآن ، ومن أوضحها قراءة حمزة والكسائي : " فإن قتلوكم فاقتلوهم " ، من القتل لا من القتال ، وقد بينا هذا في مواضع متعددة ، وذكرنا أن من شواهده العربية قول الشاعر :
فسيف بني عبس وقد ضربوا به نبا من يدي ورقاء عن رأس خالد فتراه نسب الضرب لبني عبس مع تصريحه أن الضارب الذي نبا بيده السيف عن رأس خالد يعني ابن جعفر الكلابي ، هو ورقاء يعني ابن زهير العبسي .
وقد قدمنا في الحجرات أن من ذلك قوله تعالى : قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا [ 49 \ 147 ] ، بدليل قوله : ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر إلى قوله : سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم [ 9 \ 99 ] .
وقال بعض العلماء : معنى قوله : إلا ليعبدون : أي " إلا ليقروا لي بالعبودية طوعا [ ص: 445 ] أو كرها " ، لأن المؤمن يطيع باختياره والكافر مذعن منقاد لقضاء ربه جبرا عليه ، وهذا القول رواه ابن جرير عن ابن عباس واختاره ، ويدل له قوله تعالى : ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها [ 13 \ 15 ] ، والسجود والعبادة كلاهما خضوع وتذلل لله - جل وعلا - وقد دلت الآية على أن بعضهم يفعل ذلك طوعا وبعضهم يفعله كرها .
وعن مجاهد أنه قال : إلا ليعبدون : أي إلا ليعرفوني . واستدل بعضهم لهذا القول بقوله : ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله [ 43 \ 87 ] ، ونحو ذلك من الآيات وهو كثير في القرآن ، وقد أوضحنا كثرته فيه في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [ 17 \ 9 ] .
وقال بعض أهل العلم : وهو مروي عن مجاهد أيضا معنى قوله : إلا ليعبدون : أي إلا لآمرهم بعبادتي فيعبدني من وفقته منهم لعبادتي دون غيره ، وعلى هذا القول : فإرادة عبادتهم المدلول عليها باللام في قوله : ليعبدون - إرادة دينية شرعية وهي الملازمة للأمر ، وهي عامة لجميع من أمرتهم الرسل لطاعة الله ، لا إرادة كونية قدرية ، لأنها لو كانت كذلك لعبده جميع الإنس والجن ، والواقع خلاف ذلك بدليل قوله تعالى : قل ياأيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد إلى آخر السورة .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : التحقيق - إن شاء الله - في معنى هذه الآية الكريمة إلا ليعبدون ، أي إلا لآمرهم بعبادتي وأبتليهم أي أختبرهم بالتكاليف ، ثم أجازيهم على أعمالهم ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، وإنما قلنا إن هذا هو التحقيق في معنى الآية ، لأنه تدل عليه آيات محكمات من كتاب الله ، فقد صرح تعالى في آيات من كتابه أنه خلقهم ليبتليهم أيهم أحسن عملا ، وأنه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم .
قال تعالى في أول سورة هود : وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء [ 11 \ 7 ] ، ثم بين الحكمة في ذلك فقال : ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين [ 11 \ 7 ] .
[ ص: 446 ] وقال تعالى في أول سورة الملك : الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ 67 \ 2 ] .
وقال تعالى في أول سورة الكهف : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا [ 18 \ 7 ] .
فتصريحه - جل وعلا - في هذه الآيات المذكورة بأن حكمة خلقه للخلق ، هي ابتلاؤهم أيهم أحسن عملا ، يفسر قوله : ليعبدون . وخير ما يفسر به القرآن - القرآن .
ومعلوم أن نتيجة العمل المقصود منه لا تتم إلا بجزاء المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، ولذا صرح تعالى بأن حكمة خلقهم أولا وبعثهم ثانيا ، هو جزاء المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، وذلك في قوله تعالى في أول يونس : إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون [ 10 \ 4 ] ، وقوله في النجم : ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى [ 53 \ 31 ] .
وقد أنكر تعالى على الإنسان حسبانه وظنه أنه يترك سدى ، أي مهملا ، لم يؤمر ولم ينه ، وبين أنه ما نقله من طور إلى طور حتى أوجده إلا ليبعثه بعد الموت أي ويجازيه على عمله ، قال تعالى : أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى إلى قوله : أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى [ 75 \ 36 - 40 ] .
والبراهين على البعث دالة على الجزاء ، وقد نزه تعالى نفسه عن هذا الظن الذي ظنه الكفار به تعالى ، وهو أنه لا يبعث الخلق ولا يجازيهم منكرا ذلك عليهم في قوله : أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم [ 23 \ 115 - 116 ] .
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في أول سورة الأحقاف في الكلام على قوله تعالى : ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى [ 46 \ 3 ] .
تنبيه :
اعلم أن الآيات الدالة على حكمة خلق الله للسماوات والأرض وأهلهما وما بينهما [ ص: 447 ] قد يظن غير المتأمل أن بينهما اختلافا ، والواقع خلاف ذلك ; لأن كلام الله لا يخالف بعضه بعضا ، وإيضاح ذلك أن الله تبارك وتعالى ذكر في بعض الآيات أن حكمة خلقه للسماوات والأرض هي إعلام خلقه بأنه قادر على كل شيء ، وأنه محيط بكل شيء علما ، وذلك في قوله تعالى في آخر الطلاق : الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما [ 65 \ 12 ] .
وذكر في مواضع كثيرة من كتابه أنه خلق الخلق ليبين للناس كونه هو المعبود وحده ، كقوله تعالى : وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم [ 2 \ 163 ] ، ثم أقام البرهان على أنه إله واحد بقوله بعده : إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار إلى قوله : لآيات لقوم يعقلون [ 2 \ 164 ] ، ولما قال : ياأيها الناس اعبدوا ربكم [ 2 \ 21 ] ، بين أن خلقهم برهان على أنه المعبود وحده بقوله بعده : الذي خلقكم والذين من قبلكم الآية [ 2 \ 21 ] .
والاستدلال على أن المعبود واحد بكونه هو الخالق - كثير جدا في القرآن ، وقد أوضحنا الآيات الدالة عليه في أول سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى : وخلق كل شيء فقدره تقديرا واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا الآية [ 25 \ 2 - 3 ] ، وفي سورة الرعد في الكلام على قوله تعالى : أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء الآية [ 13 \ 16 ] ، وفي غير ذلك من المواضع .
وذكر في بعض الآيات أنه خلق السماوات والأرض ليبتلي الناس ، وذلك في قوله : وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ 11 \ 7 ] .
وذكر في بعض الآيات أنه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم وذلك في قوله : إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط الآية [ 10 \ 4 ] ، وذكر في آية الذاريات هذه أنه ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه ، فقد يظن غير العالم أن بين هذه الآيات اختلافا مع أنها لا اختلاف بينها ، لأن الحكم المذكور فيها كلها راجع إلى شيء واحد ، وهو معرفة الله وطاعته ومعرفة وعده ووعيده ، فقوله : لتعلموا أن الله على كل شيء قدير [ 65 \ 12 ] ، [ ص: 448 ] وقوله : اعبدوا ربكم الذي خلقكم [ 2 \ 21 ] راجع إلى شيء واحد هو العلم بالله ، لأن من عرف الله أطاعه ووحده .
وهذا العلم يعلمهم الله إياه ويرسل لهم الرسل بمقتضاه ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حي عن بينة ، فالتكليف بعد العلم ، والجزاء بعد التكليف ، فظهر بهذا اتفاق الآيات لأن الجزاء لا بد له من تكليف ، وهو الابتلاء المذكور في الآيات والتكليف لا بد له من علم ، ولذا دل بعض الآيات على أن حكمة الخلق للمخلوقات هي العلم بالخالق ، ودل بعضها على أنها الابتلاء ، ودل بعضها على أنها الجزاء ، وكل ذلك حق لا اختلاف فيه ، وبعضه مرتب على بعض .
وقد بينا معنى إلا ليعبدون في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " في سورة هود في الكلام على قوله تعالى : ولذلك خلقهم [ 11 \ 119 ] ، وبينا هناك أن الإرادة المدلول عليها باللام في قوله : ولذلك خلقهم أي ولأجل الاختلاف إلى شقي وسعيد خلقهم ، وفي قوله : ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس [ 7 \ 179 ] إرادة كونية قدرية ، وأن الإرادة المدلول عليها باللام في قوله : إلا ليعبدون ، إرادة دينية شرعية .
وبينا هناك أيضا الأحاديث الدالة على أن الله خلق الخلق منقسما إلى شقي وسعيد ، وأنه كتب ذلك وقدره قبل أن يخلقهم ، وقال تعالى : هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن [ 64 \ 2 ] ، : وقال : فريق في الجنة وفريق في السعير [ 42 \ 7 ] .
والحاصل : أن الله دعا جميع الناس على ألسنة رسله إلى الإيمان به وعبادته وحده وأمرهم بذلك ، وأمره بذلك مستلزم للإرادة الدينية الشرعية ، ثم إن الله - جل وعلا - يهدي من يشاء منهم ويضل من يشاء بإرادته الكونية القدرية فيصيرون إلى ما سبق به العلم من شقاوة وسعادة ، وبهذا تعلم وجه الجمع بين قوله : ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس . وقوله : ولذلك خلقهم ، وبين قوله : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، وإنما ذكرنا أن الإرادة قد تكون دينية شرعية ، وهي ملازمة للأمر والرضا ، وقد تكون كونية قدرية وليست ملازمة لهما ، لأن الله يأمر الجميع بالأفعال المرادة منهم دينا ، ويريد ذلك كونا وقدرا من بعضهم دون بعض ، كما قال تعالى : وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله [ 4 \ 64 ] ، [ ص: 449 ] فقوله : إلا ليطاع أي : فيما جاء به من عندنا ، لأنه مطلوب مراد من المكلفين شرعا ودينا ، وقوله : بإذن الله يدل على أنه لا يقع من ذلك إلا ما أراده الله كونا وقدرا ، والله - جل وعلا - يقول : والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم [ 10 \ 25 ] ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " كل ميسر لما خلق له " ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون .
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى : وهو يطعم ولا يطعم [ 6 \ 14 ] .
قوله تعالى : فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون .
أصل الذنوب في لغة العرب الدلو ، وعادة العرب أنهم يقتسمون ماء الآبار والقلب بالدلو ، فيأخذ هذا منه ملء دلو ، ويأخذ الآخر كذلك ، ومن هنا أطلقوا اسم الذنوب التي هي الدلو على النصيب . قال الراجز في اقتسامهم الماء بالدلو :
لنا ذنوب ولكم ذنوب فإن أبيتم فلنا القليب ويروى :
إنا إذا شاربنا شريب له ذنوب ولنا ذنوب
فإن أبى كان لنا القليب ومن إطلاق الذنوب على مطلق النصيب قول علقمة بن عبدة التميمي ، وقيل عبيد :
وفي كل حي قد خبطت بنعمة فحق لشأس من نداك ذنوب
وقول أبي ذؤيب :
لعمرك والمنايا طارقات لكل بني أب منها ذنوب
فالذنوب في البيتين النصيب ، ومعنى الآية الكريمة : فإن للذين ظلموا بتكذيب [ ص: 450 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - ذنوبا ، أي نصيبا من عذاب الله مثل ذنوب أصحابهم من الأمم الماضية من العذاب لما كذبوا رسلهم .
وهذا المعنى الذي تضمنته هذه الآية الكريمة جاء موضحا في آيات كثيرة من كتاب الله كقوله تعالى : قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين [ 39 \ 50 ] .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : فلا يستعجلون قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الرعد في الكلام على قوله تعالى : ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات [ 13 \ 6 ] ، وفي سورة مريم في الكلام على قوله : فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا [ 19 \ 84 ] ، وغير ذلك من المواضع .
قوله تعالى : فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون .
ما تضمنته هذه الآية الكريمة من تهديد الكفار بالويل من يوم القيامة لما ينالهم فيه من عذاب النار - جاء موضحا في آيات كثيرة كقوله تعالى في " ص " : فويل للذين كفروا من النار [ 38 \ 27 ] ، وقوله في إبراهيم : وويل للكافرين من عذاب شديد [ 14 \ 2 ] ، وقوله في المرسلات : ويل يومئذ للمكذبين [ 77 \ 15 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة .
وقد قدمنا أن كلمة وويل ، قال فيها بعض أهل العلم : إنها مصدر لا فعل له من لفظه ، ومعناه الهلاك الشديد ، وقيل : هو واد في جهنم تستعيذ من حره ، والذي سوغ الابتداء بهذه النكرة أن فيها معنى الدعاء .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|