
12-03-2023, 12:39 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (428)
صــ 157 إلى صــ 171
ويعني ب "كيدهم " ، غوائلهم التي يبتغونها للمسلمين ، ومكرهم بهم ليصدوهم عن الهدى وسبيل الحق . [ ص: 157 ]
قال أبو جعفر : واختلف القرأة في قراءة قوله : " لا يضركم " .
فقرأ ذلك جماعة من أهل الحجاز وبعض البصريين : ( لا يضركم ) مخففة بكسر "الضاد " ، من قول القائل : "ضارني فلان فهو يضيرني ضيرا " . وقد حكي سماعا من العرب : "ما ينفعني ولا يضورني " ، فلو كانت قرئت على هذه اللغة لقيل : ( لا يضركم كيدهم شيئا ) ، ولكني لا أعلم أحدا قرأ به " .
وقرأ ذلك جماعة من أهل المدينة وعامة قرأة أهل الكوفة : ( لا يضركم كيدهم شيئا ) بضم "الضاد " وتشديد "الراء " ، من قول القائل : ضرني فلان فهو يضرني ضرا " .
وأما الرفع في قوله : " لا يضركم " ، فمن وجهين .
أحدهما : على إتباع "الراء " في حركتها - إذ كان الأصل فيها الجزم ، ولم يمكن جزمها لتشديدها - أقرب حركات الحروف التي قبلها . وذلك حركة "الضاد " وهي الضمة ، فألحقت بها حركة الراء لقربها منها ، كما قالوا : "مد يا هذا " .
والوجه الآخر من وجهي الرفع في ذلك : أن تكون مرفوعة على صحة ، وتكون "لا " بمعنى "ليس " ، وتكون "الفاء " التي هي جواب الجزاء ، متروكة لعلم السامع بموضعها .
وإذا كان ذلك معناه ، كان تأويل الكلام : وإن تصبروا وتتقوا ، فليس يضركم كيدهم شيئا - ثم تركت "الفاء " من قوله : " لا يضركم كيدهم " ، ووجهت "لا " إلى معنى "ليس " ، كما قال الشاعر :
فإن كان لا يرضيك حتى تردني إلى قطري ، لا إخالك راضيا [ ص: 158 ]
ولو كانت "الراء " محركة إلى النصب والخفض ، كان جائزا ، كما قيل : "مد يا هذا ، ومد .
وقوله : " إن الله بما يعملون محيط " ، يقول جل ثناؤه : إن الله بما يعمل هؤلاء الكفار في عباده وبلاده من الفساد والصد عن سبيله ، والعداوة لأهل دينه ، وغير ذلك من معاصي الله "محيط " بجميعه ، حافظ له ، لا يعزب عنه شيء منه ، حتى يوفيهم جزاءهم على ذلك كله ، ويذيقهم عقوبته عليه .
[ ص: 159 ] القول في تأويل قوله ( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم ( 121 ) )
قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين " ، وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم ، أيها المؤمنون ، كيد هؤلاء الكفار من اليهود شيئا ، ولكن الله ينصركم عليهم إن صبرتم على طاعتي واتباع أمر رسولي ، كما نصرتكم ببدر وأنتم أذلة . وإن أنتم خالفتم ، أيها المؤمنون ، أمري ولم تصبروا على ما كلفتكم من فرائضي ، ولم تتقوا ما نهيتكم عنه وخالفتم أمري وأمر رسولي ، فإنه نازل بكم ما نزل بكم بأحد ، واذكروا ذلك اليوم ، إذ غدا نبيكم يبوئ المؤمنين .
فترك ذكر الخبر عن أمر القوم إن لم يصبروا على أمر ربهم ولم يتقوه ، اكتفاء بدلالة ما ظهر من الكلام على معناه ، إذ ذكر ما هو فاعل بهم من صرف كيد أعدائهم عنهم إن صبروا على أمره واتقوا محارمه ، وتعقيبه ذلك بتذكيرهم ما حل بهم من البلاء بأحد ، إذ خالف بعضهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنازعوا الرأي بينهم .
وأخرج الخطاب في قوله : " وإذ غدوت من أهلك " ، على وجه الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمراد بمعناه : الذين نهاهم أن يتخذوا الكفار مناليهود بطانة من دون المؤمنين . فقد بين إذا أن قوله : "وإذ " ، إنما جرها في معنى الكلام على ما قد بينت وأوضحت .
وقد اختلف أهل التأويل في اليوم الذي عنى الله عز وجل بقوله : " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال " .
فقال بعضهم : عنى بذلك يوم أحد .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 160 ]
7708 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال " ، قال : مشى النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ على رجليه يبوئ المؤمنين .
7709 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال " ، ذلك يوم أحد ، غدا نبي الله صلى الله عليه وسلم من أهله إلى أحد يبوئ المؤمنين مقاعد للقتال .
7710 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال " ، فغدا النبي صلى الله عليه وسلم من أهله إلى أحد يبوئ المؤمنين مقاعد للقتال .
7711 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال " ، فهو يوم أحد .
7712 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين " ، قال : هذا يوم أحد .
7713 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : مما نزل في يوم أحد : " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين " .
وقال آخرون : عنى بذلك يوم الأحزاب .
ذكر من قال ذلك :
7714 - حدثني محمد بن سنان القزاز قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : [ ص: 161 ] حدثنا عباد ، عن الحسن في قوله : " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال " ، قال : يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، غدا يبوئ المؤمنين مقاعد للقتال يوم الأحزاب .
قال أبو جعفر : وأولى هذين القولين بالصواب قول من قال : "عنى بذلك يوم أحد " . لأن الله عز وجل يقول في الآية التي بعدها : ( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ) ، ولا خلاف بين أهل التأويل أنه عنى بالطائفتين : بنو سلمة وبنو حارثة ، ولا خلاف بين أهل السير والمعرفة بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن الذي ذكر الله من أمرهما إنما كان يوم أحد ، دون يوم الأحزاب . فإن قال لنا قائل : وكيف يكون ذلك يوم أحد ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنما راح إلى أحد من أهله للقتال يوم الجمعة بعد ما صلى الجمعة في أهله بالمدينة بالناس ، كالذي حدثكم : -
7715 - ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، وغيرهم من علمائنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم راح حين صلى الجمعة إلى أحد ، دخل فلبس لأمته ، وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة ، وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار ، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج عليهم وقال : " ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل " ؟ . [ ص: 162 ]
قيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان خروجه للقوم كان رواحا ، فلم يكن تبوئته للمؤمنين مقاعدهم للقتال عند خروجه ، بل كان ذلك قبل خروجه لقتال عدوه . وذلك أن المشركين نزلوا منزلهم من أحد - فيما بلغنا - يوم الأربعاء ، فأقاموا به ذلك اليوم ويوم الخميس ويوم الجمعة ، حتى راح رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم يوم الجمعة ، بعد ما صلى بأصحابه الجمعة ، فأصبح بالشعب من أحد يوم السبت للنصف من شوال .
7716 - حدثنا بذلك ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن مسلم الزهري ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، والحصين بن عبد الرحمن وغيرهم .
فإن قال : وكيف كانت تبوئته المؤمنين مقاعد للقتال غدوا قبل خروجه ، وقد علمت أن "التبوئة " ، اتخاذ الموضع .
قيل : كانت تبوئته إياهم ذلك قبل مناهضة عدوه ، عند مشورته على أصحابه بالرأي الذي رآه لهم ، بيوم أو يومين ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع بنزول المشركين من قريش وأتباعها أحدا قال فيما : -
7717 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط عن السدي لأصحابه : أشيروا علي ما أصنع ؟ " فقالوا : يا رسول الله ، اخرج إلى هذه الأكلب! فقالت الأنصار : يا رسول الله ، ما غلبنا عدو لنا أتانا في ديارنا ، فكيف وأنت فينا!! فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ، ولم يدعه قط قبلها ، فاستشاره ، فقال : يا رسول الله ، اخرج بنا إلى هذه الأكلب! [ ص: 163 ] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يدخلوا عليه المدينة فيقاتلوا في الأزقة ، فأتاه النعمان بن مالك الأنصاري فقال : يا رسول الله لا تحرمني الجنة ، فوالذي بعثك بالحق لأدخلن الجنة! فقال له : بم ؟ قال : بأني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وأني لا أفر من الزحف! قال : "صدقت . فقتل يومئذ . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بدرعه فلبسها ، فلما رأوه وقد لبس السلاح ، ندموا وقالوا : بئسما صنعنا ، نشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم والوحي يأتيه!! فقاموا واعتذروا إليه ، وقالوا : اصنع ما رأيت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي لنبي أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل .
7718 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني ابن شهاب الزهري ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا ، قالوا : لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بالمشركين قد نزلوا منزلهم من أحد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني قد رأيت بقرا فأولتها خيرا ، ورأيت في ذباب سيفي ثلما ، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة ، فأولتها المدينة ، فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا ، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام ، وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها . وكان رأي عبد الله بن أبي ابن سلول مع رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يرى رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك : أن لا يخرج إليهم . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الخروج من المدينة ، فقال رجال من المسلمين ممن أكرم الله بالشهادة يوم أحد ، وغيرهم ممن كان فاته بدر وحضروه : يا رسول الله ، اخرج بنا إلى أعدائنا ، لا يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا! فقال عبد الله بن أبي ابن سلول : يا رسول الله ، أقم بالمدينة لا تخرج إليهم ، فوالله [ ص: 164 ] ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط إلا أصاب منا ، ولا دخلها علينا قط إلا أصبنا منه ، فدعهم يا رسول الله ، فإن أقاموا أقاموا بشر محبس ، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم ، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا . فلم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم ، حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته . .
فكانت تبوئة رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين مقاعد للقتال ، ما ذكرنا من مشورته على أصحابه بالرأي الذي ذكرنا ، على ما وصفه الذين حكينا قولهم .
يقال منه : "بوأت القوم منزلا وبوأته لهم ، فأنا أبوئهم المنزل تبوئة ، وأبوئ لهم منزلا تبوئة " .
وقد ذكر أن في قراءة عبد الله بن مسعود : ( وإذ غدوت من أهلك تبوئ للمؤمنين مقاعد للقتال ) وذلك جائز ، كما يقال : "ردفك وردف لك " ، و"نقدت لها صداقها ونقدتها " ، كما قال الشاعر :
أستغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل
والكلام : أستغفر الله لذنب . وقد حكي عن العرب سماعا : "أبأت القوم منزلا فأنا أبيئهم إباءة " ، ويقال منه : "أبأت الإبل " . إذا رددتها إلى المباءة . و"المباءة " ، المراح الذي تبيت فيه .
"والمقاعد " جمع "مقعد " ، وهو المجلس . [ ص: 165 ]
قال أبو جعفر : فتأويل الكلام : واذكر إذ غدوت ، يا محمد ، من أهلك تتخذ للمؤمنين معسكرا وموضعا لقتال عدوهم .
وقوله : "والله سميع عليم " ، يعني بذلك تعالى ذكره : "والله سميع " ، لما يقول المؤمنون لك فيما شاورتهم فيه ، من موضع لقائك ولقائهم عدوك وعدوهم ، من قول من قال : "اخرج بنا إليهم حتى نلقاهم خارج المدينة " ، وقول من قال لك : "لا تخرج إليهم وأقم بالمدينة حتى يدخلوها علينا " ، على ما قد بينا قبل - ولما تشير به عليهم أنت يا محمد "عليم " بأصلح تلك الآراء لك ولهم ، وبما تخفيه صدور المشيرين عليك بالخروج إلى عدوك ، وصدور المشيرين عليك بالمقام في المدينة ، وغير ذلك من أمرك وأمورهم ، كما : -
7719 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق في قوله : "والله سميع عليم " ، أي : سميع لما يقولون ، عليم بما يخفون .
القول في تأويل قوله ( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( 122 ) )
قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : والله سميع عليم ، حين همت طائفتان منكم أن تفشلا .
والطائفتان اللتان همتا بالفشل ، ذكر لنا أنهم بنو سلمة وبنو حارثة . [ ص: 166 ]
ذكر من قال ذلك :
7720 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " ، قال : بنو حارثة ، كانوا نحو أحد ، وبنو سلمة نحو سلع ، وذلك يوم الخندق .
قال أبو جعفر : وقد دللنا على أن ذلك كان يوم أحد فيما مضى ، بما فيه الكفاية عن إعادته .
7721 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " ، الآية ، وذلك يوم أحد ، والطائفتان : بنو سلمة وبنو حارثة ، حيان من الأنصار ، هموا بأمر فعصمهم الله من ذلك . قال قتادة : وقد ذكر لنا أنه لما أنزلت هذه الآية قالوا : ما يسرنا أنا لم نهم بالذي هممنا به ، وقد أخبرنا الله أنه ولينا .
7722 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : " إذ همت طائفتان منكم الآية ، وذلك يوم أحد ، فالطائفتان بنو سلمة وبنو حارثة ، حيان من الأنصار . فذكر مثل قول قتادة .
7723 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد في ألف رجل ، وقد وعدهم الفتح إن صبروا . فلما رجع عبد الله بن أبي ابن سلول في ثلاثمائة فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم ، فلما غلبوه وقالوا له : ما نعلم قتالا ولإن أطعتنا لترجعن معنا وقال [ الله عز وجل ] : " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " ، وهم بنو سلمة وبنو حارثة هموا بالرجوع حين رجع عبد الله بن أبي ، فعصمهم [ ص: 167 ] الله ، وبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة .
7724 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عكرمة : نزلت في بني سلمة من الخزرج ، وبني حارثة من الأوس ، ورأسهم عبد الله بن أبي ابن سلول .
7725 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " ، فهو بنو حارثة وبنو سلمة .
7726 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " ، والطائفتان : بنو سلمة من جشم بن الخزرج ، وبنو حارثة من النبيت من الأوس ، وهما الجناحان .
7727 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " الآية ، قال : هما طائفتان من الأنصار هما أن يفشلا فعصمهم الله ، وهزم عدوهم .
7728 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " ، قال : هم بنو سلمة وبنو حارثة ، وما نحب أن لو لم نكن هممنا لقول الله عز وجل : "والله وليهما " . .
7729 - حدثني أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول ، فذكر نحوه . [ ص: 168 ]
7730 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " ، قال : هذا يوم أحد .
وأما قوله : "أن تفشلا " ، فإنه يعني : هما أن يضعفا ويجبنا عن لقاء عدوهما .
يقال منه : "فشل فلان عن لقاء عدوه ويفشل فشلا " ، كما : -
7731 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : "الفشل " ، الجبن .
قال أبو جعفر : وكان همهما الذي هما به من الفشل ، الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين حين انصرف عنهم عبد الله بن أبي ابن سلول بمن معه ، جبنا منهم ، من غير شك منهم في الإسلام ولا نفاق ، فعصمهم الله مما هموا به من ذلك ، ومضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجهه الذي مضى له ، وتركوا عبد الله بن أبي ابن سلول والمنافقين معه ، فأثنى الله عز وجل عليهما بثبوتهما على الحق ، وأخبر أنه وليهما وناصرهما على أعدائهما من الكفار ، كما :
7732 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "والله وليهما " ، أي : المدافع عنهما ما همتا به من فشلهما . وذلك أنه إنما كان ذلك منهما عن ضعف ووهن أصابهما ، من غير شك أصابهما في دينهما ، فتولى دفع ذلك عنهما برحمته وعائدته حتى سلمتا من وهنهما وضعفهما ، ولحقتا بنبيهما صلى الله عليه وسلم . يقول : " وعلى الله فليتوكل المؤمنون " ، أي : من كان به ضعف من المؤمنين أو وهن ، [ ص: 169 ] فليتوكل علي ، وليستعن بي أعنه على أمره ، وأدفع عنه ، حتى أبلغ به وأقويه على نيته .
قال أبو جعفر : وذكر أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقرأ : ( والله وليهم ) وإنما جاز أن يقرأ ذلك كذلك ، لأن "الطائفتين " وإن كانتا في لفظ اثنين ، فإنهما في معنى جماع ، بمنزلة "الخصمين " و "الحزبين " .
القول في تأويل قوله ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ( 123 ) )
قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ، وينصركم ربكم ، "ولقد نصركم الله ببدر " على أعدائكم وأنتم يومئذ "أذلة " يعني : قليلون ، في غير منعة من الناس ، حتى أظهركم الله على عدوكم ، مع كثرة عددهم وقلة عددكم ، وأنتم اليوم أكثر عددا منكم حينئذ ، فإن تصبروا لأمر الله ينصركم كما نصركم ذلك اليوم ، "فاتقوا الله " ، يقول تعالى ذكره : فاتقوا ربكم بطاعته واجتناب محارمه "لعلكم تشكرون " ، يقول : لتشكروه على ما من به عليكم من النصر على أعدائكم وإظهار دينكم ، ولما هداكم له من الحق الذي ضل عنه مخالفوكم ، كما : - [ ص: 170 ]
7733 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة " ، يقول : وأنتم أقل عددا وأضعف قوة "فاتقوا الله لعلكم تشكرون " ، أي : فاتقون ، فإنه شكر نعمتي .
واختلف في المعنى الذي من أجله سمي بدر "بدرا " .
فقال بعضهم : سمي بذلك ، لأنه كان ماء لرجل يسمى "بدرا " ، فسمي باسم صاحبه .
ذكر من قال ذلك :
7734 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن زكريا ، عن الشعبي قال : كانت "بدر " لرجل يقال له "بدر " ، فسميت به .
7735 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا زكريا ، عن الشعبي أنه قال : " ولقد نصركم الله ببدر " ، قال : كانت "بدر " بئرا لرجل يقال له "بدر " ، فسميت به .
وأنكر ذلك آخرون وقالوا : ذلك اسم سميت به البقعة ، كما سمي سائر البلدان بأسمائها .
ذكر من قال ذلك :
7736 - حدثنا الحارث بن محمد قال : حدثنا ابن سعد قال : حدثنا محمد بن عمر الواقدي قال : حدثنا منصور ، عن أبي الأسود ، عن زكريا ، عن الشعبي قال : إنما سمي "بدرا " ، لأنه كان ماء لرجل من جهينة يقال له "بدر " وقال الحارث ، قال ابن سعد ، قال الواقدي : فذكرت ذلك لعبد الله بن جعفر ومحمد بن صالح فأنكراه وقالا : فلأي شيء سميت "الصفراء " ؟ ولأي شيء سميت [ ص: 171 ] "الحمراء " ؟ ولأي شيء سمي "رابغ " ؟ هذا ليس بشيء ، إنما هو اسم الموضع . قال : وذكرت ذلك ليحيى بن النعمان الغفاري فقال : سمعت شيوخنا من بني غفار يقولون : هو ماؤنا ومنزلنا ، وما ملكه أحد قط يقال له "بدر " ، وما هو من بلاد جهينة ، إنما هي بلاد غفار قال الواقدي : فهذا المعروف عندنا .
7737 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول : "بدر " ، ماء عن يمين طريق مكة ، بين مكة والمدينة .
وأما قوله : "أذلة " ، فإنه جمع "ذليل " ، كما "الأعزة " جمع "عزيز " ، "والألبة " جمع "لبيب " .
قال أبو جعفر : وإنما سماهم الله عز وجل "أذلة " ، لقلة عددهم ، لأنهم كانوا ثلثمائة نفس وبضعة عشر ، وعدوهم ما بين التسعمائة إلى الألف - على ما قد بينا فيما مضى - فجعلهم لقلة عددهم "أذلة " .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
7738 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون " ، وبدر ماء بين مكة والمدينة ، التقى عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم والمشركون ، وكان أول قتال قاتله نبي الله صلى الله عليه وسلم وذكر لنا أنه قال لأصحابه يومئذ : "أنتم اليوم بعدة أصحاب طالوت يوم لقي جالوت " : فكانوا ثلثمائة وبضعة عشر رجلا والمشركون يومئذ ألف ، أو راهقوا ذلك .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|