عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 11-03-2023, 11:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (424)
صــ 97 إلى صــ 111




[ ص: 97 ] القول في تأويل قوله تعالى ( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين ( 108 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " تلك آيات الله " ، هذه آيات الله .

وقد بينا كيف وضعت العرب "تلك " و"ذلك " مكان "هذا " و"هذه " ، في غير هذا الموضع فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته .

وقوله : " آيات الله " ، يعني : مواعظ الله وعبره وحججه . " نتلوها عليك " ، نقرأها عليك ونقصها " ( بالحق ) ، يعني بالصدق واليقين .

وإنما يعني بقوله : " تلك آيات الله " ، هذه الآيات التي ذكر فيها أمور المؤمنين من أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمور يهود بني إسرائيل وأهل الكتاب ، وما هو فاعل بأهل الوفاء بعهده ، وبالمبدلين دينه ، والناقضين عهده بعد الإقرار به . ثم أخبر عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أنه يتلو ذلك عليه بالحق ، وأعلمه أن من عاقب من خلقه بما أخبر أنه معاقبه [ به ] : من تسويد وجهه ، وتخليده في أليم عذابه وعظيم عقابه ومن جازاه منهم بما جازاه : من تبييض وجهه وتكريمه وتشريف منزلته لديه ، بتخليده في دائم نعيمه ، فبغير ظلم منه لفريق منهم ، بل بحق استوجبوه ، وأعمال لهم سلفت ، جازاهم عليها ، فقال تعالى ذكره : " وما الله يريد ظلما للعالمين " ، يعني بذلك : وليس الله يا محمد [ ص: 98 ] بتسويد وجوه هؤلاء ، وإذاقتهم العذاب العظيم ، وتبييض وجوه هؤلاء وتنعيمه إياهم في جنته طالبا وضع شيء مما فعل من ذلك في غير موضعه الذي هو موضعه إعلاما بذلك عباده أنه لن يصلح في حكمته بخلقه غير ما وعد أهل طاعته والإيمان به ، وغير ما أوعد أهل معصيته والكفر به وإنذارا منه هؤلاء وتبشيرا منه هؤلاء .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور ( 109 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : أنه يعاقب الذين كفروا بعد إيمانهم بما ذكر أنه معاقبهم به من العذاب العظيم وتسويد الوجوه ، ويثيب أهل الإيمان به الذين ثبتوا على التصديق والوفاء بعهودهم التي عاهدوا عليها بما وصف أنه مثيبهم به من الخلود في جنانه ، من غير ظلم منه لأحد الفريقين فيما فعل ، لأنه لا حاجة به إلى الظلم . وذلك أن الظالم إنما يظلم غيره ليزداد إلى عزه عزة بظلمه إياه ، أو إلى سلطانه سلطانا ، أو إلى ملكه ملكا ، أو إلى نقصان في بعض أسبابه يتمم بها ظلم غيره فيه ما كان ناقصا من أسبابه عن التمام . فأما من كان له جميع ما بين أقطار المشارق والمغارب ، وما في الدنيا والآخرة ، فلا معنى لظلمه أحدا ، فيجوز أن يظلم شيئا ، لأنه ليس من أسبابه شيء ناقص يحتاج إلى تمام ، فيتم ذلك بظلم [ ص: 99 ] غيره ، تعالى الله علوا كبيرا . ولذلك قال جل ثناؤه عقيب قوله : " وما الله يريد ظلما للعالمين " ، " ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور " .

واختلف أهل العربية في وجه تكرير الله تعالى ذكره اسمه مع قوله : " وإلى الله ترجع الأمور " ظاهرا ، وقد تقدم اسمه ظاهرا مع قوله : " ولله ما في السماوات وما في الأرض " .

فقال بعض أهل العربية من أهل البصرة : ذلك نظير قول العرب : "أما زيد فذهب زيد " ، وكما قال الشاعر :

لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا

فأظهر في موضع الإضمار .

وقال بعض نحويي الكوفة : ليس ذلك نظير هذا البيت ، لأن موضع "الموت " [ ص: 100 ] الثاني في البيت موضع كناية ، لأنه كلمة واحدة ، وليس ذلك كذلك في الآية ، لأن قوله : " ولله ما في السماوات وما في الأرض " خبر ، ليس من قوله : " وإلى الله ترجع الأمور " في شيء ، وذلك أن كل واحدة من القصتين مفارق معناها معنى الأخرى ، مكتفية كل واحدة منهما بنفسها ، غير محتاجة إلى الأخرى . وما قال الشاعر : "لا أرى الموت " ، محتاج إلى تمام الخبر عنه .

قال أبو جعفر : وهذا القول الثاني عندنا أولى بالصواب ، لأن كتاب الله عز وجل لا توجه معانيه وما فيه من البيان ، إلى الشواذ من الكلام والمعاني ، وله في الفصيح من المنطق والظاهر من المعاني المفهوم ، وجه صحيح موجود .

وأما قوله : " وإلى الله ترجع الأمور " فإنه يعني تعالى ذكره : إلى الله مصير أمر جميع خلقه ، الصالح منهم والطالح ، والمحسن والمسيء ، فيجازي كلا على قدر استحقاقهم منه الجزاء ، بغير ظلم منه أحدا منهم .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " .

فقال بعضهم : هم الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة [ ص: 101 ] إلى المدينة خاصة ، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ذكر من قال ذلك :

7606 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن سماك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال في : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " ، قال : هم الذين خرجوا معه من مكة .

7607 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن عطية ، عن قيس ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " ، قال : هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة .

7608 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر " ، قال عمر بن الخطاب : لو شاء الله لقال : "أنتم " ، فكنا كلنا ، ولكن قال : "كنتم " في خاصة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن صنع مثل صنيعهم ، كانوا خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .

7609 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج قال : عكرمة : نزلت في ابن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل .

7610 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا مصعب بن المقدام ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عمن حدثه : قال عمر : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " ، قال : تكون لأولنا ولا تكون لآخرنا .

7611 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا إسرائيل ، عن سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " ، قال : هم الذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . [ ص: 102 ]

7612 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قال في حجة حجها ورأى من الناس رعة سيئة ، فقرأ هذه : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " ، الآية . ثم قال : يا أيها الناس ، من سره أن يكون من تلك الأمة ، فليؤد شرط الله منها .

7613 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " ، قال : هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، يعني وكانوا هم الرواة الدعاة الذين أمر الله المسلمين بطاعتهم .

وقال آخرون : معنى ذلك : كنتم خير أمة أخرجت للناس ، إذا كنتم بهذه الشروط التي وصفهم جل ثناؤه بها . فكان تأويل ذلك عندهم : كنتم خير أمة تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ، أخرجوا للناس في زمانكم .

ذكر من قال ذلك :

7614 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " ، يقول : على هذا الشرط : أن تأمروا بالمعروف ، وتنهوا عن المنكر وتؤمنوا بالله يقول : لمن أنتم بين ظهرانيه ، كقوله : ( ولقد اخترناهم على علم على العالمين ) [ سورة الدخان : 32 ] .

7615 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 103 ] ابن جريج ، عن مجاهد قوله : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " ، قال يقول : كنتم خير الناس للناس على هذا الشرط : أن تأمروا بالمعروف ، وتنهوا عن المنكر . وتؤمنوا بالله يقول : لمن بين ظهريه ، كقوله : ( ولقد اخترناهم على علم على العالمين ) [ سورة الدخان : 32 ] .

7616 - وحدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ميسرة ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " ، قال : كنتم خير الناس للناس ، تجيئون بهم في السلاسل ، تدخلونهم في الإسلام .

7617 - حدثنا عبيد بن أسباط قال : حدثنا أبي ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية في قوله : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " ، قال : خير الناس للناس .

وقال آخرون : إنما قيل : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " ، لأنهم أكثر الأمم استجابة للإسلام .

ذكر من قال ذلك :

7618 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر " ، قال : لم تكن أمة أكثر استجابة في الإسلام من هذه الأمة ، فمن ثم قال : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " . [ ص: 104 ]

وقال بعضهم : عنى بذلك أنهم كانوا خير أمة أخرجت للناس .

ذكر من قال ذلك :

7619 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر " ، قال : قد كان ما تسمع من الخير في هذه الأمة .

7620 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : كان الحسن يقول : نحن آخرها وأكرمها على الله .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قال الحسن ، وذلك أن :

7621 - يعقوب بن إبراهيم حدثني قال : حدثنا ابن علية ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ألا إنكم وفيتم سبعين أمة ، أنتم آخرها وأكرمها على الله .

7622 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده : أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " ، قال : أنتم تتمون سبعين أمة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله " . [ ص: 105 ]

7623 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم وهو مسند ظهره إلى الكعبة : "نحن نكمل يوم القيامة سبعين أمة نحن آخرها وخيرها " .

وأما قوله : " تأمرون بالمعروف " ، فإنه يعني : تأمرون بالإيمان بالله ورسوله ، والعمل بشرائعه " وتنهون عن المنكر " ، يعني : وتنهون عن الشرك بالله . وتكذيب رسوله ، وعن العمل بما نهى عنه ، كما : -

7624 - حدثنا علي بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " . يقول : تأمرونهم بالمعروف : أن يشهدوا أن لا إله إلا الله ، والإقرار بما أنزل الله ، وتقاتلونهم عليه ، و "لا إله إلا الله " ، هو أعظم المعروف ، وتنهونهم عن المنكر ، والمنكر هو التكذيب ، وهو أنكر المنكر .

وأصل "المعروف " كل ما كان معروفا فعله ، جميلا مستحسنا ، غير مستقبح في أهل الإيمان بالله ، وإنما سميت طاعة الله "معروفا " ، لأنه مما يعرفه أهل الإيمان ولا يستنكرون فعله . .

وأصل "المنكر " ، ما أنكره الله ، ورأوه قبيحا فعله ، ولذلك سميت معصية الله "منكرا " ، لأن أهل الإيمان بالله يستنكرون فعلها ، ويستعظمون ركوبها .

وقوله : " وتؤمنون بالله " ، يعني : تصدقون بالله ، فتخلصون له التوحيد والعبادة . [ ص: 106 ]

قال أبو جعفر : فإن سأل سائل فقال : وكيف قيل : " كنتم خير أمة " ، وقد زعمت أن تأويل الآية : أن هذه الأمة خير الأمم التي مضت ، وإنما يقال : " كنتم خير أمة " ، لقوم كانوا خيارا فتغيروا عما كانوا عليه ؟

قيل : إن معنى ذلك بخلاف ما ذهبت إليه ، وإنما معناه : أنتم خير أمة ، كما قيل : ( واذكروا إذ أنتم قليل ) [ الأنفال : 26 ] وقد قال في موضع آخر : ( واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم ) [ الأعراف : 86 ] فإدخال "كان " في مثل هذا وإسقاطها بمعنى واحد ، لأن الكلام معروف معناه . ولو قال أيضا في ذلك قائل : "كنتم " ، بمعنى التمام ، كان تأويله : خلقتم خير أمة أو : وجدتم خير أمة ، كان معنى صحيحا .

وقد زعم بعض أهل العربية أن معنى ذلك : كنتم خير أمة عند الله في اللوح المحفوظ ، أخرجت للناس .

والقولان الأولان اللذان قلنا ، أشبه بمعنى الخبر الذي رويناه قبل .

وقال آخرون : معنى ذلك : كنتم خير أهل طريقة . وقال : "الأمة " : الطريقة .
[ ص: 107 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ( 110 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : ولو صدق أهل التوراة والإنجيل من اليهود والنصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عند الله; لكان خيرا لهم عند الله في عاجل دنياهم وآجل آخرتهم " منهم المؤمنون " ، يعني : من أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، المؤمنون المصدقون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاءهم به من عند الله ، وهم : عبد الله بن سلام وأخوه ، وثعلبة بن سعية وأخوه ، وأشباههم ممن آمنوا بالله وصدقوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، واتبعوا ما جاءهم به من عند الله " وأكثرهم الفاسقون " ، يعني : الخارجون عن دينهم ، وذلك أن من دين اليهود اتباع ما في التوراة والتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ومن دين النصارى اتباع ما في الإنجيل ، والتصديق به وبما في التوراة ، وفي كلا الكتابين صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ومبعثه ، وأنه نبي الله . وكلتا الفرقتين - أعني اليهود والنصارى - مكذبة ، فذلك فسقهم وخروجهم عن دينهم الذي يدعون أنهم يدينون به ، الذي قال جل ثناؤه : " وأكثرهم الفاسقون " .

وقال قتادة بما : - [ ص: 108 ]

7625 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون " ، ذم الله أكثر الناس .
القول في تأويل قوله ( لن يضروكم إلا أذى )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : لن يضركم ، يا أهل الإيمان بالله ورسوله ، هؤلاء الفاسقون من أهل الكتاب بكفرهم وتكذيبهم نبيكم محمدا صلى الله عليه وسلم شيئا " إلا أذى " ، يعني بذلك : ولكنهم يؤذونكم بشركهم ، وإسماعكم كفرهم ، وقولهم في عيسى وأمه وعزير ، ودعائهم إياكم إلى الضلالة ، ولن يضروكم بذلك .

وهذا من الاستثناء المنقطع الذي هو مخالف معنى ما قبله ، كما قيل : "ما اشتكى شيئا إلا خيرا " ، وهذه كلمة محكية عن العرب سماعا .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

7626 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " لن يضروكم إلا أذى " ، يقول : لن يضروكم إلا أذى تسمعونه منهم .

7627 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : " لن يضروكم إلا أذى " ، قال : أذى تسمعونه منهم .

7628 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 109 ] ابن جريج ، قوله : " لن يضروكم إلا أذى " ، قال : إشراكهم في عزير وعيسى والصليب .

7629 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " لن يضروكم إلا أذى " الآية ، قال : تسمعون منهم كذبا على الله ، يدعونكم إلى الضلالة .
القول في تأويل قوله ( وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ( 111 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : وإن يقاتلكم أهل الكتاب من اليهود والنصارى يهزموا عنكم ، فيولوكم أدبارهم انهزاما .

فقوله : " يولوكم الأدبار " ، كناية عن انهزامهم ، لأن المنهزم يحول ظهره إلى جهة الطالب هربا إلى ملجأ وموئل يئل إليه منه ، خوفا على نفسه ، والطالب في أثره . فدبر المطلوب حينئذ يكون محاذي وجه الطالب الهازمه .

" ثم لا ينصرون " ، يعني : ثم لا ينصرهم الله ، أيها المؤمنون ، عليكم ، لكفرهم بالله ورسوله ، وإيمانكم بما آتاكم نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم . لأن الله عز وجل قد ألقى الرعب في قلوبهم ، فأيدكم أيها المؤمنون بنصركم . . [ ص: 110 ]

وهذا وعد من الله تعالى ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأهل الإيمان ، نصرهم على الكفرة به من أهل الكتاب .

وإنما رفع قوله : " ثم لا ينصرون " وقد جزم قوله : " يولوكم الأدبار " ، على جواب الجزاء ، ائتنافا للكلام ، لأن رءوس الآيات قبلها بالنون ، فألحق هذه بها ، كما قال : ( ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) [ سورة المرسلات : 36 ] ، رفعا ، وقد قال في موضع آخر : ( لا يقضى عليهم فيموتوا ) [ سورة فاطر : 36 ] إذ لم يكن رأس آية .
القول في تأويل قوله ( ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه " ضربت عليهم الذلة " ، ألزموا الذلة . و"الذلة " "الفعلة " من "الذل " ، وقد بينا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع .

"أينما ثقفوا " يعني : حيثما لقوا .

يقول جل ثناؤه : ألزم اليهود المكذبون بمحمد صلى الله عليه وسلم الذلة أينما كانوا من الأرض ، وبأي مكان كانوا من بقاعها ، من بلاد المسلمين والمشركين " إلا بحبل من الله وحبل من الناس " ، كما : -

7630 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا هوذة قال : حدثنا عوف ، عن [ ص: 111 ] الحسن في قوله : " ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة " ، قال : أدركتهم هذه الأمة ، وإن المجوس لتجبيهم الجزية .

7631 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا عباد ، عن الحسن في قوله : " ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس " ، قال : أذلهم الله فلا منعة لهم ، وجعلهم الله تحت أقدام المسلمين .

وأما "الحبل " الذي ذكره الله في هذا الموضع ، فإنه السبب الذي يأمنون به على أنفسهم من المؤمنين وعلى أموالهم وذراريهم ، من عهد وأمان تقدم لهم عقده قبل أن يثقفوا في بلاد الإسلام . كما : -

7632 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " إلا بحبل من الله " ، قال : بعهد " وحبل من الناس " ، قال : بعهدهم .

7633 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس " ، يقول : إلا بعهد من الله وعهد من الناس .

7634 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .

7635 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد ، عن عثمان بن غياث ، قال : عكرمة : يقول : " إلا بحبل من الله وحبل من الناس " ، قال : بعهد من الله ، وعهد من الناس .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.99 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.29%)]