
11-03-2023, 11:33 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (415)
صــ 550 إلى صــ 565
[ ص: 550 ] القول في تأويل قوله ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه )
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : واذكروا ، يا أهل الكتاب ، " إذ أخذ الله ميثاق النبيين " يعني : حين أخذ الله ميثاق النبيين " وميثاقهم " ما وثقوا به على أنفسهم طاعة الله فيما أمرهم ونهاهم .
وقد بينا أصل " الميثاق " باختلاف أهل التأويل فيه ، بما فيه الكفاية .
: " لما آتيتكم من كتاب وحكمة " فاختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قرأة الحجاز والعراق ( لما آتيتكم ) بفتح " اللام " من " لما " إلا أنهم اختلفوا في قراءة : " آتيتكم " .
فقرأه بعضهم : " آتيتكم " على التوحيد .
وقرأه آخرون : ( آتيناكم ) على الجمع .
ثم اختلف أهل العربية إذا قرئ ذلك كذلك .
فقال بعض نحويي البصرة : " اللام " التي مع " ما " في أول الكلام " لام الابتداء " نحو قول القائل : " لزيد أفضل منك " لأن " ما " اسم ، والذي بعدها صلة لها ، " واللام " التي في : " لتؤمنن به ولتنصرنه " لام القسم ، كأنه قال : والله لتؤمنن به يؤكد في أول الكلام وفي آخره ، كما يقال : " أما والله أن لو جئتني [ ص: 551 ] لكان كذا وكذا " وقد يستغنى عنها . فوكد في : " لتؤمنن به " باللام في آخر الكلام . وقد يستغنى عنها ، ويجعل خبر " ما آتيتكم من كتاب وحكمة " " لتؤمنن به " . مثل : " لعبد الله والله لتأتينه " . قال : وإن شئت جعلت خبر " ما " " من كتاب " يريد : لما آتيتكم ، كتاب وحكمة وتكون " من " زائدة .
وخطأ بعض نحويي الكوفيين ذلك كله وقال : " اللام " التي تدخل في أوائل الجزاء ، تجاب بجوابات الأيمان ، يقال : " لمن قام لآتينه " " ولمن قام ما أحسن " فإذا وقع في جوابها " ما " و " لا " علم أن اللام ليست بتوكيد للأولى ، لأنه يوضع موضعها " ما " و " لا " فتكون كالأولى ، وهي جواب للأولى . قال : وأما قوله : " لما آتيتكم من كتاب وحكمة " بمعنى إسقاط " من " غلط . لأن " من " التي تدخل وتخرج ، لا تقع مواقع الأسماء ، قال : ولا تقع في الخبر أيضا ، إنما تقع في الجحد والاستفهام والجزاء .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في تأويل هذه الآية - على قراءة من قرأ ذلك بفتح " اللام " - بالصواب : أن يكون قوله : " لما " بمعنى " لمهما " وأن تكون " ما " حرف جزاء أدخلت عليها " اللام " وصير الفعل معها على " فعل " ثم [ ص: 552 ] أجيبت بما تجاب به الأيمان ، فصارت " اللام " الأولى يمينا ، إذ تلقيت بجواب اليمين .
وقرأ ذلك آخرون : ( لما آتيتكم ) " بكسر " اللام " من " لما " وذلك قراءة جماعة من أهل الكوفة .
ثم اختلف قارئو ذلك كذلك في تأويله .
فقال بعضهم : معناه إذا قرئ كذلك : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين للذي آتيتكم ف " ما " على هذه القراءة . بمعنى " الذي " عندهم . وكان تأويل الكلام : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين من أجل الذي آتاهم من كتاب وحكمة ثم " جاءكم رسول " يعني : ثم إن جاءكم رسول ، يعني : ذكر محمد في التوراة " لتؤمنن به " أي : ليكونن إيمانكم به ، للذي عندكم في التوراة من ذكره .
وقال آخرون منهم : تأويل ذلك إذا قرئ بكسر " اللام " من " لما " : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ، للذي آتاهم من الحكمة . ثم جعل قوله : " لتؤمنن به " من الأخذ أخذ الميثاق . كما يقال في الكلام : " أخذت ميثاقك لتفعلن " . لأن أخذ الميثاق بمنزلة الاستحلاف . فكان تأويل الكلام عند قائل هذا القول : وإذ استحلف الله النبيين للذي آتاهم من كتاب وحكمة ، متى جاءهم رسول مصدق لما معهم ، ليؤمنن به ولينصرنه .
قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأ : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم " بفتح " اللام " . لأن الله - عز وجل - أخذ ميثاق جميع الأنبياء بتصديق كل رسول له ابتعثه إلى خلقه فيما ابتعثه به إليهم ، كان ممن آتاه كتابا أو ممن لم يؤته كتابا . وذلك أنه غير جائز وصف أحد من أنبياء الله - عز وجل - ورسله ، بأنه كان ممن أبيح له التكذيب بأحد من رسله . فإذا كان ذلك [ ص: 553 ] كذلك ، وكان معلوما أن منهم من أنزل عليه الكتاب ، وأن منهم من لم ينزل عليه الكتاب كان بينا أن قراءة من قرأ ذلك : " لما آتيتكم " بكسر " اللام " بمعنى : من أجل الذي آتيتكم من كتاب ، لا وجه له مفهوم إلا على تأويل بعيد ، وانتزاع عميق .
ثم اختلف أهل التأويل فيمن أخذ ميثاقه بالإيمان بمن جاءه من رسل الله مصدقا لما معه .
فقال بعضهم : إنما أخذ الله بذلك ميثاق أهل الكتاب دون أنبيائهم . واستشهدوا لصحة قولهم بذلك بقوله : " لتؤمنن به ولتنصرنه " . قالوا : فإنما أمر الذين أرسلت إليهم الرسل من الأمم بالإيمان برسل الله ونصرتها على من خالفها . وأما الرسل ، فإنه لا وجه لأمرها بنصرة أحد ، لأنها المحتاجة إلى المعونة على من خالفها من كفرة بني آدم . فأما هي ، فإنها لا تعين الكفرة على كفرها ولا تنصرها . قالوا : وإذا لم يكن غيرها وغير الأمم الكافرة ، فمن الذي ينصر النبي ، فيؤخذ ميثاقه بنصرته ؟
ذكر من قال ذلك :
7323 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة " قال : هي خطأ من الكاتب ، وهي في قراءة ابن مسعود : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب " . [ ص: 554 ]
7324 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
7325 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين " يقول : وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ، وكذلك كان يقرؤها الربيع : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب " إنما هي أهل الكتاب . قال : وكذلك كان يقرؤها أبي بن كعب . قال الربيع : ألا ترى أنه يقول : " ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ؟ يقول : لتؤمنن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ولتنصرنه . قال : هم أهل الكتاب .
وقال آخرون : بل الذين أخذ ميثاقهم بذلك ، الأنبياء دون أممها .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 555 ]
7326 - حدثني المثنى وأحمد بن حازم قالا حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم .
7327 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه في قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين " أن يصدق بعضهم بعضا .
7328 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن ابن طاوس ، عن أبيه في قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم " الآية ، قال : أخذ الله ميثاق الأول من الأنبياء ، ليصدقن وليؤمنن بما جاء به الآخر منهم .
7329 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن هاشم قال : أخبرنا سيف بن عمر ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي بن أبي طالب قال : لم يبعث الله - عز وجل - نبيا ، آدم فمن بعده - إلا أخذ عليه العهد في محمد : لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأمره فيأخذ العهد على قومه ، فقال : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة " الآية .
7330 - حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب " الآية : هذا ميثاق أخذه الله على النبيين أن يصدق بعضهم بعضا ، وأن يبلغوا كتاب الله ورسالاته ، فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم ، وأخذ عليهم - فيما بلغتهم رسلهم - أن يؤمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ويصدقوه وينصروه . [ ص: 556 ]
7331 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة " الآية . قال : لم يبعث الله - عز وجل - نبيا قط من لدن نوح ، إلا أخذ ميثاقه ليؤمنن بمحمد ولينصرنه إن خرج وهو حي ، وإلا أخذ على قومه أن يؤمنوا به ولينصرنه إن خرج وهم أحياء .
7332 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا عبد الكبير بن عبد المجيد أبو بكر الحنفي قال : حدثنا عباد بن منصور قال : سألت الحسن عن قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة " الآية كلها ، قال : أخذ الله ميثاق النبيين : ليبلغن آخركم أولكم ، ولا تختلفوا .
وقال آخرون : معنى ذلك : أنه أخذ ميثاق النبيين وأممهم فاجتزأ بذكر الأنبياء عن ذكر أممها ، لأن في ذكر أخذ الميثاق على المتبوع ، دلالة على أخذه على التباع ، لأن الأمم هم تباع الأنبياء .
ذكر من قال ذلك :
7333 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : ثم ذكر ما أخذ عليهم - يعني على أهل الكتاب - وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه - يعني بتصديق محمد - صلى الله عليه وسلم - - إذا جاءهم ، وإقرارهم به على أنفسهم . فقال : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة " إلى آخر الآية .
7334 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد [ ص: 557 ] بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس مثله .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : معنى ذلك : الخبر عن أخذ الله الميثاق من أنبيائه بتصديق بعضهم بعضا ، وأخذ الأنبياء على أممها وتباعها الميثاق بنحو الذي أخذ عليها ربها من تصديق أنبياء الله ورسله بما جاءتها به لأن الأنبياء عليهم السلام بذلك أرسلت إلى أممها . ولم يدع أحد ممن صدق المرسلين ، أن نبيا أرسل إلى أمة بتكذيب أحد من أنبياء الله - عز وجل - وحججه في عباده ، بل كلها - وإن كذب بعض الأمم بعض أنبياء الله ، بجحودها نبوته - مقرة بأن من ثبتت صحة نبوته ، فعليها الدينونة بتصديقه . فذلك ميثاق مقر به جميعهم .
ولا معنى لقول من زعم أن الميثاق إنما أخذ على الأمم دون الأنبياء . لأن الله - عز وجل - قد أخبر أنه أخذ ذلك من النبيين ، فسواء قال قائل : " لم يأخذ ذلك منها ربها " أو قال : " لم يأمرها ببلاغ ما أرسلت " وقد نص الله - عز وجل - أنه أمرها بتبليغه ، لأنهما جميعا خبران من الله عنها : أحدهما أنه أخذ منها ، والآخر منهما أنه أمرها . فإن جاز الشك في أحدهما ، جاز في الآخر .
وأما ما استشهد به الربيع بن أنس ، على أن المعني بذلك أهل الكتاب من قوله : " لتؤمنن به ولتنصرنه " فإن ذلك غير شاهد على صحة ما قال . لأن الأنبياء قد أمر بعضها بتصديق بعض ، وتصديق بعضها بعضا ، نصرة من بعضها بعضا .
تم اختلفوا في الذين عنوا بقوله : " ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه " .
فقال بعضهم : الذين عنوا بذلك ، هم الأنبياء ، أخذت مواثيقهم أن يصدق [ ص: 558 ] بعضهم بعضا وأن ينصروه ، وقد ذكرنا الرواية بذلك عمن قاله .
وقال آخرون : هم أهل الكتاب ، أمروا بتصديق محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا بعثه الله وبنصرته ، وأخذ ميثاقهم في كتبهم بذلك . وقد ذكرنا الرواية بذلك أيضا عمن قاله .
وقال آخرون ممن قال : الذين عنوا بأخذ الله ميثاقهم منهم في هذه الآية هم الأنبياء قوله : " ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم " معني به أهل الكتاب .
ذكر من قال ذلك :
7335 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر قال : أخبرنا ابن طاوس ، عن أبيه في قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ، قال أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا ، ثم قال : " ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه " قال : فهذه الآية لأهل الكتاب ، أخذ الله ميثاقهم أن يؤمنوا بمحمد ويصدقوه .
7336 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثني ابن أبي جعفر ، عن أبيه قال : قال قتادة : أخذ الله على النبيين ميثاقهم : أن يصدق بعضهم بعضا ، وأن يبلغوا كتاب الله ورسالته إلى عباده ، فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم ، وأخذوا مواثيق أهل الكتاب - في كتابهم ، فيما بلغتهم رسلهم - : أن يؤمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ويصدقوه وينصروه .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب عندنا في تأويل هذه الآية : أن جميع ذلك خبر من الله - عز وجل - عن أنبيائه أنه أخذ ميثاقهم به ، وألزمهم دعاء أممها [ ص: 559 ] إليه ، والإقرار به . لأن ابتداء الآية خبر من الله - عز وجل - عن أنبيائه أنه أخذ ميثاقهم ، ثم وصف الذي أخذ به ميثاقهم فقال : هو كذا وهو كذا .
وإنما قلنا إن ما أخبر الله أنه أخذ به مواثيق أنبيائه من ذلك ، قد أخذت الأنبياء مواثيق أممها به ، لأنها أرسلت لتدعو عباد الله إلى الدينونة بما أمرت بالدينونة به في أنفسها ، من تصديق رسل الله ، على ما قدمنا البيان قبل .
قال أبو جعفر : فتأويل الآية : واذكروا يا معشر أهل الكتاب ، إذ أخذ الله ميثاق النبيين لمهما آتيتكم ، أيها النبيون ، من كتاب وحكمة ، ثم جاءكم رسول من عندي مصدق لما معكم ، لتؤمنن به يقول : لتصدقنه ولتنصرنه .
وقد قال السدي في ذلك بما : -
7337 - حدثنا به محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " لما آتيتكم " يقول لليهود : أخذت ميثاق النبيين بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهو الذي ذكر في الكتاب عندكم .
فتأويل ذلك على قول السدي الذي ذكرناه : واذكروا ، يا معشر أهل الكتاب ، إذ أخذ الله ميثاق النبيين بما آتيتكم ، أيها اليهود ، من كتاب وحكمة .
وهذا الذي قاله السدي كان تأويلا له وجه ، لو كان التنزيل : " بما آتيتكم " ولكن التنزيل باللام " لما آتيتكم " . وغير جائز في لغة أحد من العرب أن يقال : " أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم " بمعنى : بما آتيتكم .
[ ص: 560 ] القول في تأويل قوله ( قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا )
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين بما ذكر ، فقال لهم تعالى ذكره : أأقررتم بالميثاق الذي واثقتموني عليه : من أنكم مهما أتاكم رسول من عندي مصدق لما معكم " لتؤمنن به ولتنصرنه " " وأخذتم على ذلك إصري " ؟ يقول : وأخذتم على ما واثقتموني عليه من الإيمان بالرسل التي تأتيكم بتصديق ما معكم من عندي والقيام بنصرتهم " إصري " . يعني عهدي ووصيتي ، وقبلتم في ذلك مني ورضيتموه .
و " الأخذ " : هو القبول - في هذا الموضع - والرضى ، من قولهم : " أخذ الوالي عليه البيعة " بمعنى : بايعه وقبل ولايته ورضي بها .
وقد بينا معنى " الإصر " باختلاف المختلفين فيه ، والصحيح من القول في ذلك فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وحذفت " الفاء " من قوله : " قال أأقررتم " لأنه ابتداء كلام ، على نحو ما قد بينا في نظائره فيما مضى . [ ص: 561 ]
وأما قوله : " قالوا أقررنا " فإنه يعني به : قال النبيون الذين أخذ الله ميثاقهم بما ذكر في هذه الآية : أقررنا بما ألزمتنا من الإيمان برسلك الذين ترسلهم مصدقين لما معنا من كتبك ، وبنصرتهم .
القول في تأويل قوله ( قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ( 81 ) )
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : قال الله : فاشهدوا ، أيها النبيون ، بما أخذت به ميثاقكم من الإيمان بتصديق رسلي التي تأتيكم بتصديق ما معكم من الكتاب والحكمة ، ونصرتهم على أنفسكم وعلى أتباعكم من الأمم إذ أنتم أخذتم ميثاقهم على ذلك ، وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعليهم بذلك ، كما : -
7338 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن هاشم قال : أخبرنا سيف بن عمر ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي بن أبي طالب في قوله : " قال فاشهدوا " يقول : فاشهدوا على أممكم بذلك " وأنا معكم من الشاهدين " عليكم وعليهم .
[ ص: 562 ] القول في تأويل قوله ( فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ( 82 ) )
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : فمن أعرض عن الإيمان برسلي الذين أرسلتهم بتصديق ما كان مع أنبيائي من الكتب والحكمة ، وعن نصرتهم ، فأدبر ولم يؤمن بذلك ، ولم ينصر ، ونكث عهده وميثاقه " بعد ذلك " يعني بعد العهد والميثاق الذي أخذه الله عليه " فأولئك هم الفاسقون " يعني بذلك : أن المتولين عن الإيمان بالرسل الذين وصف أمرهم ، ونصرتهم بعد العهد والميثاق اللذين أخذا عليهم بذلك " هم الفاسقون " يعني بذلك : الخارجون من دين الله وطاعة ربهم ،
كما : -
7339 - حدثنا المثنى قال حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن هاشم قال : أخبرنا سيف بن عمر ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي بن أبي طالب : فمن تولى عنك ، يا محمد ، بعد هذا العهد من جميع الأمم " فأولئك هم الفاسقون " هم العاصون في الكفر .
7340 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه قال أبو جعفر : يعني الرازي " فمن تولى بعد ذلك " يقول : بعد العهد والميثاق الذي أخذ عليهم " فأولئك هم الفاسقون " . [ ص: 563 ]
7341 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، [ عن أبيه ] ، عن الربيع مثله .
قال أبو جعفر : وهاتان الآيتان ، وإن كان مخرج الخبر فيهما من الله - عز وجل - بما أخبر أنه أشهد وأخذ به ميثاق من أخذ ميثاقه به ، عن أنبيائه ورسله ، فإنه مقصود به إخبار من كان حوالي مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يهود بني إسرائيل أيام حياته - صلى الله عليه وسلم - ، عما لله عليهم من العهد في الإيمان بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ومعني [ به ] تذكيرهم ما كان الله آخذا على آبائهم وأسلافهم من المواثيق والعهود ، وما كانت أنبياء الله عرفتهم وتقدمت إليهم في تصديقه واتباعه ونصرته على من خالفه وكذبه وتعريفهم ما في كتب الله ، التي أنزلها إلى أنبيائه التي ابتعثها إليهم ، من صفته وعلامته .
القول في تأويل قوله ( أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون ( 83 ) )
قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك :
فقرأته عامة قرأة الحجاز من مكة والمدينة ، وقرأة الكوفة : ( " أفغير دين الله تبغون " ) ، ( وإليه ترجعون ) على وجه الخطاب . [ ص: 564 ]
وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز ( أفغير دين الله يبغون ) ( وإليه يرجعون ) بالياء كلتيهما ، على وجه الخبر عن الغائب .
وقرأ ذلك بعض أهل البصرة : ( أفغير دين الله يبغون ) ، على وجه الخبر عن الغائب ، ( وإليه ترجعون ) ، بالتاء على وجه المخاطبة .
قال أبو جعفر : وأولى ذلك بالصواب ، قراءة من قرأ : " أفغير دين الله تبغون " على وجه الخطاب " وإليه ترجعون " بالتاء . لأن الآية التي قبلها خطاب لهم ، فإتباع الخطاب نظيره ، أولى من صرف الكلام إلى غير نظيره . وإن كان الوجه الآخر جائزا ، لما قد ذكرنا فيما مضى قبل : من أن الحكاية يخرج الكلام معها أحيانا على الخطاب كله ، وأحيانا على وجه الخبر عن الغائب ، وأحيانا بعضه على الخطاب ، وبعضه على الغيبة ، فقوله : " تبغون " و " إليه ترجعون " في هذه الآية ، من ذلك .
وتأويل الكلام : يا معشر أهل الكتاب " أفغير دين الله تبغون " يقول : أفغير طاعة الله تلتمسون وتريدون ، " وله أسلم من في السماوات والأرض " يقول : وله خشع من في السموات والأرض ، فخضع له بالعبودة ، وأقر له بإفراد الربوبية ، وانقاد له بإخلاص التوحيد والألوهية " طوعا وكرها " يقول أسلم لله طائعا من كان إسلامه منهم له طائعا ، وذلك كالملائكة والأنبياء والمرسلين ، [ ص: 565 ] فإنهم أسلموا لله طائعين " وكرها " من كان منهم كارها .
واختلف أهل التأويل في معنى إسلام الكاره الإسلام وصفته .
فقال بعضهم : إسلامه ، إقراره بأن الله خالقه وربه ، وإن أشرك معه في العبادة غيره .
ذكر من قال ذلك :
7342 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : " وله أسلم من في السموات والأرض " قال : هو كقوله : ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) [ سورة الزمر : 38 ] .
7343 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد مثله .
7344 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : " وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون " قال : كل آدمي قد أقر على نفسه بأن الله ربي وأنا عبده . فمن أشرك في عبادته فهذا الذي أسلم كرها ، ومن أخلص له العبودة ، فهو الذي أسلم طوعا .
وقال آخرون : بل إسلام الكاره منهم ، كان حين أخذ منه الميثاق فأقر به .
ذكر من قال ذلك :
7345 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : " وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها " قال : حين أخذ الميثاق .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|