عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 02-03-2023, 08:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,093
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين





سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين

عبد العزيز الداخل





2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ)


5: التأريخ بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم
رُوي في نشأة التاريخ الهجري آثار يعضد بعضها بعضاً، وتجتمع على أنّ أوّل من أرّخ التأريخ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأن عمر استشار الصحابة في ذلك، وأما ما روي من أنّ أوّل من أرّخ الكتب يعلى بن أمية رضي الله عنه؛ فذلك في تأريخ ما كان يبعث به من الرسائل، ولم يوقف على أنّه كان يؤرّخ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان يعلى بن أميّة من ولاة عمر في اليمن.
- قال مجالد بن سعيد، عن الشعبي قال: كتب أبو موسى إلى عمر: إنه يأتينا كتب ما نعرف تأريخها فأرخ؛ فاستشار أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: أرخ لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: أرخ لموت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال عمر: «أرخ لمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين الحق والباطل؛ فأرخ». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال عبد العزيز بن محمد الدراوردي: أخبرني عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: (جمع عمر رضي الله عنه المهاجرين والأنصار).
فقال: متى نكتب التاريخ؟
فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: منذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرض الشرك، يعني يوم هاجر؛ فكتب ذلك عمر رضي الله عنه). رواه البخاري في التاريخ الكبير، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة واللفظ له، والحاكم في المستدرك.
- وقال محمد بن عمر الواقدي: حدثنا ابن أبي سبرة، عن عثمان بن عبد الله بن رافع، عن ابن المسيب قال: (أوّل من كتب التاريخ عمر لسنتين ونصف من خلافته، فكتب لست عشرة من الهجرة بمشورة من علي بن أبي طالب). رواه حنبل بن إسحاق كما في مسند الفاروق لابن كثير، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق، لكن الواقدي متروك الحديث.
- وقال وهب بن جرير: حدثنا قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين قال: كان عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه عامل جاء من اليمن؛ فقال لعمر رضي الله عنه: أما تؤرخون؟ تكتبون: في سنة كذا وكذا من شهر كذا وكذا؟
فأراد عمر رضي الله عنه والناس أن يكتبوا من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قالوا: من عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أرادوا أن يكون ذلك من عند الهجرة.
ثم قالوا: من أي شهر؟ فأرادوه أن يكون من رمضان، ثم بدا لهم فقالوا: من المحرم). رواه عمر بن شبة.
- وقال خالد بن حيان الرقي: حدثنا فرات بن سليمان، عن ميمون بن مهران قال: وقع إلى عمر رضي الله تعالى عنه صكٌّ محلّه في شعبان؛ فقال عمر: أي شعبان؟ هذا الذي مضى أو الذي هو آت أو الذي نحن فيه؟
ثم جمع أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال لهم: ضعوا للناس شيئاً يعرفونه؛ فقال قائل: اكتبوا على تاريخ الروم؛ فقيل: إنه يطول، وإنهم يكتبون من عدد ذي القرنين.
وقال قائل: اكتبوا على تاريخ فارس؛ فقيل: إنَّ الفرسَ كلَّما قام ملك طرح ما كان قبله.
قال: (فاجتمع رأيهم أن ينظروا كم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فوجدوه أقام بها عشر سنين؛ فكتب التاريخ على هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه ابن عساكر.
وميمون بن مهران لم يدرك عمر.
- وقال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد قال: (ما عدّوا من مبعث رسول الله صلى الله عليه، ولا من وفاته، ولا عدّوا إلا من مقدمه المدينة). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- قال روح بن عبادة: حدثنا زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينارٍ قال: (إنَّ أوَّل من أرخ الكتب يعلى بن أمية باليمن، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في ربيع الأول، وإن الناس أرخوا لأوَّل السنة).رواه الحاكم في المستدرك، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
وهذا محمول على ما تقدّم من أنّه كان يؤرّخ كتبه على تأريخ لم ينقل لنا، ثم إن التأريخ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر به عمر بعد استشارة الصحابة رضي الله عنهم، وجرى العمل عليه إلى اليوم؛ فيرجى لعمر بن الخطاب بذلك أجرٌ في كلّ ما كان في تاريخه نفع عام أو خاص لكل مسلم؛ لأنه هو الذي سنّ التأريخ للمسلمين.

6: جمع الناس في قيام رمضان خلف إمام واحد
صلى النبي صلى الله عليه وسلم قيام رمضان ليلتين أو ثلاث ليال ثم انقطع عنهم خشية أن يفرض عليهم، فكان الناس في بقية زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر، وصدر خلافة عمر يقومون الليل فرادى وجماعات متفرّقة ، يصلي الرجل والرجلان والثلاثة والجماعة اليسيرة.
فلما كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جمعهم في جماعة واحدة؛ وأمر أبيّ بن كعب وتميماً الداري بإمامتهم، وجعل للنساء جماعة وجعل على إمامتهن سليمان بن أبي حثمة، وكان رجلاً أعمى.
وبعث عبد الله بن السائب المخزومي إلى مكة ليؤمّ الناس في قيام رمضان في المسجد الحرام، ويعلّمهم القرآن، ويفقّههم في الدين؛ وهو من طبقة صغار الصحابة رضي الله عنهم، وكان قارئاً حسن القراءة، قرأ على أبيّ بن كعب؛ فكان يصلي بهم خلف المقام، وبقي على إمامتهم حتى توفي زمن ابن الزبير.
- قال ابن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب، في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل ويصلي بصلاته الرهط.
فقال عمر: والله إني لأراني لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل؛ فجمعهم على أبيّ بن كعب.
قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم؛ فقال: (نعمت البدعة هذه، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون). يعني آخر الليل.
قال: (وكان الناس يقومون أوله). رواه مالك في الموطأ.
- وقال حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن عروة، أن عمر رضي الله عنه دخل المسجد ليلة في رمضان والناس قد اجتمعوا، فقيل: اجتمعوا للصلاة؛ فقال: بدعة، ونعمت البدعة، ثم قال لأبيٍّ رضي الله عنه: (صلّ بالرجال في هذه الناحية) وقال لسليمان بن أبي حثمة: (صلّ بالنساء في هذه الناحية). رواه ابن شبّة في تاريخ المدينة.
- وقال محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد؛ أنه قال: أمر عمرُ بن الخطاب أبيَّ بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة.
قال: (وقد كان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر).رواه مالك في الموطأ وعمر بن شبة في تاريخ المدينة، والبيهقي في السنن الكبرى.
ورواه عبد الرزاق في المصنف من طريق داوود بن قيس وغيره [هكذا] عن محمد بن يوسف به لكنه قال ( على إحدى وعشرين ركعة ).
- وقال سفيان الثوري عن هشام بن عروة، عن أبيه أن سليمان بن أبي حثمة كان يؤم النساء في عهد عمر في شهر رمضان). رواه ابن سعد.
- وقال ابن سعد: (كان رجلاً على عهد عمر بن الخطاب، وأمره عمر أن يؤم النساء).
- وقال معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين قال كان أبيّ يقوم للناس على عهد عمر في رمضان، فإذا كان النصف جهر بالقنوت بعد الركعة، فإذا تمّت عشرون ليلة انصرف إلى أهله، وقام للناس أبو حليمة معاذ القارئ، وجهر بالقنوت في العشر الأواخر حتى كانوا مما يسمعونه يقول: اللهم قحط المطر، فيقولون: آمين، فيقول: ما أسرع ما تقولون آمين، دعوني حتى أدعو). رواه عبد الرزاق.
- قال ابن سعد: (وهو أوّل من سنَّ قيام شهر رمضان، وجمع الناس على ذلك، وكتب به إلى البلدان، وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة، وجعل للناس بالمدينة قارئين: قارئاً يصلي بالرجال، وقارئاً يصلي بالنساء).

7: إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب
كان من أجلّ أعمال عمر بن الخطاب رضي الله عنها التي كان سبباً في حفظ الدين، وعزّته، وكبت المنافقين، إجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب؛ فقطع بذلك دابرهم، وأمن الناس مكرهم ودسائسهم، وتسلل المنافقين إليهم ليكيدوا الإسلام وأهله؛ فكان في خروجهم عافية عظيمة للمسلمين.
وكان عمر قد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم عزمه على إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فلما كانت خلافته قام عمر بما عزم عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
- قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: أخبرني عمر بن الخطاب، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً». رواه أحمد، ومسلم، وأبو داوود، والترمذي، وغيرهم.
- وقال ابن جريج أيضاً: حدثني موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين، فأراد إخراج اليهود منها، فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بها، على أن يكفوا عملها ولهم نصف الثمر، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نقركم بها على ذلك ما شئنا».
قال: (فقروا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء). رواه مسلم.
- وقال ابن إسحاق: حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، قال: خرجت أنا والزبير والمقداد بن الأسود إلى أموالنا بخيبر نتعاهدها، فلما قدمناها تفرقنا في أموالنا، قال: فعُدي عليَّ تحت الليل، وأنا نائم على فراشي، ففُدعت يداي من مرفقيّ، فلما أصبحت استصرخ عليَّ صاحباي، فأتياني، فسألاني عمن صنع هذا بك؟
قلت: لا أدري.
قال: فأصلحا من يديّ، ثم قدموا بي على عمر؛ فقال: (هذا عمل يهود).
ثم قام في الناس خطيباً، فقال: (أيها الناس! إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامَلَ يهودَ خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا، وقد عدوا على عبد الله بن عمر ففدعوا يديه كما بلغكم، مع عَدْوَتهم على الأنصاريّ قبله، لا نشكّ أنهم أصحابهم، ليس لنا هناك عدو غيرهم، فمن كان له مال بخيبر فليلحق به فإني مخرج يهود).
قال: (فأخرجهم). رواه أحمد في المسند.
- وقال مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: لما فدع أهل خيبر عبد الله بن عمر، قام عمر خطيباً، فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: «نقركم ما أقركم الله» وإنّ عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك، فعدي عليه من الليل، ففدعت يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، هم عدونا وتهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم، فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق، فقال: يا أمير المؤمنين! أتخرجنا وقد أقرنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا.
فقال عمر: أظننت أني نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة؟!»
فقال: كانت هذه هزيلة من أبي القاسم!
قال: (كذبت يا عدو الله).
قال: (فأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالاً وإبلاً وعروضاً من أقتاب وحبال وغير ذلك). رواه البخاري.
- وقال حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلَ أهل خيبر حتى أجلاهم إلى قصرهم؛ فغلب على الأرض والزرع والنخل؛ فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء والحلقة وهي السلاح، ويخرجون منها، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون للقيام عليها؛ فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر على أنَّ لهم الشطر من كل زرع ونخل ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما كان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه غالوا في المسلمين وغشوهم، ورموا ابن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه؛ فقال عمر رضي الله عنه: (من كان له سهم من خيبر فليخرص حتى يقسمها بينهم).
فقال رئيسهم: لا تخرجنا، ودعنا نكون فيها كما أقرّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال عمر لرئيسهم: أتراه سقط عني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لك: ((كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوماً، ثم يوماً، ثم يوماً). رواه أبو جعفر الطحاوي.
- وقال وكيع: حدثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد قال: كان أهل نجران قد بلغوا أربعين ألفاً.
قال: وكان عمر يخافهم أن يميلوا على المسلمين؛ فتحاسدوا بينهم.
قال: فأتوا عمر؛ فقالوا: (إنا قد تحاسدنا بيننا فأجلنا).
قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كتب لهم كتاباً أن لا يجلوا.
قال: (فاغتنمها عمر فأجلاهم؛ فندموا فأتوه فقالوا أقلنا؛ فأبى أن يقيلهم؛ فلما قدم عليّ أتوه؛ فقالوا: إنا نسألك بخطّ يمينك وشفاعتك عند نبيك إلا أقلتنا؛ فأبى وقال: (ويحكم! إنَّ عمر كان رشيد الأمر).
قال سالم: (فكانوا يرون أن علياً لو كان طاعنا على عمر في شيء من أمره طعن عليه في أهل نجران). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والفاكهي في أخبار مكة.
- وقال ابن سعد: (وهو أخرج اليهود من الحجاز وأجلاهم من جزيرة العرب إلى الشام، وأخرج أهل نجران، وأنزلهم ناحية الكوفة).

8: إقامة العدل، ومواساة رعيّته بنفسه
من أشهر صفات عمر رضي الله عنه عدله الذي عرف به، حتى ضرب به المثل في العدل؛ فكان حريصاً على إعطاء كلّ ذي حقّ حقَّه، وكان يواسي رعيّته بنفسه، ويتفقد أحوالهم، ويعس في الليل بنفسه، ويقوم على مصالحهم، وينشر العلم، ويبعث البعوث للجهاد والتعليم والصدقات؛ حتى فتح الله عليه البلدان، وانتشر العلم، واستيسر الناس، وكان لا يحابي أحداً من أهل بيته ولا من قرابته ولا يستأثر لنفسه ولا لهم شيئاً دون المسلمين.
- قال إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما أنا أمشي مع عمر رضي الله عنه ذات يوم وهو يضرب وحشي قدمه بالدرة، تنفس تنفسة ظننت أنها قد قضّت أضلاعه، فقلت: سبحان الله! وما أخرج هذا منك يا أمير المؤمنين إلا أمر عظيم!
قال: (ويحك يا ابن عباس! والله ما أدري كيف أصنع بأمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟).
قلت: والله إنك بحمد الله لقادر على أن تصنع ذاك منها في البقية.
قال: (إنه والله يا ابن عباس ما يصلح لهذا الأمر إلا القوي في غير عنف، اللين في غير ضعف، الجواد في غير سرف، الممسك في غير بخل).
يقول ابن عباس: «والله ما أعرفه غير عمر». رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة.
- وقال حماد بن سلمة، عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة، عن الربيع بن زياد الحارثي أنه وفد إلى عمر بن الخطاب فأعجبته هيئته ونحوه، فشكا عمر طعاماً غليظاً أكله، فقال الربيع: يا أمير المؤمنين! إنَّ أحق الناس بطعام لين، ومركب لين، وملبس لين لأنت.
فرفع عمر جريدة معه فضرب بها رأسه، وقال: (أما والله ما أراك أردت بها الله، وما أردت بها إلا مقاربتي، إن كنت لأحسب أن فيك، ويحك هل تدري ما مثلي ومثل هؤلاء؟
قال: وما مثلك ومثلهم؟
قال: (مثل قوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم، فقالوا له: أنفق علينا، فهل يحل له أن يستأثر منها بشيء؟)
قال: لا يا أمير المؤمنين.
قال: فكذلك مثلي ومثلهم.
ثم قال عمر: « إني لم أستعمل عليكم عمالي ليضربوا أبشاركم، وليشتموا أعراضكم، ويأخذوا أموالكم، ولكني استعملتهم ليعلموكم كتاب ربكم، وسنة نبيكم، فمن ظلمه عامله بمظلمة فلا إذن له علي، ليرفعها إلي حتى أقصّه منه».
فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين! أرأيتَ إن أدّب أميرٌ رجلاً من رعيته، أتقصّه منه؟
فقال عمر: « وما لي لا أقصّه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصّ من نفسه؟!». رواه ابن سعد في الطبقات، وروى عمر بن شبة بعضه في تاريخ المدينة.
- وقال حماد بن سلمة: أخبرنا حميد، عن أنس بن مالك أن الهرمزان رأى عمر بن الخطاب مضطجعاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «هذا والله الملك الهنيء». رواه ابن سعد.
- وقال عبيد الله بن عمر العمري، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: تقرقرَ بطن عمر بن الخطاب، وكان يأكل الزيت عام الرمادة، وكان حرم عليه السمن، فنقر بطنه بإصبعه قال: « تَقَرْقَرْ تَقَرْقُرَكَ، إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس». رواه ابن سعد.
- وقال محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: أصاب الناس عام سنة، فغلا فيها السمن، وكان عمر يأكله، فلما قل قال: «لا آكله حتى يأكله الناس».
فكان يأكل الزيت، فقال: «يا أسلم، اكسر عني حره بالنار» ، فكنت أطبخه له فيأكله؛ فيتقرقر بطنه عنه؛ فيقول: «تقرقر، لا والله لا تأكله حتى يأكله الناس». رواه ابن سعد.
- وقال الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة رضي الله عنه، قال: قال عمر رضي الله عنه: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفتنة؟
قال: قلت: أنا أحفظه كما قال.
قال: إنك عليه لجريء! فكيف؟
قال: قلت: (فتنة الرجل في أهله، وولده، وجاره، تكفرها الصلاة، والصدقة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر).
قال: ليس هذه أريد، ولكني أريد التي تموج كموج البحر.
قال: قلت: ليس عليك بها يا أمير المؤمنين بأس، بينك وبينها باب مغلق.
قال: فيكسر الباب أو يفتح؟
قال: قلت: لا بل يكسر.
قال: فإنه إذا كسر لم يغلق أبداً.
قال: قلت: أجل.
فهبنا أن نسأله من الباب؛ فقلنا لمسروق: سله، قال: فسأله، فقال: عمر رضي الله عنه.
قال: قلنا: فعلم عمر من تعني؟
قال: (نعم، كما أنَّ دون غدٍ ليلة، وذلك أني حدثته حديثا ليس بالأغاليط). رواه البخاري في صحيحه.
- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (عدل عمر كان أتمَّ من عدل مَن وَلي بعده، وعلمه كان أتمَّ من علم من ولي بعده، وأما التفاوت بين سيرة عمر وسيرة من ولي بعده؛ فأمر قد عرفته العامة والخاصة؛ فإنها أعمال ظاهرة، وسيرة بيّنة، يظهر لعمر فيها من حسن النية، وقصد العدل، وعدم الغرض، وقمع الهوى ما لا يظهر من غيره).



تتمة:
- قال ابن سعد: (ووضع عمر في طريق السبل ما بين مكة والمدينة ما يصلح من ينقطع به ويحمل من ماء إلى ماء، وهدم عمر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد فيه، وأدخل دار العباس بن عبد المطلب فيما زاد، ووسعه وبناه لما كثر الناس بالمدينة).
- وقال: (واستعمل عمر على الحج بالناس أوَّل سنة استخلف وهي سنة ثلاث عشرة عبد الرحمن بن عوف فحج بالناس تلك السنة، ثم لم يزل عمر بن الخطاب يحج بالناس في كل سنة خلافته كلها، فحج بهم عشر سنين ولاء، وحج بأزواج النبي عليه السلام في آخر حجة حجها بالناس سنة ثلاث وعشرين، واعتمر عمر في خلافته ثلاث مرات، عمرة في رجب سنة سبع عشرة، وعمرة في رجب سنة إحدى وعشرين، وعمرة في رجب سنة اثنتين وعشرين، وهو أخَّر المقام إلى موضعه اليوم، وكان ملصقاً بالبيت).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.90%)]