عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 02-03-2023, 11:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,835
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بحث في تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُ

معنى (ما) في قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} ولم نجعل صرفك عن القبلة الّتي كنت على التّوجّه إليها يا محمّد فصرفناك عنها إلاّ لنعلم من يتّبعك ممّن ينقلب على عقبيه.). [جامع البيان: 2/ 638-646]

المراد بالقبلة في الآية
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (والقبلة الّتي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليها الّتي عناها اللّه بقوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} هي القبلة الّتي كنا يتوجّه إليها قبل أن يصرفه إلى الكعبة
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباط، عن السّدّيّ: «{وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها}يعني بيت المقدس».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} قال: «القبلة: بيت المقدس».). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها}:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال قلت لعطاءٍ: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} قال لي عطاءٌ: «بيت المقدس».
وروي عن عطيّة والسّدّيّ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 250]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} الآية، قال قتادة والسدي وعطاء وغيرهم: «القبلة هنا بيت المقدس». والمعنى لم نجعلها حين أمرناك بها أولا إلا فتنة لنعلم من يتبعك من العرب الذين إنما يألفون مسجد مكة، أو من اليهود على ما قال الضحاك من أن الأحبار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن بيت المقدس هو قبلة الأنبياء، فإن صليت إليه اتبعناك، فأمره الله بالصلاة إليه امتحانا لهم فلم يؤمنوا…
وقال ابن عباس: «القبلة في الآية الكعبة»، وكنت بمعنى أنت كقوله تعالى: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}[آل عمران: 110] بمعنى أنتم، أي وما جعلناها وصرفناك إليها إلا فتنة)). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} يقول تعالى: إنّما شرعنا لك -يا محمّد -التّوجّه أوّلًا إلى بيت المقدس، ثمّ صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتّبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممّن ينقلب على عقبيه، أي: مرتدّاً عن دينه ). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( بابٌ قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إنّ الله بالنّاس لرؤوفٌ رحيمٌ}
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتبع الرّسول} إلى هنا رواية أبي ذر وفي رواية غيره إلى آخر الآية الّتي ذكرناها. قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} يعني: وما جعلنا القبلة الّتي تحب أن تستقبلها الجهة الّتي كنت عليها أولا بمكّة وما رددناك إليها إلاّ امتحاناً للنّاس وابتلاءً لنعلم الثّابت على الإسلام الصّادق فيه ممّن هو على حرف ينكص على عقبيه لقلقه فيرتد.)[عمدة القاري: 18/ 95]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} الآية.
أخرج ابن جرير عن عطاء في قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} قال: «يعني بيت المقدس»{إلا لنعلم من يتبع الرسول} قال: «يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره».). [الدر المنثور: 2/ 25-27]

القول بحذف المضاف في قوله: {وما جعلنا القبلة} لدلالة الكلام عليه
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (والقبلة الّتي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليها الّتي عناها اللّه بقوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} هي القبلة الّتي كنا يتوجّه إليها قبل أن يصرفه إلى الكعبة.

وإنّما ترك ذكر الصّرف عنها اكتفاءٍ بدلالة ما قد ذكر من الكلام على معناه كسائر ما قد ذكرنا فيما مضى من نظائره.
وإنّما قلنا ذلك معناه؛ لأنّ محنة اللّه أصحاب رسوله في القبلة إنّما كانت فيما تظاهرت به الأخبار عند التّحويل من بيت المقدس إلى الكعبة، حتّى ارتدّ فيما ذكر رجالٌ ممّن كان قد أسلم واتّبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأظهر كثيرٌ من المنافقين من أجل ذلك نفاقهم، وقالوا: ما بال محمّدٍ يحوّلنا مرّةً إلى ها هنا، ومرّةً إلى ها هنا؟ وقال المسلمون في أنفسهم وفى من مضى من إخوانهم المسلمين، وهم يصلّون نحو بيت المقدس: بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت. وقال المشركون: تحيّر محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم في دينه. فكان ذلك فتنةً للنّاس وتمحيصًا للمؤمنين، فلذلك قال جلّ ثناؤه: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} بمعنى: وما جعلنا صرفك عن القبلة الّتي كنت عليها، وتحويلك إلى غيرها، كما قال جلّ ثناؤه: {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلاّ فتنةً للنّاس} بمعنى: وما جعلنا خبرك عن الرّؤيا الّتي، أريناك؛ وذلك أنّه لو لم يكن أخبر القوم بما كان أري لم يكن فيه على أحدٍ فتنةٌ، وكذلك القبلة الأولى الّتي كانت نحو بيت المقدس، لو لم يكن صرف عنها إلى الكعبة لم يكن فيها على أحدٍ فتنةٌ ولا محنةٌ.
ذكر الأخبار الّتي رويت في ذلك بمعنى ما قلنا.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة قال: «كانت القبلة فيها بلاءٌ وتمحيصٌ، صلّت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينه، وصلّى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد قدومه المدينة مهاجرًا نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا، ثمّ وجّهه اللّه بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام، فقال في ذلك قائلون من النّاس:{ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}لقد اشتاق الرّجل إلى مولده قال اللّه عزّ وجلّ:{قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} فقال أناسٌ لمّا صرفت القبلة نحو البيت الحرام: كيف بأعمالنا الّتي كنّا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}وقد يبتلي اللّه العباد بما شاء من أمره الأمر بعد الأمر، ليعلم من يطيعه ممّن يعصيه. وكلّ ذلك مقبولٌ إذا كان في إيمانٍ باللّه، وإخلاصٍ له، وتسليمٍ لقضائه».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي قبل بيت المقدس، فنسختها الكعبة. فلمّا وجّه قبل المسجد الحرام، اختلف النّاس فيها، فكانوا أصنافًا؛ فقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلةٍ زمانًا، ثمّ تركوها وتوجّهوا إلى غيرها؟ وقال المسلمون: ليت شعرنا عن إخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون قبل بيت المقدس، هل تقبّل اللّه منّا ومنهم أو لا؟ وقالت اليهود: إنّ محمّدًا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده، ولو ثبت على قبلتنا لكنّا نرجو أن يكون هو صاحبنا الّذي ننتظر، وقال المشركون من أهل مكّة، تحيّر محمّدٍ على دينه، فتوجّه بقبلته إليكم، وعلم أنّكم كنتم أهدى منه، ويوشك أن يدخل في دينكم. فأنزل اللّه جلّ ثناؤه في المنافقين:{سيقول السّفهاء من النّاس ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}إلى قوله:{وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه}وأنزل في الآخرين الآيات بعدها».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: «قلت لعطاءٍ{إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} فقال عطاءٌ: يبتليهم ليعلم من يسلّم لأمره»، قال ابن جريجٍ: «بلغني أنّ ناسًا ممّن أسلم رجعوا فقالوا مرّةً: هاهنا ومرّةً هاهنا».). [جامع البيان: 2/ 638-646]

ويقول: اجتزئ بذكر القبلة من ذكر التّولية والتّحويلة لدلالة الكلام على معنى ذلك، كما قد وصفنا ذلك في نظائره، فيكون ذلك وجهًا صحيحًا ومذهبًا مفهومًا.). [جامع البيان: 2/ 646-650]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقال بعض من ذكر: القبلة بيت المقدس، والمعنى: وما جعلنا صرف القبلة التي كنت عليها وتحويلها، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]

معنى قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه}:
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} ولم نجعل صرفك عن القبلة الّتي كنت على التّوجّه إليها يا محمّد فصرفناك عنها إلاّ لنعلم من يتّبعك ممّن ينقلب على عقبيه.

فلذلك قال جلّ ثناؤه: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} بمعنى: وما جعلنا صرفك عن القبلة الّتي كنت عليها، وتحويلك إلى غيرها، كما قال جلّ ثناؤه: {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلاّ فتنةً للنّاس} بمعنى: وما جعلنا خبرك عن الرّؤيا الّتي، أريناك؛ وذلك أنّه لو لم يكن أخبر القوم بما كان أري لم يكن فيه على أحدٍ فتنةٌ، وكذلك القبلة الأولى الّتي كانت نحو بيت المقدس، لو لم يكن صرف عنها إلى الكعبة لم يكن فيها على أحدٍ فتنةٌ ولا محنةٌ.). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} الآية، قال قتادة والسدي وعطاء وغيرهم: «القبلة هنا بيت المقدس». والمعنى لم نجعلها حين أمرناك بها أولا إلا فتنة لنعلم من يتبعك من العرب الذين إنما يألفون مسجد مكة، أو من اليهود على ما قال الضحاك من أن الأحبار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن بيت المقدس هو قبلة الأنبياء، فإن صليت إليه اتبعناك، فأمره الله بالصلاة إليه امتحانا لهم فلم يؤمنوا، وقال بعض من ذكر: القبلة بيت المقدس، والمعنى: وما جعلنا صرف القبلة التي كنت عليها وتحويلها، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه،
وقال ابن عباس: «القبلة في الآية الكعبة»، وكنت بمعنى أنت كقوله تعالى: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}[آل عمران: 110] بمعنى أنتم، أي وما جعلناها وصرفناك إليها إلا فتنة). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} يقول تعالى: إنّما شرعنا لك -يا محمّد -التّوجّه أوّلًا إلى بيت المقدس، ثمّ صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتّبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممّن ينقلب على عقبيه، أي: مرتدّاً عن دينه ). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( بابٌ قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إنّ الله بالنّاس لرؤوفٌ رحيمٌ}
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتبع الرّسول} إلى هنا رواية أبي ذر وفي رواية غيره إلى آخر الآية الّتي ذكرناها. قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} يعني: وما جعلنا القبلة الّتي تحب أن تستقبلها الجهة الّتي كنت عليها أولا بمكّة وما رددناك إليها إلاّ امتحاناً للنّاس وابتلاءً لنعلم الثّابت على الإسلام الصّادق فيه ممّن هو على حرف ينكص على عقبيه لقلقه فيرتد.). [عمدة القاري: 18/ 95]

الأقوال في معنى قوله: {لنعلم} وبيان مرجع الضمير فيه
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (فإن قال لنا قائلٌ: أوما كان اللّه عالمًا بمن يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه إلاّ بعد اتّباع المتّبع، وانقلاب المنقلب على عقبيه، حتّى قال: ما فعلنا الّذي فعلنا من تحويل القبلة إلاّ لنعلم المتّبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من المنقلب على عقبيه؟
قيل: إنّ اللّه جلّ ثناؤه هو العالم بالأشياء كلّها قبل كونها وليس قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} بخبر عن أنّه لم يعلم ذلك إلاّ بعد وجوده.
فإن قال: فما معنى ذلك؟
قيل له: أما معناه عندنا فإنّه: وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ ليعلم رسولي وحزبي وأوليائي من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه.
فقال جلّ ثناؤه: {إلاّ لنعلم}ومعناه: ليعلم رسولي وأوليائي، إذ كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأولياؤه من حزبه،
وكان من شأن العرب إضافة ما فعلته أتباع الرّئيس إلى الرّئيس، وما فعل بهم إليه نحو قولهم: فتح عمر بن الخطّاب سواد العراق، وجبى خراجها، وإنّما فعل ذلك أصحابه عن سببٍ كان منه في ذلك.
وكالّذي روي في نظيره عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: [يقول اللّه جلّ ثناؤه: مرضت فلم يعدني عبدي، واستقرضته فلم يقرضني، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني].
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا خالدٌ، عن محمّد بن جعفرٍ، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: [يقول اللّه: استقرضت عبدي فلم يقرضني، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني يقول: وادهراه، وأنا الدّهر، أنا الدّهر].
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه.
فأضاف تعالى ذكره الاستقراض، والعيادة إلى نفسه، وإن كان ذلك بغيره إذ كان ذلك عن سببه.
وقد حكي عن العرب سماعًا: أجوع في غير بطني، وأعرى في غير ظهري، بمعنى جوع أهله، وعياله وعري ظهورهم، فكذلك قوله: {إلاّ لنعلم} بمعنى يعلم أوليائي وحزبي. وبنحو الّذي قلنا في ذلك قالت جماعه من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} قال ابن عبّاسٍ: «لنميّز أهل اليقين من أهل الشّرك والرّيبة».

وقد قال بعضهم: إنّما قيل ذلك من أجل أنّ العرب تضع العلم مكان الرّؤية، والرّؤية مكان العلم، كما قال جلّ ذكره: {ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل} فزعم أنّ معنى: {ألم تر} ألم تعلم، وزعم أنّ معنى قوله: {إلاّ لنعلم}بمعنى: إلاّ لنرى من يتّبع الرّسول. وزعم أنّ قول القائل: رأيت وعلمت وشهدت حروفٌ تتعاقب فيوضع بعضها موضع بعضٍ، كما قال جرير ابن عطيّة:




كأنّك لم تشهد لقيطًا، وحاجبًا ....... وعمرو بن عمرٍو إذ دعا يال دارم


بمعنى: كأنّك لم تعلم لقيطًا؛ لأنّ بين هلك لقيطٍ، وحاجبٍ وزمان جريرٍ ما لا يخفى بعده من المدّة؛ وذلك أنّ الّذين ذكرهم هلكوا في الجاهليّة، وجريرٌ كان بعد برهةٍ مضت من مجيء الإسلام.
وهذا تأويلٌ بعيدٌ، من أجل أنّ الرّؤية، وإن استعملت في موضع العلم من أجل أنّه مستحيلٌ أن يرى أحدٌ شيئًا، فلا توجب له رؤيته إيّاه علمًا بأنّه قد رآه إذا كان صحيح الفطرة، فجاز من الوجه الّذي أثبته رؤية أن يضاف إليه إثباته إيّاه علمًا، وصحّ أن يدلّ بذكر الرّؤية على معنى العلم من أجل ذلك. فليس ذلك وإن جاز في الرّؤية لما وصفنا بجائزٍ في العلم، فيدلّ بذكر الخبر عن العلم على الرّؤية؛ لأنّ المرء قد يعلم أشياء كثيرةً لم يرها، ولا يراها ويستحيل أن يرى شيئًا إلاّ علمه، على ما قد قدّمنا البيان، مع أنّه غير: موجودٍ في شيءٍ من كلام العرب أن يقال: علمت كذا بمعنى رأيته، وإنّما يجوز توجيه معاني ما في كتاب اللّه الّذي أنزله على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من الكلام إلى ما كان موجودًا مثله في كلام العرب دون ما لم يكن موجودًا في كلامها، فموجودٌ في كلامها رأيت بمعنى علمت، وغير موجودٍ في كلامها علمت بمعنى رأيت، فيجوز توجيه {إلاّ لنعلم} إلى معنى: إلاّ لنرى.
وقال آخرون: إنّما قيل: {إلاّ لنعلم} من أجل أنّ المنافقين واليهود وأهل الكفر باللّه أنكروا أن يكون اللّه تعالى ذكره يعلم الشّيء قبل كونه، وقالوا: إذ قيل لهم: إنّ قومًا من أهل القبلة سيرتدّون على أعقابهم، إذا حوّلت قبلة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكعبة: ذلك غير كائنٍ، أو قالوا: ذلك باطلٌ. فلمّا فعل اللّه ذلك، وحوّل القبلة، وكفر من أجل ذلك من كفر، قال اللّه جلّ ثناؤه: ما فعلت إلاّ ليعلم عندكم أيّها المنكرون علمي بما هو كائنٌ من الأشياء قبل كونه، أنّي عالمٌ بما هو كائنٌ ممّا لم يكن بعد.
فكأنّ معنى قائلي هذا القول في تأويل قوله: {إلاّ لنعلم} إلاّ ليتبيّن لكم أنّا نعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه. وهذا، وإن كان وجهًا له مخرجٌ، فبعيدٌ من المفهوم.
وقال آخرون: إنّما قيل: {إلاّ لنعلم} وهو بذلك عالمٌ قبل كونه وفي حالٍ كونه على وجه التّرفّق بعباده، واستمالتهم إلى طاعته، كما قال جلّ ثناؤه: {قل اللّه وإنّا أو إيّاكم لعلى هدًى أو في ضلالٍ مبينٍ} وقد علم أنّه على هدًى وأنّهم على ضلالٍ مبينٍ، ولكنّه رفق بهم في الخطّاب، فلم يقل: إنّا على هدًى، وأنتم على ضلالٍ. فكذلك قوله: {إلاّ لنعلم} معناه عندهم: إلاّ لتعلموا أنتم إذ كنتم جهّالاً به قبل أن يكون؛ فأضاف العلم إلى نفسه رفقًا بخطابهم.
وقد بيّنّا القول الّذي هو أولى ذلك بالحقّ.). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه::
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} قال ابن عبّاسٍ: «لنميز أهل اليقين من أهل الشك والريبة».
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة بن الفضل، قال: قال محمّد بن إسحاق، حدّثني مولى آل زيدٍ عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: «{إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} أي: ابتلاءً واختبارًا».
وروى الحسن و، عطاء، وقتادة، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 250-251]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} الآية، قال قتادة والسدي وعطاء وغيرهم: «القبلة هنا بيت المقدس». والمعنى لم نجعلها حين أمرناك بها أولا إلا فتنة لنعلم من يتبعك من العرب الذين إنما يألفون مسجد مكة، أو من اليهود على ما قال الضحاك من أن الأحبار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن بيت المقدس هو قبلة الأنبياء، فإن صليت إليه اتبعناك، فأمره الله بالصلاة إليه امتحانا لهم فلم يؤمنوا،

ومعنى قوله تعالى: {لنعلم} أي ليعلم رسولي والمؤمنون به، وجاء الإسناد بنون العظمة إذ هم حزبه وخالصته، وهذا شائع في كلام العرب كما تقول: فتح عمر العراق وجبى خراجها، وإنما فعل ذلك جنده وأتباعه، فهذا وجه التجوز إذا ورد علم الله تعالى بلفظ استقبال لأنه قديم لم يزل، ووجه آخر: وهو أن الله تعالى قد علم في الأزل من يتبع الرسول واستمر العلم حتى وقع حدوثهم واستمر في حين الاتباع والانقلاب ويستمر بعد ذلك، والله تعالى متصف في كل ذلك بأنه يعلم، فأراد بقوله لنعلم ذكر علمه وقت مواقعتهم الطاعة والمعصية، إذ بذلك الوقت يتعلق الثواب والعقاب، فليس معنى لنعلم لنبتدىء العلم وإنما المعنى لنعلم ذلك موجودا، وحكى ابن فورك أن معنى لنعلم لنثيب، فالمعنى لنعلمهم في حال استحقوا فيها الثواب، وعلق العلم بأفعالهم لتقوى الحجة ويقع التثبت فيما علمه لا مدافعة لهم فيه، وحكى ابن فورك أيضا أن معنى لنعلم لنميز، وذكره الطبري عن ابن عباس، وحكى الطبري أيضا أن معنى لنعلم لنرى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا كله متقارب»، والقاعدة نفي استقبال العلم بعد أن لم يكن، وقرأ الزهري ليعلم على ما لم يسم فاعله.). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} يقول تعالى: إنّما شرعنا لك -يا محمّد -التّوجّه أوّلًا إلى بيت المقدس، ثمّ صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتّبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممّن ينقلب على عقبيه، أي: مرتدّاً عن دينه). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال أحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تعالى {إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} [143]
أخرج الطبري من طريق سنيد بن داود عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال قلت لعطاء فقال يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره قال ابن جريج بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا مرة ها هنا ومرة هاهنا
قال الطبري معناه ليعلم الرسول والمؤمنون وأضاف ذلك إليه وفقا لخطابهم وأخرج عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة قال كان في القبلة الأولى بلاء وتمحيص فصلى النبي قدومه إلى المدينة إلى بيت المقدس ثم وجهه الله إلى الكعبة
واسند الطبري عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس معناه نميز أهل اليقين من أهل الشك
قال وقال آخرون كانوا ينكرون أن يكون الله يعلم الشيء قبل كونه ولو قيل لهم أن قوما من أهل القبلة سيرتدون إذا حولت القبلة لقالوا إن ذلك باطل فلما حولت القبلة وكفر من كفر من أجل ذلك قال الله وما جعلت ذلك إلا لأعلم ما عندكم أيها المنكرون علمي بما هو كائن من الشيء قبل وقوعه وحاصله أن المعنى إلا لنبين لكم أنا نعلم ما كان قبل أن يكون
وقال المارودي اختلفوا في سبب الصلاة إلى بيت المقدس فقال الطبري إنه كان ليأتلف أهل الكتاب وقال الزجاج إن العرب كانت تحج البيت غير آلفة لبيت المقدس فأحب أن يمتحنهم بغير ما ألفوه ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه). [العجاب في بيان الأسباب:390 - 1/392]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ({إلا لنعلم} لنختبر ونتبين

قال البيضاوي: «فإن قلت: كيف يكون علمه تعالى غاية الجعل وهو لم يزل عالمًا؟ وأجاب: بأن هذا وأشباهه باعتبار التعلق الحالي الذي هو مناط الجزاء والمعنى ليتعلق علمنا به موجودًا، وقيل ليعلم رسوله والمؤمنون، لكنه أسند إلى نفسه لأنهم خواصه أو ليتميز الثابت عن المتزلزل كقوله تعالى: {ليميز الله الخبيث من الطيب}[الأنفال: 37]فوضع العلم موضع التميز المسبب عنه».). [إرشاد الساري: 7/ 17]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} الآية.
أخرج ابن جرير عن عطاء في قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} قال: «يعني بيت المقدس»{إلا لنعلم من يتبع الرسول} قال: «يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله: {إلا لنعلم} قال: «إلا لنميز أهل اليقين من أهل الشك). [الدر المنثور: 2/ 25-27]


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.09 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.47%)]