عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 01-03-2023, 05:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي

تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي
محمد ابوزيد

سورة آل عمران


قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة آل عمران:
قد تقدم ما يؤخذ منه مناسبة وضعها.
وقال الإمام: لما كانت هذه السورة قرينة سورة البقرة، وكالمكملة لها، افتتحت بتقرير ما افتتحت به تلك، وصرح في منطوق مطلعها بما طوي في مفهوم [مطلع] تلك.
وأقول: قد ظهر لي بحمد الله وجوه من المناسبات:
أحدها: مراعاة القاعدة التي قررتها، من شرح كل سورة لإجمال ما في السورة قبلها، وذلك هنا في عدة مواضع:
منها: ما أشار إليه الإمام، فإن أول البقرة افتتح بوصف الكتاب بأنه لا ريب فيه. وقال في آل عمران: {نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقًا لما بين يديه} "13"، وذلك بسط وإطناب؛ لنفي الريب عنه.
ومنها: أنه ذكر في البقرة إنزال الكتاب مجملًا، وقسّمه هنا إلى آيات محكمات، ومتشابهات لا يعلم تأويلها إلا الله.
ومنها: أنه قال في البقرة: {وما أنزل من قبلك} "البقرة: " [مجملًا]، وقال هنا: {وأنزل التّوراة والإنجيل، من قبل هدًى للنّاس} "3، 4" مفصلًا. وصرح بذكر الإنجيل هنا؛ لأن السورة خطاب للنصارى، ولم يقع التصريح به في سورة البقرة بطولها؛ وإنما صرح فيها بذكر التوراة خاصة؛ لأنها خطاب لليهود.
ومنها: أن ذكر القتال وقع في سورة البقرة مجملًا بقوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه} "190، 244" [وقوله] : {كتب عليكم القتال} "البقرة: 216"، وفصلت هنا قصة أحد بكمالها.
ومنها: أنه أوجز في البقرة ذكر المقتولين في سبيل الله بقوله: {أحياءٌ ولكن لا تشعرون} "البقرة: 154" وزاد هنا: {عند ربّهم يرزقون، فرحين بما آتاهم اللّه من فضله ويستبشرون بالّذين لم يلحقوا بهم من خلفهم} "169، 170" الآيتين، وذلك إطناب عظيم.
ومنها: أنه قال في البقرة: {واللّه يؤتي ملكه من يشاء} "البقرة: 247". وقال هنا: {قل اللّهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير إنّك على كلّ شيءٍ قديرٌ} "26"، فزاد إطنابًا وتفصيلًا.
ومنها: أنه حذر من الرباء في البقرة، ولم يزد على لفظ الربا إيجازًا وزاد هنا قوله: {أضعافًا مضاعفة} "130"، وذلك بيان وبسط.
ومنها: أنه قال في البقرة: {وأتمّوا الحجّ} "البقرة: 196"، وذلك إنما يدل على الوجوب إجمالًا، وفصله هنا بقوله: {وللّه على النّاس حجّ البيت} "97". وزاد: بيان شرط الوجوب بقوله: {من استطاع إليه سبيلًا} "97". ثم زاد: تكفير من جحد وجوبه بقوله: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيٌّ عن العالمين} "97".
ومنها: أنه قال في البقرة في أهل الكتاب: {ثمّ تولّيتم إلّا قليلًا منكم} "البقرة: 83". فأجمل القليل، وفصله هنا بقوله: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون} "113، 114" الآيتين.
ومنها: أنه قال في البقرة: {قل أتحاجّوننا في اللّه وهو ربّنا وربّكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون} "البقرة: 139". فدل بها على تفضيل هذه الأمة على اليهود تعريضًا لا تصريحًا، وكذلك قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} "البقرة: 143" في تفضيل هذه الأمة على سائر الأمم بلفظ فيه يسير إبهام، وأتى في هذه [السورة] بصريح البيان فقال: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}"110". فقوله: {كنتم} أصرح في قدم ذلك من {جعلناكم} ثم زاد [بيان] وجه الخيرية بقوله: {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه} "110".
ومنها: أنه قال في البقرة: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام} "البقرة: 188" الآية. وبسط الوعيد هنا بقوله: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلًا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} "77" الآية، وصدره بقوله: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطارٍ يؤدّه إليك ومنهم من إن تأمنه بدينارٍ لا يؤدّه إليك إلّا ما دمت عليه قائمًا ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ} "75".
فهذه عدة مواضع وقعت في البقرة مجملة، وفي آل عمران تفصيلها.
الوجه الثاني: أن بين هذه السورة وسورة البقرة اتحادًا وتلاحمًا متأكدًا؛ لما تقدم من أن البقرة بمنزلة إزالة الشبهة؛ ولهذا تكرر هنا ما يتعلق بالمقصود الذي هو بيان حقيقة الكتاب: من إنزال الكتاب، وتصديقه للكتب قبله، والهدى إلى الصراط المستقيم. وتكررت هنا آية: {قولوا آمنّا باللّه وما أنزل} "البقرة: 136" بكمالها؛ ولذلك أيضًا ذكر في هذه ما هو تال لما ذكر في تلك، أو لازم في تلك، أو لازم له.
فذكر هناك خلق الناس، وذكر هنا تصويرهم في الأرحام، وذكر هناك مبدأ خلق آدم، وذكر هنا مبدأ خلق أولاده، وألطف من ذلك: أنه افتتح البقرة بقصة آدم؛ حيث خلقه من غير أب ولا أم، وذكر في هذه نظيره في الخلق من غير أب؛ وهو عيسى عليه السلام؛ ولذلك ضرب له المثل بآدم، واختصت البقرة بآدم لأنها أول السور، وآدم أول في الوجود وسابق، ولأنها الأصل، وهذه كالفرع والتتمة لها، فمختصة بالإعراب [والبيان] .
ولأنها خطاب لليهود الذين قالوا في مريم ما قالوا، وأنكروا وجود ولد بلا أب، ففوتحوا بقصة آدم؛ لتثبت في أذهانهم، فلا تأتي قصة عيسى إلا وقد ذكر عندهم ما يشهد لها من جنسها.
ولأن قصة عيسى قيست على قصة آدم في قوله: {كمثل آدم} "59" الآية، والمقيس عليه لا بدّ وأن يكون معلومًا؛ لتتم الحجة بالقياس، فكانت قصة آدم والسورة التي هي فيها جديرة بالتقدم.
ومن وجوه تلازم السورتين: أنه قال في البقرة في صفة النار: {أعدّت للكافرين} "البقرة: 24"، ولم يقل في الجنة: أعدت للمتقين، مع افتتاحها بذكر المتقين والكافرين معًا، وقال ذلك في آل عمران في قوله: {وجنّةٍ عرضها السّماوات والأرض أعدّت للمتّقين} "133"، فكأن السورتين بمنزلة سورة واحدة.
وبذلك يعرف أن تقديم آل عمران على النساء أنسب من تقديم النساء عليها.
وأمر آخر استقرأته؛ وهو: أنه إذا وردت سورتان بينهما تلازم واتحاد، فإن السورة الثانية تكون خاتمتها مناسبة لفاتحة الأولى للدلالة على الاتحاد. وفي السورة المستقلة عما بعدها يكون آخر السورة نفسها مناسب لأولها، وآخر آل عمران مناسب لأول البقرة؛ فإنها افتتحت بذكر المتقين، وأنهم المفلحون، وختمت آل عمران بقوله: {واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون} "200".
وافتتحت البقرة بقوله: {والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} "البقرة: 4"، وختمت آل عمران بقوله: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم} "199"، فلله الحمد على ما ألهم.
وقد ورد أنه لما نزلت: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا} "البقرة: 245"، قالت اليهود: يا محمد، افتقر ربك، فسأل عباده القرض، فنزل قوله: {لقد سمع اللّه قول الّذين قالوا إنّ اللّه فقيرٌ ونحن أغنياء} "181"، فذلك أيضًا من تلازم السورتين.
ووقع في البقرة حكاية عن إبراهيم: {ربّنا وابعث فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياتك} "البقرة: 129" الآية، ونزل في هذه: {لقد منّ اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولًا من أنفسهم يتلو عليهم} "164"، وذلك أيضًا من تلازم السورتين). [تناسق الدرر: ؟؟]





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.27 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.74%)]