عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-02-2023, 08:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,849
الدولة : Egypt
افتراضي الالتفات في الصلاة

الالتفات في الصلاة
الشيخ عبدالعزيز السلمان

قَالَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى عَلى قَوْلِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم- في الْحَدِيثِ: «وآمُرُكُمْ بالصَّلاةِ فَلا تَلْتَفِتُوا فَإِنَّ اللهُ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ».

الالْتِفَاتُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي الصَّلاة قِسْمَان:
أَحَدُهُمَا: الْتِفَاتُ الْقَلْبِ عن الله عَزَّ وَجَلَّ إِلى غَيْرِ اللهِ تَعَالَى.

والثَّانِي: الْتفاتُ الْبَصَرِ وَكِلاهُمَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلا يَزَالُ اللهُ مُقْبِلاً عَلَى عَبْدِهِ مَا دَامَ الْعَبْدُ مُقْبِلاً عَلى صَلاتِهِ فَإِذَا الْتَفَتَ بِقَلْبِهِ أَوْ بَصَرِهِ أَعْرَضَ اللهُ تَعَالى عَنْهُ وَقَدْ سُئْلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ التِفَاتِ الرَّجُلِ فِي صَلاتِهِ فَقَالَ: «اخْتِلاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاة ِالْعَبْدِ».

وفي أَثَرِ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى إِلى خَيْرٍ مِنِّي، ومِثَالُ مَنْ يَلْتَفتُ في صَلاتِهِ بِبَصَرِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ مَثَلُ رَجُلٍ قَدْ اسْتَدْعَاهُ السُّلْطَانُ فَأَوقَفَهُ بَيْنَ يَدَيهِ وأَقْبَلَ يُنَادِيهِ وَيُخَاطِبُهُ وَهُوَ فِي خِلالِ ذَلكَ يَلْتَفِتُ عَنْ السُّلْطَانِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَقَدْ انْصَرَفَ قَلْبُهُ عَنْ السُّلطانِ فَلا يَفْهَمُ مَا يُخَاطِبُهُ بِهِ لأَنَّ قَلْبَهُ لَيْسَ حَاضِرًا مَعَهُ فَمَا ظَنُّ هَذَا الرَّجل ِأَنْ يَفْعَلَ بِهِ السُّلْطَانُ أَفَلَيْسَ أَقَلُّ الْمَرَاتِبِ فِي حَقّهِ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مَمْقُوتًا مُبْعِدًا قَدْ سَقَطَ مِنْ عَيْنَيْهِ.

فَهَذَا الْمُصَلِّي لا يَسْتَوِي وَالْحَاضِرُ الْقَلْبِ الْمُقْبِلُ عَلَى اللهِ تَعَالى في صَلاتِهِ الذي قَدْ أَشْعَرَ قَلْبَهُ عَظَمَةَ اللهِ الذي هُوَ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيهِ فَامْتَلأَ قَلْبُهُ مِنْ هَيْبَتِهِ وَذَلَّتْ عُنُقُهُ لَهُ واسْتَحَى مِنْ رَبِّهِ تَعَالى أَنْ يُقْبلَ عَلى غَيرهِ أَوْ يَلْتَفِتَ عَنْهُ.

وَبَيْنَ صَلاتَيْهِمَا كَمَا قَالَ حَسَّانُ بنُ عَطِيَّةَ: إِنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَكُونَانِ في الصَّلاةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنَّ مَا بَيْنَهُمَا في الْفَضْلِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُقْبِلٌ بِقَلْبِهِ عَلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ والآخَرُ سَاهٍ غَافِلٌ فَإِذَا أَقْبَلَ الْعَبْدُ عَلَى مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ لَمْ يَكُنْ إِقْبالًا ولا تَقْرِيبًا فَمَا الظنُّ بالْخَالِق عَزَّ وَجَلَّ وإِذَا أَقْبَلَ عَلى الْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابُ الشَّهَوَاتِ والْوَسَاوِسِ، والنَّفْسُ مَشْغُوفَةٌ بِهَا مَلأَى مِنْهَا فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلكَ إِقْبَالًا، وَقَدْ أَلْهَتْهُ الْوَسَاوِسُ والأَفْكَارُ وَذَهَبَتْ بِهِ كلَّ مَذْهَبٍ بِهَا.

قِصَّةٌ تُنَاسِبُ الْمَوْضُوعَ أَلْقِ لِهَا سَمْعَكَ وَحَضِّرْ قَلْبَكَ، قِيلَ إِنَّ السَّفْاحَ كَانَ يُحَدِّثُ أَبَا بَكْرٍ الْهُذَلِيْ يَوْمًا، فَعَصَفَتْ رِيحٌ فَأَسْقَطَتْ طِشْتًا مِنْ السَّطْحِ عَلَى الْمَجْلِسِ، فَارْتَاع الْحَاضِرُونَ وَلَمْ يَتَحَرّك الْهُذَلِيُّ، وَلَمْ تَزَلْ عَيْنُه مُطَابِقَةً لِعَيْنِ السَّفْاحِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ، فَقَالَ السَّفْاحُ: مَا أَعْجَبَ شَأْنَكَ يَا هُذَلي، أَيْ: لَمْ تَرْتَاع وَلَمْ تَلْتَفِتْ. فَقَالَ: إِنَّ الله تَعَالى يقول: ﴿ مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ﴾ [الأحزاب: 4] وَأَنَا لِي قَلْبُ وَاحِدٌ فَلَمَّا شُغِلَ بِمُحَادَثَةِ أَمِير الْمُؤْمِنِين لَمْ يَكن فيه لِمُحَادَثَةِ غَيْرِهِ مَجَال فَلو انْقَلَبتِ الْخَضْرَاءُ عَلَى الْغَبْراء مَا حَسَسْتُ بِهَا وَلا وَجّهْتُ لها قَلْبِي، فَقَالَ السَّفْاحُ: لِئنْ بَقِيتُ لأَرَفَعَنَّ مَكَانَكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِمَالٍ جَزِيلٍ وصِلةً كَبِيرة، فَانْظُر بالله عَلَيْكَ وَاعْتَبِرْ فِي اسْتِغْرَاقِ قَلْبِ الْهُذَلِيْ وَانْغِمَارِهُ بِمُحَادَثةِ مَخْلُوقٍ مِثلِهِ، وَزِنْ حَالَهُ بِحَالِكَ فِي وِقُوفِكَ فِي الصَّلاةِ بَيْنَ يَدَيْ الله عز وجل، وقَد أَقْبَلَ عَليكَ بِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ ورَفَعَ مِنْ بَيْنِكَ وَبَيْنَهِ الْحُجُب، فهل تجدُ قَلْبَكَ إِذَا دَخَلْتَ فِي الصَّلاة حَاضِرًا وَمُنْغَمِرًا وَمُسْتَغْرِقًا فِي تَعْظِيمِ الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع الْبَصِير.

اللَّهُمَّ اغْمُرْ قُلوبَنَا بِذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ، وَوَفِّقْنَا لامْتِثَالِ أَمْرِكَ وَأَمَّنَا مِنْ سَطْوَتِكَ وَمَكْرِكَ واجْعَلْنَا مِنْ أَوْلِيَائِكَ الْمُتَّقِينَ وَحِزْبِكَ المفلحِينَ واغْفِرْ لَنَا وَمَتِّعْنَا بالنَّظَرِ إِلى وَجْهِكَ الكْريم في جَنَّاتِ النَّعِيمْ مَعَ الذين أنْعَمْت عليهم من النبيينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ والصَّالِحين، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأحْيَاءِ منْهُمْ والمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.60 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.65%)]