عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 27-02-2023, 11:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ صَ
الحلقة (464)
صــ 91 إلى صــ 100






[ ص: 91 ] قوله تعالى: أصطفى البنات قال الفراء: هذا استفهام فيه توبيخ لهم، وقد تطرح ألف الاستفهام من التوبيخ، ومثله: أذهبتم طيباتكم [الأحقاف: 20]، و "أذهبتم" يستفهم بها ولا يستفهم ، ومعناهما واحد . وقرأ أبو هريرة، وابن المسيب، والزهري، وابن جماز عن نافع، وأبو جعفر، وشيبة: "وإنهم لكاذبون اصطفى" بالوصل غير مهموز ولا ممدود; قال أبو علي: وهو على [وجه] الخبر، كأنه قال: اصطفى البنات على البنين كما يقولون، كقوله: ذق إنك أنت العزيز الكريم [الدخان: 49] .

قوله تعالى: ما لكم كيف تحكمون لله بالبنات ولأنفسكم بالبنين؟! أم لكم سلطان مبين أي: حجة [بينة] على ما تقولون، فأتوا بكتابكم الذي فيه حجتكم .

وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم قالوا: هو وإبليس أخوان، رواه العوفي عن ابن عباس; قال الماوردي: وهو قول الزنادقة والذين يقولون: الخير من الله، والشر من إبليس .

والثاني: أن كفار قريش قالوا: الملائكة بنات الله، والجنة صنف من الملائكة يقال لهم: الجنة، قاله مجاهد .

والثالث: أن اليهود قالت: إن الله تعالى تزوج إلى الجن فخرجت من بينهم الملائكة، قاله قتادة، وابن السائب .

فخرج في معنى الجنة قولان . أحدهما: أنهم الملائكة . والثاني: الجن .

فعلى الأول، يكون معنى قوله: ولقد علمت الجنة أي: علمت الملائكة إنهم أي: إن هؤلاء المشركين لمحضرون النار .

[ ص: 92 ] وعلى الثاني، ["ولقد علمت الجنة] إنهم" أي: إن الجن أنفسها "لمحضرون" الحساب .

قوله تعالى: إلا عباد الله المخلصين يعني الموحدين . وفيما استثنوا منه قولان .

أحدهما: أنهم استثنوا من حضور النار، قاله مقاتل . والثاني: مما يصف أولئك، وهو معنى قول ابن السائب .

قوله تعالى: فإنكم يعني المشركين وما تعبدون من دون الله، ما أنتم عليه أي: على ما تعبدون بفاتنين أي: بمضلين أحدا، إلا من هو صال الجحيم أي: من سبق له في علم الله أنه يدخل النار .
وما منا إلا له مقام معلوم . وإنا لنحن الصافون . وإنا لنحن المسبحون . وإن كانوا ليقولون . لو أن عندنا ذكرا من الأولين . لكنا عباد الله المخلصين . فكفروا به فسوف يعلمون . ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين . إنهم لهم المنصورون . وإن جندنا لهم الغالبون . فتول عنهم حتى حين . وأبصرهم فسوف يبصرون . أفبعذابنا يستعجلون . فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين . وتول عنهم حتى حين . وأبصر فسوف يبصرون . سبحان ربك رب العزة عما يصفون . وسلام على المرسلين . والحمد لله رب العالمين .

ثم أخبر عن الملائكة بقوله: وما منا والمعنى: ما منا ملك إلا له [ ص: 93 ] مقام معلوم أي: مكان في السموات مخصوص يعبد الله فيه، وإنا لنحن الصافون قال قتادة: صفوف في السماء . وقال السدي: هو الصلاة . وقال ابن السائب: صفوفهم في السماء كصفوف أهل الدنيا في الأرض .

قوله تعالى: وإنا لنحن المسبحون فيه قولان . أحدهما: المصلون . والثاني: المنزهون لله عز وجل عن السوء . وكان عمر بن الخطاب إذا أقيمت الصلاة أقبل على الناس بوجهه وقال: يا أيها الناس استووا، فإنما يريد الله بكم هدي الملائكة، وإنا لنحن الصافون، وإنا لنحن المسبحون .

ثم عاد إلى الإخبار عن المشركين، فقال: وإن كانوا ليقولون اللام في "ليقولون" لام توكيد; والمعنى: وقد كان كفار قريش يقولون قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن عندنا ذكرا أي: كتابا من الأولين أي: مثل كتب الأولين، وهم اليهود والنصارى، لكنا عباد الله المخلصين أي: لأخلصنا العبادة لله عز وجل .

فكفروا به فيه اختصار، تقديره: فلما آتاهم ما طلبوا، كفروا به، فسوف يعلمون عاقبة كفرهم، وهذا تهديد لهم .

ولقد سبقت كلمتنا أي: تقدم وعدنا للمرسلين بنصرهم والكلمة قوله: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي [المجادلة: 21]، إنهم لهم المنصورون بالحجة، وإن جندنا يعني حزبنا المؤمنين لهم الغالبون بالحجة أيضا والظفر . فتول عنهم أي: أعرض عن كفار مكة حتى حين أي: حتى تنقضي مدة إمهالهم . وقال مجاهد: حتى نأمرك بالقتال; [ ص: 94 ] فعلى هذا، الآية محكمة . وقال في رواية: حتى الموت; وكذلك قال قتادة . وقال ابن زيد: حتى القيامة; فعلى هذا، يتطرق نسخها . وقال مقاتل بن حيان: نسختها آية القتال .

قوله تعالى: وأبصرهم أي: انظر إليهم إذا نزل العذاب . قال مقاتل بن سليمان: هو العذاب ببدر; وقيل: أبصر حالهم بقلبك فسوف يبصرون ما أنكروا، وكانوا يستعجلون بالعذاب تكذيبا به، فقيل: أفبعذابنا يستعجلون؟! .

فإذا نزل يعني العذاب . وقرأ ابن مسعود، وأبو عمران، والجحدري ، وابن يعمر: "فإذا نزل" برفع النون وكسر الزاي وتشديدها بساحتهم أي: بفنائهم وناحيتهم . والساحة: فناء الدار . قال الفراء: العرب تكتفي بالساحة والعقوة من القوم، فيقولون: نزل بك العذاب وبساحتك . قال الزجاج : فكان عذاب هؤلاء القتل فساء صباح المنذرين أي: بئس صباح الذين أنذروا العذاب .

ثم كرر ما تقدم توكيدا لوعده بالعذاب، فقال: وتول عنهم . . . . الآيتين .

ثم نزه نفسه عن قولهم بقوله: سبحان ربك رب العزة قال مقاتل: يعني عزة من يتعزز من ملوك الدنيا .

قوله تعالى: عما يصفون أي: من اتخاذ النساء والأولاد .

[ ص: 95 ] وسلام على المرسلين فيه وجهان . أحدهما: تسليمه عليهم إكراما لهم . والثاني: إخباره بسلامتهم .

والحمد لله رب العالمين على هلاك المشركين ونصرة الأنبياء والمرسلين .
[ ص: 96 ] سُورَةُ صَ

وَيُقَالُ لَهَا: سُورَةُ دَاوُدَ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ [كُلُّهَا] بِإِجْمَاعِهِمْ

فَأَمَّا سَبَبُ نُزُولِ أَوَّلِهَا، فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قُرَيْشًا شَكَوَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ؟ فَقَالَ: "يَا عَمِّ، إِنَّمَا أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً تَذِلُّ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ بِهَا الْعَجَمُ"، قَالَ: كَلِمَةٌ؟ قَالَ: "كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ"، قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، فَقَالُوا: أَجْعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا؟! فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: ص وَالْقُرْآنِ إِلَى قَوْلِهِ: إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ . كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ .

[ ص: 97 ] وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى "صَ" عَلَى سَبْعَةِ أَقَوْالٍ .

أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالثَّانِي: أَنَّهُ بِمَعْنَى: صَدَقَ مُحَمَّدٌ، رَوَاهُ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالثَّالِثُ: صَدَقَ اللَّهُ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ . وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَاهُ: صَادِقٌ فِيمَا وَعَدَ . وَقَالَ الزَّجَّاجُ : مَعْنَاهُ: الصَّادِقُ اللَّهُ تَعَالَى .

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآَنِ، أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ، قَالَهُ قَتَادَةُ .

وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ اسْمُ حَيَّةٍ رَأْسُهَا تَحْتَ الْعَرْشِ وَذَنَبُهَا تَحْتَ الْأَرْضِ السُّفْلَى، حَكَاهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ، وَقَالَ: أَظُنُّهُ عَنْ عِكْرِمَةَ .

وَالسَّادِسُ: أَنَّهُ بِمَعْنَى: حَادِثِ الْقُرْآَنِ، أَيِ: انْظُرْ فِيهِ، قَالَهُ الْحَسَنُ، وَهَذَا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ كَسَرُوا، مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، [وَالْحَسَنُ]، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ . قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: فَيَكُونُ الْمَعْنَى: صَادِ بِعَمَلِكَ الْقُرْآَنُ، أَيْ: عَارَضَهُ . وَقِيلَ: اعْرِضْهُ عَلَى عَمَلِكَ، فَانْظُرْ أَيْنَ هُوَ [مِنْهُ] .

وَالسَّابِعُ: أَنَّهُ بِمَعْنَى: صَادَ مُحَمَّدٌ قُلُوبَ الْخَلْقِ وَاسْتَمَالَهَا حَتَّى آَمَنُوا بِهِ وَأَحَبُّوهُ، حَكَاهُ الثَّعْلَبِيُّ، وَهَذَا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ فَتَحَ، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبِي رَجَاءٍ، وَأَبِي الْجَوْزَاءِ، [ ص: 98 ] وَحَمِيدٍ، وَمَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو . قَالَ الزَّجَّاجُ : وَالْقِرَاءَةُ "صَادْ" بِتَسْكِينِ الدَّالِّ، لِأَنَّهَا مِنْ حُرُوفِ التَّهَجِّي . وَقَدْ قُرِئَتْ بِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ; فَمَنْ فَتَحَهَا، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ . أَحَدُهُمَا: لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . وَالثَّانِي: عَلَى مَعْنَى: أُتْلُ "صَادْ"، وَيَكُونُ [صَادْ] اسْمًا لِلسُّورَةِ يَنْصَرِفُ; وَمَنْ كَسَرَ، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ . أَحَدُهُمَا: لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ أَيْضًا . وَالثَّانِي: عَلَى مَعْنَى: صَادِ الْقُرْآَنُ بِعَمَلِكَ، مِنْ قَوْلِكَ: صَادَى يُصَادِي: إِذَا قَابَلَ وَعَادَلَ، يُقَالُ: صَادَيْتُهُ: إِذَا قَابَلَتْهُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: ذِي الذِّكْرِ فِي الْمُرَادِ بِالذِّكْرِ ثَلَاثَةُ أَقَوْالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُ الشَّرَفُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالسُّدِّيُّ . وَالثَّانِي: الْبَيَانُ، قَالَهُ قَتَادَةُ . وَالثَّالِثُ: التَّذْكِيرُ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ .

فَإِنْ قِيلَ: أَيْنَ جَوَابُ الْقَسَمِ بِقَوْلِهِ: "صَ وَالْقُرْآَنِ ذِي الذَّكَرِ"؟

فَعَنْهُ خَمْسَةُ أَجْوِبَةٍ .

أَحَدُهَا: أَنْ "صَ" جَوَابٌ لِقَوْلِهِ: "وَالْقُرْآَنِ"، فَـ "صَ" فِي مَعْنَاهَا، كَقَوْلِكَ: وَجَبَ وَاللَّهِ، نَزَلَ وَاللَّهِ، حُقٌّ وَاللَّهِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَثَعْلَبُ .

[ ص: 99 ] وَالثَّانِي: أَنَّ جَوَابَ "صَ" قَوْلُهُ: "كَمْ أَهْلَكْنَا مَنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ"، وَمَعْنَاهُ: لَكُمْ، فَلَمَّا طَالَ الْكَلَامُ، حُذِفَتِ اللَّامُ، وَمِثْلُهُ، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا قَدْ أَفْلَحَ [الشَّمْسِ: 1 وَ 9]، فَإِنَّ الْمَعْنَى: لَقَدْ أَفْلَحَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا اعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ، تَبِعَهُ قَوْلُهُ: "قَدْ أَفْلَحَ"، حَكَاهُ الْفَرَّاءُ، وَثَعْلَبٌ أَيْضًا .

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ قَوْلُهُ: "إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ" [ص: 14]، حَكَاهُ الْأَخْفَشُ .

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ قَوْلُهُ: "إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ" [ص: 64]، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا نَجِدُهُ مُسْتَقِيمًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، لِتَأَخُّرِهِ جِدًّا عَنْ قَوْلِهِ: "وَالْقُرْآَنُ" .

وَالْخَامِسُ: أَنَّ جَوَابَهُ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: وَالْقُرْآَنُ ذِي الذِّكْرِ مَا الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ الْكُفَّارُ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَحْذُوفِ قَوْلُهُ: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَإِلَى نَحْوِهِ ذَهَبَ قَتَادَةُ . وَالْعِزَّةُ: الْحَمِيَّةُ وَالتَّكَبُّرُ عَنِ الْحَقِّ . وَقَرَأَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَأَبُو رَزِينٍ ، وَابْنُ يَعْمُرَ، وَعَاصِمٌ الْجَحْدَرِيُّ، وَمَحْبُوبٌ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: "فِي غِرَّةٍ" بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ . وَالشِّقَاقُ: الْخِلَافُ وَالْعَدَاوَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْكَلِمَتَيْنِ مَشْرُوحًا [الْبَقَرَةِ: 206، 138] .

ثُمَّ خَوَّفَهُمْ بِقَوْلِهِ: كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ يَعْنِي الْأُمَمَ الْخَالِيَةَ فَنَادَوْا عِنْدَ وُقُوعِ الْهَلَاكِ بِهِمْ . وَفِي هَذَا النِّدَاءِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الدُّعَاءُ . وَالثَّانِي: الِاسْتِغَاثَةُ .

[ ص: 100 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ، وَأَبُو الْمُتَوَكِّلِ، وَعَاصِمٌ الْجَحْدَرِيُّ، وَابْنُ يَعْمُرَ: "وَلَاتَ حِينَ" بِفَتْحِ التَّاءِ وَرَفْعِ النُّونِ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ حِينَ يَرَوْهُ فِرَارٌ . وَقَالَ عَطَاءٌ: فِي لُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ "لَاتَ" بِمَعْنَى "لَيْسَ" . وَقَالَ وَهَبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: هِيَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ . وَقَالَ الْفَرَّاءُ: "لَاتَ" بِمَعْنَى "لَيْسَ"، وَالْمَعْنَى: لَيْسَ بِحِينِ فِرَارٍ . وَمِنَ الْقُرَّاءِ مَنْ يَخْفِضُ "لَاتَ"، وَالْوَجْهُ النَّصْبُ، لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى "لَيْسَ"، أَنْشَدَنِي الْمُفَضَّلُ:


تَذَكَّرَ حُبَّ لَيْلَى لَاتَ حِينًا وَأَضْحَى الشَّيْبُ قَدْ قَطَعَ الْقَرِينَا


قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: كَانَ الْفَرَّاءُ وَالْكِسَائِيُّ وَالْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَشُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ التَّاءَ فِي قَوْلِهِ: "وَلَاتَ" مُنْقَطِعَةٌ مِنْ "حِينَ" قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْوَقْفُ عِنْدِي عَلَى هَذَا الْحَرْفِ "وَلَا"، وَالِابْتِدَاءِ "تَحِينُ" لِثَلَاثِ حُجَجٍ .

إِحْدَاهُنَّ: أَنَّ تَفْسِيرَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَشْهَدُ لَهَا، لِأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ حِينَ يَرَوْهُ فِرَارٌ; فَقَدْ عَلِمَ أَنْ "لَيْسَ" هِيَ أُخْتُ "لَا" وَفِي مَعْنَاهَا .

وَالْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّا لَا نَجْدُ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ "وَلَاتَ"، إِنَّمَا الْمَعْرُوفَةُ "لَا" .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.64 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.36%)]