عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 27-02-2023, 10:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,968
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ سَبَإٍ
الحلقة (450)
صــ 451 إلى صــ 460





وربك على كل شيء من الشك والإيمان حفيظ ، وقال ابن قتيبة : والحفيظ بمعنى الحافظ . قال الخطابي: وهو فعيل بمعنى فاعل، كالقدير، والعليم، فهو يحفظ السماوات والأرض بما فيها لتبقى مدة بقائها، ويحفظ عباده من [ ص: 451 ] المهالك، ويحفظ عليهم أعمالهم، ويعلم نياتهم، ويحفظ أولياءه عن مواقعة الذنوب، ويحرسهم من مكايد الشيطان .
قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير . ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير

قوله تعالى: قل ادعوا الذين زعمتم المعنى: قل للكفار: ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة لينعموا عليكم بنعمة، أو يكشفوا عنكم بلية . ثم أخبر عنهم فقال: لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض أي: من خير وشر ونفع وضر وما لهم فيهما من شرك لم يشاركونا في شيء من خلقهما، وما له أي: وما لله منهم أي: من الآلهة من ظهير أي: من معين على شيء .

ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: " أذن له " بفتح الألف . وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وخلف: " أذن له " برفع الألف . وعن عاصم كالقراءتين . أي: لا تنفع شفاعة ملك ولا نبي حتى يؤذن له في الشفاعة، وقيل: حتى يؤذن له فيمن يشفع . وفي هذا رد عليهم حين قالوا: إن هذه الآلهة تشفع لنا .

[ ص: 452 ] حتى إذا فزع عن قلوبهم قرأ الأكثرون: " فزع " بضم الفاء وكسر الزاي . قال ابن قتيبة : خفف عنها الفزع . وقال الزجاج: معناه: كشف الفزع عن قلوبهم . وقرأ ابن عامر، ويعقوب، وأبان: " فزع " بفتح الفاء والزاي، والفعل لله عز وجل . وقرأ الحسن، وقتادة، وابن يعمر: " فرغ " بالراء غير معجمة، وبالغين معجمة، وهو بمعنى الأول، لأنها فرغت من الفزع . وقال غيره: بل فرغت من الشك والشرك .

وفي المشار إليهم قولان .

أحدهما: أنهم الملائكة . وقد دل الكلام على أنهم يفزعون لأمر يطرأ عليهم من أمر الله، ولم يذكره في الآية، لأن إخراج الفزع يدل على حصوله . وفي سبب فزعهم قولان .

أحدهما: أنهم يفزعون لسماع كلام الله تعالى . روى عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم، فيقولون: يا جبريل: ماذا قال ربك؟ قال: فيقول: الحق، فينادون: الحق الحق " وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا قضى الله عز وجل الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم، قالوا: [ ص: 453 ] للذي قال الحق وهو العلي الكبير "

والثاني: أنهم يفزعون من قيام الساعة . وفي السبب الذي ظنوه بدنو الساعة ففزعوا، قولان .

أحدهما: أنه لما كانت الفترة التي بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، ثم بعث الله محمدا، أنزل الله جبريل بالوحي، فلما نزل ظنت الملائكة أنه نزل بشيء من أمر الساعة، فصعقوا لذلك، فجعل جبريل يمر بكل سماء ويكشف عنهم الفزع ويخبرهم أنه الوحي، قاله قتادة، ومقاتل، وابن السائب . وقيل: لما علموا بالإيحاء إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فزعوا، لعلمهم أن ظهوره من أشراط الساعة .

والثاني: أن الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض ويكتبون أعمالهم إذا أرسلهم الله تعالى فانحدروا، يسمع لهم صوت شديد، فيحسب الذين هم أسفل منهم من الملائكة أنه من أمر الساعة، فيخرون سجدا، ويصعقون حتى يعلموا أنه ليس من أمر الساعة، وهذا كلما مروا عليهم، رواه الضحاك عن ابن مسعود .

والقول الثاني: أن الذي أشير إليهم المشركون; ثم في معنى الكلام قولان .

أحدهما: أن المعنى: حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين عند الموت- إقامة للحجة عليهم- قالت لهم الملائكة: ماذا قال ربكم في الدنيا؟ قالوا: الحق، فأقروا حين لم ينفعهم الإقرار، قاله الحسن، وابن زيد .

[ ص: 454 ] والثاني: حتى إذا كشف الغطاء عن قلوبهم يوم القيامة، قيل لهم: ماذا قال ربكم؟ قاله مجاهد .
قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين . قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم . قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم

قوله تعالى: قل من يرزقكم من السماوات يعني المطر والأرض يعني النبات والثمر . وإنما أمر أن يسأل الكفار عن هذا، احتجاجا عليهم بأن الذي يرزق هو المستحق للعبادة، وهم لا يثبتون رازقا سواه، ولهذا قيل له: قل الله لأنهم لا يجيبون بغير هذا; وهاهنا تم الكلام . ثم أمره أن يقول لهم: وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين مذهب المفسرين أن " أو " هاهنا بمعنى الواو . وقال أبو عبيدة: معنى الكلام: وإنا لعلى هدى، وإنكم لفي ضلال مبين . وقال الفراء: معنى " أو " عند المفسرين معنى الواو، وكذلك هو في المعنى، غير أن العربية على غير ذلك، لا تكون " أو " بمنزلة الواو، ولكنها تكون في الأمر المفوض، كما تقول: إن شئت فخذ درهما أو اثنين، فله أن يأخذ واحدا أو اثنين، وليس له أن يأخذ ثلاثة، وإنما معنى الآية: وإنا لضالون أو مهتدون، وإنكم أيضا لضالون أو مهتدون، وهو يعلم أن [ ص: 455 ] رسوله المهتدي، وأن غيره الضال، كما تقول للرجل تكذبه: والله إن أحدنا لكاذب- وأنت تعنيه- فكذبته تكذيبا غير مكشوف; ويقول الرجل: والله لقد قدم فلان، فيقول له من يعلم كذبه: قل: إن شاء الله، فيكذبه بأحسن من تصريح التكذيب; ومن كلام العرب أن يقولوا: قاتله الله، ثم يستقبحونها، فيقول: قاتعه الله، ويقول بعضهم :كاتعه الله; ويقولون: جوعا، دعاء على الرجل، ثم يستقبحونها فيقولون: جودا، وبعضهم يقول: جوسا; ومن ذلك قولهم: ويحك وويسك، وإنما هي في معنى " ويلك " إلا أنها دونها .

قوله تعالى: قل لا تسألون عما أجرمنا أي: لا تؤاخذون به ولا نسأل عما تعملون من الكفر والتكذيب; والمعنى إظهار التبري منهم . وهذه الآية عند أكثر المفسرين منسوخة بآية السيف، ولا وجه لذلك .

قوله تعالى: قل يجمع بيننا ربنا يعني عند البعث في الآخرة ثم يفتح بيننا أي يقضي بالحق أي: بالعدل وهو الفتاح القاضي العليم بما يقضي قل للكفار أروني الذين ألحقتم به شركاء أي: أعلموني من أي وجه ألحقتموهم وهم لا يخلقون ولا يرزقون كلا ردع وتنبيه; والمعنى: ارتدعوا عن هذا القول، وتنبهوا عن ضلالتكم، فليس الأمر على ما أنتم عليه .
[ ص: 456 ] وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون . ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون

قوله تعالى: وما أرسلناك إلا كافة للناس أي: عامة لجميع الخلائق . وفي الكلام تقديم، تقديره: وما أرسلناك إلا للناس كافة . وقيل: معنى " كافة للناس " : تكفهم عما هم عليه من الكفر، والهاء فيه للمبالغة .

ويقولون متى هذا الوعد يعنون العذاب الذي يعدهم به في يوم القيامة; وإنما قالوا هذا، لأنهم ينكرون البعث، قل لكم ميعاد يوم وفيه قولان . أحدهما: أنه يوم الموت عند النزع والسياق، قاله الضحاك . والثاني: يوم القيامة، قاله أبو سليمان الدمشقي .
[ ص: 457 ] وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين . قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون

قوله تعالى: وقال الذين كفروا يعني مشركي مكة لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه يعنون التوراة والإنجيل، وذلك أن مؤمني أهل الكتاب قالوا: إن صفة محمد في كتابنا، فكفر أهل مكة بكتابهم .

ثم أخبر عن حالهم في القيامة فقال: ولو ترى إذ الظالمون يعني مشركي مكة موقوفون عند ربهم في الآخرة يرجع بعضهم إلى بعض القول أي: يرد بعضهم على بعض في الجدال واللوم يقول الذين استضعفوا وهم الأتباع للذين استكبروا وهم الأشراف والقادة: لولا أنتم لكنا مؤمنين أي: مصدقين بتوحيد الله; والمعنى: أنتم منعتمونا عن الإيمان; فأجابهم المتبوعون فقالوا: أنحن صددناكم عن الهدى أي: منعناكم عن الإيمان بعد إذ جاءكم به الرسول؟ بل كنتم مجرمين بترك الإيمان- وفي هذا تنبيه للكفار على أن طاعة بعضهم لبعض في الدنيا تصير سببا للعداوة في الآخرة- فرد عليهم الأتباع فقالوا: بل مكر الليل والنهار أي: بل مكركم بنا في الليل والنهار . قال الفراء: [ ص: 458 ] وهذا مما تتوسع فيه العرب لوضوح معناه، كما يقولون: ليله قائم، ونهاره صائم، فتضيف الفعل إلى غير الآدميين، والمعنى لهم . وقال الأخفش: وهذا كقوله: من قريتك التي أخرجتك [محمد: 13] قال جرير:


لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت وما ليل المطي بنائم


وقرأ سعيد بن جبير، وأبو الجوزاء، وعاصم الجحدري: " بل مكر " بفتح الكاف والراء " الليل والنهار " برفعهما . وقرأ ابن يعمر: " بل مكر " بإسكان الكاف ورفع الراء وتنوينها " الليل والنهار " بنصبهما .

قوله تعالى: إذ تأمروننا أن نكفر بالله وذلك أنهم كانوا يقولون لهم: إن ديننا حق ومحمد كذاب، وأسروا الندامة وقد سبق بيانه في (يونس: 54) .

قوله تعالى: وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا إذا دخلوا جهنم غلت أيديهم إلى أعناقهم، وقالت لهم خزنة جهنم: هل تجزون إلا ما كنتم تعملون في الدنيا . قال أبو عبيدة: مجاز " هل " هاهنا مجاز الإيجاب، وليس باستفهام; والمعنى: ما تجزون إلا ما كنتم تعملون .

وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون . وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون . وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون والذين [ ص: 459 ] يسعون في آياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون . قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين

وما أرسلنا في قرية من نذير أي: نبي ينذر إلا قال مترفوها وهم أغنياؤها ورؤساؤها .

قوله تعالى: وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا . في المشار إليهم [ ص: 460 ] قولان . أحدهما: أنهم المترفون من كل أمة . والثاني: مشركو مكة، فظنوا من جهلهم أن الله خولهم المال والولد لكرامتهم عليه، فقالوا: وما نحن بمعذبين لأن الله أحسن إلينا بما أعطانا فلا يعذبنا، فأخبر أنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ; والمعنى أن بسط الرزق وتضييقه ابتلاء وامتحان، لا أن البسط يدل على رضى الله، ولا التضييق يدل على سخطه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك . ثم صرح بهذا المعنى بقوله: وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى قال الفراء: يصلح أن تقع " التي " على الأموال والأولاد جميعا، لأن الأموال جمع والأولاد جمع; وإن شئت وجهت " التي " إلى الأموال، واكتفيت بها من ذكر الأولاد; وأنشد لمرار الأسدي:


نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف


وقد شرحنا هذا في قوله: ولا ينفقونها في سبيل الله [التوبة: 34] وقال الزجاج: المعنى: وما أموالكم بالتي تقربكم، ولا أولادكم بالذين يقربونكم، فحذف اختصارا . وقرأ أبي بن كعب، والحسن، وأبو الجوزاء: " باللاتي تقربكم " . قال الأخفش: و " زلفى " هاهنا اسم مصدر، كأنه قال: تقربكم عندنا ازدلافا . وقال ابن قتيبة : " زلفى " أي: قربى ومنزلة عندنا .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.71 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.45%)]