عرض مشاركة واحدة
  #441  
قديم 27-02-2023, 09:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْأَحْزَابِ
الحلقة (441)
صــ 361 إلى صــ 370






قوله تعالى: إن بيوتنا عورة قال ابن قتيبة : أي: خالية، فقد [ ص: 361 ] أمكن من أراد دخولها، وأصل العورة: ما ذهب عنه الستر والحفظ، فكأن الرجال ستر وحفظ للبيوت، فإذا ذهبوا أعورت البيوت، تقول العرب: أعور منزلي: إذا ذهب ستره، أو سقط جداره، وأعور الفارس: إذا بان منه موضع خلل للضرب والطعن، يقول الله: وما هي بعورة لأن الله يحفظها، ولكن يريدون الفرار . وقال الحسن، ومجاهد: قالوا: بيوتنا ضائعة نخشى عليها السراق . وقال قتادة: قالوا بيوتنا مما يلي العدو، ولا نأمن على أهلنا، فكذبهم الله وأعلم أن قصدهم الفرار .

قوله تعالى: ولو دخلت عليهم من أقطارها يعني المدينة; والأقطار: النواحي والجوانب، واحدها: قطر، ثم سئلوا الفتنة وقرأ علي بن أبي طالب عليه السلام، والضحاك، والزهري، وأبو عمران، وأبو جعفر، وشيبة: " ثم سيلوا " برفع السين وكسر الياء من غير همز . وقرأ أبي بن كعب، ومجاهد، وأبو الجوزاء: " ثم سوءلوا " برفع السين ومد الواو بهمزة مكسورة بعدها . وقرأ الحسن، وأبو الأشهب: " ثم سولوا " برفع السين وسكون الواو من غير مد ولا همز . وقرأ الأعمش، وعاصم الجحدري: " ثم سيلوا " بكسر السين ساكنة الياء من غير همز ولا واو . ومعنى: سئلوا الفتنة ، أي: سئلوا فعلها; [والفتنة: الشرك، (لآتوها) ] قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: " لأتوها " بالقصر، أي: لقصدوها، ولفعلوها . وقرأ عاصم، وأبو عمرو ، وحمزة، والكسائي: " لآتوها " بالمد، أي: لأعطوها . قال ابن عباس في معنى الآية: لو أن الأحزاب دخلوا المدينة ثم أمروهم بالشرك لأشركوا .

قوله تعالى: وما تلبثوا بها إلا يسيرا فيه قولان .

أحدهما: وما احتبسوا عن الإجابة إلى الكفر إلا قليلا، قاله قتادة .

[ ص: 362 ] والثاني: وما تلبثوا بالمدينة بعد الإجابة إلا يسيرا حتى يعذبوا، قاله السدي، وحكى أبو سليمان الدمشقي في الآية قولا عجيبا، وهو أن الفتنة هاهنا: الحرب، والمعنى: ولو دخلت المدينة على أهلها من أقطارها، ثم سئل هؤلاء المنافقون الحرب لأتوها مبادرين، وما تلبثوا- يعني الجيوش الداخلة عليهم بها- إلا قليلا حتى يخرجوهم منها; وإنما منعهم من القتال معك ما قد تداخلهم من الشك في دينك; قال: وهذا المعنى حفظته من كتاب الواقدي .

قوله تعالى: ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل في وقت معاهدتهم ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم ناس غابوا عن وقعة بدر، فلما علموا ما أعطى الله أهل بدر من الكرامة قالوا: لئن شهدنا قتالا لنقاتلن، قاله قتادة .

[ ص: 363 ] والثاني: أنهم أهل العقبة، وهم سبعون رجلا بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على طاعة الله ونصرة رسوله، قاله مقاتل .

والثالث : أنه لما نزل بالمسلمين يوم أحد ما نزل، عاهد الله معتب بن قشير وثعلبة بن حاطب: لا نولي دبرا قط، فلما كان يوم الأحزاب نافقا، قاله الواقدي، واختاره أبو سليمان الدمشقي، وهو أليق مما قبله . وإذا كان الكلام في حق المنافقين، فكيف يطلق القول على أهل العقبة كلهم!

قوله تعالى: وكان عهد الله مسؤولا أي: يسألون عنه في الآخرة .

ثم أخبر أن الفرار لا يزيد في آجالهم، فقال: قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون بعد الفرار في الدنيا إلا قليلا وهو باقي آجالكم .

ثم أخبر أن ما قدره عليهم لا يدفع، بقوله: من ذا الذي يعصمكم من الله أي: يجيركم ويمنعكم منه إن أراد بكم سوءا وهو الإهلاك والهزيمة والبلاء أو أراد بكم رحمة وهي النصر والعافية والسلامة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا أي: لا يجدون مواليا ولا ناصرا يمنعهم من مراد الله فيهم .
قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا . أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب [ ص: 364 ] يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا . لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما

قوله تعالى: قد يعلم الله المعوقين منكم في سبب نزولها قولان .

أحدهما: أن رجلا انصرف من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، فوجد أخاه لأمه وأبيه وعنده شواء ونبيذ، فقال له: أنت هاهنا ورسول الله بين الرماح والسيوف؟! فقال: هلم إلي، لقد أحيط بك وبصاحبك; والذي يحلف به لا يستقبلها محمد أبدا; فقال له: كذبت، والذي يحلف به، أما والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمرك، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجده قد نزل جبريل بهذه الآية إلى قوله: يسيرا ، هذا قول ابن زيد .

والثاني: أن عبد الله بن أبي ومعتب بن قشير والمنافقين الذين رجعوا من الخندق إلى المدينة، كانوا إذا جاءهم منافق قالوا له: ويحك اجلس فلا تخرج، ويكتبون بذلك إلى إخوانهم الذين في العسكر أن ائتونا بالمدينة فإنا ننتظركم- يثبطونهم عن القتال- وكانوا لا يأتون العسكر إلا أن لا يجدوا بدا، فيأتون العسكر ليرى الناس وجوههم، فإذا غفل عنهم عادوا إلى المدينة، فنزلت هذه الآية، قاله ابن السائب .

والمعوق: المثبط; تقول: عاقني فلان، واعتاقني، وعوقني: إذا [ ص: 365 ] منعك عن الوجه الذي تريده . وكان المنافقون يعوقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصاره .

قوله تعالى: والقائلين لإخوانهم هلم إلينا فيهم ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه المنافق الذي قال لأخيه ما ذكرناه في قول ابن زيد .

والثاني: أنهم اليهود دعوا إخوانهم من المنافقين إلى ترك القتال، قاله مقاتل .

والثالث : أنهم المنافقون دعوا المسلمين إليهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: ولا يأتون البأس أي: لا يحضرون القتال في سبيل الله إلا قليلا للرياء والسمعة من غير احتساب، ولو كان ذلك [القليل] لله لكان كثيرا .

قوله تعالى: أشحة عليكم قال الزجاج: هو منصوب على الحال . المعنى: لا يأتون الحرب إلا تعذيرا، بخلاء عليكم .

وللمفسرين فيما شحوا به أربعة أقوال . أحدها: أشحة بالخير، قاله مجاهد .

[ ص: 366 ] والثاني: بالنفقة في سبيل الله . والثالث: بالغنيمة، رويا عن قتادة . وقال الزجاج: بالظفر والغنيمة . والرابع: بالقتال معكم، حكاه الماوردي .

ثم أخبر عن جبنهم فقال: فإذا جاء الخوف أي: إذا حضر القتال رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت أي: كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت، وهو الذي دنا موته وغشيته أسبابه، فإنه يخاف ويذهل عقله ويشخص بصره فلا يطرف، فكذلك هؤلاء، لأنهم يخافون القتل .

فإذا ذهب الخوف سلقوكم قال الفراء: آذوكم بالكلام في الأمن بألسنة حداد سليطة ذربة، والعرب تقول: صلقوكم، بالصاد، ولا يجوز في القراءة; وهذا قول الفراء . وقد قرأ بالصاد أبي بن كعب، وأبو الجوزاء، وأبو عمران الجوني، وابن أبي عبلة في آخرين وقال الزجاج: معنى " سلقوكم " : خاطبوكم أشد مخاطبة وأبلغها في الغنيمة، يقال: خطيب مسلاق: إذا كان بليغا في خطبته أشحة على الخير أي: خاطبوكم وهم أشحة على المال والغنيمة قال قتادة: إذا كان وقت قسمة الغنيمة، بسطوا ألسنتهم فيكم، يقولون: أعطونا فلستم أحق بها منا; فـأما عند البأس، فأجبن قوم وأخذله للحق، وأما عند الغنيمة، فأشح قوم .

وفي المراد بالخير ها هنا ثلاثة أقوال . أحدها: أنه الغنيمة . والثاني: على المال أن ينفقوه في سبيل الله تعالى . والثالث: على رسول الله صلى الله عليه وسلم بظفره .

[ ص: 367 ] قوله تعالى: أولئك لم يؤمنوا أي: هم وإن أظهروا الإيمان فليسوا بمؤمنين، لنفاقهم فأحبط الله أعمالهم قال مقاتل: أبطل جهادهم، لأنه لم يكن في إيمان وكان ذلك الإحباط على الله يسيرا .

ثم أخبر عنهم بما يدل على جبنهم، فقال: يحسبون الأحزاب لم يذهبوا أي: يحسب المنافقون من شدة خوفهم وجبنهم أن الأحزاب بعد انهزامهم وذهابهم لم يذهبوا، وإن يأت الأحزاب [أي]: يرجعوا إليهم كرة ثانية للقتال يودوا لو أنهم بادون في الأعراب أي: يتمنوا لو كانوا في بادية الأعراب من خوفهم، يسألون عن أنبائكم أي: ودوا لو أنهم بالبعد منكم يسألون عن أخباركم، فيقولون: ما فعل محمد وأصحابه، ليعرفوا حالكم بالاستخبار لا بالمشاهدة، فرقا وجبنا; وقيل: بل يسألون شماتة بالمسلمين وفرحا بنكباتهم ولو كانوا فيكم أي: لو كانوا يشهدون القتال معكم ما قاتلوا إلا قليلا فيه قولان .

أحدهما: إلا رميا بالحجارة، قاله ابن السائب .

والثاني: إلا رياء من غير احتساب، قاله مقاتل .

ثم عاب من تخلف بالمدينة بقوله: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة أي: قدوة صالحة . والمعنى: لقد كان لكم به اقتداء لو اقتديتم به في الصبر [معه] كما صبر يوم أحد حتى كسرت رباعيته وشج جبينه وقتل عمه، وآساكم مع ذلك بنفسه .

وقرأ عاصم: " أسوة " بضم الألف; والباقون بكسر الألف; وهما لغتان . قال الفراء: أهل الحجاز وأسد يقولون: " إسوة " بالكسر، وتميم وبعض قيس يقولون: " أسوة " بالضم . وخص الله تعالى بهذه الأسوة المؤمنين، فقال: لمن كان يرجو الله واليوم الآخر والمعنى أن الأسوة برسول الله إنما كانت لمن كان يرجو الله [واليوم الآخر]; وفيه قولان .

[ ص: 368 ] أحدهما: يرجو ما عنده من الثواب والنعيم، قاله ابن عباس . والثاني: يخشى الله ويخشى البعث، قاله مقاتل .

قوله تعالى: وذكر الله كثيرا أي: ذكرا كثيرا، لأن ذاكر الله متبع لأوامره، بخلاف الغافل عنه .

ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب، فقال: ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وفي ذلك الوعد قولان .

أحدهما: أنه قوله: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم الآية: [البقرة:214] فلما عاينوا البلاء يومئذ قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله، قاله ابن عباس، وقتادة في آخرين .

والثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدهم النصر والظهور على مدائن كسرى وقصور الحيرة ذكره الماوردي وغيره .

قوله تعالى: وما زادهم يعني ما رأوه إلا إيمانا بوعد الله وتسليما لأمره .
من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا . ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم [ ص: 369 ] إن الله كان غفورا رحيما ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا . وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا

قوله تعالى: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه اختلفوا فيمن نزلت على قولين .

أحدهما: أنها نزلت في أنس بن النضر، قاله أنس بن مالك . وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فلما قدم قال: غبت عن أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين، لئن أشهدني الله عز وجل قتالا ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد انكشف الناس، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، يعني المشركين، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني المسلمين; ثم [ ص: 370 ] مشى بسيفه، فلقيه سعد بن معاذ، فقال: أي سعد، والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد، واها لريح الجنة . قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع; قال أنس: فوجدناه بين القتلى به بضع وثمانون جراحة، من ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، قد مثلوا به; قال: فما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه; قال أنس: فكنا نقول: أنزلت هذه الآية من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فيه وفي أصحابه .

والثاني: أنها نزلت في طلحة بن عبيد الله . روى النزال بن سبرة عن علي عليه السلام أنهم قالوا له: حدثنا عن طلحة، قال: ذاك امرؤ نزلت فيه آية من كتاب الله تعالى: فمنهم من قضى نحبه لا حساب عليه فيما يستقبل .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.24 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.43%)]