الموضوع: غصون رمضانية
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 27-02-2023, 08:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غصون رمضانية

غصون رمضانية (4) ربان السفينة


عبدالله بن عبده نعمان العواضي






تنطلق الرحلة السعيدة بالله مجراها ومرساها تمخر عباب الزمن القصير، وعلى مقود سفينتها ربان القيادة الذي يزجيها إلى شطآن الأمان، ويلقي على رفقاء الركوب تعاليمَ السلامة، ومفرداتِ خطة الاستقامة.

إن على كاهله مهمة عظيمة، وأمانة كبيرة؛ فهو النور الذي يشق سجوف الظلام ليعبِّد طريقًا منيراً للسائرين، وهو القبلة التي يتجه إليها الحيارى؛ ليعرفوا السبيل السالكة، والوجهة الصحيحة.
إذا نحن أدلجنا وأنتَ إمامُنا
كفى بالمطايا طِيبُ ذكراك حاديا

وإن نحن أضللنا الطريقَ ولم نجد
دليلاً كفانا نورُ وجهك هاديا[1].


وهو الذي يرقب أحوال رفقاء الطريق فيكون الطبيبَ لمدنَفهم، والواعظَ لمسيئهم، والمذكِّر لغافلهم، والمعلِّم لجاهلهم، والدليل لضالهم، والقدوة لهم في أقواله وأعماله، وهم يردون نهر أحواله يستعذبون ماء النجاة من قوله ومن فعله، وينظرون إليه نظرة إكبار وإجلال، ويسلمون له أسماعهم وقلوبهم، وينقلون ما رأوه عليه، وما سمعوه منه إلى الواقع العملي. فـ" كُلُّ الصَّيْدِ في جَوْفِ الفَرَا"[2].

فيا إمام المسجد، أنت ربان السفينة التي يفد إليها المصلون، وحادي القافلة الذي قدَّمه المتطهرون، وكبش الكتيبة الذي سوّده المتوضئون، والشامة التي يشرئب إليها الناظرون، وأنت في نعمة عظيمة، ووظيفة شريفة، إذا قمتَ بحقها، وأديت أمانة الله عليك فيها.
قد رشحوك لأمر لو فطنتَ له ♦♦♦ فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل[3].

فإذا جاء رمضان عظم الخَطب، وزادت التكاليف، وكثرت الحاجة إلى جهدك، والتفت الناس إلى بضاعتك، وانتظروا ما تقدمه لهم من عطايا الآخرة، فكنْ في أسنمة الثناء، ولا ترضَ لنفسك معرّةَ الهجاء.
عليك بأرباب الصدور، فمن غدا
مضافاً لأرباب الصدور تصدّراً

وإياك أن ترضى (لنفسك سُبَّة)
فتنحطَ قدراً من عُلاك وتُحقرا[4]


فقُبيل مجيء رمضان أعدّ البرنامجَ الدعوي النافع المتنوع الذي تسير عليه في زمان الشهر الكريم، وليكن هذا البرنامج مما ترى أن الناس محتاجون إليه-فيمكن أن يكون فيه: مجالس تفسيرية وتدبرية للقرآن الكريم، وأحكام الصيام والزكاة، وشيء من رقائق، وسيرة وتاريخ إسلامي، وغير ذلك مما ينفع الناس.

كما أنها نعمة عظيمة أن يأتي رمضان فيسوق جموعَ الناس إلى سفينتك التي تنجي الغرقى، وتصل بأهلها إلى بر السلامة، فبعض الذين تلاطمت بهم أمواج الغفلة واللهو أحد عشر شهراً لجأوا – راغبين - إلى مركبك، فأحسن استقبالهم، وأكرم قدومهم بحسن تعاملك، وبذوخ أخلاقك، وسعة صدرك، وقوة تحملك جهلَهم وضجيجهم ونقدهم واعتراضهم؛ فهم من مؤلفة رمضان؛ فابذل لهم زكاة رِفْقك، وصدقة صبرك.

وحبّب إليهم المسجد وروَّاده بحسن تعليمك، وطيب تربيتك، ولين جانبك، وصدق نصحك، وحكمة معالجتك للأخطاء، وجمال ما تلقي عليهم من المعلومات والقالب الذي يوصلها إليهم.
وهيّء الجوَّ المريح في أرجاء مسجدك، وأزلْ أسباب النفور عنه بقدر استطاعتك.
وزيّن الصلاة بإتقانك للقرآن، وحسن صوتك، وهدوء قراءتك، وتخفيفك عن الناس إلى حد مقبول.

ونحن نعلم وأنت تعلم أن الحِمل ثقيل، والعبء جليل، وقد تلقى من الناس مَن لا يقدرك حق قدرك، ولا يشكر لك فضلك وبَذْلك، بل قد تجد من يسيء إليك، ويلقي متواترَ اللوم عليك، وأنت سائر على الجادة، قائم بحق المهمة، فدع ذاك الجفاء والإساءة خلف ظهرك، ويمم نحوَ ثناء الله وثوابه، على بساط الإخلاص، غير ملتفت إلى مدح المادحين، وإعجاب المعجبين، ﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الشورى: 36].



[1] الفوائد (ص: 41)، لابن القيم.

[2] مثل يضرب لمن يُفَضَّلُ على أقرانه، مجمع الأمثال، للميداني (2/ 136).

[3] البيت من لامية الطغرائي، الكشكول، للعاملي (1/ 303).

[4] البيتان في نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، للتلمساني (5/ 190)، دون ما بين القوسين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.12 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.35%)]