عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 22-02-2023, 11:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السابع
الحلقة (485)
سُورَةُ الْجَاثِيَةِ
صـ 187 إلى صـ 194


وسماعه - صلى الله عليه وسلم - القرآن من الملك المبلغ عن الله كلام الله وفهمه له - هو معنى تنزيله إياه [ ص: 187 ] على قلبه في قوله - تعالى - : قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله [ 2 \ 97 ] . وقوله - تعالى - : وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين [ 26 \ 192 - 195 ] . وقوله - تعالى - في هذه الآية : تلك آيات الله [ 45 \ 6 ] يعني آياته الشرعية الدينية .

واعلم أن لفظ الآية يطلق في اللغة العربية إطلاقين ، وفي القرآن العظيم إطلاقين أيضا .

أما إطلاقاه في اللغة العربية :

فالأول منهما - وهو المشهور في كلام العرب - فهو إطلاق الآية بمعنى العلامة ، وهذا مستفيض في كلام العرب ، ومنه قول نابغة ذبيان :
توهمت آيات لها فعرفتها لستة أعوام وذا العام سابع


ثم بين أن مراده بالآيات علامات الدار في قوله بعده :


رماد ككحل العين لأيا أبينه ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع


وأما الثاني منهما فهو إطلاق الآية بمعنى الجماعة ، يقولون : جاء القوم بآيتهم ، أي بجماعتهم .

ومنه قول برج بن مسهر :
خرجنا من النقبين لا حي مثلنا بآيتنا نزجي اللقاح المطافلا


وقوله : بآياتنا ، يعني بجماعتنا .

وأما إطلاقاه في القرآن العظيم : فالأول منهما : إطلاق الآية على الشرعية الدينية ، كآيات هذا القرآن العظيم ، ومنه قوله هنا : تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق الآية .

وأما الثاني منهما : فهو إطلاق الآية على الآية الكونية القدرية ، كقوله - تعالى - : إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب [ 3 \ 190 ] .

أما الآية الكونية القدرية فهي بمعنى الآية اللغوية التي هي العلامة ; لأن الآيات الكونية علامات قاطعة ، على أن خالقها هو الرب المعبود وحده .

[ ص: 188 ] وأما الآية الشرعية الدينية ، فقال بعض العلماء : إنها أيضا من الآية التي هي العلامة ; لأن آيات هذا القرآن العظيم - علامات على صدق من جاء بها ، لما تضمنته من برهان الإعجاز ، أو لأن فيها علامات يعرف بها مبدأ الآيات ومنتهاها .

وقال بعض العلماء : إنها من الآية بمعنى الجماعة ، لتضمنها جملة وجماعة من كلمات القرآن وحروفه .

واختار غير واحد أن أصل الآية أيية - بفتح الهمزة وفتح الياءين بعدها - فاجتمع في الياءين موجبا إعلال ; لأن كلا منهما متحركة حركة أصلية بعد فتح متصل ، كما أشار له في الخلاصة بقوله :
من واو وياء بتحريك أصل ألفا أبدل بعد فتح متصل
إن حرك التالي . . . . . . . . . . . إلخ
.

والمعروف في علم التصريف أنه إن اجتمع موجبا إعلال في كلمة واحدة فالأكثر في اللغة العربية تصحيح الأول منهما ، وإعلال الثاني بإبداله ألفا ، كالهوى والنوى والطوى والشوى ، وربما صحح الثاني وأعل الأول ، كغاية وراية ، وآية - على الأصح من أقوال عديدة - ومعلوم أن إعلالهما لا يصح ، ولهذا أشار في الخلاصة بقوله :
وإن لحرفين ذا الإعلال استحق صحح أول وعكس قد يحق

قوله - تعالى - : فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم .

ما ذكره - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة من أن من كفر بالله وبآيات الله ، ولم يؤمن بذلك مع ظهور الأدلة والبراهين على لزوم الإيمان بالله وآياته ; أنه يستبعد أن يؤمن بشيء آخر ; لأنه لو كان يؤمن بحديث لآمن بالله وبآياته ; لظهور الأدلة على ذلك ، وأن من لم يؤمن بآيات الله متوعد بالويل ، وأنه أفاك أثيم ، والأفاك : كثير الإفك ، وهو أسوأ الكذب ، والأثيم : هو مرتكب الإثم بقلبه وجوارحه ، فهو مجرم بقلبه ولسانه وجوارحه - قد ذكره - تعالى - في غير هذا الموضع ، فتوعد المكذبين لهذا القرآن بالويل يوم القيامة ، وبين استبعاد إيمانهم بأي حديث بعد أن لم يؤمنوا بهذا القرآن ، وذلك بقوله في آخر المرسلات : [ ص: 189 ] وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ويل يومئذ للمكذبين فبأي حديث بعده يؤمنون [ 47 \ 48 - 50 ] . فقوله - تعالى - : ويل يومئذ للمكذبين كقوله هنا : ويل لكل أفاك أثيم .

وقد كرر - تعالى - وعيد المكذبين بالويل في سورة " المرسلات " كما هو معلوم ، وقوله في آخر " المرسلات " : فبأي حديث بعده يؤمنون كقوله هنا في " الجاثية " : فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون .

ومعلوم أن الإيمان بالله على الوجه الصحيح يستلزم الإيمان بآياته ، وأن الإيمان بآياته كذلك يستلزم الإيمان به - تعالى - وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة : يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم يدل على أن من يسمع القرآن يتلى ، ثم يصر على الكفر والمعاصي في حالة كونه متكبرا عن الانقياد إلى الحق الذي تضمنته آيات القرآن كأنه لم يسمع آيات الله ، له البشارة يوم القيامة بالعذاب الأليم ، وهو الخلود في النار ، وما تضمنته هذه الآية الكريمة جاء موضحا في غير هذا الموضع ، كقوله - تعالى - في " لقمان " : وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب [ 31 \ 7 ] . وقوله - تعالى - في " الحج " : وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير [ 22 \ 72 ] . وقوله - تعالى - : ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم [ 47 \ 16 ] . فقوله - تعالى - عنهم : ماذا قال آنفا - يدل على أنهم ما كانوا يبالون بما يتلو عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من الآيات والهدى .

وقد ذكرنا كثيرا من الآيات المتعلقة بهذا المبحث في سورة " فصلت " في الكلام على قوله - تعالى - : فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل [ 41 \ 4 - 5 ] .

وقوله - تعالى - في هذه الآية : كأن لم يسمعها خففت فيه لفظة ( كأن ) ، ومعلوم أن كأن إذا خففت كان اسمها مقدرا ، وهو ضمير الشأن ، والجملة خبرها ، كما قال في الخلاصة : [ ص: 190 ]
وخففت كأن أيضا فنوي منصوبها وثابتا أيضا روي

وقد قدمنا في أول سورة " الكهف " أن البشارة تطلق غالبا على الإخبار بما يسر ، وأنها ربما أطلقت في القرآن وفي كلام العرب على الإخبار بما يسوء أيضا . وأوضحنا ذلك بشواهده العربية . وقوله في هذه الآية الكريمة : ويل لكل أفاك أثيم قال بعض العلماء : ويل واد في جهنم .

والأظهر أن لفظة ويل كلمة عذاب وهلاك ، وأنها مصدر لا لفظ له من فعله ، وأن المسوغ للابتداء بها مع أنها نكرة كونها في معرض الدعاء عليهم بالهلاك .

وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة : فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون .

قرأه نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم - : يؤمنون ، بياء الغيبة .

وقرأه ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وشعبة عن عاصم - : تؤمنون ، بتاء الخطاب .

وقرأه ورش عن نافع ، والسوسي عن أبي عمرو - : يومنون ، بإبدال الهمزة واوا وصلا ووقفا .

وقرأه حمزة بإبدال الهمزة واوا في الوقف دون الوصل .

والباقون بتحقيق الهمزة مطلقا .
قوله - تعالى - : وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين .

ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة توعد الأفاك الأثيم بالويل ، والبشارة بالعذاب الأليم .

وقد قدمنا قريبا أن من صفاته أنه إذا سمع آيات الله تتلى عليه أصر مستكبرا كأن لم يسمعها ، وذكر في هذه الآية الكريمة أنه إذا علم من آيات الله شيئا اتخذها هزوا ، أي مهزوءا بها ، مستخفا بها ، ثم توعده على ذلك بالعذاب المهين .

وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الكفار يتخذون آيات الله هزوا ، وأنهم سيعذبون على ذلك يوم القيامة - قد بينه - تعالى - في غير هذا الموضع ، كقوله - تعالى - في آخر [ ص: 191 ] " الكهف " : ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا [ 18 \ 106 ] . وقوله - تعالى - في " الكهف " أيضا : ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه الآية [ 18 \ 56 - 35 ] . وقوله - تعالى - في سورة " الجاثية " هذه : وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا [ 45 \ 34 - 35 ] .

وقرأ هذا الحرف عامة القراء السبعة غير حمزة وحفص عن عاصم - : هزؤا بضم الزاي بعدها همزة محققة .

وقرأه حفص عن عاصم بضم الزاي وإبدال الهمزة واوا .

وقرأه حمزة هزءا ، بسكون الزاي بعدها همزة محققة في حالة الوصل .

وأما في حالة الوقف ، فعن حمزة نقل حركة الهمزة إلى الزاي ، فتكون الزاي مفتوحة بعدها ألف ، وعنه إبدالها واوا محركة بحركة الهمزة .

وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة : لهم عذاب مهين أي لأن عذاب الكفار الذين كانوا يستهزءون بآيات الله لا يراد به إلا إهانتهم وخزيهم وشدة إيلامهم بأنواع العذاب .

وليس فيه تطهير ولا تمحيص لهم ، بخلاف عصاة المسلمين ، فإنهم وإن عذبوا فسيصيرون إلى الجنة بعد ذلك العذاب .

فليس المقصود بعذابهم مجرد الإهانة ، بل ليئولوا بعده إلى الرحمة ودار الكرامة .
قوله - تعالى - : من ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم .

قوله - تعالى - : من ورائهم جهنم قد قدمنا الآيات الموضحة له مع الشواهد العربية في سورة " إبراهيم " في الكلام على قوله - تعالى - : واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد من ورائه جهنم . الآية [ 14 \ 15 - 16 ] . وبينا هناك أن أصح الوجهين أن ( وراء ) بمعنى أمام .

فمعنى من ورائه جهنم أي أمامه جهنم يصلاها يوم القيامة ، كما قال - تعالى - : [ ص: 192 ] وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا [ 18 \ 79 ] أي أمامهم ملك .

وذكرنا هناك الشواهد العربية على إطلاق وراء بمعنى أمام ، وبينا أن هذا هو التحقيق في معنى الآية ، وكذلك آية " الجاثية " هذه ، فقوله - تعالى - : من ورائهم جهنم أي أمامهم جهنم يصلونها يوم القيامة .

وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة : ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء .

أوضح فيه أن ما كسبه الكفار في دار الدنيا من الأموال والأولاد لا يغني عنهم شيئا يوم القيامة ، أي لا ينفعهم بشيء ، فلا يجلب لهم بسببه نفع ولا يدفع عنهم بسببه ضر ، وإنما اتخذوه من الأولياء في دار الدنيا من دون الله ، كالمعبودات التي كانوا يعبدونها ، ويزعمون أنها شركاء لله - لا ينفعهم يوم القيامة أيضا بشيء .

وهاتان المسألتان اللتان تضمنتهما هذه الآية الكريمة ، قد أوضحهما الله في آيات كثيرة من كتابه .

أما الأولى منهما ، وهي كونهم لا يغني عنهم ما كسبوا شيئا - فقد أوضحها في آيات كثيرة ، كقوله - تعالى - : تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب [ 111 \ 1 - 2 ] . وقوله - تعالى - : وما يغني عنه ماله إذا تردى [ 92 \ 11 ] . وقوله - تعالى - : الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة الآية [ 104 \ 2 - 4 ] . وقوله - تعالى - : قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون [ 39 \ 50 ] . وقوله - تعالى - : يا‎ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه الآية [ 69 \ 27 - 28 ] . وقوله - تعالى - : قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون [ 7 \ 48 ] . وقوله - تعالى - عن إبراهيم : ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون الآية [ 26 \ 87 - 88 ] . وقوله - تعالى - : وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى الآية [ 34 \ 37 ] . وقوله - تعالى - : إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار [ 3 \ 10 ] . وقوله - تعالى - : إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [ 3 \ 116 ] . وقوله - تعالى - في " المجادلة " : [ ص: 193 ] اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا الآية [ 58 \ 16 - 17 ] .

والآيات بمثل هذا كثيرة جدا ، وقد قدمنا كثيرا منها في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك .

وأما الثانية منهما ، وهي كونهم لا تنفعهم المعبودات التي اتخذوها أولياء من دون الله - فقد أوضحها - تعالى - في آيات كثيرة ، كقوله - تعالى - في " هود " : وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب [ 11 \ 101 ] . وقوله - تعالى - : فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون [ 46 \ 28 ] . وقوله - تعالى - : وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون [ 28 \ 64 ] . وقوله - تعالى - : ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا [ 18 \ 52 ] . وقوله - تعالى - : ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء الآية [ 46 \ 5 - 6 ] . وقوله - تعالى - : ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير [ 35 \ 13 - 14 ] . وقوله - تعالى - : واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا [ 19 \ 81 - 82 ] . وقوله - تعالى - : وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين [ 29 \ 25 ] .

وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة : ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ، الأولياء جمع ولي .

والمراد بالأولياء هنا : المعبودات التي يوالونها بالعبادة من دون الله ، وما في قوله : وما كسبوا و ما اتخذوا - موصولة - وهي في محل رفع في الموضعين ; لأن ما الأولى فاعل يغني ، وما الثانية معطوفة عليها ، وزيادة لا قبل المعطوف على منفي - معروفة . وقوله : ولا يغني أي لا ينفع . والظاهر أن أصله من الغناء - بالفتح والمد - وهو النفع .

[ ص: 194 ] ومنه قول الشاعر :
وقل غناء عنك مال جمعته إذا صار ميراثا وواراك لاحد

فقوله : قل غناء ، أي قل نفعا . وقول الآخر
: قل الغناء إذا لاقى الفتى تلفا قول الأحبة لا تبعد وقد بعدا


فقوله : الغناء أي النفع .

والبيت من شواهد إعمال المصدر المعرف بالألف واللام ; لأن قوله : قول الأحبة ، فاعل قوله : الغناء . وأما الغناء - بالكسر والمد - فهو الألحان المطربة .

وأما الغنى - بالكسر والقصر - فهو ضد الفقر .

وأما الغنى - بالفتح والقصر - فهو الإقامة ، من قولهم : غني بالمكان - بكسر النون - يغنى - بفتحها - غنى - بفتحتين - إذا أقام به .

ومنه قوله - تعالى - : كأن لم تغن بالأمس [ 10 \ 24 ] . وقوله - تعالى - : كأن لم يغنوا فيها [ 7 \ 92 ] كأنهم لم يقيموا فيها .

وأما الغنى - بالضم والقصر - فهو جمع غنية ، وهي ما يستغني به الإنسان .

وأما الغناء - بالمد والضم - فلا أعلمه في العربية .

وهذه اللغات التي ذكرنا في مادة غني كنت تلقيتها في أول شبابي في درس من دروس الفقه لقننيها شيخي الكبير أحمد الأفرم بن محمد المختار الجكني ، وذكر لي بيتي رجز في ذلك لبعض أفاضل علماء القطر ، وهما قوله :


وضد فقر كإلى ، وكسحاب النفع ، والمطرب أيضا ككتاب
وكفتى إقامة وكهنا جمع لغنية لما به الغنى




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.52 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.74%)]