عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 22-02-2023, 10:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,935
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السابع
الحلقة (483)
سُورَةُ الزُّخْرُفِ
صـ 171 إلى صـ 178


[ ص: 171 ] وكثير من أهل العلم يقول : إن قوله - تعالى - : فاصفح عنهم وما في معناه - منسوخ بآيات السيف ، وجماعات من المحققين يقولون : هو ليس بمنسوخ .

والقتال في المحل الذي يجب فيه القتال والصفح عن الجهلة والإعراض عنهم - وصف كريم ، وأدب سماوي ، لا يتعارض مع ذلك ، والعلم عند الله - تعالى - .
[ ص: 172 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ الدُّخَانِ

قَوْلُهُ - تَعَالَى - : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ .

أَبْهَمَ - تَعَالَى - هَذِهِ اللَّيْلَةَ الْمُبَارَكَةَ هُنَا ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ أَنَّهَا هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [ 97 \ 1 ] وَبَيَّنَ كَوْنَهَا ( مُبَارَكَةٍ ) الْمَذْكُورَةَ هُنَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - : لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [ 97 \ 3 ] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ .

فَقَوْلُهُ : فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ أَيْ كَثِيرَةِ الْبَرَكَاتِ وَالْخَيْرَاتِ .

وَلَا شَكَّ أَنَّ لَيْلَةً هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، إِلَى آخِرِ الصِّفَاتِ الَّتِي وُصِفَتْ بِهَا فِي سُورَةِ " الْقَدْرِ " - كَثِيرَةُ الْبَرَكَاتِ وَالْخَيْرَاتِ جِدًّا .

وَقَدْ بَيَّنَ - تَعَالَى - أَنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ الْمُبَارَكَةَ هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، الَّتِي أُنْزِلَ فِيهَا الْقُرْآنُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - : شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [ 2 \ 185 ] .

فَدَعْوَى أَنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ كَمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَغَيْرِهِ ، لَا شَكَّ فِي أَنَّهَا دَعْوَى بَاطِلَةٌ لِمُخَالَفَتِهَا لِنَصِّ الْقُرْآنِ الصَّرِيحِ .

وَلَا شَكَّ كُلُّ مَا خَالَفَ الْحَقَّ فَهُوَ بَاطِلٌ .

وَالْأَحَادِيثُ - الَّتِي يُورِدُهَا بَعْضُهُمْ فِي أَنَّهَا مِنْ شَعْبَانَ - الْمُخَالِفَةُ لِصَرِيحِ الْقُرْآنِ - لَا أَسَاسَ لَهَا ، وَلَا يَصِحُّ سَنَدُ شَيْءٍ مِنْهَا ، كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ .

فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ مُسْلِمٍ يُخَالِفُ نَصَّ الْقُرْآنِ الصَّرِيحَ بِلَا مُسْتَنَدِ كِتَابٍ ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ .
قوله - تعالى - : فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا .

معنى قوله : يفرق ، أي يفصل ويبين ، ويكتب في الليلة المباركة التي هي ليلة القدر - كل أمر حكيم ، أي ذي حكمة بالغة ; لأن كل ما يفعله الله مشتمل على أنواع الحكم الباهرة .

وقال بعضهم : حكيم ، أي محكم ، لا تغيير فيه ولا تبديل .

[ ص: 173 ] وكلا الأمرين حق ; لأن ما سبق في علم الله لا يتغير ولا يتبدل ، ولأن جميع أفعاله في غاية الحكمة .

وهي في الاصطلاح وضع الأمور في مواضعها وإيقاعها في مواقعها .

وإيضاح معنى الآية أن الله - تبارك وتعالى - في كل ليلة قدر من السنة يبين للملائكة ويكتب لهم بالتفصيل والإيضاح جميع ما يقع في تلك السنة إلى ليلة القدر من السنة الجديدة .

فتبين في ذلك الآجال والأرزاق ، والفقر والغنى ، والخصب والجدب والصحة والمرض ، والحروب والزلازل ، وجميع ما يقع في تلك السنة كائنا ما كان .

قال الزمخشري في الكشاف : ومعنى ( يفرق ) يفصل ويكتب كل أمر حكيم من أرزاق العباد وآجالهم ، وجميع أمورهم فيها إلى الأخرى القابلة . إلى أن قال : فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ، ونسخة الحروب إلى جبرائيل ، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف ، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا وهو ملك عظيم ، ونسخة المصائب إلى ملك الموت ا هـ محل الغرض منه بلفظه .

ومرادنا بيان معنى الآية ، لا التزام صحة دفع النسخ المذكورة للملائكة المذكورين ; لأنا لم نعلم له مستندا .

وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة ، يدل أيضا على أن الليلة المباركة هي ليلة القدر ; فهو بيان قرآني آخر .

وإيضاح ذلك أن معنى قوله : إنا أنزلناه في ليلة القدر أي في ليلة التقدير لجميع أمور السنة ، من رزق وموت ، وحياة وولادة ، ومرض وصحة ، وخصب وجدب ، وغير ذلك من جميع أمور السنة .

قال بعضهم : حتى إن الرجل لينكح ويتصرف في أموره ويولد له ، وقد خرج اسمه في الموتى في تلك السنة .

وعلى هذا التفسير الصحيح لليلة القدر ، فالتقدير المذكور هو بعينه المراد بقوله : فيها يفرق كل أمر حكيم .

[ ص: 174 ] وقد قدمنا في سورة " الأنبياء " في الكلام على قوله - تعالى - : فظن أن لن نقدر عليه [ 21 \ 87 ] - أن قدر بفتح الدال مخففا يقدر ، ويقدر بالكسر والضم كيضرب وينصر قدرا بمعنى قدر تقديرا ، وأن ثعلبا أنشد لذلك قول الشاعر :
فليست عشيات الحمى برواجع لنا أبدا ما أروق السلم النضر ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى
تباركت ما تقدر يقع ولك الشكر


وبينا هناك ، أن ذلك هو معنى ليلة القدر ; لأن الله يقدر فيها وقائع السنة .

وبينا أن ذلك هو معنى قوله - تعالى - : فيها يفرق كل أمر حكيم وأوضحنا هناك أن القدر بفتح الدال ، والقدر بسكونها - هما ما يقدره الله من قضائه ، ومنه قول هدبة بن الخشرم :
ألا يا لقومي للنوائب والقدر وللأمر يأتي المرء من حيث لا يدري


واعلم أن قول من قال : إنما سميت ليلة القدر لعظمها وشرفها على غيرها من الليالي من قولهم : فلان ذو قدر ، أي ذو شرف ومكانة رفيعة - لا ينافي القول الأول ; لاتصافها بالأمرين معا ، وصحة وصفها بكل منهما ، كما أوضحنا مثله مرارا .

واختلف العلماء في إعراب قوله : أمرا من عندنا . قال بعضهم : هو مصدر منكر في موضع الحال ، أي أنزلناه في حال كوننا آمرين به .

وممن قال بهذا الأخفش .

وقال بعضهم : هو ما ناب عن المطلق من قوله : ( أنزلناه ) ، وجعل ( أمرا ) بمعنى : إنزالا .

وممن قال به المبرد .

وقال بعضهم هو ما ناب عن المطلق من ( يفرق ) ، فجعل ( أمرا ) بمعنى فرقا ، أو فرق بمعنى ( أمرا ) .

وممن قال بهذا الفراء والزجاج .

وقال بعضهم هو حال من ( أمرا ) ، أي ( يفرق فيها بين كل أمر حكيم ) في حال [ ص: 175 ] كونه ( أمرا من عندنا ) وهذا الوجه جيد ظاهر ، وإنما ساغ إتيان الحال من النكرة وهي متأخرة عنها ; لأن النكرة التي هي ( أمر ) وصفت بقوله ( حكيم ) كما لا يخفى .

وقال بعضهم ( أمرا ) مفعول به لقوله : ( منذرين ) [ 44 \ 3 ] . وقيل غير ذلك .

واختار الزمخشري أنه منصوب بالاختصاص ، فقال : جعل كل أمر جزلا فخما ، بأن وصفه بالحكيم ، ثم زاده جزالة وأكسبه فخامة ، بأن قال : أعني بهذا الأمر أمرا حاصلا من عندنا ، كائنا من لدنا ، وكما اقتضاه علمنا وتدبيرنا ، وهذا الوجه أيضا ممكن ، والعلم عند الله - تعالى - .
قوله - تعالى - : إنا كنا مرسلين رحمة من ربك .

قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الكهف " في الكلام على قوله - تعالى - : فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا الآية [ 18 \ 65 ] . وفي سورة " فاطر " في الكلام على قوله - تعالى - : ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها الآية [ 35 \ 2 ] .
قوله - تعالى - : ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون .

هذا الذي ادعوه على النبي - صلى الله عليه وسلم - افتراء ، من أنه معلم ، يعنون أن هذا القرآن علمه إياه بشر ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - مجنون - قد بينا الآيات الموضحة لإبطاله .

أما دعواهم أنه معلم فقد قدمنا الآيات الدالة على تلك الدعوى في سورة " النحل " في الكلام على قوله - تعالى - : ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر [ 16 \ 103 ] . وفي سورة " الفرقان " في الكلام على قوله - تعالى - : وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون إلى قوله فهي تملى عليه بكرة وأصيلا [ 25 \ 4 - 5 ] .

وبينا الآيات الموضحة لافترائهم وتعنتهم في سورة " النحل " في الكلام على قوله - تعالى - : لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين [ 16 \ 103 ] .

وفي الفرقان في الكلام على قوله - تعالى - : فقد جاءوا ظلما وزورا وقالوا أساطير الأولين اكتتبها الآية [ 25 \ 4 - 5 ] .

وأما دعواهم أنه مجنون ، فقد قدمنا الآيات الموضحة لها ولإبطالها في سورة " قد [ ص: 176 ] أفلح المؤمنون " في الكلام على قوله - تعالى - : أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق الآية [ 23 \ 70 ] .
قوله - تعالى - : وجاءهم رسول كريم أن أدوا إلي عباد الله .

الرسول الكريم هو موسى ، والآيات الدالة على أن موسى هو الذي أرسل لفرعون وقومه - كثيرة ومعروفة .

وقوله : أدوا إلي أي سلموا إلي عباد الله ، يعني بني إسرائيل ، وأرسلوهم معي .

فقوله : عباد الله مفعول به لقوله : أدوا .

وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن موسى طلب من فرعون أن يسلم له بني إسرائيل ويرسلهم معه - جاء موضحا في آيات أخر ، مصرحا فيها بأن عباد الله هم بنو إسرائيل ، كقوله - تعالى - في " طه " : فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم [ 20 \ 47 ] . وقوله - تعالى - في " الشعراء " : فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا بني إسرائيل الآية [ 26 \ 16 - 17 ] .

والتحقيق أن ( أن ) في قوله : أن أدوا هي المفسرة ; لأن مجيء الرسول يتضمن معنى القول ، لا المخففة من الثقيلة ، وأن قوله : عباد الله مفعول به كما ذكرنا ، وكما أوضحته آية " طه " وآية " الشعراء " لا منادى مضاف .
قوله - تعالى - : وإني عذت بربي وربكم .

قد قدمنا الكلام عليه في سورة " المؤمن " في الكلام على قوله - تعالى - : وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب [ 40 \ 27 ] .
وله - تعالى - : كذلك وأورثناها قوما آخرين .

لم يبين هنا من هؤلاء القوم الذين أورثهم ما ذكره هنا ، ولكنه بين في سورة " الشعراء " أنهم بنو إسرائيل ، وذلك في قوله - تعالى - : كذلك وأورثناها بني إسرائيل الآية [ ص: 177 ] [ 26 \ 59 ] كما تقدم في الترجمة ، وفي " الأعراف " .
قوله - تعالى - : ولقد نجينا بني إسراءيل من العذاب المهين من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين .

ما ذكره - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة من أنه نجى بني إسرائيل من العذاب المهين الذي كان يعذبهم به فرعون وقومه - جاء موضحا في آيات أخر ، مصرحا فيها بأنواع العذاب المذكور ، كقوله - تعالى - في سورة " البقرة " : وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم إلى قوله : وأنتم تنظرون [ 2 \ 49 - 50 ] . وقوله في " الأعراف " : وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم الآية [ 7 \ 141 ] . وقوله - تعالى - في " المؤمن " : فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه الآية [ 40 \ 25 ] . وقوله - تعالى - عن " إبراهيم " : وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم الآية [ 14 \ 16 ] .

وقوله في " الشعراء " : وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل [ 26 \ 22 ] فتعبيده إياهم من أنواع عذابه لهم ، إلى غير ذلك من الآيات .

وما ذكره - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة ، من أن فرعون كان عاليا من المسرفين - أوضحه أيضا في غير هذا الموضع ، كقوله - تعالى - في " يونس " : وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين [ 10 \ 83 ] . وقوله - تعالى - في أول " القصص " : إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين [ 28 \ 4 ] . إلى غير ذلك من الآيات .
قوله - تعالى - : ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم .

قد قدمنا الآيات الموضحة في سورة " الحج " في الكلام على قوله - تعالى - : يصب من فوق رءوسهم الحميم [ 22 \ 19 ] .

[ ص: 178 ] وقد تركنا إحالات متعددة بينا فيها بعض آيات سورة " الدخان " هذه ، خشية الإطالة بكثرة الإحالة .
قوله - تعالى - : فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون .

قد قدمنا الآيات الموضحة في سورة " مريم " في الكلام على قوله - تعالى - : فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين الآية [ 19 \ 97 ] .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.64 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.01%)]