رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان

شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 806الى صــ 815
(57)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(27)

* فصل:
ويبطل الاعتكاف أيضاً بالردة؛ لأن الردة تبطل جميع العبادات من الطهارة والصلاة والصوم والإِحرام؛ فكذلك الاعتكاف؛ لأن الكافر ليس من أهل العبادات.
فإن عاد. . . .ويبطل أيضاً بالسكر؛ لأن السكران ممنوع من دخول المسجد؛ لقوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: آية 43]. . . .
فأما إن زال عقله بغير النوم من جنون أو إغماء. . . .

* فصل:
وإذا ترك الاعتكاف بالخروج من المعتكف: فإما أن يكون نذراً أو تطوعاً: أما النذر؛ فأربعة أقسام:
أحدها: أن يكون نذراً معيناً, مثل أن يقول: لله عليَّ أن أعتكف هذا الشهر, أو هذا العشر, أو العشر الأواخر من رمضان. . . ونحو ذلك؛ ففيه روايتان, ويقال: وجهان مبنيان على روايتين منصوصتين في الصيام:
أحدهما: يبطل ما مضى من اعتكافه, وعليه أن يبتدئ الاعتكاف, فيعتكف ما بقي من المدة, ويصله باعتكاف ما فوته منها؛ لأنه وجب عليه أن يعتكف تلك الأيام متتابعة, فإذا بطا الاعتكاف؛ قطع التتابع؛ فعليه أن يأتي به في القضاء متتابعاً؛ لأن القضاء يحكي الأداء, ووجب عليه أن يعتكف ما بقي من المدة لأجل التعيين, وهذا أولى من الصوم؛ لأن الصوم عبادات يتخللها [ما ينافيها, فإذا أفطر يوم؛ لم يلزم منه فطر يوم آخر؛ بخلاف] الاعتكاف؛ فإنه عبادة واحدة متواصلة, فإذا أبطل آخرها؛ بطل أولها؛ كالإِحرام وصوم اليوم الواحد والصلاة.
والرواية الثانية: لا يبطل ما مضى من اعتكافه, بل يبني عليه ويقضي ما تركه, وإن شاء قضاه متتابعاً, وإن شاء متفرقاً, وإن شاء وصله بالمدة المنذورة, وإن شاء فصله عنها؛ لأن التتابع إنما وجب تبعاً للتعيين في الوقت, فإذا فات التعيين؛ سقط التتابع لسقوطه؛ كمن أفطر يوماً من رمضان؛ فإنه يبني على ما صام منه, ويقضي يوماً مكان ما ترك, وعليه كفارة يمين لما فوته من التعيين في نذره رواية واحدة.

القسم الثاني: أن ينذر اعتكاف الوقت المعين متتابعاً, بأن يقول: عليَّ أن أعتكف هذا العشر متتابعاً, فإذا ترك بعضه؛ كان عليه استئناف الاعتكاف, فيعتكف ما بقي, ويصله بالقضاء.
الثالث: أن ينذر اعتكافاً متتابعاً غير معين؛ مثل أن يقول: عليَّ أن أعتكف عشرة أيام متتابعة أو شهراً متتابعاً, فإذا ترك بعضه؛ كان عليه أن يستأنف الاعتكاف في أي وقت كان, ولا كفارة عليه.
الرابع: أن ينذر اعتكافاً مطلقاً غير متتابع, مثل أن يقول: عليَّ اعتكاف عشرة أيام متفرقة, فإذا ترك اعتكاف بعضها؛ لم يبطل غير ذلك اليوم. . . .
وأما إذا أبطله بالوطء والسكر ونحوهما:
فقال ابن عقيل وكثير من متأخري أصحابنا: هو كما لو أبطله بالخروج من معتكفه.
فإن كان مشروطاً فيه التتابع؛ فعليه الاستئناف؛ رواية واحدة؛ لفوات التتابع المشروط فيه, لا لفساد ما مضى منه.
وإن لم يشترط فيه التتابع؛ فهل يبني أو يستأنف؟ على وجهين, مع وجوب الكفارة فيهما.
ولفظ ابن عقيل: هل يبطل ما مضى منه. على روايتين:
إحداهما: يبطل. لأنها عبادة واحدة, فيبطل لما مضى منها بالوطء فيما بقي؛ كالطواف.
والثانية: لا يبطل الماضي.
لأنه عبادة بنفسه؛ بدليل أنه يصح أن يفرد بالنذر والنفل, وإن لم يكن معيناً؛ فعليه القضاء والاستئناف.
وإن كان متتابعاً بغير كفارة. . . .

والذي ذكره قدماء الأصحاب مثل الخرقي وأبي بكر وابن أبي موسى وغيرهم أن عليه القضاء والاستئناف. وهذا هو المنصوص عنه.
قال في رواية حنبل: إذا واقع المعتكف أهله؛ بطل اعتكافه, وكان عليه أيام مكان ما أفسده, ويستقبل ذلك, ولا كفارة عليه إذا كان الذي واقع ليلاً, وليس هو واجب فتجب عليه الكفارة.
وكذلك قال أيضاً: إذا وطئ المعتكف؛ بطل اعتكافه, وعليه الاعتكاف من قابل.
وهذا أجود؛ لأنه إذا نذر اعتكاف العشر, وجامع فيه؛ فإن الجماع يبطل اعتكافه, فيبطل ما مضى منه؛ لأن الاعتكاف المتتابع عبادة واحدة, فإذا طرأ عليها ما يبطلها؛ أبطل ما مضى منها؛ كالإِحرام والصيام.
وأيضاً؛ فإن مدة الوطء قليلة؛ فلو قيل: إن ما قبله صحيح, وما يفعل بعده صحيح؛ لم يبق معنى قولنا: يبطل اعتكافه؛ إلا وجوب قضاء ذلك الزمن اليسير, وهذا لا يصح.
وأيضاً. . .
وكون ما قبل الوطء يصح إفراده بالنذر والفعل لا يلزم منه أن يكون عبادة إذا ضم إلى غيره؛ كما لو صلى أربع ركعات؛ فإنه إذا أحدث في آخر ركعة؛ بطل ما مضى, ولو خرج منه؛ لصح, وكذلك لو جامع المحرم في لحج بعد الطواف والسعي؛ بطل, وإن كان يصح إفراده ما مضى عمرة.
وإفساد العبادة يخالف تركها, والخروج من المسجد ترك محض.

* فصل:
قال ابن أبي موسى: لو نذر اعتكاف العشر الأواخر من رمضان, ثم أفسده؛ لزمه أن يقضيه من قابل في مثل وقته.
وهذا أخذه من قول أحمد في رواية حنبل وابن منصور: إذا وقع المعتكف على امرأته؛ انتقض اعتكافه, وعليه الاعتكاف من قابل.
وهذا لأن الاعتكاف هذه الأيام أفضل من غيرها.
ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختصها بالاعتكاف, ويوقظ فيه أهله, ويحيي الليل, ويشد المئزر, وفيها ليلة القدر, فلا يقوم مقامها إلا ما أشبهها,, وهو العشرين العام القابل؛ كما قلنا فيما إذا [عين] مكاناً مخصوصاً بالسفر إليه مثل المسجد الحرام؛ لم يجزه الاعتكاف إلا فيه, ولو أفسد الاعتكاف الواجب فيه؛ لم يجزه قضاؤه إلا فيه.
ولا يرد على هذا قضاء النبي صلى الله عليه وسلم لاعتكافه في شوال؛ لأنه لم يكن واجباً عليه, على أنه قد اعتكف في العام الذي قبض فيه عشرين, ولم يكن في الرمضان الذي كان مسافراً فيه, فلعله قضاه من ثانية.
فإن قيل: فقد قلتم: إذا أفسد اعتكاف الأيام المعينة؛ لزم إتمام باقيها, إما بناء أو ابتداء؛ لأجل التعيين.

قلنا: إذا كان ما بعدها مساوياً لها, فأما هنا؛ فإن العشر إلى العشر أقرب من شوال إلى العشر.
وقال القاضي: إذا قلنا: يصح الاعتكاف بغير صوم, وفاته, فنذر اعتكاف شهر رمضان؛ لزمه اعتكاف شهر بلا صوم؛ فإن أراد أن يقضيه في رمضان آخر؛ أجزأه وكذلك إن قضاه في غير رمضان.
وإن قلنا: لا يصح بغير صوم؛ لزمه قضاء شهر بصوم, فإن أراد أن يقضيه في رمضان آخر؛: فعلى وجهين:
أحدهما: لا يجزيه؛ لأنه ما فاته؛ لزمه اعتكاف شهر بصوم, فلم يجعل صيام رمضان واقعاً عليه.
والثاني: لا يجزيه؛ لأنه لم يلزمه بالنذر صيام, وإنما وجب ذلك عن رمضان, وهو ظاهر قوله في رواية حنبل: عليه أيام مكان ما أفسده, ويستقبل ذلك.
وبمكن الجمع بين القولين بأن تحمل مسألة ابن أبي موسى على ما إذا نذر اعتكاف شهر مطلق, ومسألة القاضي على ما إذا نذر اعتكاف هذا العشر.
* فصل:
فإن كان الاعتكاف الذي أفسده تطوعاً؛ فلا قضاء فيه. ذكره الخرقي وابن أبي موسى والقاضي وعامة أصحابنا.
قال في رواية أبي داوود: المعتكف ببغداد إذا وقع فتنة يدع اعتكافه, وليس عليه شيء, إنما هو تطوع. . . .
وقال أبو بكر: إذا جامع الرجل؛ بطل اعتكافه, ويستقبل, فإن كان نذراً؛ كان عليه كفارة يمين والقضاء لما أفسده.
وظاهر هذا أن عليه أن يستقبل التطوع, ولا كفارة فيه.
وهكذا نقل حنبل: إذا واقع المعتكف أهله؛ بطل اعتكافه, وكان عليه أيام مكان ما أفسده, ويستقبل ذلك, ولا كفارة عليه إذا كان الذي واقع ليلاً, ليس هو واجباً فتجب عليه الكفارة.
فجعل عليه استقبال القضاء مطلقاً, وخص الكفارة بالواجب.
وكذلك قوله في رواية حنبل وابن منصور: إذا واقع المعتكف امرأته؛ انتقض اعتكافه, وعليه الاعتكاف من قابل.
وفي لفظ: والمعتكف يقع بأهله يبطل اعتكافه, وعليه الاعتكاف من قابل.
ولم يفرق بين النذر والتطوع.
وهذا يحتمل شيئين:
أحدهما: أنه ليس له أن يخرج من الاعتكاف لغير عذر.
والثاني: أنه ليس له أن يطأ مع نية الاعتكاف؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: آية 187].
مسألة:

وأن يسأل عن المريض أو غيره في طريقه ولم يعرج عليه
880 - وذلك لقول عائشة رضي الله عنها: «إن كنت لأدخل البيت للحاجة, والمريض فيه, فما أسأل عنه؛ إلا وأنا مارة». رواه مسلم.
881 - وقد تقدم أنها روت عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك.
ولأن سؤاله عن المريض كلام فيه مصلحة وقربة ولا يحبسه عن اعتكافه, فجاز كغيره من الكلام المباح, ومثل هذا أن يأمر أهله بحاجة أو يسأل عما يعنيه, لكن لا يجلس عند المريض ولا يعرج إليه إذا لم يكن على طريقه.
قال القاضي وابن عقيل: يسأل عنه مارّاً ولا يقيم للمسألة عنه؛ لأنه يقيم لغير حاجة, ولم يشترط ذلك في اعتكافه, وهذا على قولنا: لا يجوز للمعتكف أن يعود المريض بغير شرط.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|