
18-02-2023, 10:37 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,156
الدولة :
|
|
رد: حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية
حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية
(4) أبرز ضمانات حقوق الإنسان في الفقه الإسلامي
إن الإسلام عقيدة وشريعة، هو دين الله الحق الذي ارتضاه لعباده المؤمنين فهو نظام دين ودنيا، ينظم علاقة المسلم بربه، وبمجتمعه، وينظم حال الجماعة المسلمة بما يصلح حالها، ويضمن الاستقرار اللازم لها لقيام مجتمع آمن يلتزم أفراده فيه بأمر ربها، ولقد كان الإسلام سباقًا إلى تقرير حقوق الإنسان، وشرع تشريعات تعلي من قيمة الإنسان وحقوقه المتمثلة في المساواة والحرية والعدل؛ لذلك نستعرض في هذه السلسلة حقوق الإنسان التي أقرتها الشريعة الإسلامية وسبقت بها الأمم كافة، وكنا قد تكلمنا في المقال السابق مفهوم الحقوق في القرآن الكريم.
شرع الإسلام -منذ أربعة عشر قرنا- حقوق الإنسان في شمول وعمق، وأحاطها بضمانات كافية لحمايتها، وصاغ مجتمعه على أصول ومبادئ تمكن هذه الحقوق وتدعمها، فالإسلام دين عالمي، وقد أرسل الله خاتم رسالات السماء، وأوحى بها إلى رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - ليبلغها للناس كافة هداية وتوجيها، ليكفل لهم حياة طيبة كريمة، يسودها الحق والخير والعدل والسلام، فدعوته - صلى الله عليه وسلم - جاءت للناس جميعاً، قال -تعالى-: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا { (الأعراف:158).
وقد انطلق الإسلام من قاعدة أساسية ثابتة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وهي أن أصل الإنسان واحد ومصيره واحد، قال -تعالى-: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} (المؤمنون: ١٢)، ومن هنا كان لزاما علينا أن نبلغ للناس جميعا دعوة الإسلام امتثالاً لأمر ربنا - سبحانه وتعالى- حينما قال: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: ١٠٤).
وسائل حماية هذه الحقوق
ولم تكتف الشريعة الإسلامية بتقرير حقوق الإنسان فقط، بل جاءت بوسائل لحماية هذه الحقوق وضمان استمتاع الأفراد بها؛ حيث حددت الشريعة ثلاث جهات لتتولى القيام بهذا الدور وهي: الأفراد والجماعات والدولة. أولاً - من جهة الفرد
من جهة الفرد؛ فإن مجرد قيام الفرد بواجباته التعبدية، يعد ضمانة من ضمانات حقوق الإنسان في الإسلام؛ فالمسلم ينهاه الدين عن قتل النفس بغير حق، قال -تعالى-: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (الإسراء:٣٣).
كما ينهانا الدين عن الاعتداء على غيرنا، قال -تعالى-: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم ْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: ١٩٠).
كما ينهانا كذلك على أكل أموال الناس بالباطل، قال -تعالى-: { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة: ١٨٨). القواعد الفقهية
وهنالك الكثير من القواعد الفقهية التي تكون -في حد ذاتها- ضمانات قويـة لحقـوق الإنسان، ذكرها الفقهاء، كقاعدة: (لا ضرر ولا ضرار)؛ ففي الحديث قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لا ضرر، ولا ضرار» ففي هذا الحديثِ قاعدةٌ عَظيمةٌ مِن قواعِدِ الدِّينِ والمراد بالقاعدة هنا: إن الشريعة تنفي الضرر والإفساد سواء على النفس أم على الآخرين، وذلك يكون بمنع وجوده أصلًا، أو برفعه وإزالته بعد وجوده. وقاعـدة: (الاضطرار لا يبطل حق الآخر) فهاتان القاعدتان يبينان -على سبيل المثال لا الحصر- منع الفرد من الاعتداء على حقوق الآخرين وحرياتهم، وإن الضرورة التي تبيح المحظور لا تبطل حق المضرور في التعويض؛ وعليه فإن قيام المسلم بأدائه لأمور دينه فيه تكريس وضمان وحماية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية؛ لأن هذه الحقوق جزء من العقيدة وليست مجرد قوانين وأفكار جميلة يشجع الناس على القيام بها.ثانياً- من جهة الجماعة
أما دور الجماعة في حماية حقوق الإنسان، فيتمثل في واجبها في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: يقول -تعالى-: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: ١٠٤).ثالثاً- من جهة الدولة
أما دور الدولة الإسلامية في حماية حقوق الإنسان فيكمن في تميز الإسلام بوجود ثلاثة أنظمة قضائية متوازية تحمي الحقـوق والحريات العامة للإنسان وتتمثل هذه الأنظمة في:
1- القضاء العادي
ويتميز القضاء في الإسلام بالعدالة المطلقة يقول -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة: ٨)، والعدل في الإسلام فريضة واجبة؛ فالشريعة الإسلامية كفلت للإنسان حقوقه عن طريق ضمانها لوحدة القانون المطبق على الجميع دون أي نوع من التفرقة أو التمايز بين الناس؛ فالشريعة لم تفرق بين الناس في العدل، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول في الحديث التي روته السيدة عائشة- رضي الله عنها-:» وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
-2 ولاية المظالم
والمظالم يقصد بها عند فقهاء المسلمين ظلم أصحاب النفوذ في الدولة لأفراد المجتمع، أو هو ظلم الولاة والجباه والحكام للرعية، وقضاء المظالم يختص بتلقي الشكاوى من أفراد الرعية الذين انتهكت حقوقهم وحرياتهم في مواجهة ظالميهم من أصحاب النفوذ، يقول ابن خلدون في مقدمته: (إن التظلم في المظالم وظيفة ممتزجة بين سطوة السلطة ونصف القضاء).
3- نظام الحسبة
والحسبة ولاية دينية أساسها الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله، ويعد نظام الحسبة من القضاء المتخصص؛ لأنه يجمع في آن واحد بين أنظمة القضاء والمظالم والشرطة؛ إذ يختص المحتسب بالفصل في المنازعات الظاهرة التي لا تحتاج إلى أية أدلة لإثباتها كما يملك سلطة تأديب من يجاهر علناً بارتكاب المعاصي.أهم ضمان لحماية
حقوق الإنسان
وفي ختام هذا المبحث يتضح أن أهم ضمان لحماية حقوق الإنسان في الفقه الإسلامي هي الضمانات الدينية، التي يقصد بها: الضمانات التي انفرد بها التشريع الإسلامي، ولها أثر كبير في حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ولا نجد لها نظيرا في التشريعات الوضعية الحديثة لافتقارها إلى النظم التي يمتلكها الإسلام، التي بها يبني النفس الإنسانية من الداخل بناء إيمانيا أخلاقيا، وهو إقرار مبدأ المسؤولية الفردية، وتأتي في طليعة هذه الضمانات، التي تعتمد مبدأ المسؤولية الشخصية لتكوين مواطن صالح عن طريق التربية والتثقيف والإعلام، ومن ثم الضمانات الأخلاقية التي تبنى على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما يعرف بنظام الحسبة وهي إحدى الولايات العامة في الدولة الإسلامية. تكوين الإنسان الصالح
ومن المهم الإشارة إلى أن النظـــــم الوضعية قد غفلت عن شيء مهم ضـــروري في حمايـــــة الحقوق والحريات، وهو تكوين الإنسان الصالح، الذي يعرف حق ربه عليه فيؤديه، ويعرف حقوق العباد فيحترمها ويحافظ عليها، والإنسان الذي يحسن اختيار ممثليه إذا كان منتخباً، ويحسن تمثيل منتخبيه إذا كان نائباً، ويحسن القيام بأمانة المسؤولية إذا كان حاكماً، ودون هذا الإنسان الصالح لا تراعى حقوق ولا حريات، ولا تصلح دول ولا مجتمعات، وما غفلت أو عجزت عنه النظم الوضعية كان هو أول ما يعنى به النظام الإسلامي؛ فأجهزة هذا النظام كلها في جوانب التربية والتثقيف والإعلام والتوجيه والتشريع والتنظيم تقوم على أساس تكوين الإنسان الصالح.الضمائر الحية والقلوب المؤمنة
ومن هنا نجد أن النظام الإسلامي في سبيل حماية الحقوق والحريات لا يعتمد على سيف السلطان وسوط القانون، ورقابة الدولة فحسب، كما هو الشأن في النظم الوضعية، إنما يعتمد بجوار ذلك على الضمائر الحية والقلوب المؤمنة التي تستجيب لأوامر الشارع، وتنتهي عن محذوراته، وغني عن البيان أن الالتزام بالحقوق والحريات المنبعث من النفس ابتداء، أجدى على المجتمع من الالتزام بقوة القانون من غير اعتماد على الإيمان والضمير الديني؛ لأن ما يبنى على القانون قد يوجد في النفس ما يسوغ مخالفته، أما ما يعتمد على الضمير الديني أولاً ثم على القانون ثانيًا فإن الإنسان المؤمن يطيعه على أنه من أمر الله الذي يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة النفوس وما تخفي الصدور.
محمد مالك درامي
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|