رد: ألفية ابن مالك منهجها وشروحها
ألفية ابن مالك منهجها وشروحها (2)
د. غريب عبدالمجيد نافع
ولتجاوب الناس مع "الألفية"؛ بأثرها الواضح في سرعة استحضار القواعد، أكثروا من مدحها، وبيان فضلها؛ ألا ترى إلى قول ابن المجراد:
خُلاصةُ النَّحو لا أبْغي بها بدلَا 
مستغرقًا درْسها في كلِّ أوقاتي 
قد جمَّعتْ لُبَّ علم النحو مختصرًا 
نظمًا بديعًا حوَى جُلَّ المهماتِ 
قُلْ لابن مالكٍ إنِّي قد شُغِفْتُ بها 
لم يأتْ مثلٌ لها يومًا، ولا ياتي 
وها أنا أسأل الرحمن معفرةً 
له تُبَوِّئه في خير جنّاتِ[1] 
أو إلى قول بعضِ المغاربة:
لقد مَزَّقتْ قلبي سِهامُ جُفونها 
كما مَزَّق اللخميُّ مذهبَ مالكِ 
وصال على الأوصال بالقَدِّ قَدُّها 
فأضحتْ كأبياتٍ بتقطيع مالكِ 
وقُلِّدْتُ إذْ ذاك الهوى لمرادها 
كتقليدِ أعلام النُّحاة ابْنَ مالكِ 
وملَّكتُها رقّي لرقّة لفظِها 
وإنْ كنتُ لا أَرضاه مِلْكًا لمالكِ 
وناديتُها: يا مُنْيتي، بَذْلُ مُهْجتي 
ومالي قليلٌ في بديع جمالكِ[2] 
ولا يمكن أن يكون هذا الإِعجاب وليد التعصب، أو الجهل؛ فالرجل قد مات، ولا نسب بينهم ولا خُلّة، ولكن كما قيل:
والنّاسُ أكْيسُ مِن أنْ يمدَحوا رجُلًا = ما لم يَرَوْا عنده آثارَ إحْسان[3]
وآثار الجودة في الألفية واضحةٌ جليّة؛ فهي التي حركت همة الصفوة إلى شرحها، وأذكت في المخلصين منهم روح التنافس والوفاء؛ فكثرت بذلك شروحها، وتنوعت حواشيها، فقد تخطت شروحها المائة بكثير، وقلما تجرَّد شرح من حاشية أو تعليق، ومغنم الجميع من تلك الجهود إنَّما هو إعلاء كلمة الله؛ فحيث تكون العربية يكون الإِسلام، وحيث يكون الإسلام، يكون الأمن والسلام!.
وفي ضوء الاستقراء التام لما تيسر لنا الاطلاع عليه من مطبوعات، أو مخطوطات، أو فهارس موثوق بنقولها، أو إشاراتٍ مقطوع بصحتها أثبتُّ هذه الشروح، وما كُتب عليها من حواشٍ وتقريرات، مرتّبةً ترتيبًا زمنيًّا، مع وصفها وبيان منهجها، أو التنبيه على مصادرها، لعل الله بمنِّه وكرمه يهيئ الأسباب لإنقاذ ما ضل الطريق، ونشر ما طواه النسيان. فنضيف بذلك إلى المكتبة جديدًا، وإلى العلم مفيدًا، وإليك البيان:
1- "بُلْغة ذَوِي الخَصاصة، في شرح الخلاصة"، للإمام أبى عبد الله جمال الدين محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مالك، الطائي، الجيَّاني، الأندلسي، الدمشقي، المتوفى سنة 672هـ. فقد عدّها البغدادي في مؤلفات ابن مالك نفسه، كما أشار إلى ذلك حاجي خليفة، نقلًا عن الذهبي[4].
2- "الدُّرّة المضية، في شرح الألفية" لابن الناظم، العلامة بدر الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي، الدمشقي، النحوي ابن النحوي، المتوفى بدمشق في يوم الأحد الثامن من شهر المحرم سنة 686هـ. وقد فرغ ابن الناظم من شرحه في المحرم من سنة 676هـ[5].
وشرح ابن الناظم شرحٌ موجز منقح، سلك فيه منهج الحياد؟ فاعترض على والده في بعض المسائل، وأورد فيه كثيرًا من الشواهد القرآنية، مع الاستشهاد بالحديث، وكلام العرب،، ومما يدلُّ على ذلك أنّا نراه في باب التنازع، يقول: «وقد يُتوهَّم من قول الشيخ رحمه الله:
بَلْ حَذْفَه الزمْ، إن يكن غير خبر *** وأخِّرنَّه، إن يكن هو الخبر
أن ضمير المتنازع فيه، إذا كان مفعولًا في باب "ظنّ" يجب حذفُه، إن كان المفعول الأول، وتأخيره إن كان المفعول الثاني، وليس الأمر كذلك؟ بل لا فرق بين المفعولين في امتناع الحذف، ولزوم التأخير،، ولو قال بدَلَه:
واحذفه إنْ لم يكُ مفعولَ حَسِبْ *** وإن يكن ذاك، فأخّره تُصِبْ
لخلَصَ من ذلك التَّوهُّمِ»[6].
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 19-02-2023 الساعة 03:26 AM.
|