
15-02-2023, 01:23 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,005
الدولة :
|
|
رد: حقوق الآباء والأمهات
حقوق الآباء والأمهات (4)
من أنواع بر الوالدين : استئذانهما ومشاروتهما
ما زال حديثنا مستمرا عن حقوق الآباء والأمهات؛ حيث ذكرنا أنَّ من صفات المؤمنين الإحسان والبر والعطاء، والإجادة والإتقان، ويصل منهم الإحسان إلى الناس أجمعين، وأحق الناس به -بل ويكون واجبًا نحوهم- الآباء والأمهات، وذكرنا بعضًا من أنواع البر بهما، واليوم نتحدث عن استئذان الوالدين ومشاورتهما في الأمور المهمة.
(11) استئذان الوالدين
إن مما يزيد في حب الوالدين لولدهما أن يستأذنهما أو أحدهما عند سفره ولو كان السفر لطاعة، وليعلم أن الاستئذان يكون للطاعة سواء كانت واجبة كالحج أو مستحبة كالعمرة تطوعًا، فإن أذنا له سافر وإن لم يأذنا له سافر إن كانت الطاعة واجبة؛ لأنه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنما الطاعة في المعروف» وإلا، فلا.استئذانهما في الواجبات الكفائية
أما إذا كان الأمر مرتبطا بطاعة واجبة وجوبا كفائيا كالجهاد في حال عدم الغزو وعدم الاحتلال، وكان الجيش يكفي لحماية البلد، أو كان الأمر مما يدل الشرع على استحبابه، فعليه أن يطيع والديه، ويشير إلى ذلك الأحاديث التالية:
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبويَّ يبكيان؛ فقال: ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجلا هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اليمن، «فقال: هل لك أحد باليمن؟ قال: أبواي، قال: أأذنا لك؟ قال: لا، قال: ارجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما»، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: «جاء رجل إلى نبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه في الجهاد فقال: أحيّ والدك؟ قال: نعم، قال ففيهما فجاهد».صلة الرحم
وإن مما ينبغي علمه أن الابن عليه أن يحسن علاقته مع والديه ثم مع أقاربه، ويستأذنهما في أن يصل رحمه، وإن أمره أحد والديه بعدم صلة أهله وأقربائه فلا يسمع إلى قوله إلا إذا كان الذي سيزار عاصيا لله -تعالى- أو يُخشى منه الضرر له أو لوالديه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة في معروف»، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من سره أن يمد له في عمره، ويزاد له في رزقه فليبر والديه، وليصل رحمه».
ويدخل في هذا الباب الاستئذان منهما في صلة الرحم فأحرى بالابن أن يصل رحمه ولو أبى الوالدان أو أحدهما؛ لأن صلة الرحم واجبة أوجبها الحق -سبحانه وتعالى- وليس الوالدان، وأعظم الله العقوبة لقاطعها، قال -تعالى-: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}.الاستئذان في الجهاد لما يتبعه من مشاق
وإنما يكون الاستئذان منهما في الجهاد؛ لما يتبعه من مشاق وموت؛ لذا كان الاستئذان منهما، كما يكون الاستئذان في صلة الأرحام استحبابا وإلا يجوز الذهاب دون إذنهما، وكذا الخروج للتجارة والعمل؛ فقد قال بعض العلماء: أما الخروج للتجارة ونحوها فلا بأس به بغير إذنهما؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما منعه من الجهاد إلا بإذن الوالدين؛ لما فيه من التعرض للقتل وفجيعة الأبوين به، أما التجارة والتصرفات في المباحات التي ليس فيها تعرض للقتل عادة فلا يحتاج إلى استئذانهما.زيارة الأصحاب والجيران
كما أن للابن أن يستأذنهما في زيارة الأحباب والأصحاب والجيران وغير ذلك للعلم؛ لئلا يعتريهما قلق أو خوف عليه، وليطمئنا عليه، وإن لم يستأذنهما فلا شيء عليه، ومما ينبغي علمه أن الزيارة لهؤلاء لابد أن تكون خالصة لله -تعالى- لأجل أن ينال عليها أجراً من الله -تعالى-، ويسدد الله خطاه، ويحفظه في ذهابه وإيابه؛ فعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يقول الله -تعالى-: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ»، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم».
ويحذر الإسلام من المقاطعة والهجر وعدم التزاور لأسباب دنيوية تافهة، مثل سماع شيء بالكذب بينه وبين أصحابه وأحبابه وأصدقائه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ولا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا».(12) مشاورة الوالدين في الأمور المهمة
إن الشورى من مبادئ الإسلام التي دعا إليها؛ فهي سبيل إلى الرشاد، وفعل الخير، وإدراك الخطأ قبل الوقوع فيه؛ لذا حض الله رسوله عليها فقال -تعالى- {وشاورهم في الأمر} (سورة آل عمران: آية 159)، وأثنى الله -تعالى- على المؤمنين بطاعتهم لربهم ومشاورتهم فيما بينهم، مما يبرز مكانة الشورى في الإسلام، قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}؛ فأحرى بالمسلم أن يشاور أخاه المسلم في الأمور المهمة والأولى بذلك هما الوالدان؛ فهم أقرب الناس للإنسان، وهما أحرص عليه، ويسعيان لجلب الخير له وصرف السوء عنه.سبيل للفلاح والصلاح
ولا شك أن مشاورتهما سبيل للفلاح والصلاح، وحصن له من الضلال والهلاك؛ لأن والديه أكبر منه سنا، وخاضوا غمار الحياة، واستفادوا من دروسها، ومارسوا صنوف البلاء، وقاسوا آلام الحرمان والعناء، كما ذاقوا حلاوة السراء، وتدربوا على أنشطة الحياة بأنواعها المتعددة، فتميزوا بالرأي الثاقب، والعقل الراجح، والفكر المستنير الصائب؛ فالمشاورة للأبويين فيها خير عميم؛ لذلك قيل إن الوالدين أحرص الناس على ذريتهما من بنين وبنات، وهما يقدمان كل غال ونفيس من أجلهم؛ فلا يبخلون بالنصح لهم، وإذا نصحوهم أخلصوا في نصحهم، فهم أمناء في النصيحة، يقيمون قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في أولادهم: «الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».الأنبياء خير الناصحين لذرياتهم
ولقد كان الأنبياء -صلوات الله عليهم وسلامه- خير الناصحين لأقوامهم ولذرياتهم، فهذا نوح ينصح ابنه بالإيمان بالله -تعالى- وأن يركب معه السفينة لينجو مع الناجين، ولكنه رفض؛ فكان مصيره الهلاك والغرق، قال -تعالى حاكيا قول نوح لقومه ولابنه-: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} (هود: الآيات 41-43)، وهكذا يكون مصير من أبى النصيحة، ولم يعمل بقول والديه يكون مصيره الوبار والثبور.نموذج لمن أصغى إلى نصيحة والده
وهذا نموذج لمن أصغى إلى نصيحة والده والتمس رضا الله -تعالى- ثم رضا والده فكان له الفوز والنجاة من المحن والخطوب، فهذا يوسف -عليه السلام- يصغي لرشد أبيه ويشاوره في رؤيا رآها فيفسرها له والده فينقاد لما قاله له أبوه، وسار في درب الحياة بين ضراء وسراء ثم كان آخر ما صار إليه وزيراً، قال -تعالى- {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (يوسف: 4-6)، ولقد تحقق ما فسره يعقوب لابنه يوسف في شأن رؤياه، كما منَّ الله -تعالى- على يوسف -عليه السلام- بالنبوة والوزارة، وأتم الله عليه النعمة كآبائه؛ لأن يوسف صدق أباه فيما حكاه له، وكان له من الطائعين، ومن ثم فاز فوزاً عظيماً.
وفي سلفنا الصالح نماذج مشرفة في مشاورة الأبناء لآبائهم، فهذا عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - يعرض على أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أمر قتله فيقول لها: يا أماه أخشى أن يمثلوا بي بعد قتلي، فقالت له: إن الشاة لا يضيرها سلخها بعد ذبحها، فانقاد لنصيحتها وقاتل حتى نال شرف الشهادة».طاعة الوالدين بعد المشورة
ومما يجدر علمه أن طاعة الوالدين بعد المشورة لهما مقيدة بأن تكون الشورى في أمر لا يخالف الشرع، فإن كان الأمر والنصيحة وما أشار به الوالدان أو أحدهما أمراً يتنافى مع الحق والعدل وأحكام الدين فلا طاعة لهما، مثل أن ينصح أحد الوالدين ولده بطلاق زوجته ظلماً أو عدم صلة رحمه أو شرب الخمر، أو تنصح أم ابنتها بنزع الحجاب وغير ذلك.
قال سندي: سأل رجل أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق امرأتي، قال: لا تطلقها، قال: أليس عمر أمر ابنه عبد الله أن يطلق امرأته؟ قال: حتى يكون أبوك مثل عمر..»، وقال الشيخ تقي الدين - يعني ابن تيمية - فيمن تأمره أمه بطلاق امرأته قال: لا يحل له أن يطلقها، بل عليه أن يبرها، وليس تطليق امرأته من برها. انتهى.الحذر من الاستبداد بالرأي
وليحذر الأبناء والبنات من الاستبداد بالرأي فإن أكثر ما يجني على الإنسان رأيه وتعصبه لفكره، هذا وقد من الله -تعالى- عليه بوالديه وبأقاربه الكبار في السن ذوي الخبرة فليتسعن بهم، وليشاورهم، وليتأس برسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعصوم الذي حرص على المشورة لأصحابه رجلا كان أو امرأة، ممتثلا أمر الله -تعالى- له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } (آل عمران: 159).
الشيخ: عبدالمتعال محمد علي
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|