عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 14-02-2023, 04:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,737
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية

حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية
(3) أركان الحق وأقسامه في الفقه الإسلامي






إن الإسلام عقيدة وشريعة، هو دين الله الحق الذي ارتضاه لعباده المؤمنين؛ فهو نظام دين ودنيا، ينظم علاقة المسلم بربه، وبمجتمعه، وينظم حال الجماعة المسلمة بما يصلح حالها، ويضمن الاستقرار اللازم لها لقيام مجتمع آمن يلتزم أفراده فيه أمر ربه، ولقد كان الإسلام سباقًا إلى تقرير حقوق الإنسان، وشرع تشريعات تعلي من قيمة الإنسان وحقوقه المتمثلة في المساواة والحرية والعدل؛ لذلك نستعرض في هذه السلسلة حقوق الإنسان التي أقرتها الشريعة الإسلامية وسبقت بها الأمم كافة.
مفهوم الحق في السنة النبوية
استعملت كلمة الحق في السنة النبوية الشريفة في مواطن عدة، منها ما ورد في حديث النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ولا وصية لوارث»، أي: إنَّ اللهَ بيَّن وحدَّد لكلِّ وارثٍ نَصيبَه مِن الميراثِ، وبين له حظه ونصيبه الذي فرض له، وفي حديث آخر» عَنْ مُعَاذٍ قَالَ بَيْنما أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ قَالَ مِثْلَهُ ثَلَاثًا هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ قُلْتُ لَا، قَالَ: «حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» ثُمَّ سَارَ سَاعَةً فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ،» قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: «هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ أَلَا يُعَذِّبَهُمْ»، معنى الحق الأول، وهو حق الله على العباد، أي: حتم ولازم وواجب على العبد تجاه ربه -جل وعلا- أن يعبده ويفردوه بالعبودية ولا يشركوا به شيء، ومعنى الحق الثاني، وهو حق العباد على الله، أي: الأمر لمتحقق الثابت والخير والثواب الواقع الذي لا تردد معه، ألا يعذب من لا يشرك به شيئا.
الحزم والاحتياط للمسلم
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ»، قال الإمام الشافعي: «معنى الحديث ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده» اهـ.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ «أي بمعنى فمن حكمت له بحق أو ملك أخيه المسلم وسلمته له فلا يستحله، وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه: «حق على كلِّ مسلم، أَنْ يَغْتَسِلَ في كُلَّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْماً»، وقوله: (حق) بمعنى: ثابت ولازم. (على كل مسلم).
أبغض الناس إلى الله ثلاثة
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه»، يُخبرُ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحَديثِ أنَّ أبغضَ النَّاسِ إلى اللهِ ممَّنْ هوَ من جملةِ المسلمِينَ ثلاثةٌ: من هؤلاء الثلاثة، «مَطلَبُ دمِ امرئٍ بغيرِ حقٍّ لِيُهَريقَ دمَه»، أي: ومَنْ يجتهدْ في السَّعيِ لِطلبِ قتلِ امرئٍ مُسلمٍ وإراقةِ دمِه بغير حقٍّ. فالقتل بغير حق مذموم لكونه ظلمًا، وهي جريمةٌ كبرى.
أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ
وعن عبد الله بن عباس - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يتهجد قال: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعليك تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ؛ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ»، هذا الحديثُ مِن الأدعيةِ الجوامع الَّتي كان يدعو بها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا قام مِن اللَّيل يتهجَّدُ، والتهجُّدُ هو التيقُّظُ والسَّهرُ بعد نَومةٍ مِن اللَّيل، ولَمَّا كان القائمُ يُصلِّي باللَّيل متيقِّظًا ساهرًا، سُمِّيَت الصَّلاةُ صلاةَ التهجُّد، والمُصلِّي مُتهجِّدًا، فكان - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «اللَّهمَّ لك الحمدُ، أنتَ قيِّمُ السَّمواتِ والأرضِ ومَن فيهنَّ...إلى أن قال» أنتَ الحقُّ»، والحقُّ اسمٌ مِن أسماء الله -تعالى-، وصفةٌ مِن صفاتِه.
أركان الحق وأقسامه في الفقه الإسلامي
من خلال ما سبق يظهر جليا ويتضح أن الحقوق شرعية، وأن مصدرها الله -سبحانه وتعالى-؛ مما يسمو بهذه الحقوق، ويجعلها مستمدة من العقيدة وركيزة من ركائز الإيمان، ويجعل الحفاظ عليها والدفاع عنها قربة من القربات إلى الله-عزوجل- ومن هنا يتضح أن الحق في الشريعة الإسلامية يقوم على أركان أربعة أساسية وهي: (صاحب الحق، ومن عليه الحق، ومحل الحق، ومصدر الحق).
أركان الحق في الشريعة الإسلامية
للحق أركان عدة يقوم عليها من عليه الحق، وهو الذي يوجب الحق ويثبته ويوجده وهو مدين به، فالفرد منا مدين بحق عبادة الله -تعالى- والتزام الطاعات، على سبيل المثال فالأركان أربعة وهي:
- أولاً: صاحب الحق: وهو المستحق للحق، قد يكون هو الله -تعالى-، أو العبد، أو يكون الحق مشتركًا بَيْن الله وبين العبد.
- ثانيا: من عليه الحق: وهو المدين بالحق؛ فالمكلف مدين لله بأداء الفروض الواجبة عليه من صلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها، والمشتري مدين بالثمن للبائع.
- ثالثاً: محل الحق: وهو ما يتعلق به الحق، كالدار التي يملكها الإنسان، والديون التي له في ذمة الآخرين، وطاعة الله؛ فهي حقوق فعلية.
- رابعاً: مصدر الحق: وهو المرجع الذي استُخرج منه الحق كالشريعة الإسلامية والقرآن الكريم، والسنة النبوية.
ثانياً: أقسام الحق
- وكما أن للحق أركانا فكذلك لها أقسام، وهي تنقسم في الشريعة الإسلامية إلى أقسام عديدة وذلك بحسب الاعتبارات المختلفة وهي كالآتي:
- أولاً: تقسيم الحقوق باعتبار من يضاف إليها الحق (صاحب الحق): فلقد اهتم الأصوليون والفقهاء ببحث الحق وأنواعه باعتبار من يستحق الحق ويثبت له الأمر، فقسموه إلى أربعة أقسام وهي:
أولاً: حق لله -تعالى- خالصًا
هي ما فهم من الشرع أنه لا خيار فيها للمكلف، سواء كان الحق له معنى معقول أو غير معقول- أي غير معلوم العلة ولا يثبت بالقياس- وهي ما يتعلق به النفع العام، فلا يختص بالحق فيها أحد، وتنسب هذه الحقوق إلى الله -تعالى- تعظيما لخطرها وشمول نفعها؛ لأن الله -تعالى- يتعالى عن أن ينتفع بشيء؛ فلا يجوز أن يكون شيء حقا لله -تعالى- بهذا الوجه، بل الإضافة إليه لتشريف ما عظم خطره وقوي نفعه وشاع فضله، بأن ينتفع به الناس كافة.
كما أنها امتثال أوامره واجتناب. وكذلك هي ما تعلق به النفع العام للعالم كله من غير اختصاص بأحد، ولا سيما الحدود التي شرعها الله، فلا يمكن إسقاطها بعفو أو صلح أو تنازل، ولا يجوز تغييرها، وتنسب هذه الحقوق إلى الله -تعالى- لعظم خطرها وشمول نفعها؛ مثاله: حرمة البيت الحرام الذي يتعلق به مصلحة المسلمين باتخاذه قبلة في صلاتهم، وكحرمة الزنا الذي تعلق به سلامة المسلمين وصيانة الأنساب، فهذه كلها حقوق لله -تعالى-؛ لأنه يقصد بها النفع للجميع؛ لذلك لا يحتاج إثباته إلى دعوى وليس للإنسان التهاون في إقامته.
ثانيًا: محض حق العباد
وهو ما يكون محض حق العباد فهو أكثر من أن يحصى، نحو ضمان الدية وبدل المتلفات، والمغصوب، وما أشبه ذلك مما يتعلق به مصلحة، إما مصلحة عامة أو مصلحة خاصة، ولا يقصد به في الواقع إلا الامتلاك للأفراد، أو التي تتعلق بالمصلحة الخاصة.
لذلك فإن حق العبد ينقسم إلى قسمين:
(1) حق الإنسان العام: وهو ما تترتب عليه مصلحة عامة للمجتمع من غير اختصاص بأحد.
ومثاله: المرافق العامة من التعليم والقضاء ووسائل النقل والطرق والمياه والصحة، وهذه الحقوق يتولى رعايتها ولي الأمر باعتباره وكيلا عن الأمة؛ فيقوم بصيانتها والدفاع عنها ونفقتها على بيت مال المسلمين.
(2) حق الإنسان الخاص: وهو ما تعلقت به مصلحة خاصة للفرد، ويقصد منه حماية مصلحة الشخص.
ومثاله: حق الزوج في الطلاق، وحق الزوجة في المهر والنفقة من زوجها، وحق الشفعة، وحق تملك المشتري للمبيع، وتملك البائع للثمن، وضمان المتلفات، واستيفاء الديون، والدية، وغيرها.
وهذا الحق قابل للإسقاط والتعويض؛ حيث يكون الخيار في استيفائه إلى المكلف نفسه؛ فإن شاء أسقطه وإن شاء استوفاه؛ لأن الإنسان يتصرف في حقه كيف شاء.
ثالثًا: ما اجتمع فيه الحقان وحق الله غالب
من أمثلة هذا الحق: كعدة المطلقة، فإن فيها حقاً لله وهو صيانة الأنساب عن الاختلاط، وفيها أيضاً حق للعباد وهو المحافظة على النسب، ولكن حق الله هنا هو الغالب؛ لأن في صيانة الأنساب نفعاً عاماً للجميع وهو صيانتها من الفوضى والاختلاط، وكذلك حد القذف، فإن حق الله -تعالى- فيه يتمثل في الزجر عن القذف وتطهير المجتمع من الرذيلة ما يعود بالنفع على العامة، وحق العبد فيه يتمثل في دفع العار عن المقذوف وإثبات شرفه وصيانة عرضه وبالرغم من ذلك فإن حق الله -تعالى- غالب على حق العبد، والذي يدل على ذلك أنه لو تنازل المقذوف عن حقه بعد وصول الأمر إلى القضاء فإن الحد لا يسقط بذلك.
من أمثلة هذا الحق: حق القصاص الثابت لولي المقتول في القتل العمد؛ فإن حق الله -تعالى- فيه يتمثل في منع ارتكاب الجريمة حفاظاً على الأنفس وصيانة لحياة الناس، وحق العبد فيه يتمثل في حقه في البقاء والاستمتاع بالحياة، كما وفيه حق لأولياء المقتول تتمثل في تهدئة النفوس وجبر ما فاتهم من الانتفاع بحياة المقتول، ولكن حق العبد هنا هو الغالب؛ لأن القتل يمس بالمجني عليه أكثر مما يمس المجتمع ونظامه، وعلى ذلك لا يقتص من القاتل إلا بطلب من ولي القتيل وله أن يتنازل عن القصاص مجاناً أو بمقابل الدية.


محمد مالك درامي


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.20 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.53%)]