
13-02-2023, 06:06 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,689
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (406)
صــ 408 إلى صــ 422
7053 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، [ ص: 408 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " يلقون أقلامهم ، زكريا وأصحابه ، استهموا بأقلامهم على مريم حين دخلت عليهم .
7054 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
7055 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون " كانت مريم ابنة إمامهم وسيدهم ، فتشاح عليها بنو إسرائيل ، فاقترعوا فيها بسهامهم أيهم يكفلها ، فقرعهم زكريا ، وكان زوج أختها ، " فكفلها زكريا " يقول : ضمها إليه .
7056 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " يلقون أقلامهم " قال : تساهموا على مريم أيهم يكفلها ، فقرعهم زكريا .
7057 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم " وإن مريم لما وضعت في المسجد ، اقترع عليها أهل المصلى وهم يكتبون الوحي ، فاقترعوا بأقلامهم أيهم يكفلها ، فقال الله - عز وجل - لمحمد - صلى الله عليه وسلم - : " وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون " .
7058 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد [ ص: 409 ] قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم " اقترعوا بأقلامهم أيهم يكفل مريم ، فقرعهم زكريا .
7059 - حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم " قال : حيث اقترعوا على مريم ، وكان غيبا عن محمد - صلى الله عليه وسلم - حين أخبره الله .
وإنما قيل : " أيهم يكفل مريم " لأن إلقاء المستهمين أقلامهم على مريم ، إنما كان لينظروا أيهم أولى بكفالتها وأحق . ففي قوله - عز وجل - : " إذ يلقون أقلامهم " دلالة على محذوف من الكلام ، وهو : " لينظروا أيهم يكفل ، وليتبينوا ذلك ويعلموه " .
فإن ظن ظان أن الواجب في " أيهم " النصب ، إذ كان ذلك معناه ، فقد ظن خطأ . وذلك أن " النظر " و " التبين " و " العلم " مع " أي " يقتضي استفهاما واستخبارا ، وحظ " أي " في الاستخبار ، الابتداء وبطول عمل المسألة والاستخبار عنه . وذلك أن معنى قول القائل : " لأنظرن أيهم قام " لأستخبرن الناس : أيهم قام ، وكذلك قولهم : " لأعلمن " .
وقد دللنا فيما مضى قبل أن معنى " يكفل " يضم ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
[ ص: 410 ] القول في تأويل قوله ( وما كنت لديهم إذ يختصمون ( 44 ) )
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وما كنت ، يا محمد ، عند قوم مريم ، إذ يختصمون فيها أيهم أحق بها وأولى .
وذلك من الله - عز وجل - ، وإن كان خطابا لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ، فتوبيخ منه - عز وجل - للمكذبين به من أهل الكتابين . يقول : كيف يشك أهل الكفر بك منهم وأنت تنبئهم هذه الأنباء ولم تشهدها ، ولم تكن معهم يوم فعلوا هذه الأمور ، ولست ممن قرأ الكتب فعلم نبأهم ، ولا جالس أهلها فسمع خبرهم ؟
كما : -
7060 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " وما كنت لديهم إذ يختصمون " أي ما كنت معهم إذ يختصمون فيها . يخبره بخفي ما كتموا منه من العلم عندهم ، لتحقيق نبوته والحجة عليهم لما يأتيهم به مما أخفوا منه .
القول في تأويل قوله ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم )
قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " إذ قالت الملائكة " وما كنت لديهم إذ يختصمون ، وما كنت لديهم أيضا إذ قالت الملائكة : يا مريم إن الله يبشرك . [ ص: 411 ]
" والتبشير " إخبار المرء بما يسره من خبر .
وقوله : " بكلمة منه " يعني برسالة من الله وخبر من عنده ، وهو من قول القائل : " ألقى فلان إلي كلمة سرني بها " بمعنى : أخبرني خبرا فرحت به ، كما قال - جل ثناؤه - : ( وكلمته ألقاها إلى مريم ) [ سورة النساء : 171 ] ، يعني : بشرى الله مريم بعيسى ، ألقاها إليها .
فتأويل الكلام : وما كنت ، يا محمد ، عند القوم إذ قالت الملائكة لمريم : يا مريم إن الله يبشرك ببشرى من عنده ، هي ولد لك اسمه المسيح عيسى ابن مريم .
وقد قال قوم - وهو قول قتادة - : إن " الكلمة " التي قال الله - عز وجل - : " بكلمة منه " هو قوله : " كن " .
7061 - حدثنا بذلك الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : " بكلمة منه " قال : قوله : " كن " .
فسماه الله - عز وجل - " كلمته " لأنه كان عن كلمته ، كما يقال لما قدر الله من شيء : " هذا قدر الله وقضاؤه " يعني به : هذا عن قدر الله وقضائه حدث ، وكما قال - جل ثناؤه - : ( وكان أمر الله مفعولا ) [ سورة النساء : 47 - سورة الأحزاب : 37 ] ، يعني به : ما أمر الله به ، وهو المأمور [ به ] الذي كان عن أمر الله - عز وجل - . [ ص: 412 ]
وقال آخرون : بل هي اسم لعيسى سماه الله بها ، كما سمى سائر خلقه بما شاء من الأسماء .
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : " الكلمة " هي عيسى .
7062 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه " قال : عيسى هو الكلمة من الله .
قال أبو جعفر : وأقرب الوجوه إلى الصواب عندي ، القول الأول . وهو أن الملائكة بشرت مريم بعيسى عن الله - عز وجل - برسالته وكلمته التي أمرها أن تلقيها إليها : أن الله خالق منها ولدا من غير بعل ولا فحل ، ولذلك قال - عز وجل - : " اسمه المسيح " فذكر ، ولم يقل : " اسمها " فيؤنث ، و " الكلمة " مؤنثة ، لأن " الكلمة " غير مقصود بها قصد الاسم الذي هو بمعنى " فلان " وإنما هي بمعنى البشارة ، فذكرت كنايتها كما تذكر كناية " الذرية " و " الدابة " والألقاب ، على ما قد بيناه قبل فيما مضى .
فتأويل ذلك كما قلنا آنفا ، من أن معنى ذلك : إن الله يبشرك ببشرى ثم بين عن البشرى أنها ولد اسمه المسيح .
وقد زعم بعض نحويي البصرة أنه إنما ذكر فقال : " اسمه المسيح " وقد قال : " بكلمة منه " و " الكلمة " عنده هي عيسى لأنه في المعنى كذلك ، كما قال - جل ثناؤه - : ( أن تقول نفس يا حسرتا ) ، ثم قال ( بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها ) [ سورة الزمر : 56 - 59 ] ، وكما يقال : " ذو الثدية " ، لأن يده [ ص: 413 ] كانت قصيرة قريبة من ثدييه ، فجعلها كأن اسمها " ثدية " ولولا ذلك لم تدخل " الهاء " في التصغير .
وقال بعض نحويي الكوفة نحو قول من ذكرنا من نحويي البصرة : في أن " الهاء " من ذكر " الكلمة " وخالفه في المعنى الذي من أجله ذكر قوله " اسمه " و " الكلمة " متقدمة قبله . فزعم أنه إنما قيل : " اسمه " وقد قدمت " الكلمة " ولم يقل : " اسمها " لأن من شأن العرب أن تفعل ذلك فيما كان من النعوت والألقاب والأسماء التي لم توضع لتعريف المسمى به ، ك " فلان " و " فلان " وذلك ، مثل " الذرية " و " الخليفة " و " الدابة " ولذلك جاز عنده أن يقال : " ذرية طيبة " و " ذرية طيبا " ولم يجز أن يقال : " طلحة أقبلت ومغيرة قامت " .
وأنكر بعضهم اعتلال من اعتل في ذلك ب " ذي الثدية " وقالوا : إنما أدخلت " الهاء " في " ذي الثدية " لأنه أريد بذلك القطعة من الثدي ، كما قيل : " كنا في لحمة ونبيذة " يراد به القطعة منه . وهذا القول نحو قولنا الذي قلناه في ذلك .
وأما قوله : " اسمه المسيح عيسى ابن مريم " ، فإنه - جل ثناؤه - أنبأ عباده عن نسبة عيسى ، وأنه ابن أمه مريم ، ونفى بذلك عنه ما أضاف إليه الملحدون في الله - جل ثناؤه - من النصارى ، من إضافتهم بنوته إلى الله - عز وجل - ، وما قرفت أمه به المفترية عليها من اليهود ، كما : - [ ص: 414 ]
7063 - حدثني به ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين " أي : هكذا كان أمره ، لا ما يقولون فيه .
وأما " المسيح " ، فإنه " فعيل " صرف من " مفعول " إلى " فعيل " وإنما هو " ممسوح " يعني : مسحه الله فطهره من الذنوب ، ولذلك قال إبراهيم : " المسيح " الصديق . . .
7064 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم مثله .
7065 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم مثله .
وقال آخرون : مسح بالبركة .
7066 - حدثنا ابن البرقي قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال : قال سعيد : إنما سمي " المسيح " ، لأنه مسح بالبركة .
[ ص: 415 ] القول في تأويل قوله ( وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ( 45 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله " وجيها " ذا وجه ومنزلة عالية عند الله ، وشرف وكرامة . ومنه يقال للرجل الذي يشرف وتعظمه الملوك والناس " وجيه " يقال منه : " ما كان فلان وجيها ، ولقد وجه وجاهة " " وإن له لوجها عند السلطان وجاها ووجاهة " و " الجاه " مقلوب ، قلبت ، واوه من أوله إلى موضع العين منه ، فقيل : " جاه " وإنما هو " وجه " و " فعل " من الجاه : " جاه يجوه " . مسموع من العرب : " أخاف أن يجوهني بأكثر من هذا " بمعنى : أن يستقبلني في وجهي بأعظم منه .
وأما نصب " الوجيه " فعلى القطع من " عيسى " ، لأن " عيسى " معرفة ، و " وجيه " نكرة ، وهو من نعته . ولو كان مخفوضا على الرد على " الكلمة " كان جائزا .
وبما قلنا من أن تأويل ذلك : وجيها في الدنيا والآخرة عند الله قال : فيما بلغنا ، محمد بن جعفر .
7067 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " وجيها " قال : وجيها في الدنيا والأخرة عند الله .
وأما قوله : " ومن المقربين " فإنه يعني أنه ممن يقربه الله يوم القيامة ، فيسكنه في جواره ويدنيه منه ، كما : - [ ص: 416 ]
7068 - حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ومن المقربين " يقول : من المقربين عند الله يوم القيامة .
7069 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ومن المقربين " يقول : من المقربين عند الله يوم القيامة .
7070 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .
القول في تأويل قوله ( ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين ( 46 ) )
قال أبو جعفر : وأما قوله : " ويكلم الناس في المهد " فإن معناه : إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ، وجيها عند الله ، ومكلما الناس في المهد .
ف " يكلم " وإن كان مرفوعا ، لأنه في صورة " يفعل " بالسلامة من العوامل فيه ، فإنه في موضع نصب ، وهو نظير قول الشاعر :
بت أعشيها بعضب باتر يقصد في أسوقها وجائر [ ص: 417 ]
وأما " المهد " فإنه يعني به : مضجع الصبي في رضاعه ، كما : -
7071 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : " ويكلم الناس في المهد " قال : مضجع الصبي في رضاعه .
وأما قوله : " وكهلا " فإنه : ومحتنكا فوق الغلومة ، ودون الشيخوخة ، يقال منه : " رجل كهل وامرأة كهلة " كما قال الراجز :
ولا أعود بعدها كريا أمارس الكهلة والصبيا
[ ص: 418 ]
وإنما عنى - جل ثناؤه - بقوله : " ويكلم الناس في المهد وكهلا " ويكلم الناس طفلا في المهد دلالة على براءة أمه مما قرفها به المفترون عليها ، وحجة له على نبوته وبالغا كبيرا بعد احتناكه ، بوحي الله الذي يوحيه إليه ، وأمره ونهيه ، وما ينزل عليه من كتابه .
وإنما أخبر الله - عز وجل - عباده بذلك من أمر المسيح ، وأنه كذلك كان ، وإن كان الغالب من أمر الناس أنهم يتكلمون كهولا وشيوخا احتجاجا به على القائلين فيه من أهل الكفر بالله من النصارى الباطل ، وأنه كان [ منذ أنشأه ] مولودا طفلا ثم كهلا يتقلب في الأحداث ، ويتغير بمرور الأزمنة عليه والأيام ، من صغر إلى كبر ، ومن حال إلى حال وأنه لو كان ، كما قال الملحدون فيه ، كان ذلك غير جائز عليه . فكذب بذلك ما قاله الوفد من أهل نجران الذين حاجوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه ، واحتج به عليهم [ ص: 419 ] لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأعلمهم أنه كان كسائر بني آدم ، إلا ما خصه الله به من الكرامة التي أبانه بها منهم ، كما : -
7072 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين " : يخبرهم بحالاته التي يتقلب بها في عمره ، كتقلب بني آدم في أعمارهم صغارا وكبارا ، إلا أن الله خصه بالكلام في مهده آية لنبوته ، وتعريفا للعباد مواقع قدرته .
7073 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين " يقول : يكلمهم صغيرا وكبيرا .
7074 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " ويكلم الناس في المهد وكهلا " قال : يكلمهم صغيرا وكبيرا .
7075 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وكهلا ومن الصالحين " قال : الكهل الحليم .
7076 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : كلمهم صغيرا وكبيرا وكهلا وقال ابن جريج ، وقال مجاهد : الكهل الحليم .
7077 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " ويكلم الناس في المهد وكهلا " قال : كلمهم في المهد صبيا ، وكلمهم كبيرا . [ ص: 420 ]
وقال آخرون : معنى قوله : " وكهلا " ، أنه سيكلمهم إذا ظهر .
ذكر من قال ذلك :
7078 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعته - يعني ابن زيد - يقول في قوله : " ويكلم الناس في المهد وكهلا " قال : قد كلمهم عيسى في المهد ، وسيكلمهم إذا قتل الدجال ، وهو يومئذ كهل .
ونصب " كهلا " عطفا على موضع " ويكلم الناس " .
وأما قوله : " ومن الصالحين " فإنه يعني : من عدادهم وأوليائهم ، لأن أهل الصلاح بعضهم من بعض في الدين والفضل .
القول في تأويل قوله ( قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( 47 ) )
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - ، قالت مريم إذ قالت لها الملائكة أن الله يبشرك بكلمة منه : " رب أنى يكون لي ولد " من أي وجه يكون لي ولد ؟ أمن قبل زوج أتزوجه وبعل أنكحه ، أم تبتدئ في خلقه من غير بعل ولا فحل ، ومن غير أن يمسني بشر ؟ فقال الله لها " كذلك الله يخلق ما يشاء " يعني : هكذا يخلق الله منك ولدا لك من غير أن يمسك بشر ، فيجعله آية للناس وعبرة ، فإنه يخلق ما يشاء ويصنع ما يريد ، فيعطي الولد [ ص: 421 ] من يشاء من غير فحل ومن فحل ، ويحرم ذلك من يشاء من النساء وإن كانت ذات بعل ، لأنه لا يتعذر عليه خلق شيء أراد خلقه ، إنما هو أن يأمر إذا أراد شيئا ما أراد [ خلقه ] فيقول له : " كن فيكون " ما شاء ، مما يشاء ، وكيف شاء ، كما : -
7079 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء " يصنع ما أراد ، ويخلق ما يشاء ، من بشر أو غير بشر " إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن " مما يشاء وكيف يشاء " فيكون " ما أراد .
القول في تأويل قوله ( ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ( 48 ) )
قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قرأة الحجاز والمدينة وبعض قرأة الكوفيين : ( ويعلمه ) بالياء ، ردا على قوله : " كذلك الله يخلق ما يشاء " " ويعلمه الكتاب " فألحقوا الخبر في قوله : " ويعلمه " بنظير الخبر في قوله : " يخلق ما يشاء " وقوله : " فإنما يقول له كن فيكون " . [ ص: 422 ]
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين وبعض البصريين : ( ونعلمه ) بالنون ، عطفا به على قوله : " نوحيه إليك " كأنه قال : " ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك " " ويعلمه الكتاب " . وقالوا : ما بعد " نوحيه " في صلته إلى قوله : " كن فيكون " ثم عطف بقوله : " ونعلمه " عليه .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مختلفتان ، غير مختلفتي المعاني ، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب الصواب في ذلك ، لاتفاق معنى القراءتين ، في أنه خبر عن الله بأنه يعلم عيسى الكتاب ، وما ذكر أنه يعلمه .
وهذا ابتداء خبر من الله - عز وجل - لمريم ما هو فاعل بالولد الذي بشرها به من الكرامة ورفعة المنزلة والفضيلة ، فقال : كذلك الله يخلق منك ولدا ، من غير فحل ولا بعل ، فيعلمه الكتاب ، وهو الخط الذي يخطه بيده والحكمة ، وهي السنة التي يوحيها إليه في غير كتاب والتوراة ، وهي التوراة التي أنزلت على موسى ، كانت فيهم من عهد موسى والإنجيل ، إنجيل عيسى ولم يكن قبله ، ولكن الله أخبر مريم قبل خلق عيسى أنه موحيه إليه .
وإنما أخبرها بذلك فسماه لها ، لأنها قد كانت علمت فيما نزل من الكتب أن الله باعث نبيا ، يوحى إليه كتابا اسمه الإنجيل ، فأخبرها الله - عز وجل - أن ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي سمعت بصفته الذي وعد أنبياءه من قبل أنه منزل عليه الكتاب الذي يسمى إنجيلا هو الولد الذي وهبه لها وبشرها به .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|