عرض مشاركة واحدة
  #435  
قديم 06-02-2023, 10:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,047
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الرُّومِ
الحلقة (435)
صــ 301 إلى صــ 310




والذي [ ص: 301 ] أشار إليه الزجاج أصح، وإليه ذهب ابن قتيبة ، فقال: فرق ما بيننا وبين أهل القدر في هذا الحديث، أن الفطرة عندهم: الإسلام، والفطرة عندنا: الإقرار بالله والمعرفة به، لا الإسلام، ومعنى الفطرة: ابتداء الخلقة، والكل أقروا حين قوله: ألست بربكم؟ قالوا بلى [الأعراف: 172] ولست واجدا أحدا إلا وهو مقر بأن له صانعا ومدبرا وإن عبد شيئا دونه وسماه بغير اسمه; فمعنى الحديث: إن كل مولود في العالم على ذلك العهد وذلك الإقرار الأول، وهو للفطرة، ثم يهود اليهود أبناءهم، أي: يعلمونهم ذلك، وليس الإقرار الأول مما يقع به حكم ولا ثواب; وقد ذكر نحو هذا أبو بكر الأثرم، واستدل عليه بأن الناس أجمعوا على أنه لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، ثم أجمعوا على أن اليهودي إذا مات له ولد صغير ورثه، وكذلك النصراني والمجوسي، ولو كان معنى الفطرة الإسلام، ما ورثه إلا المسلمون، ولا دفن إلا معهم; وإنما أراد بقوله عليه السلام: " كل مولود يولد على الفطرة " أي: على تلك البداية التي أقروا له فيها بالوحدانية حين أخذهم من صلب آدم، فمنهم من جحد ذلك بعد إقراره . ومثل هذا الحديث [ ص: 302 ] حديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء " ، وذلك أنه لم يدعهم يوم الميثاق إلا إلى حرف واحد، فأجابوه .

قوله تعالى: لا تبديل لخلق الله لفظه لفظ النفي ، ومعناه النهي; والتقدير: لا تبدلوا خلق الله . وفيه قولان . أحدهما: أنه خصاء البهائم، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه . والثاني: دين الله، قاله مجاهد ، وسعيد بن جبير، وقتادة، والنخعي في آخرين . وعن ابن عباس وعكرمة كالقولين .

قوله تعالى: ذلك الدين القيم يعني التوحيد المستقيم ولكن أكثر الناس يعني كفار مكة لا يعلمون توحيد الله .

[ ص: 303 ] قوله تعالى: منيبين إليه قال الزجاج: زعم جميع النحويين أن معنى هذا: فأقيموا وجوهكم منيبين، لأن مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم تدخل معه فيها الأمة ومعنى " منيبين " : راجعين إليه في كل ما أمر، فلا يخرجون عن شيء من أمره . وما بعد هذا قد سبق تفسيره [البقرة: 3، الأنعام: 159] إلى قوله: وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة وفيه قولان . أحدهما: أنه القحط، والرحمة: المطر . والثاني: أنه البلاء، والرحمة: العافية، إذا فريق منهم وهم المشركون . والمعنى: أن الكل يلتجؤون إليه في شدائدهم، ولا يلتفت المشركون حينئذ إلى أوثانهم .

قوله تعالى: ليكفروا بما آتيناهم قد شرحناه في آخر (العنكبوت: 67)، وقوله: فتمتعوا خطاب لهم بعد الإخبار عنهم .

قوله تعالى: أم أنزلنا عليهم أي: على هؤلاء المشركين سلطانا أي: حجة وكتابا من السماء فهو يتكلم بما كانوا به يشركون أي: يأمرهم بالشرك؟! وهذا استفهام إنكار، معناه: ليس الأمر كذلك .

قوله تعالى: وإذا أذقنا الناس قال مقاتل: يعني كفار مكة رحمة وهي المطر . والسيئة: الجوع والقحط . وقال ابن قتيبة : الرحمة: النعمة، والسيئة: المصيبة . قال المفسرون: وهذا الفرح المذكور هاهنا، هو فرح البطر الذي لا شكر فيه، والقنوط: اليأس من فضل الله، وهو خلاف وصف المؤمن، فإنه يشكر عند النعمة، ويرجو عند الشدة; وقد شرحناه في (بني إسرائيل: 26) إلى قوله: ذلك يعني إعطاء الحق خير أي: أفضل من الإمساك للذين يريدون وجه الله أي: يطلبون بأعمالهم ثواب الله .
[ ص: 304 ] وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون . الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون

قوله تعالى: وما آتيتم من ربا في هذه الآية أربعة أقوال .

أحدها: أن الربا هاهنا: أن يهدي الرجل للرجل الشيء يقصد أن يثيبه عليه أكثر من ذلك، هذا قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وطاووس، [والضحاك]، وقتادة، والقرظي . قال الضحاك: فهذا ليس فيه أجر ولا وزر . وقال قتادة: ذلك الذي لا يقبله الله ولا يجزي به . وليس فيه وزر .

والثاني: أنه الربا المحرم، قاله الحسن البصري .

والثالث : أن الرجل يعطي قرابته المال ليصير به غنيا، لا يقصد بذلك ثواب الله تعالى، قاله إبراهيم النخعي .

والرابع : أنه الرجل يعطي من يخدمه لأجل خدمته، لا لأجل الله تعالى، قاله الشعبي .

قوله تعالى: ليربو في أموال الناس وقرأ نافع، ويعقوب: [ " لتربو " ] بالتاء وسكون الواو، أي: [في] اجتلاب أموال الناس، واجتذابها فلا يربو عند الله أي: لا يزكو ولا يضاعف، لأنكم قصدتم زيادة العوض، ولم تقصدوا القربة .

وما آتيتم من زكاة أي: ما أعطيتم من صدقة لا تطلبون بها المكافأة، [ ص: 305 ] إنما تريدون بها ما عند الله، فأولئك هم المضعفون قال ابن قتيبة : الذين يجدون التضعيف والزيادة . وقال الزجاج: أي: ذوو الأضعاف من الحسنات، كما يقال: رجل مقو، أي: صاحب قوة، وموسر: صاحب يسار .
ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون . قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون

قوله تعالى:

ظهر الفساد في البر والبحر في هذا الفساد أربعة أقوال . أحدها: نقصان البركة، قاله ابن عباس . والثاني: ارتكاب المعاصي، قاله أبو العالية . والثالث: الشرك، قاله قتادة، والسدي . والرابع: قحط المطر، قاله عطية .

فأما البر . فقال ابن عباس: البر: البرية التي ليس عندها نهر .

وفي البحر قولان .

أحدهما: أنه ما كان من المدائن والقرى على شط نهر، قاله ابن عباس . وقال عكرمة: لا أقول: بحركم هذا، ولكن كل قرية عامرة . وقال قتادة: المراد بالبر: أهل البوادي، وبالبحر: أهل القرى . وقال الزجاج: المراد بالبحر: مدن البحر على الأنهار، وكل ذي ماء فهو بحر .

والثاني: أن البحر: الماء المعروف . قال مجاهد: ظهور الفساد في البر: قتل [ ص: 306 ] ابن آدم أخاه، وفي البحر: ملك جائر يأخذ كل سفينة غصبا . وقيل لعطية: أي فساد في البحر؟ فقال: إذا قل المطر قل الغوص .

قوله تعالى: بما كسبت أيدي الناس أي: بما عملوا من المعاصي ليذيقهم وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وعكرمة، وقتادة، وابن محيصن، وروح [عن يعقوب]، وقنبل عن ابن كثير: " لنذيقهم " بالنون بعض الذي عملوا أي: جزاء بعض أعمالهم; فالقحط جزاء، ونقصان البركة جزاء، ووقوع المعصية منهم جزاء معجل لمعاصيهم أيضا .

قوله تعالى: لعلهم يرجعون في المشار إليهم قولان .

أحدهما: أنهم الذين أذيقوا الجزاء . ثم في معنى رجوعهم قولان . أحدهما: يرجعون عن المعاصي، قاله أبو العالية . والثاني: يرجعون إلى الحق، قاله إبراهيم .

والثاني: أنهم الذين يأتون بعدهم; فالمعنى: لعله يرجع من بعدهم، قاله الحسن .

قوله تعالى: قل سيروا في الأرض أي: سافروا فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل أي: الذين كانوا قبلكم; والمعنى: انظروا إلى مساكنهم وآثارهم كان أكثرهم مشركين المعنى: فأهلكوا بشركهم .

[ ص: 307 ] فأقم وجهك للدين أي: أقم قصدك لاتباع الدين القيم وهو الإسلام المستقيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يعني [يوم] القيامة لا يقدر أحد على رد ذلك اليوم، لأن الله تعالى قد قضى كونه يومئذ يصدعون أي: يتفرقون إلى الجنة والنار .
من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون . ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين .

من كفر فعليه كفره أي: جزاء كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون أي: يوطئون . وقال مجاهد: يسوون المضاجع في القبور، قال أبو عبيدة: " من " يقع على الواحد والاثنين والجمع من المذكر والمؤنث، ومجازها هاهنا مجاز الجميع، و " يمهد " بمعنى يكتسب ويعمل ويستعد .
ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين .

قوله تعالى: ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات تبشر بالمطر [ ص: 308 ] وليذيقكم من رحمته وهو الغيث والخصب ولتجري الفلك في البحر بتلك الرياح بأمره ولتبتغوا بالتجارة في البحر من فضله وهو الرزق; وكل هذا بالرياح .

قوله تعالى: فجاءوهم بالبينات أي: بالدلالات على صدقهم فانتقمنا من الذين أجرموا أي: عذبنا الذين كذبوهم وكان حقا علينا أي: واجبا هو أوجبه على نفسه نصر المؤمنين إنجاؤهم مع الرسل من عذاب المكذبين .
الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون . وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير . ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين . وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير . ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث [ ص: 309 ] فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون . فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون

قوله تعالى: يرسل الرياح وقرأ ابن مسعود ، وأبو رجاء ، والنخعي، وطلحة بن مصرف، والأعمش: " يرسل الريح " بغير ألف .

قوله تعالى: فتثير سحابا أي: تزعجه فيبسطه الله في السماء كيف يشاء إن شاء بسطه مسيرة يوم أو يومين أو أقل أو أكثر ويجعله كسفا أي: قطعا متفرقة . والأكثرون فتحوا سين " كسفا " ; وقرأ أبو رزين، وقتادة، وابن عامر، وأبو جعفر، وابن أبي عبلة : بتسكينها; قال أبو علي: يمكن أن يكون مثل سدرة وسدر، فيكون معنى القراءتين واحدا فترى الودق يخرج من خلاله وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس، ومجاهد، وأبو العالية: " من خلله " ; وقد شرحناه في (النور: 43) فإذا أصاب به أي: بالودق; ومعنى يستبشرون يفرحون بالمطر، وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم المطر من قبله وفي هذا التكرير ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه للتأكيد، كقوله: فسجد الملائكة كلهم أجمعون [الحجر: 30]، قاله الأخفش في آخرين .

والثاني: أن " قبل " الأولى للتنزيل، والثانية للمطر، قاله قطرب . قال ابن الأنباري: والمعنى: من قبل نزول المطر، من قبل المطر، وهذا مثلما يقول القائل: آتيك من قبل أن تتكلم، من قبل أن تطمئن في مجلسك، فلا تنكر الإعادة، لاختلاف الشيئين .

والثالث : أن الهاء في قوله: من قبله ترجع إلى الهدى وإن لم يتقدم له ذكر، فيكون المعنى: كانوا يقنطون من قبل نزول المطر، من قبل الهدى، [ ص: 310 ] فلما جاء الهدى والإسلام زال القنوط، ذكره ابن الأنباري عن أبي عمر الدوري وأبي جعفر بن قادم . والمبلسون: الآيسون وقد سبق الكلام في هذا [الأنعام: 44] .

فانظر إلى آثار رحمت الله قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم: " إلى أثر " . وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: " إلى آثار " على الجمع والمراد بالرحمة هاهنا: المطر، وأثرها: النبت; والمعنى: انظر إلى حسن تأثيره في الأرض كيف يحيي الأرض أي: كيف يجعلها تنبت بعد أن لم يكن فيها نبت . وقرأ عثمان بن عفان، وأبو رجاء ، وأبو عمران الجوني، وسليمان التيمي . " كيف تحيي " بتاء مرفوعة مكسورة الياء " الأرض " بفتح الضاد .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.43%)]