عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 03-02-2023, 11:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السابع
الحلقة (466)
سُورَةُ الشُّورَى
صـ 35 إلى صـ 42


وقد [ ص: 35 ] قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة " النمل " في الكلام على قوله - تعالى - : بل ادارك علمهم في الآخرة [ 27 \ 66 ] .

ومعلوم أن الظن يطلق في لغة العرب التي نزل بها القرآن على معنيين : أحدهما : الشك ، كقوله وإن الظن لا يغني من الحق شيئا [ 53 \ 28 ] . وقوله - تعالى - عن الكفار : إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين [ 45 \ 32 ] .

والثاني : هو إطلاق الظن مرادا به العلم واليقين ، ومنه قوله - تعالى - هنا : وظنوا ما لهم من محيص [ 41 \ 48 ] أي أيقنوا أنهم ليس لهم يوم القيامة محيص ، أي لا مفر ولا مهرب لهم من عذاب ربهم ، ومنه بهذا المعنى قوله - تعالى - : ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها [ 18 \ 53 ] أي أيقنوا ذلك وعلموه ، وقوله - تعالى - : الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون [ 2 \ 46 ] . وقوله - تعالى - : قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله [ 2 \ 249 ] . وقوله - تعالى - : فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه [ 69 \ 19 - 20 ] . فالظن في الآيات المذكورة كلها بمعنى اليقين .

ونظير ذلك من كلام العرب قول دريد بن الصمة :
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد


وقول عميرة بن طارق :
بأن تغتزوا قومي وأقعد فيكم وأجعل مني الظن غيبا مرجما


والظن في البيتين المذكورين بمعنى اليقين ، والفعل القلبي في الآية المذكورة التي هي قوله : وظنوا ما لهم من محيص معلق عن العمل في المفعولين بسبب النفي بلفظة ( ما ) في قوله : ما لهم من محيص كما أشار له في الخلاصة بقوله :
والتزم التعليق قبل نفي " ما
"قوله - تعالى - : ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى .

[ ص: 36 ] قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الكهف " في الكلام على قوله - تعالى - : ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا [ 18 \ 36 ] .قوله - تعالى - : وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض .

قد قدمنا الآيات الموضحة له وبعض الأحاديث الصحيحة الموافقة لها في سورة " يونس " في الكلام على قوله - تعالى - : وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه [ 10 \ 12 ] .قوله - تعالى - : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم الآية .

قد قدمنا الكلام عليه في سورة " المؤمن " في الكلام على قوله - تعالى - : هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا الآية [ 40 \ 13 ] .قوله - تعالى - : ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم .

المرية : الشك . وما تضمنته هذه الآية الكريمة من شك الكفار في البعث والجزاء - قد قدمنا الآيات الموضحة له ، ولما يترتب عليه من الخلود في النار في سورة " الفرقان " في الكلام على قوله - تعالى - : بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا [ 25 \ 11 ] .[ ص: 37 ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ الشُّورَى قَوْلُهُ - تَعَالَى - : حم عسق كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .

قَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ " هُودٍ " .

وَقَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ أَيْ مِثْلَ ذَلِكَ الْوَحْيِ ، أَوْ مِثْلَ ذَلِكَ الْكِتَابِ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الرُّسُلِ مِنْ قَبِلَكَ اللَّهُ .

يَعْنِي أَنَّ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ السُّورَةُ مِنَ الْمَعَانِي قَدْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْكَ مِثْلَهُ فِي غَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ ، وَأَوْحَاهُ مِنْ قَبْلِكَ إِلَى رُسُلِهِ ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - كَرَّرَ هَذِهِ الْمَعَانِيَ فِي الْقُرْآنِ ، وَفِي جَمِيعِ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ ، لِمَا فِيهَا مِنَ التَّنْبِيهِ الْبَلِيغِ ، وَاللُّطْفِ الْعَظِيمِ ، لِعِبَادِهِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ . اهـ مِنْهُ .

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي قَوْلِهِ : ( كَذَلِكَ يُوحِي ) بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُوحَى بِاسْمِ الْمَفْعُولِ .

وَالْأَظْهَرُ أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ الَّذِي هُوَ الْإِيحَاءُ .

وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَمْ يُصَرِّحْ هُنَا بِشَيْءٍ مِنْ أَسْمَاءِ الَّذِينَ فِي قَبْلِهِ الَّذِينَ أَوْحَى إِلَيْهِمْ ، كَمَا أَوْحَى إِلَيْهِ ، وَلَكِنَّهُ قَدْ بَيَّنَ أَسْمَاءَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ فِي سُورَةِ " النِّسَاءِ " ، وَبَيَّنَ فِيهَا أَنَّ بَعْضَهُمْ لَمْ يَقْصُصْ خَبَرَهُمْ عَلَيْهِ ، وَأَنَّهُ أَوْحَى إِلَيْهِمْ وَأَرْسَلَهُمْ لِقَطْعِ حُجَجِ الْخَلْقِ فِي دَارِ الدُّنْيَا ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - : إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [ ص: 38 ] [ 4 \ 163 - 165 ] .

وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - : اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِيهِ الثَّنَاءَ عَلَى نَفْسِهِ بِاسْمِهِ الْعَزِيزِ وَاسْمِهِ الْحَكِيمِ بَعْدَ ذِكْرِهِ إِنْزَالَهُ وَحْيَهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ ، كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ " النِّسَاءِ " الْمَذْكُورَةِ : وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا بَعْدَ ذِكْرِهِ إِيحَاءَهُ إِلَى رُسُلِهِ .

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ " الزُّمَرِ " أَنَّ اسْتِقْرَاءَ الْقُرْآنِ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَعَلَا - إِذَا ذَكَرَ تَنْزِيلَهُ لِكِتَابِهِ أَتْبَعَ ذَلِكَ بَعْضَ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا ، وَذَكَرْنَا كَثِيرًا مِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ .

وَقَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ عَامَّةُ السَّبْعَةِ غَيْرَ ابْنِ كَثِيرٍ : ( يُوحِي ) بِكَسْرِ الْحَاءِ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ ، وَعَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ هَذِهِ فَقَوْلُهُ : ( اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) - فَاعِلُ يُوحِي .

وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ ( يُوحَى إِلَيْكَ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ ، فَقَوْلُهُ : ( اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فَاعِلُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ يُوحَى ، كَمَا قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ فِي سُورَةِ " النُّورِ " فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى - : يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ [ 24 \ 36 - 37 ] .

وَقَدْ قَدَّمْنَا مَعَانِيَ الْوَحْيِ مَعَ الشَّوَاهِدِ الْعَرَبِيَّةِ فِي سُورَةِ " النَّحْلِ " فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى - : وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [ 16 \ 68 ] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ .قوله - تعالى - : وهو العلي العظيم .

وصف نفسه - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة بالعلو والعظمة ، وهما من الصفات الجامعة كما قدمناه في سورة " الأعراف " في الكلام على قوله - تعالى - : ثم استوى على العرش [ 7 \ 54 ] .

وما تضمنته هذه الآية الكريمة من وصفه - تعالى - نفسه بهاتين الصفتين الجامعتين المتضمنتين لكل كمال وجلال - جاء مثله في آيات أخر ، كقوله - تعالى - : ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم [ 2 \ 255 ] . وقوله - تعالى - : إن الله كان عليا كبيرا [ 4 \ 34 ] . وقوله - تعالى - : عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال [ 13 \ 9 ] . وقوله - تعالى - : وله الكبرياء في السماوات والأرض الآية [ 45 \ 37 ] . إلى غير ذلك من الآيات .[ ص: 39 ] قوله - تعالى - : تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض .

قرأ هذا الحرف عامة السبعة غير نافع والكسائي ( تكاد ) بالتاء الفوقية ; لأن السماوات مؤنثة ، وقرأه نافع والكسائي ( يكاد ) بالياء التحتية لأن تأنيث السماوات غير حقيقي .

وقرأه عامة السبعة غير أبي عمرو ، وشعبة عن عاصم ( يتفطرن ) بتاء مثناة فوقية مفتوحة بعد الياء وفتح الطاء المشددة ، مضارع تفطر ، أي تشقق .

وقرأه أبو عمرو وشعبة عن عاصم ( ينفطرن ) بنون ساكنة بعد الياء وكسر الطاء المخففة ، مضارع انفطرت ، كقوله : إذا السماء انفطرت [ 82 \ 1 ] أي انشقت .

وقوله : تكاد ، مضارع كاد ، التي هي فعل مقاربة ، ومعلوم أنها تعمل في المبتدإ والخبر ، ومعنى كونها فعل مقاربة ، أنها تدل على قرب اتصاف المبتدإ بالخبر .

وإذا ، فمعنى الآية أن السماوات قاربت أن تتصف بالتفطر على القراءة الأولى ، والانفطار على القراءة الثانية .

واعلم أن سبب مقاربة السماوات للتفطر في هذه الآية الكريمة - فيه للعلماء وجهان كلاهما يدل له قرآن : الوجه الأول : أن المعنى : تكاد السماوات يتفطرن خوفا من الله ، وهيبة وإجلالا ، ويدل لهذا الوجه قوله - تعالى - قبله : وهو العلي العظيم [ 42 \ 4 ] ; لأن علوه وعظمته سبب للسماوات ذلك الخوف والهيبة والإجلال ، حتى كادت تتفطر .

وعلى هذا الوجه ، فقوله بعده : والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض مناسبته لما قبله واضحة; لأن المعنى : أن السماوات في غاية الخوف منه - تعالى - والهيبة والإجلال له ، وكذلك سكانها من الملائكة ، فهم ( يسبحون بحمد ربهم ) أي ينزهونه عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله مع إثباتهم له كل كمال وجلال ، خوفا منه وهيبة وإجلالا ، كما قال - تعالى - : ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته [ 13 \ 13 ] . وقال - تعالى - : ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون [ 16 \ 49 - 50 ] .

[ ص: 40 ] فهم لشدة خوفهم من الله وإجلالهم له يسبحون بحمد ربهم ، ويخافون على أهل الأرض ، ولذا يستغفرون لهم خوفا عليهم من سخط الله وعقابه ، ويستأنس لهذا الوجه بقوله - تعالى - : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض إلى قوله : وأشفقن منها [ 33 \ 72 ] ; لأن الإشفاق الخوف .

وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة : ويستغفرون لمن في الأرض يعني لخصوص الذين آمنوا منهم وتابوا إلى الله واتبعوا سبيله ، كما أوضحه - تعالى - بقوله : الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا [ 40 \ 7 ] .

فقوله : للذين آمنوا - يوضح المراد من قوله : لمن في الأرض . \ 5 ويزيد ذلك إيضاحا قوله - تعالى - عنهم أنهم يقولون في استغفارهم للمؤمنين - : فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك [ 40 \ 7 ] لأن ذلك يدل دلالة واضحة على عدم استغفارهم للكفار .

الوجه الثاني : أن المعنى تكاد السماوات يتفطرن من شدة عظم الفرية التي افتراها الكفار على خالق السماوات والأرض - جل وعلا - من كونه اتخذ ولدا - سبحانه وتعالى - عن ذلك علوا كبيرا ، وهذا الوجه جاء موضحا في سورة " مريم " في قوله - تعالى - : وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا [ 19 \ 88 - 93 ] . كما قدمنا إيضاحه .

وغاية ما في هذا الوجه أن آية " الشورى " هذه فيها إجمال في سبب تفطر السماوات ، وقد جاء ذلك موضحا في آية " مريم " المذكورة . وكلا الوجهين حق .

وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة : يتفطرن من فوقهن فيه للعلماء أوجه .

قيل : ( يتفطرن ) ، أي السماوات . ( من فوقهن ) أي الأرضين ، ولا يخفى بعد هذا القول كما ترى .

[ ص: 41 ] وقال بعضهم : ( من فوقهن ) ، أي كل سماء تتفطر فوق التي تليها .

وقال الزمخشري في الكشاف : فإن قلت : لم قال : من فوقهن ؟ قلت : لأن أعظم الآيات وأدلها على الجلال والعظمة فوق السماوات ، وهي : العرش ، والكرسي ، وصفوف الملائكة المرتجة بالتسبيح والتقديس حول العرش ، وما لا يعلم كنهه إلا الله - تعالى - من آثار ملكوته العظمى ، فلذلك قال : يتفطرن من فوقهن أي يبتدئ الانفطار من جهتهن الفوقانية .

أو لأن كلمة الكفر جاءت من الذي تحت السماوات ، فكان القياس أن يقال : يتفطرن من تحتهن من الجهة التي جاءت منها الكلمة ، ولكنه بولغ في ذلك ، فجعلت مؤثرة في وجهة الفوق ، كأنه قيل : يكدن يتفطرن من الجهة التي فوقهن ، دع الجهة التي تحتهن .

ونظيره في المبالغة قوله - عز وجل - : يصب من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم فجعل الحميم مؤثرا في أجزائهم الباطنة . ا هـ محل الغرض منه .

وهذا إنما يتمشى على القول بأن سبب التفطر المذكور هو افتراؤهم على الله في قولهم : اتخذ الرحمن ولدا [ 19 \ 88 ] .

وقد قدمنا آنفا أنه دلت عليه سورة " مريم " المذكورة ، وعليه فمناسبة قوله : والملائكة يسبحون بحمد ربهم لما قبله - أن الكفار وإن قالوا أعظم الكفر وأشنعه ، فإن الملائكة بخلافهم ، فإنهم يداومون ذكر الله وطاعته .

ويوضح ذلك قوله - تعالى - : فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون [ 41 \ 38 ] . وقوله - تعالى - : فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين [ 6 \ 89 ] . كما قدمنا إيضاحه في آخر سورة " فصلت " .



قوله - تعالى - : ألا إن الله هو الغفور الرحيم .

أكد - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة ، أنه هو الغفور الرحيم ، وبين فيها أنه هو وحده المختص بذلك .

[ ص: 42 ] وهذان الأمران اللذان تضمنتهما هذه الآية الكريمة - قد جاءا موضحين في غير هذا الموضع .

أما اختصاصه هو - جل وعلا - بغفران الذنوب ، فقد ذكره في قوله - تعالى - : ومن يغفر الذنوب إلا الله [ 3 \ 135 ] . والمعنى لا يغفر الذنوب إلا الله ، وفي الحديث " رب إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت " الحديث . وفي حديث سيد الاستغفار : " اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني " الحديث . وفيه " وأبوء بذنبي فاغفر لي ; فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " .

ووجه دلالة هذه الآية على أن الله وحده هو الذي يغفر الذنوب - هو أن ضمير الفصل بين المسند والمسند إليه في قوله : ألا إن الله هو الغفور الرحيم يدل على ذلك كما هو معلوم في محله .

وأما الأمر الثاني : هو توكيده - تعالى - أنه هو الغفور الرحيم ; فإنه أكد ذلك هنا بحرف الاستفتاح الذي هو ( ألا ) ، وحرف التوكيد الذي هو ( إن ) . وقد أوضح ذلك في آيات كثيرة ، كقوله - تعالى - : إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم [ 39 \ 53 ] . وقوله - تعالى - : وإني لغفار لمن تاب وآمن الآية [ 20 \ 82 ] . وقوله - تعالى - : إن ربك واسع المغفرة [ 53 \ 32 ] . وقوله في الكفار : قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [ 8 \ 38 ] . وقوله في الذين قالوا : إن الله ثالث ثلاثة : أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم [ 5 \ 74 ] . والآيات بمثل ذلك كثيرة .

فنرجو الله - جل وعلا - الكريم الرءوف الغفور الرحيم - أن يغفر لنا جميع ذنوبنا ، ويتجاوز عن جميع سيئاتنا ، ويدخلنا جنته على ما كان منا ، ويغفر لإخواننا المسلمين ، إنه غفور رحيم .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.81%)]