عرض مشاركة واحدة
  #463  
قديم 03-02-2023, 10:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السادس
الحلقة (461)
سُورَةُ غَافِرٍ
صـ 389 إلى صـ 397



وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : وحاق بآل فرعون سوء العذاب معناه : أنهم لما أرادوا أن يمكروا بهذا المؤمن وقاه الله مكرهم ، ورد العاقبة السيئة عليهم ، فرد سوء مكرهم إليهم ، فكان المؤمن المذكور ناجيا في الدنيا والآخرة ، وكان فرعون وقومه هالكين [ ص: 389 ] في الدنيا والآخرة والبرزخ .

فقال في هلاكهم في الدنيا : وأغرقنا آل فرعون ، وأمثالها من الآيات .

وقال في مصيرهم في البرزخ : النار يعرضون عليها غدوا وعشيا [ 40 \ 46 ] .

وقال في عذابهم في الآخرة : ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [ 40 \ 46 ] .

وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من حيق المكر السيئ بالماكر أوضحه تعالى في قوله : ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله [ 35 \ 43 ] .

والعرب تقول حاق به المكروه يحيق به حيقا وحيوقا ، إذا نزل به وأحاط به ، ولا يطلق إلا على إحاطة المكروه خاصة .

يقال : حاق به السوء والمكروه ، ولا يقال : حاق به الخير ، فمادة الحيق من الأجوف الذي هو يائي العين ، والوصف منه حائق على القياس ، ومنه قول الشاعر :


فأوطأ جرد الخيل عقر ديارهم وحاق بهم من بأس ضبة حائق


وقد قدمنا أن وزن السيئة بالميزان الصرفي فيعلة من السوء ، فأدغمت ياء الفيعلة الزائدة في الواو ، التي هي عين الكلمة ، بعد إبدال الواو ياء على القاعدة التصريفية المشار إليها ، في الخلاصة بقوله :


إن يسكن السابق من واو ويا واتصلا ومن عروض عريا

فياء الواو فلين مدغما وشذ معطي غير ما قد رسما
قوله تعالى : وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد . قوله تعالى : يتحاجون في النار أصله يتفاعلون من الحجة أي : يختصمون ، ويحتج بعضهم على بعض ، وما تضمنته هذه الآية الكريمة ، جاء موضحا في آيات من كتاب الله ، كقوله تعالى : إن ذلك لحق تخاصم أهل النار [ 38 \ 64 ] وقوله تعالى : [ ص: 390 ] ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا [ 34 \ 31 - 33 ] . وقوله تعالى : كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون [ 7 \ 38 - 39 ] وقوله تعالى : إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا [ 2 \ 166 - 167 ] وقوله تعالى : وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل [ 14 \ 21 - 22 ] والآيات بمثل هذا كثيرة ، وقد قدمنا الكلام عليها في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك .
قوله تعالى : وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة ، أن أهل النار طلبوا من خزنة جهنم أن يدعو لهم الله أن يخفف عنهم من شدة عذاب النار .

وقد بين في سورة الزخرف أنهم نادوا مالكا خاصة من خزنة أهل النار ليقضي الله عليهم ، أي : ليميتهم فيستريحوا بالموت من عذاب النار .

وقد أوضح جل وعلا في آيات من كتابه ، أنهم لا يحابون في واحد من الأمرين ; فلا يخفف عنهم العذاب ، الذي سألوا تخفيفه ، في سورة المؤمن هذه ، ولا يحصل لهم الموت الذي سألوه في سورة الزخرف ، فقال تعالى في عدم تخفيف العذاب عنهم في [ ص: 391 ] هذه الآية : أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال [ 40 \ 50 ] وقال تعالى : ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور [ 35 \ 36 ] وقال تعالى : فلن نزيدكم إلا عذابا [ 78 ] وقال تعالى : لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون [ 43 \ 75 ] وقال تعالى : إن عذابها كان غراما [ 25 \ 65 ] وقال تعالى : فسوف يكون لزاما [ 25 \ 77 ] وقال تعالى : لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون [ 3 \ 88 ] . وقال تعالى : ولهم عذاب مقيم [ 5 \ 37 ] .

وقال تعالى في عدم موتهم في النار : لا يقضى عليهم فيموتوا [ 35 \ 36 ] . وقال تعالى : ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت [ 14 \ 17 ] . وقال تعالى : كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب [ 4 \ 56 ] . وقال تعالى : إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا [ 20 \ 74 ] . وقال تعالى : ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيا [ 87 \ 11 - 13 ]

ولما قالوا : ليقض علينا ربك [ 43 \ 77 ] أجابهم بقوله : قال إنكم ماكثون [ 43 \ 77 ] .
قوله تعالى : قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات . قد قدمنا الكلام عليه مع الآيات التي بمعناه في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [ 17 \ 15 ] .
قوله تعالى : إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة آل عمران في الكلام على قوله تعالى : وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير الآية [ 3 \ 14 ] ، وذكرنا طرفا من ذلك في الصافات في الكلام على قوله تعالى : ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون [ 37 \ 171 - 172 ] وستأتي له زيادة إيضاح إن شاء الله في سورة المجادلة .
قوله تعالى : ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لأولي الألباب . [ ص: 392 ] اللام في قوله : ولقد آتينا موسى الهدى موطئة للقسم ، وصيغة الجمع في آتينا و أورثنا للتعظيم .

والمراد بالهدى ما تضمنه التوراة من الهدى في العقائد والأعمال : وأورثنا بني إسرائيل الكتاب وهو التوراة ، وقوله : هدى وذكرى لأولي الألباب مفعول من أجله ، أي : لأجل الهدى والتذكير .

وقال بعضهم : هدى حال ، وورود المصدر المنكر حالا معروف ، كما أشار له في الخلاصة بقوله :

ومصدر منكر حالا يقع بكثرة كـ بغتة زيد طلع

وقال القرطبي : هدى بدل من الكتاب ، أو خبر مبتدأ محذوف ، وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الله أنزل التوراة على موسى وأنزل فيها الهدى لبني إسرائيل جاء موضحا في آيات من كتاب الله ، كقوله تعالى : وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني ‎وكيلا [ 17 \ 2 ] . وقوله تعالى : ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل الآية [ 32 \ 23 ] . وقوله تعالى : إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار [ 5 \ 44 ] وقوله تعالى : ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون [ 28 \ 43 ] وقوله تعالى : ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون [ 6 \ 154 ] . وقوله تعالى : وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء الآية [ 7 \ 145 ] . إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه . قد قدمنا إيضاحه في سورة الأعراف ، في الكلام على قوله تعالى : قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها [ 7 \ 13 ] ، وذكرنا هناك بعض النتائج السيئة الناشئة عن الكبر .
قوله تعالى : لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس .

[ ص: 393 ] قد قدمنا أن هذه الآية من البراهين الدالة على البعث ، وأوضحنا كل البراهين الدالة على البعث بالآيات القرآنية بكثرة في سورة البقرة ، وسورة النحل ، وأحلنا على مواضع ذلك مرارا .
قوله تعالى : وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قوله تعالى في هذه الآية الكريمة : وما يستوي الأعمى والبصير قدمنا الكلام عليه في سورة هود ، في الكلام على قوله تعالى : مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع الآية [ 11 \ 24 ] .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قد قدمنا إيضاح معناه بالآيات القرآنية في سورة ص في الكلام على قوله تعالى : أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار [ 38 \ 28 ] .
قوله تعالى : إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى : بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا [ 25 \ 11 ] .
قوله تعالى : وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين . قال بعض العلماء : ادعوني أستجب لكم : اعبدوني أثبكم من عبادتكم ، ويدل لهذا قوله بعده : إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين .

وقال بعض العلماء : ادعوني أستجب لكم أي : اسألوني أعطكم .

ولا منافاة بين القولين ; لأن دعاء الله من أنواع عبادته .

وقد أوضحنا هذا المعنى ، وبينا وجه الجمع بين قوله تعالى : وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان [ 2 \ 186 ] مع قوله تعالى : فيكشف ما تدعون إليه إن شاء [ ص: 394 ] فأغنى ذلك عن إعادته هنا .
قوله تعالى : الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون . قد قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى : وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا [ 25 \ 47 ] وفي سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى : فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم [ 17 \ 12 ] .
قوله تعالى : هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون . قد قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية في سورة الحج في الكلام على قوله تعالى : ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة الآية [ 22 \ 5 ] ، وفي غير ذلك من المواضع .
قوله تعالى : فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون . قد قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى : إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون [ 16 \ 40 ] . وبينا أوجه القراءة في قوله : فيكون هناك .
قوله تعالى : ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين . لم يبين هنا جل وعلا عدد أبواب جهنم ، ولكنه بين ذلك في سورة الحجر ، في قوله تعالى : وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم [ 15 \ 43 - 44 ] .
قوله تعالى : ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك . ما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الله تبارك وتعالى قص على نبيه صلى الله عليه وسلم أنباء بعض [ ص: 395 ] الرسل ; أي : كنوح وهود ، وصالح ، وإبراهيم ، ولوط ، وشعيب ، وموسى ، وأنه لم يقصص عليه أنباء رسل آخرين ، بينه في غير هذا الموضع ، كقوله في سورة النساء : ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما [ 4 \ 164 ] ، وأشار إلى ذلك في سورة إبراهيم في قوله : ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات الآية [ 14 \ 9 ] . وفي سورة الفرقان في قوله تعالى : وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا [ 25 \ 38 ] إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون . قوله هنا : فإذا جاء أمر الله أي قامت القيامة ، كما قدمنا إيضاحه في قوله تعالى : أتى أمر الله فلا تستعجلوه [ 16 \ 1 ] أي : فإذا قامت القيامة قضى بين الناس بالحق الذي لا يخالطه حيف ولا جور ، كما قال تعالى : وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق الآية [ 39 \ 69 ] .

وقال تعالى : وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق [ 39 \ 75 ] .

والحق المذكور في هذه الآيات : هو المراد بالقسط المذكور في سورة يونس في قوله تعالى : ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط [ 10 \ 47 ] .

وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أنه إذا قامت القيامة يخسر المبطلون ، أوضحه جل وعلا في سورة الجاثية في قوله تعالى : ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون [ 45 \ 27 ] .

والمبطل هو : من مات مصرا على الباطل .

وخسران المبطلين المذكور هنا قد قدمنا بيانه في سورة يونس في الكلام على قوله تعالى : قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين [ 10 \ 45 ] .
قوله تعالى : الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون [ ص: 396 ] قد قدمنا أن لفظة جعل تأتي في اللغة العربية لأربعة معان ; ثلاثة منها في القرآن :

الأول : إتيان جعل بمعنى اعتقد ، ومنه قوله تعالى : وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [ 43 \ 19 ] أي : اعتقدوهم إناثا ، ومعلوم أن هذه تنصب المبتدأ والخبر .

الثاني : جعل بمعنى صير ، كقوله : حتى جعلناهم حصيدا خامدين [ 21 \ 15 ] وهذه تنصب المبتدأ والخبر أيضا .

الثالث : جعل بمعنى خلق ، كقوله تعالى : الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور [ 6 \ 1 ] أي : خلق السماوات والأرض وخلق الظلمات والنور .

والظاهر أن منه قوله هنا : الله الذي جعل لكم الأنعام أي : خلق لكم الأنعام ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : والأنعام خلقها لكم [ 16 \ 5 ] ، وقوله : أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما الآية [ 36 \ 71 ] .

الرابع : وهو الذي ليس في القرآن جعل بمعنى شرع ، ومنه قوله :

وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ثوبي فأنهض نهض الشارب السكر

وما ذكره الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة ، من الامتنان بهذه النعم الكثيرة ، التي أنعم عليهم بها بسبب خلقه لهم الأنعام وهي الذكور والإناث ، من الإبل والبقر والضأن والمعز ، كما قدمنا إيضاحه في سورة آل عمران في الكلام على قوله : والأنعام والحرث [ 3 \ 14 ] بينه أيضا في مواضع أخر ، كقوله تعالى : والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس [ 16 \ 5 - 7 ] . والدفء ما يتدفئون به في الثياب المصنوعة من جلود الأنعام وأوبارها وأشعارها وأصوافها .

وقوله تعالى : جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين [ 16 \ 80 ] . وقوله تعالى : [ ص: 397 ] أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون [ 36 \ 71 - 73 ] وقوله تعالى : وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين [ 61 \ 66 ] . وقوله تعالى : وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون [ 23 \ 21 - 22 ] . وقوله تعالى ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين إلى قوله : أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا [ 6 \ 142 - 144 ] وقوله تعالى : وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج [ 39 \ 6 ] . وقوله تعالى : جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا الآية [ 42 \ 11 ] . وقوله تعالى : والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون الآية [ 43 \ 12 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم . قد ذكرنا الآيات الموضحة له في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك ، وبينا مواضعها في سورة الروم في الكلام على قوله تعالى : أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم .
قوله تعالى : فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون . قد قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية ، في سورة يونس في الكلام على قوله تعالى : أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآن وقد كنتم به تستعجلون [ 10 \ 51 ] ، وفي سورة ص في الكلام على قوله تعالى فنادوا ولات حين مناص [ 38 \ 3 ] .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.14 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.71%)]