
02-02-2023, 03:13 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,441
الدولة :
|
|
رد: فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ
فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ (11)
صلاح عباس فقير
فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ (11)
الكتاب: التَّفسير اللُّغويُّ للقرآن الكريم.
المؤلف: د. مساعد بن سليمان بن ناصر الطَّيَّار.
الناشر: دار ابن الجوزيِّ، 1422، ط 1.
مصادر التّفسير اللُّغويّ: كتب معاني القرآن
مقدّمة:
في الحلقتين الماضيتين، تعرّفنا على المصدر الأول من (مصادر التّفسير اللّغويّ)، ألا وهو: كتب التّفسير، وفي هذه الحلقة بإذن الله نتعرّف على المصدر الثاني من المصادر الخمسة للتفسير، ألا وهو: كتب معاني القرآن، الّتي هي "من أوائل كتب اللّغويّين التي كان فيها مشاركةٌ مباشرة، في علم التّفسير"، وبمناسبة ذكر الأولويّة في هذا السياق، يتوقف الدكتور مساعد، ليُدلي بهذه الفائدة، يقول: "وظهر من استقراء تراجم اللّغويين وفهارس كتبهم ...
أنّ الدرس النحويّ سابقٌ للدرس اللّغويّ... في أول عهد التّابعين؛ ... أمّا البحث اللّغوي، فلم يظهر إلا في عهد أتباع التّابعين...
أنّ السّبق في التّأليف اللُّغويّ العام، وكذا المتعلّق بالقرآن، كان لأهل البصرة، كما كان لهم السبق في علم النحو. (ص256)
أنّ كتب المعاني، وغيرها في البحث اللغوي، ظهرت في عصر أتباع التابعين"(ص257)، ثمّ يتساءل الدكتور عن:
المراد بمعاني القرآن:
أمّا في اللّغة، فيقول الراغب: "المعنى: إظهار ما تضمّنه اللّفظ... والمعنى يقارن التّفسير، وإن كان بينهما فرق" (ص258)، أمّا في الاصطلاح، فيقول الدكتور مساعد: "إذا تأمّلت كتب معاني القرآن، ... فإنك ستجد مباحث في العربية، تخرج عن مفهوم المعاني اللغوي، ككثير من المباحث النحويّة ... وغيرها. وإذا فرزتَ هذه الكتب، فإنك ستجد بعضها قد نُصّ في عنوانها على الإعراب، ... كتاب الفراء... تفسير مشكل إعراب القرآن ومعانيه" (ص259). "ولعلّ هذا يُشير إلى أنّ أغلب من كتب في علم (معاني القرآن) كان يضمّ إليه علم (إعراب القرآن) إن لم يفرده بمؤلف، كما فعل النحاس، حيث جعل كتاباً لمعاني القرآن، قال فيه: قصدتُ في هذا الكتاب تفسير المعاني والغريب وأحكام القرآن والناسخ والمنسوخ عم المتقدمين من الأئمة، وأذكر من قول الجُلّة من العلماء باللغة وأهل النظر ما حضرني، وأُبيّن تصريف الكلمة" (ص260). "وجعل كتاباً آخر لإعراب القرآن، ... والقراءات التي تحتاج أن يَبين إعرابها"، ثمّ ذكر الدكتور سبق النحاس إلى هذا المسلك، فقال: "وقد يكون أول من فصلهما"(ص261).
ثمّ ذكر الدكتور بعض النماذج من كتب معاني القرآن، ثمّ قال: "وإذا تأمّلتَ هذه الأقوال، وجدتَ منحاها لغويٌّ، ممّا يُشعر أنّ معاني القرآن بحثٌ لغويٌّ في بيان المراد في القرآن، ويتأكد هذا بما يأتي: أنّ أصحاب كتب معاني القرآن يذكرون أقوال المفسرين من السلف مصدّرين ذلك بقولهم: (قال أهل التفسير) (ص262) وما إلى ذلك، "ممّا يُشعر بأنّ ما يؤخذ عن هؤلاء المفسّرين شيءٌ لا يُمكن أخذه عن طريق اللّغة، وأنّ ما كان طريقه اللّغة، فإنه معاني القرآن" (ص263). وذكر عدة نماذج دالّة على هذا المعنى، منها "في قوله تعالى: {... حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ...}محمد4، قال الزجاج: حتّى موصولة بالقتل والأسر، والمعنى: فقاتلوهم وأْسِروهم حتى تضع الحربُ أوزارها. والتّفسير: حتّى يؤمنوا ويُسلموا، فلا يجبُ أن تحاربوهم، فما دام الكفر فالجهادُ والحربُ قائمةٌ أبداً" (ص263).
ولعلّنا نلحظ استناداً إلى هذا النموذج، أنّ ما لحظه الدكتور مساعد من جمعهم بين الإعراب والمعاني، ربما هو بناءً على اعتقادهم بأنّ المعاني إنّما تُعرَفُ بالإعراب، وهذا ما نراه في نموذج الزجاج أعلاه واضحاً، ويتأيّد ذلك بالملحوظة الثانية التي ذكرها الدكتور مساعد: "أنّ التخصص العلميّ لهؤلاء اللّغويّين قد طغى على بحوثهم، ... فإنّك ستجد أنّ أغلبها يقوم على البحث النحويّ والبحث اللّغوي" (ص264). ويتأيّد ذلك كذلك بالمعنى الّذي ذكره لمعاني القرآن أنّه "مصطلح يُراد به: البيان اللغوي لألفاظ وأساليب العربيّة الواردة في القرآن" (ص265).
لماذا كتب اللّغويّون في معاني القرآن؟
يذكر الدكتور مساعد أنّ القرآن "له أكبر الأثر على دارسي العلوم الإسلامية، من شرعيين ولغويين ونحاة وأدباء وبلغاء وغيرهم" وأمّا عن اللغويين، "فإنك ستجد أسباباً عامّة وأسباباً خاصّة منها:
السبب الأول: التخصص العلمي:
"بالنظر إلى الطرح اللّغوي في كتبهم تشعر أنّهم يريدون ملءَ فراغٍ في بحوثٍ لا تجدُها عند مفسري السلف، فخاضوا غمار البحث القرآنيّ من منظور لغويّ" (ص268). "ويدلّ على ذلك أمرانِ يظهران باستقراء كتب معاني القرآن: الأول: جدّة كثيرٍ من المباحث اللغويّة التي طرقها اللّغويّون، .. مما يجعلك تشعر أنّ اللّغويين يرون نقصاً في هذا الباب، فاجتهدوا في إتمامه لمكان تخصّصهم. الثاني: أنّ اللّغويين لم يعتبروا ما جاء عن السلف من تفسير لغويٍّ، حتّى جعلوا أقوالهم مقابل أقوال السلف" (ص269) ثمّ ذكر الدكتور نموذجاً من (معاني القرآن للفراء (1 :25) في تفسير (سورة البقرة: 29) وعلّق عليه بقوله: "في هذا النص ترى الفراء قد ذكر معاني استوى في لغة العرب، ثم ذكر قول ابن عباس، وجوّزه عربياً، ومع ذلك اختار قولاً غير قوله. ويُشعرُ هذا النصُّ وغيره باعتداد بعض اللّغويين بعلمهم، وعدم حرصهم على ما يؤثَر عن مفسري الصحابة والتابعين، حتّى إنهم يردّون قولاً وارداً عنهم ولا يعتدّون به" (ص270). ثمّ يقول: "وهذا منهج غير صحيح، إذ الوارد عن السلف في تفسير لغة القرآن حجةٌ يجب قبوله، وعدم العلم بالشيء لا يلزم منه إنكاره، كيف وقد روى الفراء هذا عن ابن عباس، ولو كان اعتبر عربيّته لما قال: ولم نجدها في العربيّة إلا على ما فسَّرتُ" (ص271).
السّبب الثاني: المنافسة العلميّة بين البصريّين والكوفيّين (ص272):
قال: "ويُستنبط من هذا أنّ هؤلاء العلماء كأنهم أرادوا بالتّأليف في معاني القرآن، إبراز مذهبهم النحوي الّذي ينتمون إليه، وهذا واضح جداً في كتبهم" (ص273). ومن ثمّ عمد الدكتور إلى استعراض ثلاثةٍ من الكتب المطبوعة في معاني القرآن:
معاني القرآن للفرّاء:
صدّر كتابه بقوله: "تفسير مشكل إعراب القرآن ومعانيه"، قال: "ولا يخفى على المطّلع على هذا الكتاب ما للتخصص العلميّ لدى الفراء من أثرٍ عليه، حتى إنه ليكاد أن يكون قد اتّجه إلى تفسير النص القرآنيّ وجهةً عربيّةً؛ لإبراز مذهبه الكوفيّ في علوم العربيّة. ويمكن الاستشهاد على ذلك بما يأتي: أنّ جلّ مباحث الكتاب تتعلّق بعلم النحو" ولذلك، قال: "تجده كثيراً ما يفترض على النص القرآنيّ؛ ليُبيّن صحّة هذا الأسلوب الّذي افترضه... ومن ذلك: قال: {وقد أضلّوا كثيراً} يقول: هذه الأصنام قد ضلّ بها قومٌ كثيرٌ، ولو قيل: وقد أضلّت كثيراً، أو: أضللنَ، كان صواباً"، ثمّ يذكر أنّ هذا المنحى قد "أثّر في ذكر بعض الأوجه التي خولف فيها، كما كان له أثرٌ في عدم اعتماد قول المفسرين من الصحابة والتابعين في التّفسير اللّغويّ"(ص275). ثم ذكر نماذج ممّا خولف فيه، ومن عدم اعتماده قول السلف. ثمّ تحت عنوان "صور التفسير اللغوي في كتاب معاني القرآن" يذكر الصور التالية:
"1-بيان دلالة الألفاظ" (ص284).
"2- بيان لغات العرب وقولها." (ص285)
"3-ذكر المحتملات اللّغويّة للنّص القرآنيّ" (ص288)
"4- توجيه القراءات" (ص291)
"5- الأسلوب العربي في الخطاب القرآني" (ص292)، وذكرَ مِن ذلك: "الخطاب بالمستقبل لأمرٍ قد مضى" (ص293)، "الجزاء عن الفعل بمثل لفظه، والمعنيان مختلفان" (ص295) "الاسمان المصطحبان: يُضمّ أحدهما إلى صاحبه، فيُسمّيان جميعاً به" (ص297).
ثمّ يقف الدكتور ليتناول "أثر المعتقد في التفسير اللّغويّ عند الفرّاء" (ص298) ثمّ قال: "والفراء قد نُسب إلى الاعتزال" (ص299)، قال: "ويظهر أنّ هذه التهمة لم تنشأ من فراغ، لأنه جالس الخليفة العبّاسيّ المأمون، وألّف له، وكان المعتزلة ندماء الخليفة، وكانت صولتهم وقوة شوكتهم في عصره، فهل تأثّر بهم؟" (ص300)، ويذكر ما ذكره الفرّاء من سكناه مع بشر المَريسيّ في بيتٍ واحدٍ عشرين سنة، ثم ذكر من كتابه نماذج يُمكن أن يُستدلّ بها على براءته من الاعتزال، منها ردّه على من سمّاهم أهل القدر في عدّة مواضع، ثم قال: "وهذه النصوص وغيرها، تدلّ على أنّ الفراء لم يكن معتزليّاً، وإن وقع منه شيءٌ، فبسبب قربه منهم، ومخالطته لهم، والله أعلم" (ص303).
معاني القرآن للأخفش:
ذكر أنه "كتابُ نحوٍ وصرف... أما المعاني فلم تكن في كتابه كثيرةً، بل كانت قليلة جداً بالنسبة للكتاب" (ص305) ثم يذكر أنّه كان يُنسب إلى القول بالقدر، وذكر أمثلة ظهر فيها أثر الاعتزال عليه.
معاني القرآن وإعرابه للزّجّاج:
قال في أول كتابه: "هذا كتابٌ مختصر في إعراب القرآن ومعانيه... وقال في موطنٍ من كتابه: ... أنّ كتابنا هذا يتضمَّن شرح الإعراب والمعاني" (ص314). ثم قال: "ولا يختلف الزجاج في ذكره لمسائل اللغة عن الذين سبقوه من اللغويين" (ص316).
ثم وقف عند "أثر المعتقد على التفسير اللغوي عند الزجاج" فقال: "لقد وُصف الزجاج بأنه من أهل الفضل والدين، وأنه كان حسن الاعتقاد، جميل المذهب، ولما حضرته الوفاة، كان آخر ما سُمع منه: اللهم احشرني على مذهب أحمد بن حنبل" (ص323). وأورد ما ذكره أبو حيان الأندلسي من أنّ الزجاج معتزليّ، وردّ عليه بأن تتبّع المسائل الاعتزالية المشهورة، قال: "فألفيتُه يقول بقول أهل السّنة صراحةً" (ص324).
وبذلك يكتمل كلامنا في هذه الحلقة، عن المصدر الثاني من مصادر التفسير اللغوي، وقد اختصرنا القول عند الكلام على كتابي الأخفش والزجاج، بناءً على ما فصّلنا عند الكلام على الفراء، لما بينهم من تشابه.
وفي الحلقة القادمة بإذن الله، نقف عند المصدر الثالث من مصادر التفسير اللغوي، ألا وهو (كتب غريب القرآن).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|