
30-01-2023, 10:50 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,850
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(371)
الحلقة (385)
صــ 79 إلى صــ 97
[ ص: 79 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها )
قال أبو جعفر : ثم استثنى جل ذكره مما نهاهم عنه أن يسأموه من اكتتاب كتب حقوقهم على غرمائهم بالحقوق التي لهم عليهم ما وجب لهم قبلهم من حق عن مبايعة بالنقود الحاضرة يدا بيد ، فرخص لهم في ترك اكتتاب الكتب بذلك ؛ لأن كل واحد منهم - أعني من الباعة والمشترين - يقبض إذا كان الواجب بينهم فيما يتبايعونه نقدا ما وجب له قبل مبايعيه قبل المفارقة ، فلا حاجة لهم في ذلك إلى اكتتاب أحد الفريقين على الفريق الآخر كتابا بما وجب لهم قبلهم ، وقد تقابضوا الواجب لهم عليهم . فلذلك قال - تعالى ذكره - : " إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم " لا أجل فيها ولا تأخير ولا نساء " فليس عليكم جناح أن لا تكتبوها " يقول : فلا حرج عليكم أن لا تكتبوها - يعني التجارة الحاضرة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
6400 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي قوله : " إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم " يقول : معكم بالبلد ترونها ، فتأخذ وتعطي ، فليس على هؤلاء جناح أن لا يكتبوها . [ ص: 80 ]
6401 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك . " ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله " إلى قوله : " فليس عليكم جناح أن لا تكتبوها " قال : أمر الله أن لا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ، وأمر ما كان يدا بيد أن يشهد عليه ، صغيرا كان أو كبيرا ، ورخص لهم أن لا يكتبوه .
واختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قرأة الحجاز والعراق وعامة القرأة : ( إلا أن تكون تجارة حاضرة ) بالرفع .
وانفرد بعض قرأة الكوفيين فقرأ به بالنصب . وذلك وإن كان جائزا في العربية ، إذ كانت العرب تنصب النكرات والمنعوتات مع " كان " وتضمر معها في " كان " مجهولا فتقول : " إن كان طعاما طيبا فأتنا به " وترفعها فتقول : " إن كان طعام طيب فأتنا به " فتتبع النكرة خبرها بمثل إعرابها فإن الذي أختار من القراءة ثم لا أستجيز القراءة بغيره الرفع في " التجارة الحاضرة " ؛ لإجماع القرأة على ذلك ، وشذوذ من قرأ ذلك نصبا عنهم ، ولا يعترض بالشاذ على الحجة . ومما جاء نصبا قول الشاعر :
أعيني هلا تبكيان عفاقا إذا كان طعنا بينهم وعناقا [ ص: 81 ]
وقول الآخر :
ولله قومي أي قوم لحرة إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا
! !
وإنما تفعل العرب ذلك في النكرات ، لما وصفنا من إتباع أخبار النكرات أسماءها . و " كان " من حكمها أن يكون معها مرفوع ومنصوب ، فإذا رفعوهما جميعهما ، تذكروا إتباع النكرة خبرها ، وإذا نصبوهما تذكروا صحبة " كان " لمنصوب ومرفوع . ووجدوا النكرة يتبعها خبرها ، وأضمروا في " كان " مجهولا لاحتمالها الضمير .
وقد ظن بعض الناس أن من قرأ ذلك : " إلا أن تكون تجارة حاضرة " إنما قرأه على معنى : إلا أن يكون تجارة حاضرة ، فزعم أنه كان يلزم قارئ ذلك أن يقرأ " يكون " بالياء ، وأغفل موضع صواب قراءته من جهة الإعراب ، وألزمه غير ما يلزمه . وذلك أن العرب إذا جعلوا مع " كان " نكرة مؤنثا بنعتها أو خبرها ، أنثوا " كان " مرة ، وذكروها أخرى ، فقالوا : " إن كانت جارية صغيرة فاشتروها ، وإن كان جارية صغيرة فاشتروها " تذكر " كان " - وإن نصبت النكرة المنعوتة أو رفعت - أحيانا ، وتؤنث أحيانا . [ ص: 82 ]
وقد زعم بعض نحويي البصرة أن قوله : " إلا أن تكون تجارة حاضرة " مرفوعة فيه " التجارة الحاضرة " لأن " تكون " بمعنى التمام ، ولا حاجة بها إلى الخبر ، بمعنى : إلا أن توجد أو تقع أو تحدث . فألزم نفسه ما لم يكن لها لازما ، لأنه إنما ألزم نفسه ذلك ، إذ لم يكن يجدك ل " كان " منصوبا ، ووجد " التجارة الحاضرة " مرفوعة ، وأغفل جواز قوله : " تديرونها بينكم " أن يكون خبرا ل " كان " فيستغني بذلك عن إلزام نفسه ما ألزم .
والذي قال من حكينا قوله من البصريين غير خطأ في العربية ، غير أن الذي قلنا بكلام العرب أشبه وفي المعنى أصح : وهو أن يكون في قوله : " تديرونها بينكم " وجهان : أحدهما أنه في موضع نصب ، على أنه حل محل خبر " كان " و " التجارة الحاضرة " اسمها . والآخر : أنه في موضع رفع على إتباع " التجارة الحاضرة " لأن خبر النكرة يتبعها . فيكون تأويله : إلا أن تكون تجارة حاضرة دائرة بينكم .
القول في تأويل قوله تعالى ( وأشهدوا إذا تبايعتم )
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وأشهدوا على صغير ما تبايعتم وكبيره من حقوقكم ، عاجل ذلك وآجله ، ونقده ونسائه ، فإن إرخاصي لكم في ترك اكتتاب الكتب بينكم فيما كان من حقوق تجري بينكم لبعضكم من قبل بعض عن تجارة حاضرة دائرة بينكم يدا بيد ونقدا ليس بإرخاص مني لكم في ترك الإشهاد منكم على من بعتموه شيئا أو ابتعتم منه . لأن في ترككم الإشهاد على ذلك خوف المضرة على كل من الفريقين . أما على المشتري فأن يجحد البائع [ ص: 83 ] البيع ، وله بينة على ملكه ما قد باع ، ولا بينة للمشتري منه على الشراء منه ، فيكون القول حينئذ قول البائع مع يمينه ويقضى له به ، فيذهب مال المشتري باطلا وأما على البائع فأن يجحد المشتري الشراء ، وقد زال ملك البائع عما باع ووجب له قبل المبتاع ثمن ما باع ، فيحلف على ذلك ، فيبطل حق البائع قبل المشتري من ثمن ما باعه . فأمر الله - عز وجل - الفريقين بالإشهاد ، لئلا يضيع حق أحد الفريقين قبل الفريق الآخر .
ثم اختلفوا في معنى قوله : " وأشهدوا إذا تبايعتم " أهو أمر من الله واجب بالإشهاد عند المبايعة ، أم هو ندب ؟
فقال بعضهم : " هو ندب ، إن شاء أشهد ، وإن شاء لم يشهد " .
ذكر من قال ذلك :
6402 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن الربيع عن الحسن وشقيق عن رجل عن الشعبي في قوله : " وأشهدوا إذا تبايعتم " قال : إن شاء أشهد ، وإن شاء لم يشهد ، ألم تسمع إلى قوله : " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته " ؟
6403 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا الربيع بن صبيح قال : قلت للحسن : أرأيت قول الله - عز وجل - : " وأشهدوا إذا تبايعتم " ؟ قال : إن أشهدت عليه فهو ثقة للذي لك ، وإن لم تشهد عليه فلا بأس .
6404 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال أخبرنا ابن المبارك عن الربيع بن صبيح قال : قلت للحسن : يا أبا سعيد ، قول الله - عز وجل - : " وأشهدوا إذا تبايعتم " أبيع الرجل وأنا أعلم أنه لا ينقدني شهرين ولا ثلاثة ، أترى [ ص: 84 ] بأسا أن لا أشهد عليه ؟ قال : إن أشهدت فهو ثقة للذي لك ، وإن لم تشهد فلا بأس .
6405 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا يزيد بن زريع عن داود عن الشعبي : " وأشهدوا إذا تبايعتم " قال : إن شاءوا أشهدوا ، وإن شاءوا لم يشهدوا .
وقال آخرون : " الإشهاد على ذلك واجب " .
ذكر من قال ذلك :
6406 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك : " إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح أن لا تكتبوها " ولكن أشهدوا عليها إذا تبايعتم . أمر الله ما كان يدا بيد أن يشهدوا عليه ، صغيرا كان أو كبيرا .
6407 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال أخبرنا يزيد قال أخبرنا جويبر عن الضحاك قال : ما كان من بيع حاضر فإن شاء أشهد ، وإن شاء لم يشهد . وما كان من بيع إلى أجل فأمر الله أن يكتب ويشهد عليه . وذلك في المقام .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : أن الإشهاد على كل مبيع ومشتر حق واجب وفرض لازم ، لما قد بينا : من أن كل أمر لله ففرض [ ص: 85 ] إلا ما قامت حجته من الوجه الذي يجب التسليم له بأنه ندب وإرشاد .
وقد دللنا على وهي قول من قال : ذلك منسوخ بقوله : " فليؤد الذي اؤتمن أمانته " فيما مضى فأغنى عن إعادته .
القول في تأويل قوله تعالى ( و لا يضار كاتب ولا شهيد )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : ذلك نهي من الله الكاتب الكتاب بين أهل الحقوق والشهيد أن يضار أهله ، فيكتب هذا ما لم يملله المملي ، ويشهد هذا بما لم يستشهده المستشهد .
ذكر من قال ذلك :
6408 - حدثني الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه في قوله : " " ولا يضار كاتب ولا شهيد " " ولا يضار كاتب " فيكتب ما لم يمل عليه " ولا شهيد " فيشهد بما لم يستشهد .
6409 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية عن يونس قال : كان الحسن يقول : " لا يضار كاتب " فيزيد شيئا أو يحرف " ولا شهيد " قال : لا يكتم الشهادة ، ولا يشهد إلا بحق . [ ص: 86 ]
6410 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : اتقى الله شاهد في شهادته ، لا ينقص منها حقا ولا يزيد فيها باطلا . اتقى الله كاتب في كتابه ، فلا يدعن منه حقا ولا يزيدن فيه باطلا .
6411 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " قال : " لا يضار كاتب " فيكتب ما لم يملل " ولا شهيد " فيشهد بما لم يستشهد .
6411 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " قال : " لا يضار كاتب " فيكتب ما لم يملل " ولا شهيد " فيشهد بما لم يستشهد .
6412 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال أخبرنا ابن المبارك عن معمر عن قتادة نحوه .
6413 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " قال : " لا يضار كاتب " فيكتب غير الذي أملي عليه . قال : والكتاب يومئذ قليل ، ولا يدرون أي شيء يكتب ، فيضار فيكتب غير الذي أملي عليه ، فيبطل حقهم . قال : والشهيد يضار فيحول شهادته ، فيبطل حقهم .
قال أبو جعفر : فأصل الكلمة على تأويل من ذكرنا من هؤلاء : ولا يضارر كاتب ولا شهيد ، ثم أدغمت " الراء " في " الراء " لأنهما من جنس ، وحركت إلى الفتح وموضعها جزم ، لأن الفتح أخف الحركات .
وقال آخرون ممن تأول هذه الكلمة هذا التأويل : معنى ذلك : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " بالامتناع عمن دعاهما إلى أداء ما عندهما من العلم أو الشهادة . [ ص: 87 ]
ذكر من قال ذلك :
6414 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج عن عطاء في قوله : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " يقول : أن يؤديا ما قبلهما .
6415 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء . " ولا يضار كاتب ولا شهيد " ؟ قال : " لا يضار " أن يؤديا ما عندهما من العلم .
6416 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال أخبرنا ابن المبارك عن سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس قال : " لا يضار " كاتب ولا شهيد " قال : أن يدعوهما ، فيقولان : إن لنا حاجة .
6417 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ومجاهد : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " قالا واجب على الكاتب أن يكتب " ولا شهيد " قالا إذا كان قد شهد اقبله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : " ولا يضار المستكتب والمستشهد الكاتب والشهيد " . وتأويل الكلمة على مذهبهم : ولا يضارر ، على وجه ما لم يسم فاعله .
ذكر من قال ذلك :
6418 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة قال كان عمر يقرأ : " ولا يضارر كاتب ولا شهيد " . [ ص: 88 ]
6419 - حدثت عن الحسين قال سمعت أبا معاذ قال أخبرنا عبيد قال سمعت الضحاك قال : كان ابن مسعود يقرأ : ( ولا يضارر ) .
6420 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قال أخبرني عبد الله بن كثير عن مجاهد أنه كان يقرأ : " ولا يضارر كاتب ولا شهيد " وأنه كان يقول في تأويلها : ينطلق الذي له الحق فيدعو كاتبه وشاهده إلى أن يشهد ، ولعله أن يكون في شغل أو حاجة ، ليؤثمه إن ترك ذلك حينئذ لشغله وحاجته وقال مجاهد : لا يقم عن شغله وحاجته ، فيجد في نفسه أو يحرج .
6421 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس قال : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " والضرار أن يقول الرجل للرجل وهو عنه غني : إن الله قد أمرك أن لا تأبى إذا دعيت ! فيضاره بذلك ، وهو مكتف بغيره . فنهاه الله - عز وجل - عن ذلك وقال : " وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم " .
6422 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " يقول : إنه يكون للكاتب والشاهد حاجة ليس منها بد; فيقول : خلوا سبيله .
6423 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية عن يونس عن عكرمة في قوله : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " قال : يكون به العلة أو يكون مشغولا يقول : فلا يضاره .
6424 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه كان يقول : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " يقول : لا يأت الرجل فيقول : انطلق فاكتب لي ، واشهد لي ، فيقول : إن لي حاجة فالتمس غيري ! فيقول : اتق الله ، فإنك قد أمرت أن تكتب لي ! فهذه المضارة ، ويقول : دعه والتمس غيره ، والشاهد بتلك المنزلة . [ ص: 89 ]
6425 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك في قوله : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " يقول : يدعو الرجل الكاتب أو الشهيد ، فيقول الكاتب أو الشاهد : إن لنا حاجة ! فيقول الذي يدعوهما : إن الله - عز وجل - أمركما أن تجيبا في الكتابة والشهادة ! يقول الله - عز وجل - لا يضارهما .
6426 - حدثت عن الحسن قال سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك في قوله : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " هو الرجل يدعو الكاتب أو الشاهد وهما على حاجة مهمة ، فيقولان : إنا على حاجة مهمة فاطلب غيرنا ! فيقول : والله لقد أمركما أن تجيبا ! فأمره أن يطلب غيرهما ولا يضارهما ، يعني : لا يشغلهما عن حاجتهما المهمة وهو يجد غيرهما .
6427 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي قوله : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " يقول : ليس ينبغي أن تعترض رجلا له حاجة فتضاره فتقول له : اكتب لي ! فلا تتركه حتى يكتب لك وتفوته حاجته ولا شاهدا من شهودك وهو مشغول ، فتقول : اذهب فاشهد لي ! تحبسه عن حاجته ، وأنت تجد غيره .
6428 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " قال : لما نزلت هذه الآية : " ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " كان أحدهم يجيء إلى الكاتب فيقول : اكتب لي ! فيقول : إني مشغول أو : لي حاجة ، فانطلق إلى غيري ! فيلزمه ويقول : إنك [ ص: 90 ] قد أمرت أن تكتب لي ! فلا يدعه ويضاره بذلك وهو يجد غيره . ويأتي الرجل فيقول : انطلق معي فاشهد لي ! فيقول : انطلق إلى غيري فإني مشغول أو لي حاجة ! فيلزمه ويقول : قد أمرت أن تتبعني . فيضاره بذلك ، وهو يجد غيره ، فأنزل الله - عز وجل - : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " .
6429 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال أخبرنا ابن المبارك عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " يقول : إن لي حاجة فدعني ! فيقول : اكتب لي " ولا شهيد " كذلك .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " بمعنى : ولا يضارهما من استكتب هذا أو استشهد هذا ، بأن يأبى على هذا إلا أن يكتب له وهو مشغول بأمر نفسه ، ويأبى على هذا إلا أن يجيبه إلى الشهادة وهو غير فارغ على ما قاله قائلو ذلك من القول الذي ذكرنا قبل .
وإنما قلنا : هذا القول أولى بالصواب من غيره ، لأن الخطاب من الله - عز وجل - في هذه الآية من مبتدئها إلى انقضائها على وجه : " افعلوا أو : لا تفعلوا " إنما هو خطاب لأهل الحقوق والمكتوب بينهم الكتاب ، والمشهود لهم أو عليهم بالذي تداينوه بينهم من الديون . فأما ما كان من أمر أو نهي فيها لغيرهم ، فإنما هو على وجه الأمر والنهي للغائب غير المخاطب ، كقوله : " وليكتب بينكم كاتب " وكقوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " وما أشبه ذلك . فالوجه إذ كان المأمورون فيها مخاطبين بقوله : " وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم " [ بأن يكون [ ص: 91 ] الأمر مردودا على المستكتب والمستشهد ] ، أشبه منه بأن يكون مردودا على الكاتب والشهيد . ومع ذلك فإن الكاتب والشهيد لو كانا هما المنهيين عن الضرار لقيل : وإن يفعلا فإنه فسوق بهما ، لأنهما اثنان ، وأنهما غير مخاطبين بقوله : " ولا يضار " بل النهي بقوله : " ولا يضار " نهي للغائب غير المخاطب . فتوجيه الكلام إلى ما كان نظيرا لما في سياق الآية ، أولى من توجيهه إلى ما كان منعدلا عنه .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم )
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وإن تضاروا الكاتب أو الشاهد وما نهيتم عنه من ذلك " فإنه فسوق بكم " يعني : إثم بكم ومعصية .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم بنحو الذي قلنا .
ذكر من قال ذلك :
6430 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك : " وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم " يقول : إن تفعلوا غير الذي آمركم به فإنه فسوق بكم . [ ص: 92 ]
6431 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثنا معاوية عن علي عن ابن عباس : " وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم " والفسوق المعصية .
6432 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع : " وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم " الفسوق العصيان .
وقال آخرون : معنى ذلك : وإن يضار كاتب فيكتب غير الذي أملى المملي ، ويضار شهيد فيحول شهادته ويغيرها " فإنه فسوق بكم " يعني : فإنه كذب .
ذكر من قال ذلك :
6433 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد : " وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم " الفسوق الكذب . قال : هذا فسوق ، لأنه كذب الكاتب فحول كتابه فكذب ، وكذب الشاهد فحول شهادته ، فأخبرهم الله أنه كذب .
قال أبو جعفر : وقد دللنا فيما مضى على أن المعني بقوله : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " إنما معناه : لا يضارهما المستكتب والمستشهد بما فيه الكفاية .
فقوله : " وإن تفعلوا " إنما هو إخبار من يضارهما بحكمه فيهما ، وأن من يضارهما فقد عصى ربه وأثم به ، وركب ما لا يحل له ، وخرج عن طاعة ربه في ذلك .
[ ص: 93 ] القول في تأويل قوله تعالى ( واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم ( 282 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " واتقوا الله " وخافوا الله أيها المتداينون في الكتاب والشهود أن تضاروهم ، وفي غير ذلك من حدود الله أن تضيعوه . ويعني بقوله : " ويعلمكم الله ، ويبين لكم الواجب لكم وعليكم ، فاعملوا به " والله بكل شيء عليم " يعني : [ بكل شيء ] من أعمالكم وغيرها ، يحصيها عليكم ، ليجازيكم بها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
6434 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك قوله : " ويعلمكم الله " قال : هذا تعليم علمكموه فخذوا به .
[ ص: 94 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة )
قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته القرأة في الأمصار جميعا ( كاتبا ) ، بمعنى : ولم تجدوا من يكتب لكم كتاب الدين الذي تداينتموه إلى أجل مسمى " فرهان مقبوضة " .
وقرأ جماعة من المتقدمين : ( ولم تجدوا كاتبا ) ، بمعنى : ولم يكن لكم إلى اكتتاب كتاب الدين سبيل ، إما بتعذر الدواة والصحيفة ، وإما بتعذر الكاتب وإن وجدتم الدواة والصحيفة .
والقراءة التي لا يجوز غيرها عندنا هي قراءة الأمصار : " ولم تجدوا كاتبا " بمعنى : من يكتب ، لأن ذلك كذلك في مصاحف المسلمين .
[ قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - ] : وإن كنتم ، أيها المتداينون في سفر بحيث لا تجدون كاتبا يكتب لكم ، ولم يكن لكم إلى اكتتاب كتاب الدين الذي تداينتموه إلى أجل مسمى بينكم الذي أمرتكم باكتتابه والإشهاد عليه سبيل ، فارتهنوا بديونكم التي تداينتموها إلى الأجل المسمى رهونا تقبضونها ممن تداينونه كذلك ، ليكون ثقة لكم بأموالكم .
ذكر من قال ما قلنا في ذلك :
6435 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك قوله : " وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة " فمن كان على سفر فبايع بيعا إلى أجل فلم يجد كاتبا ، فرخص له [ ص: 95 ] في الرهان المقبوضة ، وليس له إن وجد كاتبا أن يرتهن .
6436 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع قوله : " وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا " يقول : كاتبا يكتب لكم " فرهان مقبوضة " .
6437 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال أخبرنا يزيد قال أخبرنا جويبر عن الضحاك قال : ما كان من بيع إلى أجل ، فأمر الله - عز وجل - أن يكتب ويشهد عليه ، وذلك في المقام . فإن كان قوم على سفر تبايعوا إلى أجل فلم يجدوا [ كاتبا ] ، فرهان مقبوضة .
ذكر قول من تأول ذلك على القراءة التي حكيناها :
6438 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا هشيم قال أخبرنا يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس : " فإن لم تجدوا كتابا " يعني بالكتاب الكاتب والصحيفة والدواة والقلم .
6439 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني أبي ، عن ابن عباس أنه قرأ : " فإن لم تجدوا كتابا " قال : ربما وجد الرجل الصحيفة ولم يجد كاتبا .
6440 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد ، كان يقرؤها : " فإن لم تجدوا كتابا " ويقول : ربما وجد الكاتب ولم توجد الصحيفة أو المداد ، ونحو هذا من القول .
6441 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كتابا " يقول : مدادا ، - يقرؤها كذلك - يقول : فإن لم تجدوا مدادا ، فعند ذلك تكون الرهون المقبوضة " فرهن مقبوضة " قال : لا يكون الرهن إلا في السفر . [ ص: 96 ]
6442 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد بن زيد عن شعيب بن الحبحاب قال : إن أبا العالية كان يقرؤها " فإن لم تجدوا كتابا " قال أبو العالية : توجد الدواة ولا توجد الصحيفة .
قال أبو جعفر : واختلف القرأة في قراءة قوله : " فرهان مقبوضة " .
فقرأ ذلك عامة قرأة الحجاز والعراق : ( فرهان مقبوضة ) ، بمعنى جماع " رهن " كما " الكباش " جماع " كبش " و " البغال " جماع " بغل " و " النعال " جماع " نعل " .
وقرأ ذلك جماعة آخرون : ( فرهن مقبوضة ) على معنى جمع " رهان " " ورهن " جمع الجمع ، وقد وجهه بعضهم إلى أنها جمع " رهن " : ، مثل " سقف وسقف " .
وقرأه آخرون : ( فرهن ) مخففة الهاء على معنى جماع " رهن " كما تجمع " السقف سقفا " . قالوا : ولا نعلم اسما على " فعل " يجمع على " فعل وفعل " إلا " الرهن والرهن " . و " السقف والسقف " .
قال أبو جعفر : والذي هو أولى بالصواب في ذلك قراءة من قرأه : " فرهان مقبوضة " . لأن ذلك الجمع المعروف لما كان من اسم على " فعل " كما يقال : " حبل وحبال " و " كعب وكعاب " ونحو ذلك من الأسماء . فأما جمع " الفعل " على " الفعل أو الفعل " فشاذ قليل ، إنما جاء في أحرف يسيرة وقيل : " سقف وسقف وسقف " " وقلب وقلب وقلب " من : " قلب النخل " . " وجد وجد " للجد الذي هو بمعنى الحظ . وأما ما جاء من جمع " فعل " على " فعل " [ ص: 97 ] ف " ثط ، وثط " و " ورد وورد " و " خود وخود " .
وإنما دعا الذي قرأ ذلك : " فرهن مقبوضة " إلى قراءته فيما أظن كذلك ، مع شذوذه في جمع " فعل " أنه وجد " الرهان " مستعملة في رهان الخيل ، فأحب صرف ذلك عن اللفظ الملتبس برهان الخيل ، الذي هو بغير معنى " الرهان " الذي هو جمع " رهن " ووجد " الرهن " مقولا في جمع " رهن " كما قال قعنب :
بانت سعاد وأمسى دونها عدن وغلقت عندها من قلبك الرهن القول في تأويل قوله تعالى ( فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه )
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : فإن كان المدين أمينا عند رب المال والدين فلم يرتهن منه في سفره رهنا بدينه لأمانته عنده على ماله وثقته " فليتق الله " المدين " ربه " يقول : فليخف الله ربه في الذي عليه من دين صاحبه أن يجحده ، أو يلط دونه ، أو يحاول الذهاب به ، فيتعرض من عقوبة الله لما لا قبل له ، به وليؤد دينه الذي ائتمنه عليه إليه .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|