عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 30-01-2023, 10:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,156
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(369)
الحلقة (383)
صــ 43 إلى صــ 60



. [ ص: 43 ]
القول في تأويل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله : " إذا تداينتم " يعني : إذا تبايعتم بدين ، أو اشتريتم به ، أو تعاطيتم أو أخذتم به " إلى أجل مسمى " يقول : إلى وقت معلوم وقتموه بينكم . وقد يدخل في ذلك القرض والسلم ، وكل ما جاز [ فيه ] السلم مسمى أجل بيعه يصير دينا على بائع ما أسلم إليه فيه . ويحتمل بيع الحاضر الجائز بيعه من الأملاك بالأثمان المؤجلة . كل ذلك من الديون المؤجلة إلى أجل مسمى ، إذا كانت آجالها معلومة بحد موقوف عليه .

وكان ابن عباس يقول نزلت هذه الآية في السلم خاصة .

ذكر الرواية عنه بذلك :

6317 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يحيى بن عيسى الرملي عن سفيان عن ابن أبي نجيح قال قال ابن عباس في : " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى " قال : السلم في الحنطة ، في كيل معلوم إلى أجل معلوم . [ ص: 44 ]

6318 - حدثني محمد بن عبد الله المخرمي قال : حدثنا يحيى بن الصامت قال : حدثنا ابن المبارك عن سفيان عن أبي حيان عن ابن أبي نجيح عن ابن عباس : " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين " قال : نزلت في السلم ، في كيل معلوم إلى أجل معلوم .

6319 - حدثنا علي بن سهل قال : حدثنا زيد بن أبي الزرقاء عن سفيان عن أبي حيان عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية : " إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه " في السلم ، في الحنطة ، في كيل معلوم إلى أجل معلوم .

6320 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا محمد بن محبب قال : حدثنا سفيان عن [ ص: 45 ] أبي حيان التيمي عن رجل ، عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى " في السلف في الحنطة ، في كيل معلوم إلى أجل معلوم .

6321 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي ، عن قتادة عن أبي حسان عن ابن عباس قال : أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى أن الله - عز وجل - قد أحله وأذن فيه . ويتلو هذه الآية : " إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى " [ ص: 46 ]

قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وما وجه قوله : " بدين " وقد دل بقوله : " إذا تداينتم " عليه ؟ وهل تكون مداينة بغير دين ، فاحتيج إلى أن يقال " بدين " ؟ قيل : إن العرب لما كان مقولا عندها : " تداينا " بمعنى تجازينا ، وبمعنى : تعاطينا الأخذ والإعطاء بدين أبان الله بقوله : " بدين " المعنى الذي قصد تعريف من سمع قوله : " تداينتم " حكمه ، وأعلمهم أنه حكم الدين دون حكم المجازاة .

وقد زعم بعضهم أن ذلك تأكيد كقوله : ( فسجد الملائكة كلهم أجمعون ) [ سورة الحجر : 30\ سورة ص : 73 ] ، ولا معنى لما قال من ذلك في هذا الموضع .
[ ص: 47 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فاكتبوه )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : " فاكتبوه " فاكتبوا الدين الذي تداينتموه إلى أجل مسمى من بيع كان ذلك أو قرض .

واختلف أهل العلم في اكتتاب الكتاب بذلك على من هو عليه ، هل هو واجب أو هو ندب .

فقال بعضهم : هو حق واجب وفرض لازم .

ذكر من قال ذلك :

6322 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك في قوله : " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه " قال : من باع إلى أجل مسمى أمر أن يكتب ، صغيرا كان أو كبيرا إلى أجل مسمى .

6323 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قوله : " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه " قال : فمن ادان دينا فليكتب ، ومن باع فليشهد .

6324 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه " فكان هذا واجبا .

6325 - وحدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع بمثله وزاد فيه ، قال : ثم قامت الرخصة والسعة . قال : ( فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه ) [ ص: 48 ] .

6326 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن أبا سليمان المرعشي ، كان رجلا صحب كعبا ، فقال ذات يوم لأصحابه : هل تعلمون مظلوما دعا ربه فلم يستجب له ؟ قالوا : وكيف يكون ذلك ؟ قال : رجل باع شيئا فلم يكتب ولم يشهد ، فلما حل ماله جحده صاحبه ، فدعا ربه ، فلم يستجب له ، لأنه قد عصى ربه .

وقال آخرون : كان اكتتاب الكتاب بالدين فرضا ، فنسخه قوله : ( فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته ) .

ذكر من قال ذلك :

6327 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن ابن شبرمة عن الشعبي قال : لا بأس إذا أمنته أن لا تكتب ولا تشهد ، لقوله : " فإن أمن بعضكم بعضا " قال ابن عيينة قال ابن شبرمة عن الشعبي : إلى هذا انتهى .

6328 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود عن عامر في هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه " حتى بلغ هذا المكان : " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته " قال : رخص من ذلك ، فمن شاء أن يأتمن صاحبه فليأتمنه . [ ص: 49 ]

6329 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون عن عمرو عن عاصم عن الشعبي قال : إن ائتمنه فلا يشهد عليه ولا يكتب .

6330 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال : فكانوا يرون أن هذه الآية : " فإن أمن بعضكم بعضا " نسخت ما قبلها من الكتابة والشهود ، رخصة ورحمة من الله .

6331 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قال غير عطاء : نسخت الكتاب والشهادة : " فإن أمن بعضكم بعضا " .

6332 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : نسخ ذلك قوله : " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته " قال : فلولا هذا الحرف ، لم يبح لأحد أن يدان بدين إلا بكتاب وشهداء ، أو برهن . فلما جاءت هذه نسخت هذا كله ، صار إلى الأمانة .

6333 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا يزيد بن زريع عن سليمان التيمي قال : سألت الحسن قلت : كل من باع بيعا ينبغي له أن يشهد ؟ قال : ألم تر أن الله - عز وجل - يقول : " فليؤد الذي اؤتمن أمانته " ؟

6334 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا [ ص: 50 ] داود عن عامر في هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه " حتى بلغ هذا المكان : " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته " قال : رخص في ذلك ، فمن شاء أن يأتمن صاحبه فليأتمنه .

6335 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية عن داود عن الشعبي في قوله : " فإن أمن بعضكم بعضا " قال : إن أشهدت فحزم ، وإن لم تشهد ففي حل وسعة .

6336 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد قال : قلت للشعبي : أرأيت الرجل يستدين من الرجل الشيء أحتم عليه أن يشهد ؟ قال : فقرأ إلى قوله : " فإن أمن بعضكم بعضا " قد نسخ ما كان قبله .

6337 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا محمد بن مروان العقيلي قال : حدثنا عبد الملك بن أبي نضرة ، [ عن أبيه ] ، عن أبي سعيد الخدري أنه قرأ : " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى " إلى : " فإن أمن بعضكم بعضا " قال : هذه نسخت ما قبلها .
[ ص: 51 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وليكتب كتاب الدين إلى أجل مسمى بين الدائن والمدين " كاتب بالعدل " يعني : بالحق والإنصاف في الكتاب الذي يكتبه بينهما ، بما لا يحيف ذا الحق حقه ، ولا يبخسه ، ولا يوجب له حجة على من عليه دينه فيه بباطل ، ولا يلزمه ما ليس عليه ، كما :

6338 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة في قوله : " وليكتب بينكم كاتب بالعدل " قال : اتقى الله كاتب في كتابه ، فلا يدعن منه حقا ، ولا يزيدن فيه باطلا .

وأما قوله : " ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " فإنه يعني : ولا يأبين كاتب استكتب ذلك ، أن يكتب بينهم كتاب الدين ، كما علمه الله كتابته فخصه بعلم ذلك ، وحرمه كثيرا من خلقه .

وقد اختلف أهل العلم في وجوب الكتاب على الكاتب إذا استكتب ذلك ، [ ص: 52 ] نظير اختلافهم في وجوب الكتاب على الذي له الحق .

ذكر من قال ذلك :

6339 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله - عز وجل - : " ولا يأب كاتب " قال : واجب على الكاتب أن يكتب .

6340 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : قوله : " ولا يأب كاتب أن يكتب " أواجب أن لا يأبى أن يكتب ؟ قال : نعم قال : ابن جريج ، وقال مجاهد : واجب على الكاتب أن يكتب .

6341 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " بمثله .

6342 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل عن جابر عن عامر وعطاء قوله : " ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " قالا إذا لم يجدوا كاتبا فدعيت ، فلا تأب أن تكتب لهم .

ذكر من قال : " هي منسوخة " . قد ذكرنا جماعة ممن قال : " كل ما في هذه الآية من الأمر بالكتابة والإشهاد والرهن منسوخ بالآية التي في آخرها " وأذكر قول من تركنا ذكره هنالك ببعض المعاني .

6343 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن [ ص: 53 ] جويبر عن الضحاك : " ولا يأب كاتب " قال : كانت عزيمة ، فنسختها : ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ) .

6344 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر . عن أبيه ، عن الربيع : " وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " فكان هذا واجبا على الكتاب .

وقال آخرون : هو على الوجوب ، ولكنه واجب على الكاتب في حال فراغه .

ذكر من قال ذلك :

6345 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي قوله : " وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " يقول : لا يأب كاتب أن يكتب إن كان فارغا .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا : أن الله - عز وجل - أمر المتداينين إلى أجل مسمى باكتتاب كتب الدين بينهم ، وأمر الكاتب أن يكتب ذلك بينهم بالعدل ، وأمر الله فرض لازم ، إلا أن تقوم حجة بأنه إرشاد وندب . ولا دلالة تدل على أن أمره - جل ثناؤه - باكتتاب الكتب في ذلك ، وأن تقدمه إلى الكاتب أن لا يأبى كتابة ذلك ندب وإرشاد ، فذلك فرض عليهم لا يسعهم تضييعه ، ومن ضيعه منهم كان حرجا بتضييعه .

ولا وجه لاعتلال من اعتل بأن الأمر بذلك منسوخ بقوله : " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته " . لأن ذلك إنما أذن الله - تعالى ذكره - به حيث لا سبيل إلى الكتاب أو إلى الكاتب . فأما والكتاب والكاتب موجودان فالفرض - إذا كان الدين إلى أجل مسمى - ما أمر الله - تعالى ذكره - به في قوله : " فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " . [ ص: 54 ]

وإنما يكون الناسخ ما لم يجز اجتماع حكمه وحكم المنسوخ في حال واحدة على السبيل التي قد بيناها . فأما ما كان أحدهما غير ناف حكم الآخر ، فليس من الناسخ والمنسوخ في شيء .

ولو وجب أن يكون قوله : ( وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته ) ناسخا قوله : " إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " - لوجب أن يكون قوله : ( وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ) [ سورة المائدة : 6 ] ناسخا الوضوء بالماء في الحضر عند وجود الماء فيه وفي السفر الذي فرضه الله - عز وجل - بقوله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) [ سورة المائدة : 6 ] وأن يكون قوله في كفارة الظهار : ( فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ) [ سورة المجادلة : 4 ] ناسخا قوله : ( فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ) [ سورة المجادلة : 3 ] . فيسأل القائل إن قول الله - عز وجل - : " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته " ناسخ قوله : " إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه " : ما الفرق بينه وبين قائل في التيمم وما ذكرنا قوله فزعم أن كل ما أبيح في حال [ ص: 55 ] الضرورة لعلة الضرورة ناسخ حكمه في حال الضرورة حكمه في كل أحواله نظير قوله في أن الأمر باكتتاب كتب الديون والحقوق منسوخ بقوله : " وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته ) ؟

فإن قال : الفرق بيني وبينه أن قوله : " فإن أمن بعضكم بعضا " كلام منقطع عن قوله : " وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة " وقد انتهى الحكم في السفر إذا عدم فيه الكاتب بقوله : " فرهان مقبوضة " . وإنما عنى بقوله : " فإن أمن بعضكم بعضا " : " إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى " فأمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته .

قيل له : وما البرهان على ذلك من أصل أو قياس وقد انقضى الحكم في الدين الذي فيه إلى الكاتب والكتاب سبيل بقوله : " ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم " ؟

وأما الذين زعموا أن قوله : " فاكتبوا " وقوله : " ولا يأب كاتب " على وجه الندب والإرشاد ، فإنهم يسألون البرهان على دعواهم في ذلك ، ثم يعارضون بسائر أمر الله - عز وجل - الذي أمر في كتابه ، ويسألون الفرق بين ما ادعوا في ذلك وأنكروه في غيره . فلم يقولوا في شيء من ذلك قولا إلا ألزموا في الآخر مثله .

ذكر من قال : " العدل " في قوله : " وليكتب بينكم كاتب بالعدل " : الحق . [ ص: 56 ]
القول في تأويل قوله تعالى ( فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا )

قال أبو جعفر : يعني بذلك : " فليكتب " الكاتب وليملل الذي عليه الحق " وهو الغريم المدين يقول : ليتول المدين إملال كتاب ما عليه من دين رب المال على الكاتب " وليتق الله ربه " المملي الذي عليه الحق ، فليحذر عقابه في بخس الذي له الحق من حقه شيئا أن ينقصه منه ظلما أو يذهب به منه تعديا ، فيؤخذ به حيث لا يقدر على قضائه إلا من حسناته ، أو أن يتحمل من سيئاته ، كما :

6346 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع : " فليكتب وليملل الذي عليه الحق " فكان هذا واجبا - " وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا " يقول : لا يظلم منه شيئا .

6347 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولا يبخس منه شيئا " قال : لا ينقص من حق هذا الرجل شيئا إذا أملى .
[ ص: 57 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل )

قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا " فإن كان المدين الذي عليه المال " سفيها " يعني : جاهلا بالصواب في الذي عليه أن يمله على الكاتب ، كما : -

6348 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فإن كان الذي عليه الحق سفيها " أما السفيه : فالجاهل بالإملاء والأمور .

وقال آخرون : بل " السفيه " في هذا الموضع الذي عناه الله : الطفل الصغير .

ذكر من قال ذلك :

6349 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو ، حدثنا أسباط عن السدي : " فإن كان الذي عليه الحق سفيها " أما السفيه فهو الصغير .

6350 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال أخبرنا يزيد قال أخبرنا جويبر عن الضحاك في قوله : " فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا " قال : هو الصبي الصغير ، فليملل وليه بالعدل .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالآية تأويل من قال : " السفيه في هذا الموضع : الجاهل بالإملاء وموضع صواب ذلك من خطئه " لما قد بينا قبل من أن معنى " السفه " في كلام العرب : الجهل . [ ص: 58 ]

وقد يدخل في قوله : " فإن كان الذي عليه الحق سفيها " كل جاهل بصواب ما يمل من خطئه من صغير وكبير ، وذكر وأنثى . غير أن الذي هو أولى بظاهر الآية أن يكون مرادا بها كل جاهل بموضع خطأ ما يمل وصوابه من بالغي الرجال الذين لا يولى عليهم والنساء . لأنه جل ذكره ابتدأ الآية بقوله : " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى " والصبي ومن يولى عليه لا يجوز مداينته ، وأن الله - عز وجل - قد استثنى من الذين أمرهم بإملال كتاب الدين مع السفيه الضعيف ومن لا يستطيع إملاله ،ففي فصله - جل ثناؤه - الضعيف من السفيه ومن لا يستطيع إملاء الكتاب في الصفة التي وصف بها كل واحد منهم ما أنبأ عن أن كل واحد من الأصناف الثلاثة الذين ميز بين صفاتهم غير الصنفين الآخرين .

وإذا كان ذلك كذلك كان معلوما أن الموصوف بالسفه منهم دون الضعف هو ذو القوة على الإملال ، غير أنه وضع عنه فرض الإملال بجهله بموضع صواب ذلك من خطئه وأن الموصوف بالضعف منهم هو العاجز عن إملاله ، وإن كان شديدا رشيدا ، إما لعي لسانه أو خرس به وأن الموصوف بأنه لا يستطيع أن يمل هو الممنوع من إملاله ، إما بالحبس الذي لا يقدر معه على حضور الكاتب الذي يكتب الكتاب فيمل عليه ، وإما لغيبته عن موضع الإملال ، فهو غير قادر من أجل غيبته عن إملال الكتاب .

فوضع الله جل وعز عنهم فرض إملال ذلك ، للعلل التي وصفنا - إذا كانت بهم - وعذرهم بترك الإملال من أجلها ، وأمر عند سقوط فرض ذلك عليهم ولي [ ص: 59 ] الحق بإملاله فقال : " فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل " يعني : ولي الحق .

ولا وجه لقول من زعم أن " السفيه " في هذا الموضع هو الصغير ، وأن " الضعيف " هو الكبير الأحمق ؛ لأن ذلك إن كان كما قال يوجب أن يكون قوله : " أو لا يستطيع أن يمل هو " هو العاجز من الرجال العقلاء الجائزي الأمر في أموالهم وأنفسهم عن الإملال ، إما لعلة بلسانه من خرس أو غيره من العلل ، وإما لغيبته عن موضع الكتاب . وإذا كان ذلك كذلك معناه ، لبطل معنى قوله : " فليملل وليه بالعدل " لأن العاقل الرشيد لا يولى عليه في ماله وإن كان أخرس أو غائبا ، ولا يجوز حكم أحد في ماله إلا بأمره . وفي صحة معنى ذلك ما يقضي على فساد قول من زعم أن " السفيه " في هذا الموضع هو الطفل الصغير أو الكبير الأحمق .

ذكر من قال ذلك :

6351 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع : " فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل " يقول : ولي الحق .

6352 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل " قال يقول : إن كان عجز عن ذلك أمل صاحب الدين بالعدل . [ ص: 60 ]

ذكر الرواية عمن قال : " عنى بالضعيف في هذا الموضع : الأحمق " وبقوله : " فليملل وليه بالعدل " ولي السفيه والضعيف .

6353 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك : " فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو " قال : أمر ولي السفيه أو الضعيف أن يمل بالعدل .

6354 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : أما الضعيف فهو الأحمق .

6355 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : أما الضعيف فالأحمق .

6356 - حدثنا يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد : " فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا " لا يعرف فيثبت لهذا حقه ويجهل ذلك ، فوليه بمنزلته حتى يضع لهذا حقه .

وقد دللنا على أولى التأويلين بالصواب في ذلك .

وأما قوله : " فليملل وليه بالعدل " فإنه يعني : بالحق .
القول في تأويل قوله تعالى ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : واستشهدوا على حقوقكم شاهدين .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.21 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.31%)]