عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 30-01-2023, 10:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(368)
الحلقة (382)
صــ 25 إلى صــ 42




وإنما اخترنا ذلك ، لأن الله - عز وجل - أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن ينبذ إلى من أقام على شركه الذي لا يقر على المقام عليه ، وأن يقتل المرتد عن الإسلام منهم بكل حال إلا أن يراجع الإسلام ، آذنه المشركون بأنهم على حربه أو لم يؤذنوه . فإذ كان المأمور بذلك لا يخلو من أحد أمرين ، إما أن يكون كان مشركا مقيما [ ص: 25 ] على شركه الذي لا يقر عليه ، أو يكون كان مسلما فارتد وأذن بحرب . فأي الأمرين كان ، فإنما نبذ إليه بحرب ، لا أنه أمر بالإيذان بها إن عزم على ذلك . لأن الأمر إن كان إليه فأقام على أكل الربا مستحلا له ولم يؤذن المسلمون بالحرب ، لم يلزمهم حربه ، وليس ذلك حكمه في واحدة من الحالين ، فقد علم أنه المأذون بالحرب لا الآذن بها .

وعلى هذا التأويل تأوله أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

6261 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا " إلى قوله : ( فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) : فمن كان مقيما على الربا لا ينزع عنه ، فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه ، فإن نزع ، وإلا ضرب عنقه .

6262 - حدثني المثنى قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم قال حدثني أبي ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : يقال يوم القيامة لآكل الربا : " خذ سلاحك للحرب " .

6263 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم قال : حدثنا أبي ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله .

6264 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : ( وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) أوعدهم الله بالقتل كما تسمعون ، فجعلهم بهرجا أينما ثقفوا . [ ص: 26 ]

6265 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ، مثله .

6266 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع : " فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " أوعد الآكل الربا بالقتل .

6267 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : قوله : ( فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله .

قال أبو جعفر : وهذه الأخبار كلها تنبئ عن أن قوله : ( فأذنوا بحرب من الله ) إيذان من الله - عز وجل - لهم بالحرب والقتل ، لا أمر لهم بإيذان غيرهم .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بذلك : " إن تبتم " فتركتم أكل الربا وأنبتم إلى الله - عز وجل - " فلكم رءوس أموالكم " من الديون التي لكم على الناس ، دون الزيادة التي أحدثتموها على ذلك ربا منكم ، كما :

6268 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم " والمال الذي لهم على ظهور الرجال ، جعل لهم [ ص: 27 ] رءوس أموالهم حين نزلت هذه الآية ، فأما الربح والفضل فليس لهم ، ولا ينبغي لهم أن يأخذوا منه شيئا .

6269 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم عن جويبر عن الضحاك قال : وضع الله الربا ، وجعل لهم رءوس أموالهم .

6270 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله : " وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم " قال : ما كان لهم من دين ، فجعل لهم أن يأخذوا رءوس أموالهم ، ولا يزدادوا عليه شيئا .

6271 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم " الذي أسلفتم ، وسقط الربا .

6272 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته يوم الفتح : " ألا إن ربا الجاهلية موضوع كله ، وأول ربا أبتدئ به ربا العباس بن عبد المطلب " .

6273 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته : " إن كل ربا موضوع ، وأول ربا يوضع ربا العباس " . .
[ ص: 28 ] القول في تأويل قوله تعالى ( لا تظلمون ولا تظلمون ( 279 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : " لا تظلمون " بأخذكم رءوس أموالكم التي كانت لكم قبل الإرباء على غرمائكم منهم ، دون أرباحها التي زدتموها ربا على من أخذتم ذلك منه من غرمائكم ، فتأخذوا منهم ما ليس لكم أخذه ، أو لم يكن لكم قبل " ولا تظلمون " يقول : ولا الغريم الذي يعطيكم ذلك دون الربا الذي كنتم ألزمتموه من أجل الزيادة في الأجل ، يبخسكم حقا لكم عليه فيمنعكموه ، لأن ما زاد على رءوس أموالكم لم يكن حقا لكم عليه ، فيكون بمنعه إياكم ذلك ظالما لكم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن عباس يقول وغيره من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

6274 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس : " وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون " فتربون " ولا تظلمون " فتنقصون .

6275 - وحدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون " قال : لا تنقصون من أموالكم ، ولا تأخذون باطلا لا يحل لكم .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بذلك : " وإن كان " ممن تقبضون منه من غرمائكم رءوس أموالكم " ذو عسرة " يعني : معسرا برءوس أموالكم التي كانت لكم عليهم قبل الإرباء ، فأنظروهم إلى ميسرتهم . [ ص: 29 ]

وقوله : " ذو عسرة " مرفوع ب " كان " فالخبر متروك ، وهو ما ذكرنا . وإنما صلح ترك خبرها من أجل أن النكرات تضمر لها العرب أخبارها ، ولو وجهت " كان " في هذا الموضع ، إلى أنها بمعنى الفعل المكتفي بنفسه التام ، لكان وجها صحيحا ، ولم يكن بها حاجة حينئذ إلى خبر . فيكون تأويل الكلام عند ذلك : وإن وجد ذو عسرة من غرمائكم برءوس أموالكم ، فنظرة إلى ميسرة .

وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبي بن كعب : ( وإن كان ذا عسرة ) ، بمعنى وإن كان الغريم ذا عسرة " فنظرة إلى ميسرة " . وذلك وإن كان في العربية جائزا فغير جائز القراءة به عندنا ، لخلافه خطوط مصاحف المسلمين .

وأما قوله : ( فنظرة إلى ميسرة ) ، فإنه يعني : فعليكم أن تنظروه إلى ميسرة ، كما قال : ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام ) [ سورة البقرة : 196 ] ، وقد ذكرنا وجه رفع ما كان من نظائرها فيما مضى قبل ، فأغنى عن تكريره . .

و " الميسرة " المفعلة من " اليسر " مثل " المرحمة " و " المشأمة " .

ومعنى الكلام : وإن كان من غرمائكم ذو عسرة ، فعليكم أن تنظروه حتى يوسر بالدين الذي لكم ، فيصير من أهل اليسر به .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . [ ص: 30 ]

ذكر من قال ذلك :

6277 - حدثني واصل بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس في قوله : " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " قال : نزلت في الربا .

6278 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا هشام عن ابن سيرين : أن رجلا خاصم رجلا إلى شريح قال : فقضى عليه وأمر بحبسه ، قال : فقال رجل عند شريح : إنه معسر ، والله يقول في كتابه : " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " ! قال : فقال شريح : إنما ذلك في الربا ! وإن الله قال في كتابه : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) [ سورة النساء : 58 ] ولا يأمرنا الله بشيء ثم يعذبنا عليه .

6279 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال أخبرنا مغيرة عن إبراهيم في قوله : " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " قال : ذلك في الربا .

6280 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال أخبرنا مغيرة عن الشعبي أن الربيع بن خثيم كان له على رجل حق ، فكان يأتيه ويقوم على بابه ويقول : أي فلان ، إن كنت موسرا فأد ، وإن كنت معسرا فإلى ميسرة .

6281 - حدثنا يعقوب قال : حدثنا ابن علية عن أيوب عن محمد قال : جاء رجل إلى شريح فكلمه فجعل يقول : إنه معسر ، إنه معسر ! ! قال : فظننت أنه يكلمه في محبوس ، فقال شريح : إن الربا كان في هذا الحي من الأنصار ، [ ص: 31 ] فأنزل الله - عز وجل - : " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " وقال الله - عز وجل - : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) ، فما كان الله - عز وجل - يأمرنا بأمر ثم يعذبنا عليه ، أدوا الأمانات إلى أهلها .

6282 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية عن سعيد عن قتادة في قوله : " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " قال : فنظرة إلى ميسرة برأس ماله .

6283 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " إنما أمر في الربا أن ينظر المعسر ، وليست النظرة في الأمانة ، ولكن يؤدي الأمانة إلى أهلها .

6284 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " وإن كان ذو عسرة فنظرة " برأس المال " إلى ميسرة " يقول : إلى غنى .

6285 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " هذا في شأن الربا .

6286 - حدثت عن الحسين قال سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك في قوله : ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) ، هذا في شأن الربا ، وكان أهل الجاهلية بها يتبايعون ، فلما أسلم من أسلم منهم ، أمروا أن يأخذوا رءوس أموالهم . [ ص: 32 ]

6287 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس : " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " يعني المطلوب .

6288 - حدثني ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل عن جابر عن أبي جعفر في قوله : " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " قال : الموت .

6289 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا إسرائيل عن جابر عن محمد بن علي مثله .

6290 - حدثني المثنى قال : حدثنا قبيصة بن عقبة قال : حدثنا سفيان عن المغيرة عن إبراهيم : " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " قال : هذا في الربا .

6291 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا شريك عن منصور عن إبراهيم في الرجل يتزوج إلى الميسرة ، قال : إلى الموت ، أو إلى فرقة .

6292 - حدثنا أحمد قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم : " فنظرة إلى ميسرة " قال : ذلك في الربا .

6293 - حدثنا أحمد قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا مندل عن ليث عن مجاهد : " فنظرة إلى ميسرة " قال : يؤخره ، ولا يزد عليه . وكان إذا حل دين أحدهم فلم يجد ما يعطيه ، زاد عليه وأخره .

6294 - وحدثني أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا مندل عن ليث عن مجاهد : " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " قال : يؤخره ولا يزد عليه . [ ص: 33 ]

وقال آخرون : هذه الآية عامة في كل من كان له قبل رجل معسر حق من أي وجهة كان ذلك الحق من دين حلال أو ربا .

ذكر من قال ذلك :

6295 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال أخبرنا يزيد قال أخبرنا جويبر عن الضحاك قال : من كان ذا عسرة فنظرة إلى ميسرة ، وأن تصدقوا خير لكم . قال : وكذلك كل دين على مسلم ، فلا يحل لمسلم له دين على أخيه يعلم منه عسرة أن يسجنه ، ولا يطلبه حتى ييسره الله عليه . وإنما جعل النظرة في الحلال ، فمن أجل ذلك كانت الديون على ذلك .

6296 - حدثني علي بن حرب قال : حدثنا ابن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس : " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " قال : نزلت في الدين .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في قوله : " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " أنه معني به غرماء الذين كانوا أسلموا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولهم عليهم ديون قد أربوا فيها في الجاهلية ، فأدركهم الإسلام قبل أن يقبضوها منهم ، فأمر الله بوضع ما بقي من الربا بعد ما أسلموا ، وبقبض رءوس أموالهم ، ممن كان منهم من غرمائهم موسرا ، أو إنظار من كان منهم معسرا برءوس أموالهم إلى ميسرتهم . فذلك حكم كل من أسلم وله ربا قد أربى على غريم له ، فإن الإسلام يبطل عن غريمه ما كان له عليه من قبل الربا ، ويلزمه أداء رأس ماله - الذي كان أخذ منه ، أو لزمه [ ص: 34 ] من قبل الإرباء - إليه ، إن كان موسرا . وإن كان معسرا ، كان منظرا برأس مال صاحبه إلى ميسرته ، وكان الفضل على رأس المال مبطلا عنه .

غير أن الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا ، وإياهم عنى بها ، فإن الحكم الذي حكم الله به من إنظاره المعسر برأس مال المربي بعد بطول الربا عنه حكم واجب لكل من كان عليه دين لرجل قد حل عليه ، وهو بقضائه معسر في أنه منظر إلى ميسرته ، لأن دين كل ذي دين ، في مال غريمه ، وعلى غريمه قضاؤه منه - لا في رقبته . فإذا عدم ماله ، فلا سبيل له على رقبته بحبس ولا بيع ، وذلك أن مال رب الدين لن يخلو من أحد وجوه ثلاثة : إما أن يكون في رقبة غريمه ، أو في ذمته يقضيه من ماله ، أو في مال له بعينه .

فإن يكن في مال له بعينه ، فمتى بطل ذلك المال وعدم فقد بطل دين رب المال ، وذلك ما لا يقوله أحد .

ويكون في رقبته ، فإن يكن كذلك ، فمتى عدمت نفسه فقد بطل دين رب الدين ، وإن خلف الغريم وفاء بحقه وأضعاف ذلك ، وذلك أيضا لا يقوله أحد .

فقد تبين إذا ، إذ كان ذلك كذلك ، أن دين رب المال في ذمة غريمه يقضيه من ماله ، فإذا عدم ماله فلا سبيل له على رقبته ، لأنه قد عدم ما كان عليه أن يؤدي منه حق صاحبه لو كان موجودا ، وإذا لم يكن على رقبته سبيل ، لم يكن إلى حبسه وهو معدوم بحقه سبيل ؛ لأنه غير مانعه حقا ، له إلى قضائه سبيل ، فيعاقب بمطله إياه بالحبس .
[ ص: 35 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ( 280 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل وعز بذلك : وأن تتصدقوا برءوس أموالكم على هذا المعسر " خير لكم " أيها القوم من أن تنظروه إلى ميسرته ، لتقبضوا رءوس أموالكم منه إذا أيسر " إن كنتم تعلمون " موضع الفضل في الصدقة ، وما أوجب الله من الثواب لمن وضع عن غريمه المعسر دينه .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : معنى ذلك : " وأن تصدقوا " برءوس أموالكم على الغني والفقير منهم " خير لكم " .

ذكر من قال ذلك :

6297 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم " ، والمال الذي لهم على ظهور الرجال جعل لهم رءوس أموالهم حين نزلت هذه الآية . فأما الربح والفضل فليس لهم ، ولا ينبغي لهم أن يأخذوا منه شيئا " وأن تصدقوا خير لكم " يقول : أن تصدقوا بأصل المال ، خير لكم .

6298 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية عن سعيد عن قتادة : [ ص: 36 ] " وأن تصدقوا " أي برأس المال ، فهو خير لكم .

6299 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان عن مغيرة عن إبراهيم : ( وأن تصدقوا خير لكم ) قال : من رءوس أموالكم .

6300 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى عن سفيان عن المغيرة عن إبراهيم بمثله .

6301 - حدثني المثنى قال : حدثنا قبيصة بن عقبة قال : حدثنا سفيان عن مغيرة عن إبراهيم : " وأن تصدقوا خير لكم " قال : أن تصدقوا برءوس أموالكم .

وقال آخرون : معنى ذلك : وأن تصدقوا به على المعسر خير لكم - نحو ما قلنا في ذلك .

ذكر من قال ذلك :

6302 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " وأن تصدقوا خير لكم " قال : وأن تصدقوا برءوس أموالكم على الفقير ، فهو خير لكم ، فتصدق به العباس .

6303 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع : ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم ) ، يقول : وإن تصدقت عليه برأس مالك فهو خير لك .

6304 - حدثت عن الحسين قال سمعت أبا معاذ قال أخبرنا عبيد قال سمعت الضحاك في قوله : ( وأن تصدقوا خير لكم ) ، يعني : على المعسر ، فأما الموسر فلا ولكن يؤخذ منه رأس المال ، والمعسر الأخذ منه حلال والصدقة عليه أفضل .

6305 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم عن [ ص: 37 ] جويبر عن الضحاك : وأن تصدقوا برءوس أموالكم خير لكم من نظرة إلى ميسرة . فاختار الله - عز وجل - الصدقة على النظارة .

6306 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله : " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم " قال : من النظرة " إن كنتم تعلمون " .

6307 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال أخبرنا يزيد قال أخبرنا جويبر عن الضحاك : ( فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم ) ، والنظرة واجبة ، وخير الله - عز وجل - الصدقة على النظرة ، والصدقة لكل معسر ، فأما الموسر فلا .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالصواب تأويل من قال : معناه : " وأن تصدقوا على المعسر برءوس أموالكم خير لكم " لأنه يلي ذكر حكمه في المعنيين . وإلحاقه بالذي يليه أحب إلي من إلحاقه بالذي بعد منه .

قال أبو جعفر : وقد قيل إن هذه الآيات في أحكام الربا ، هن آخر آيات نزلت من القرآن .

ذكر من قال ذلك :

6308 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد وحدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب قال : كان آخر ما نزل من القرآن آية الربا ، [ ص: 38 ] وإن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قبض قبل أن يفسرها ، فدعوا الربا والريبة .

6039 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا داود عن عامر : أن عمر رضي الله عنه قام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " أما بعد ، فإنه والله ما أدري لعلنا نأمركم بأمر لا يصلح لكم ، وما أدري لعلنا ننهاكم عن أمر يصلح لكم ، وإنه كان من آخر القرآن تنزيلا آيات الربا ، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يبينه لنا ، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم " . [ ص: 39 ]

6310 - حدثني أبو زيد عمر بن شبة قال : حدثنا قبيصة قال : حدثنا سفيان الثوري عن عاصم الأحول عن الشعبي عن ابن عباس قال : آخر ما أنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آية الربا ، وإنا لنأمر بالشيء لا ندري لعل به بأسا ، وننهى عن الشيء لعله ليس به بأس .
القول في تأويل قوله تعالى ( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ( 281 ) )

قال أبو جعفر : وقيل : هذه الآية أيضا آخر آية نزلت من القرآن .

ذكر من قال ذلك :

6311 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا أبو تميلة قال : حدثنا الحسين بن واقد [ ص: 40 ] عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال : آخر آية نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - : " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله " .

6312 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله . . . " الآية ، فهي آخر آية من الكتاب أنزلت .

6313 - حدثني محمد بن عمارة قال : حدثنا سهل بن عامر قال : حدثنا مالك بن مغول عن عطية قال : آخر آية نزلت : " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " .

[ ص: 41 ] 6314 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسماعيل بن أبي خالد عن السدي قال : آخر آية نزلت : " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله " .

6315 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو تميلة عن عبيد بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس وحجاج عن ابن جريج قال قال ابن عباس آخر آية نزلت من القرآن : " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " قال ابن جريج : يقولون إن النبي - صلى الله عليه وسلم - مكث بعدها تسع ليال ، وبدئ يوم السبت ، ومات يوم الاثنين .

6316 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال حدثني سعيد بن المسيب : أنه بلغه أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين .

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : واحذروا أيها الناس يوما ترجعون [ ص: 42 ] فيه إلى الله " فتلقونه فيه ، أن تردوا عليه بسيئات تهلككم ، أو بمخزيات تخزيكم ، أو بفاضحات تفضحكم ، فتهتك أستاركم ، أو بموبقات توبقكم ، فتوجب لكم من عقاب الله ما لا قبل لكم به ، وإنه يوم مجازاة بالأعمال ، لا يوم استعتاب ، ولا يوم استقالة وتوبة وإنابة ، ولكنه يوم جزاء وثواب ومحاسبة ، توفى فيه كل نفس أجرها على ما قدمت واكتسبت من سيئ وصالح ، لا تغادر فيه صغيرة ولا كبيرة من خير وشر إلا أحضرت ، فوفيت جزاءها بالعدل من ربها ، وهم لا يظلمون . وكيف يظلم من جوزي بالإساءة مثلها ، وبالحسنة عشر أمثالها ؟ ! كلا بل عدل عليك أيها المسيء ، وتكرم عليك فأفضل وأسبغ أيها المحسن ، فاتقى امرؤ ربه ، وأخذ منه حذره ، وراقبه أن يهجم عليه يومه ، وهو من الأوزار ظهره ثقيل ، ومن صالحات الأعمال خفيف ، فإنه - عز وجل - حذر فأعذر ، ووعظ فأبلغ .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 50.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.52 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.25%)]