عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 30-01-2023, 10:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,231
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(367)
الحلقة (381)
صــ 7 إلى صــ 24




[ ص: 7 ] القول في تأويل قوله تعالى ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : الذين يربون .

و " الإرباء " الزيادة على الشيء ، يقال منه : " أربى فلان على فلان " إذا زاد عليه " يربي إرباء " والزيادة هي " الربا " " وربا الشيء " إذا زاد على ما كان عليه فعظم " فهو يربو ربوا " . وإنما قيل للرابية [ رابية ] ؛ لزيادتها في العظم والإشراف على ما استوى من الأرض مما حولها من قولهم : " ربا يربو " . ومن ذلك قيل : " فلان في رباوة قومه " يراد أنه في رفعة وشرف منهم . فأصل " الربا " الإنافة والزيادة ، ثم يقال : " أربى فلان " أي أناف [ ماله حين ] صيره زائدا . وإنما قيل للمربي : " مرب " ؛ لتضعيفه المال الذي كان له على غريمه حالا أو لزيادته عليه فيه لسبب الأجل الذي يؤخره إليه فيزيده إلى أجله الذي كان له قبل حل دينه عليه . ولذلك قال - جل ثناؤه - : ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ) . [ آل عمران : 131 ] . [ ص: 8 ]

وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :

ذكر من قال ذلك :

6235 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال في الربا الذي نهى الله عنه : كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول : لك كذا وكذا وتؤخر عني ؟ فيؤخر عنه .

6236 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

6237 - حدثني بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : أن ربا أهل الجاهلية : يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى ، فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء ، زاده وأخر عنه .

قال أبو جعفر : فقال - جل ثناؤه - : الذين يربون الربا الذي وصفنا صفته في الدنيا " لا يقومون " في الآخرة من قبورهم " إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " يعني بذلك : يتخبله الشيطان في الدنيا ، وهو الذي يخنقه فيصرعه " من المس " يعني : من الجنون .

وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

6238 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، [ ص: 9 ] عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله - عز وجل - : " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " يوم القيامة في أكل الربا في الدنيا .

6239 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

6240 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم قال حدثني أبي ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " قال : ذلك حين يبعث من قبره .

6241 - حدثني المثنى قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم قال حدثني أبي ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : يقال يوم القيامة لآكل الربا : " خذ سلاحك للحرب " وقرأ : " لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " قال : ذلك حين يبعث من قبره .

6242 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير : " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " الآية . قال : يبعث آكل الربا يوم القيامة مجنونا يخنق .

6243 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : [ ص: 10 ] " الذين يأكلون الربا لا يقومون " الآية ، وتلك علامة أهل الربا يوم القيامة ، بعثوا وبهم خبل من الشيطان .

6244 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " قال : هو التخبل الذي يتخبله الشيطان من الجنون .

6245 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " قال : يبعثون يوم القيامة وبهم خبل من الشيطان . وهي في بعض القراءة : ( " لا يقومون يوم القيامة " ) .

6246 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك في قوله : " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " قال : من مات وهو يأكل الربا بعث يوم القيامة متخبطا ، كالذي يتخبطه الشيطان من المس .

6247 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " يعني : من الجنون .

6248 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله : " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " . قال : هذا مثلهم يوم القيامة ، لا يقومون يوم القيامة مع الناس إلا كما يقوم الذي يخنق من الناس ، كأنه خنق ، كأنه مجنون . [ ص: 11 ]

قال أبو جعفر : ومعنى قوله : " يتخبطه الشيطان من المس " يتخبله من مسه إياه . يقال منه : " قد مس الرجل وألق ، فهو ممسوس ومألوق " كل ذلك إذا ألم به اللمم فجن . ومنه قول الله - عز وجل - : ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا ) [ الأعراف : 201 ] ومنه قول الأعشى :


وتصبح عن غب السرى وكأنما ألم بها من طائف الجن أولق


فإن قال لنا قائل : أفرأيت من عمل ما نهى الله عنه من الربا في تجارته ولم يأكله ، أيستحق هذا الوعيد من الله ؟

قيل : نعم ، وليس المقصود من الربا في هذه الآية الأكل ، إلا أن الذين نزلت فيهم هذه الآيات يوم نزلت كانت طعمتهم ومأكلهم من الربا ، فذكرهم بصفتهم معظما بذلك عليهم أمر الربا ، ومقبحا إليهم الحال التي هم عليها في مطاعمهم ، وفي قوله - جل ثناؤه - : [ ص: 12 ] ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) [ سورة البقرة : 278 - 279 ] الآية ، ما ينبئ عن صحة ما قلنا في ذلك ، وأن التحريم من الله في ذلك كان لكل معاني الربا ، وأن سواء العمل به وأكله وأخذه وإعطاؤه ، كالذي تظاهرت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله :

6249 - " لعن الله آكل الربا ، ومؤكله ، وكاتبه ، وشاهديه إذا علموا به " .
القول في تأويل قوله : ( ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا )

قال أبو جعفر : يعني ب " ذلك " - جل ثناؤه - : ذلك الذي وصفهم به من قيامهم يوم القيامة من قبورهم كقيام الذي يتخبطه الشيطان من المس من الجنون فقال - تعالى ذكره - : هذا الذي ذكرنا أنه يصيبهم يوم القيامة من قبح حالهم ووحشة قيامهم من قبورهم ، وسوء ما حل بهم من أجل أنهم كانوا في الدنيا يكذبون ويفترون ويقولون : " إنما البيع " الذي أحله الله لعباده " مثل الربا " ؛ وذلك أن الذين كانوا يأكلون من الربا من أهل الجاهلية ، كان إذا حل مال أحدهم [ ص: 13 ] على غريمه ، يقول الغريم لغريم الحق : " زدني في الأجل وأزيدك في مالك " . فكان يقال لهما إذا فعلا ذلك : " هذا ربا لا يحل " . فإذا قيل لهما ذلك قالا " سواء علينا زدنا في أول البيع أو عند محل المال " . فكذبهم الله في قيلهم فقال : " وأحل الله البيع " .
القول في تأويل قوله تعالى ( وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( 275 ) )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - : وأحل الله الأرباح في التجارة والشراء والبيع " وحرم الربا " يعني الزيادة التي يزاد رب المال بسبب زيادته غريمه في الأجل ، وتأخيره دينه عليه . يقول - عز وجل - : فليست الزيادتان - اللتان إحداهما من وجه البيع والأخرى من وجه تأخير المال والزيادة في الأجل - سواء . وذلك أني حرمت إحدى الزيادتين وهي التي من وجه تأخير المال والزيادة في الأجل وأحللت الأخرى منهما ، وهي التي من وجه الزيادة على رأس المال الذي ابتاع به البائع سلعته التي يبيعها ، فيستفضل فضلها . فقال الله - عز وجل - : ليست الزيادة من وجه البيع نظير الزيادة من وجه الربا ؛ لأني أحللت البيع ، وحرمت الربا ، والأمر أمري والخلق خلقي ، أقضي فيهم ما أشاء ، وأستعبدهم بما أريد ، ليس لأحد منهم أن يعترض في حكمي ، ولا أن يخالف أمري ، وإنما عليهم طاعتي والتسليم لحكمي . [ ص: 14 ]

ثم قال - جل ثناؤه - : " فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى " يعني ب " الموعظة " التذكير والتخويف الذي ذكرهم وخوفهم به في آي القرآن ، وأوعدهم على أكلهم الربا من العقاب . يقول - جل ثناؤه - : فمن جاءه ذلك " فانتهى " عن أكل الربا وارتدع عن العمل به وانزجر عنه " فله ما سلف " يعني : ما أكل ، وأخذ فمضى قبل مجيء الموعظة والتحريم من ربه في ذلك " وأمره إلى الله " يعني : وأمر آكله - بعد مجيئه الموعظة من ربه والتحريم وبعد انتهاء آكله عن أكله - إلى الله في عصمته وتوفيقه ، إن شاء عصمه عن أكله وثبته في انتهائه عنه ، وإن شاء خذله عن ذلك " ومن عاد " يقول : ومن عاد لأكل الربا بعد التحريم ، وقال ما كان يقوله قبل مجيء الموعظة من الله بالتحريم من قوله : " إنما البيع مثل الربا " فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يعني : ففاعلو ذلك وقائلوه هم أهل النار ، يعني نار جهنم ، فيها خالدون .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

6250 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله " أما " الموعظة " فالقرآن ، وأما " ما سلف " فله ما أكل من الربا .
[ ص: 15 ] القول في تأويل قوله تعالى ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم ( 276 ) )

قال أبو جعفر : يعني - عز وجل - بقوله : " يمحق الله الربا " ينقص الله الربا فيذهبه كما : -

6251 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قال قال ابن عباس : " يمحق الله الربا " قال : ينقص .

وهذا نظير الخبر الذي روي عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :

6252 - " الربا وإن كثر فإلى قل " . .

وأما قوله : " ويربي الصدقات " فإنه - جل ثناؤه - يعني أنه يضاعف أجرها ، يربها وينميها له .

وقد بينا معنى " الربا " قبل " والإرباء " وما أصله بما فيه الكفاية من إعادته . [ ص: 16 ]

فإن قال لنا قائل : وكيف إرباء الله الصدقات ؟

قيل : إضعافه الأجر لربها ، كما قال - جل ثناؤه - : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) [ سورة البقرة : 261 ] ، وكما قال : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) [ سورة البقرة : 245 ] وكما : -

6253 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا عباد بن منصور عن القاسم : أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله - عز وجل - يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره ، حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد ، وتصديق ذلك في كتاب الله - عز وجل - : ( ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ) [ سورة التوبة : 104 ] و " يمحق الله الربا ويربي الصدقات " . . [ ص: 17 ]

6254 - حدثني سليمان بن عمر بن خالد الأقطع قال : حدثنا ابن المبارك عن سفيان عن عباد بن منصور عن القاسم بن محمد عن أبي هريرة ولا أراه إلا قد رفعه قال : إن الله - عز وجل - يقبل الصدقة ، ولا يقبل إلا الطيب . " . [ ص: 18 ]

6255 - حدثني محمد بن عمر بن علي المقدمي قال : حدثنا ريحان بن سعيد قال : حدثنا عباد عن القاسم عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله تبارك وتعالى يقبل الصدقة ولا يقبل منها إلا الطيب ، ويربيها لصاحبها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله ، حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد ، وتصديق ذلك في كتاب الله - عز وجل - : ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات ) . . [ ص: 19 ]

6256 - حدثني محمد بن عبد الملك قال : حدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر عن أيوب عن القاسم بن محمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن العبد إذا تصدق من طيب تقبلها الله منه ، ويأخذها بيمينه ويربيها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله . وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله أو قال : " في كف الله - عز وجل - حتى تكون مثل أحد ، فتصدقوا " . .

6257 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان قال [ ص: 20 ] سمعت يونس عن صاحب له ، عن القاسم بن محمد قال : قال أبو هريرة : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله - عز وجل - يقبل الصدقة بيمينه ، ولا يقبل منها إلا ما كان طيبا ، والله يربي لأحدكم لقمته كما يربي أحدكم مهره وفصيله ، حتى يوافى بها يوم القيامة وهي أعظم من أحد " . . [ ص: 21 ]

قال أبو جعفر : وأما قوله : " والله لا يحب كل كفار أثيم " فإنه يعني به : والله لا يحب كل مصر على كفر بربه ، مقيم عليه ، مستحل أكل الربا وإطعامه " أثيم " متماد في الإثم ، فيما نهاه عنه من أكل الربا والحرام وغير ذلك من معاصيه ، لا ينزجر عن ذلك ولا يرعوي عنه ، ولا يتعظ بموعظة ربه التي وعظه بها في تنزيله وآي كتابه .
القول في تأويل قوله تعالى ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 277 ) )

قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله - عز وجل - بأن الذين آمنوا يعني الذين صدقوا بالله وبرسوله ، وبما جاء به من عند ربهم من تحريم الربا وأكله ، وغير ذلك من سائر شرائع دينه " وعملوا الصالحات " التي أمرهم الله - عز وجل - بها ، والتي ندبهم إليها " وأقاموا الصلاة " المفروضة بحدودها ، وأدوها بسننها " وآتوا الزكاة " المفروضة عليهم في أموالهم ، بعد الذي سلف منهم من أكل الربا قبل مجيء الموعظة فيه من عند ربهم " لهم أجرهم " يعني ثواب ذلك من أعمالهم وإيمانهم وصدقتهم " عند ربهم " يوم حاجتهم إليه في معادهم ولا خوف عليهم " يومئذ من عقابه على ما كان سلف منهم في جاهليتهم وكفرهم قبل مجيئهم موعظة من ربهم من أكل ما كانوا أكلوا من الربا بما كان من إنابتهم وتوبتهم إلى الله - عز وجل - من ذلك عند مجيئهم الموعظة من ربهم ، [ ص: 22 ] وتصديقهم بوعد الله ووعيده " ولا هم يحزنون " على تركهم ما كانوا تركوا في الدنيا من أكل الربا والعمل به ، إذا عاينوا جزيل ثواب الله تبارك وتعالى ، وهم على تركهم ما تركوا من ذلك في الدنيا ابتغاء رضوانه في الآخرة ، فوصلوا إلى ما وعدوا على تركه .
القول في تأويل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ( 278 ) )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بذلك : " يا أيها الذين آمنوا " صدقوا بالله وبرسوله " اتقوا الله " يقول : خافوا الله على أنفسكم فاتقوه بطاعته فيما أمركم به ، والانتهاء عما نهاكم عنه " وذروا " يعني : ودعوا " ما بقي من الربا " يقول : اتركوا طلب ما بقي لكم من فضل على رءوس أموالكم التي كانت لكم قبل أن تربوا عليها " إن كنتم مؤمنين " يقول : إن كنتم محققين إيمانكم قولا وتصديقكم بألسنتكم بأفعالكم . .

قال أبو جعفر : وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم أسلموا ولهم على قوم أموال من ربا كانوا أربوه عليهم ، فكانوا قد قبضوا بعضه منهم ، وبقي بعض ، فعفا الله - جل ثناؤه - لهم عما كانوا قد قبضوه قبل نزول هذه الآية ، وحرم عليهم اقتضاء ما بقي منه .

ذكر من قال ذلك :

6258 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا " إلى : " ولا تظلمون " قال : نزلت هذه الآية في العباس بن عبد المطلب ورجل من بني المغيرة ، كانا [ ص: 23 ] شريكين في الجاهلية ، يسلفان في الربا إلى أناس من ثقيف من بني عمرو وهم بنو عمرو بن عمير ، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا ، فأنزل الله " ذروا ما بقي " من فضل كان في الجاهلية " من الربا " .

6259 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين " قال : كانت ثقيف قد صالحت النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن ما لهم من ربا على الناس وما كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع . فلما كان الفتح ، استعمل عتاب بن أسيد على مكة ، وكانت بنو عمرو بن عمير بن عوف يأخذون الربا من بني المغيرة ، وكانت بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية ، فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كثير . فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم ، فأبي بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام ، ورفعوا ذلك إلى عتاب بن أسيد ، فكتب عتاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " إلى " ولا تظلمون " . فكتب بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عتاب وقال : " إن رضوا وإلا فآذنهم بحرب " وقال ابن جريج عن عكرمة قوله : " اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا " قال : كانوا يأخذون الربا على بني المغيرة ، يزعمون أنهم مسعود وعبد ياليل وحبيب وربيعة ، بنو عمرو بن عمير ، فهم الذين كان لهم الربا على بني المغيرة ، فأسلم عبد ياليل وحبيب وربيعة وهلال ومسعود .

6260 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا جويبر ، [ ص: 24 ] عن الضحاك في قوله : " اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين " قال : كان ربا يتبايعون به في الجاهلية ، فلما أسلموا أمروا أن يأخذوا رءوس أموالهم .
القول في تأويل قوله تعالى ( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( فإن لم تفعلوا ) فإن لم تذروا ما بقي من الربا .

واختلف القرأة في قراءة قوله : " فأذنوا بحرب من الله ورسوله " .

فقرأته عامة قرأة أهل المدينة : " فأذنوا " بقصر الألف من " فآذنوا " وفتح ذالها ، بمعنى كونوا على علم وإذن .

وقرأه آخرون وهي قراءة عامة قرأة الكوفيين : " فآذنوا " بمد الألف من قوله : " فأذنوا " وكسر ذالها ، بمعنى فآذنوا غيركم ، أعلموهم وأخبروهم بأنكم على حربهم .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ : " فأذنوا " بقصر ألفها وفتح ذالها ، بمعنى اعلموا ذلك واستيقنوه ، وكونوا على إذن من الله - عز وجل - لكم بذلك .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.11 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.40%)]