عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 30-01-2023, 11:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(366)
الحلقة (380)
صــ 576 إلى صــ 602



[ ص: 587 ] القول في تأويل قوله - عز وجل - ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ( 272 ) )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : ليس عليك يا محمد هدى المشركين إلى الإسلام فتمنعهم صدقة التطوع ، ولا تعطيهم منها ليدخلوا في الإسلام حاجة منهم إليها ، ولكن الله هو يهدي من يشاء من خلقه إلى الإسلام فيوفقهم له ، فلا تمنعهم الصدقة كما : -

6201 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن شعبة قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يتصدق على المشركين ، فنزلت : " وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله " فتصدق عليهم .

6202 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو داود ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كانوا لا يرضخون لقراباتهم من المشركين ، فنزلت : " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء " . .

6203 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، [ ص: 588 ] عن سعيد بن جبير قال : كانوا يتقون أن يرضخوا لقراباتهم من المشركين ، حتى نزلت : " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء " .

6204 - حدثنا محمد بن بشار وأحمد بن إسحاق قالا : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كانوا لا يرضخون لأنسبائهم من المشركين ، فنزلت : " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء " فرخص لهم .

6205 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان أناس من الأنصار لهم أنسباء وقرابة من قريظة والنضير ، وكانوا يتقون أن يتصدقوا عليهم ، ويريدونهم أن يسلموا ، فنزلت : " ليس عليك هداهم . . . " الآية .

6206 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، وذكر لنا أن رجالا من أصحاب نبي الله قالوا : أنتصدق على من ليس من أهل ديننا ؟ فأنزل الله في ذلك القرآن : " ليس عليك هداهم " .

6207 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء " قال : كان الرجل من المسلمين إذا كان بينه وبين الرجل من المشركين قرابة وهو محتاج ، فلا يتصدق عليه ، يقول : ليس من أهل ديني ! ! فأنزل الله - عز وجل - : " ليس عليك هداهم " الآية .

6208 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن [ ص: 589 ] السدي قوله : " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم " أما " ليس عليك هداهم " فيعني المشركين ، وأما " النفقة " فبين أهلها .

6209 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير قال : كانوا يتصدقون [ على فقراء أهل الذمة ، فلما كثر فقراء المسلمين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تتصدقوا إلا على أهل دينكم . فنزلت هذه الآية مبيحة للصدقة على من ليس من دين الإسلام ] .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كما : -

6210 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " يوف إليكم وأنتم لا تظلمون " قال : هو مردود عليك ، فما لك ولهذا تؤذيه وتمن عليه ؟ إنما نفقتك لنفسك وابتغاء وجه الله ، والله يجزيك .
[ ص: 590 ] القول في تأويل قوله ( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم ( 273 ) )

قال أبو جعفر : أما قوله : " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " فبيان من الله - عز وجل - عن سبيل النفقة ووجهها . ومعنى الكلام : وما تنفقوا من خير فلأنفسكم تنفقون للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله .

" واللام " التي في " الفقراء " مردودة على موضع " اللام " في " فلأنفسكم " كأنه قال : " وما تنفقوا من خير " - يعني به : وما تتصدقوا به من مال فللفقراء الذين أحصروا في سبيل الله . فلما اعترض في الكلام بقوله : " فلأنفسكم " فأدخل " الفاء " التي هي جواب الجزاء فيه ، تركت إعادتها في قوله : " للفقراء " إذ كان الكلام مفهوما معناه كما : -

6211 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم " أما : " ليس عليك هداهم " فيعني المشركين . وأما " النفقة " فبين أهلها ، فقال : " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " . .

وقيل : إن هؤلاء الفقراء الذين ذكرهم الله في هذه الآية ، هم فقراء المهاجرين عامة دون غيرهم من الفقراء .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 591 ]

6212 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " مهاجري قريش بالمدينة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالصدقة عليهم .

6213 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه قوله : " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " الآية ، قال : هم فقراء المهاجرين بالمدينة .

6214 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدى : " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " قال : فقراء المهاجرين .
القول في تأويل قوله عز وجل ( الذين أحصروا في سبيل الله )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : الذين جعلهم جهادهم عدوهم يحصرون أنفسهم فيحبسونها عن التصرف فلا يستطيعون تصرفا .

وقد دللنا فيما مضى قبل على أن معنى " الإحصار " تصيير الرجل المحصر بمرضه أو فاقته أو جهاده عدوه وغير ذلك من علله إلى حالة يحبس نفسه فيها عن التصرف في أسبابه ، بما فيه الكفاية فيما مضى قبل .

وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم في ذلك بنحو الذي قلنا فيه .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 592 ]

6215 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " الذين أحصروا في سبيل الله " قال : حصروا أنفسهم في سبيل الله للغزو .

6216 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " قال : كانت الأرض كلها كفرا ، لا يستطيع أحد أن يخرج يبتغي من فضل الله ، إذا خرج خرج في كفر . وقيل : كانت الأرض كلها حربا على أهل هذا البلد ، وكانوا لا يتوجهون جهة إلا لهم فيها عدو ، فقال الله - عز وجل - : " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " الآية ، كانوا ههنا في سبيل الله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : الذين أحصرهم المشركون فمنعوهم التصرف .

ذكر من قال ذلك :

6217 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " حصرهم المشركون في المدينة .

قال أبو جعفر : ولو كان تأويل الآية على ما تأوله السدي ، لكان الكلام : للفقراء الذين حصروا في سبيل الله ، ولكنه " أحصروا " فدل ذلك على أن خوفهم من العدو الذي صير هؤلاء الفقراء إلى الحال التي حبسوا - وهم في سبيل الله - أنفسهم ، لا أن العدو هم كانوا الحابسيهم .

وإنما يقال لمن حبسه العدو : " حصره العدو " وإذا كان الرجل المحبس من خوف العدو ، قيل : " أحصره خوف العدو " .
[ ص: 593 ] القول في تأويل قوله ( لا يستطيعون ضربا في الأرض )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : لا يستطيعون تقلبا في الأرض ، وسفرا في البلاد ، ابتغاء المعاش وطلب المكاسب ، فيستغنوا عن الصدقات ، رهبة العدو وخوفا على أنفسهم منهم ، كما : -

6218 - حدثني الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " لا يستطيعون ضربا في الأرض " حبسوا أنفسهم في سبيل الله للعدو ، فلا يستطيعون تجارة .

6219 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " لا يستطيعون ضربا في الأرض " يعني التجارة .

6220 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد قوله لا يستطيعون ضربا في الأرض " كان أحدهم لا يستطيع أن يخرج يبتغي من فضل الله .
القول في تأويل قوله ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف )

قال أبو جعفر : يعني بذلك : " يحسبهم الجاهل " بأمرهم وحالهم " أغنياء " من تعففهم عن المسألة ، وتركهم التعرض لما في أيدي الناس ، صبرا منهم على البأساء والضراء ، كما : -

6221 - حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة [ ص: 594 ] قوله : " يحسبهم الجاهل أغنياء ، يقول : يحسبهم الجاهل بأمرهم أغنياء من التعفف .

ويعني بقوله : " من التعفف " من ترك مسألة الناس .

وهو " التفعل " من " العفة " عن الشيء ، والعفة عن الشيء تركه ، كما قال رؤبة :


فعف عن أسرارها بعد العسق


يعني برئ وتجنب .
القول في تأويل قوله ( تعرفهم بسيماهم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : "تعرفهم " يا محمد " بسيماهم " يعني بعلامتهم وآثارهم ، من قول الله - عز وجل - : ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) [ سورة الفتح : 29 ] هذه لغة قريش . ومن العرب من يقول : " بسيمائهم " فيمدها .

وأما ثقيف وبعض أسد فإنهم يقولون : " بسيميائهم " ; ومن ذلك قول الشاعر : . [ ص: 595 ]


غلام رماه الله بالحسن يافعا له سيمياء لا تشق على البصر
[ ص: 596 ]

وقد اختلف أهل التأويل في " السيما " التي أخبر الله - جل ثناؤه - أنها لهؤلاء الفقراء الذين وصف صفتهم ، وأنهم يعرفون بها .

فقال بعضهم : هو التخشع والتواضع .

ذكر من قال ذلك :

6222 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " تعرفهم بسيماهم " قال : التخشع .

6223 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

6224 - حدثني المثنى قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن ليث قال : كان مجاهد يقول : هو التخشع .

وقال آخرون يعني بذلك : تعرفهم بسيما الفقر وجهد الحاجة في وجوههم .

ذكر من قال ذلك :

6225 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " تعرفهم بسيماهم " بسيما الفقر عليهم .

6226 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " تعرفهم بسيماهم " يقول : تعرف في وجوههم الجهد من الحاجة .

وقال آخرون : معنى ذلك : تعرفهم برثاثة ثيابهم . وقالوا : الجوع خفي .

ذكر من قال ذلك :

6227 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : [ ص: 597 ] " تعرفهم بسيماهم " قال : السيما : رثاثة ثيابهم ، والجوع خفي على الناس ، ولم تستطع الثياب التي يخرجون فيها [ أن ] تخفى على الناس .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله - عز وجل - أخبر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنه يعرفهم بعلاماتهم وآثار الحاجة فيهم . وإنما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدرك تلك العلامات والآثار منهم عند المشاهدة بالعيان ، فيعرفهم وأصحابه بها ، كما يدرك المريض فيعلم أنه مريض بالمعاينة .

وقد يجوز أن تكون تلك السيما كانت تخشعا منهم ، وأن تكون كانت أثر الحاجة والضر ، وأن تكون كانت رثاثة الثياب ، وأن تكون كانت جميع ذلك ، وإنما تدرك علامات الحاجة وآثار الضر في الإنسان ، ويعلم أنها من الحاجة والضر بالمعاينة دون الوصف . وذلك أن المريض قد يصير به في بعض أحوال مرضه من المرض نظير آثار المجهود من الفاقة والحاجة ، وقد يلبس الغني ذو المال الكثير الثياب الرثة ، فيتزيى بزي أهل الحاجة ، فلا يكون في شيء من ذلك دلالة بالصفة على أن الموصوف به مختل ذو فاقة . وإنما يدرى ذلك عند المعاينة بسيماه ، كما وصف الله نظير ما يعرف أنه مريض عند المعاينة دون وصفه بصفته .
القول في تأويل قوله ( لا يسألون الناس إلحافا )

قال أبو جعفر : يقال : " قد ألحف السائل في مسألته " إذا ألح " فهو يلحف فيها إلحافا " . [ ص: 598 ]

فإن قال قائل : أفكان هؤلاء القوم يسألون الناس غير إلحاف ؟

قيل : غير جائز أن يكون كانوا يسألون الناس شيئا على وجه الصدقة إلحافا أو غير إلحاف ، وذلك أن الله - عز وجل - وصفهم بأنهم كانوا أهل تعفف ، وأنهم إنما كانوا يعرفون بسيماهم . فلو كانت المسألة من شأنهم ، لم تكن صفتهم التعفف ، ولم يكن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى علم معرفتهم بالأدلة والعلامة حاجة ، وكانت المسألة الظاهرة تنبئ عن حالهم وأمرهم .

وفي الخبر الذي : -

6228 - حدثنا به بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن هلال بن حصن ، عن أبي سعيد الخدري قال : أعوزنا مرة فقيل لي : لو أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته ! فانطلقت إليه معنقا ، فكان أول ما واجهني به : " من استعف أعفه الله ، ومن استغنى أغناه الله ، ومن سألنا لم ندخر عنه شيئا نجده " . قال : فرجعت إلى نفسي ، فقلت : ألا أستعف فيعفني الله ! فرجعت ، فما سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا بعد ذلك من أمر حاجة ، حتى مالت علينا الدنيا فغرقتنا ، إلا من عصم الله . [ ص: 599 ]

.

الدلالة الواضحة على أن التعفف معنى ينفي معنى المسألة من الشخص الواحد ، وأن من كان موصوفا بالتعفف فغير موصوف بالمسألة إلحافا أو غير إلحاف .

فإن قال قائل : فإن كان الأمر على ما وصفت ، فما وجه قوله : " لا يسألون الناس إلحافا " وهم لا يسألون الناس إلحافا أو غير إلحاف .

قيل له : وجه ذلك أن الله - تعالى ذكره - لما وصفهم بالتعفف ، وعرف عباده أنهم ليسوا أهل مسألة بحال بقوله : " يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف " وأنهم إنما يعرفون بالسيما - زاد عباده إبانة لأمرهم ، وحسن ثناء عليهم ، بنفي الشره والضراعة التي تكون في الملحين من السؤال عنهم .

وقد كان بعض القائلين يقول : ذلك نظير قول القائل : " قلما رأيت مثل [ ص: 600 ] فلان " ! ولعله لم ير مثله أحدا ولا نظيرا .

وبنحو الذي قلنا في معنى الإلحاف قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

6229 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " لا يسألون الناس إلحافا " قال : لا يلحفون في المسألة .

6230 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " لا يسألون الناس إلحافا " قال : هو الذي يلح في المسألة .

6231 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " لا يسألون الناس إلحافا " ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " إن الله يحب الحليم الغني المتعفف ، ويبغض الغني الفاحش البذىء السائل الملحف قال : وذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : إن الله - عز وجل - كره لكم ثلاثا : قيلا وقالا وإضاعة المال ، وكثرة السؤال . فإذا شئت رأيته في قيل وقال يومه أجمع وصدر ليلته ، حتى يلقى جيفة على فراشه ، لا يجعل الله له من نهاره ولا ليلته نصيبا . وإذا شئت رأيته ذا مال [ ينفقه ] في شهوته ولذاته وملاعبه ويعدله عن حق الله ، فذلك إضاعة المال ، وإذا شئت رأيته باسطا ذراعيه ، يسأل الناس في كفيه ، فإذا أعطي أفرط في مدحهم ، وإن منع أفرط في ذمهم .

[ ص: 601 ] القول في تأويل قوله تعالى ( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 274 ) )

[ قال أبو جعفر ] :
6232 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا معتمر ، عن أيمن بن نابل قال : حدثني شيخ من غافق : أن أبا الدرداء كان ينظر إلى الخيل مربوطة بين البراذين والهجن . فيقول : أهل هذه - يعني الخيل - من الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية ، فلهم أجرهم عند ربهم ، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

وقال آخرون : عنى بذلك قوما أنفقوا في سبيل الله في غير إسراف ولا تقتير .

ذكر من قال ذلك :

6233 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة [ ص: 602 ] قوله : " الذين ينفقون أموالهم " إلى قوله : " ولا هم يحزنون " هؤلاء أهل الجنة .

ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : المكثرون هم الأسفلون . قالوا : يا نبي الله إلا من ؟ قال : المكثرون هم الأسفلون ، قالوا : يا نبي الله إلا من ؟ قال : المكثرون هم الأسفلون . قالوا : يا نبي الله ، إلا من ؟ حتى خشوا أن تكون قد مضت فليس لها رد ، حتى قال : " إلا من قال بالمال هكذا وهكذا ، عن يمينه وعن شماله ، وهكذا بين يديه ، وهكذا خلفه ، وقليل ما هم [ قال ] : هؤلاء قوم أنفقوا في سبيل الله التي افترض وارتضى ، في غير سرف ولا إملاق ولا تبذير ولا فساد .

وقد قيل إن هذه الآيات من قوله : " إن تبدوا الصدقات فنعما هي " إلى قوله : " ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " كان مما يعمل به قبل نزول ما في " سورة براءة " من تفصيل الزكوات ، فلما نزلت " براءة " قصروا عليها .

ذكر من قال ذلك :

6234 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " إن تبدوا الصدقات فنعما هي " إلى قوله : " ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " فكان هذا يعمل به قبل أن تنزل " براءة " فلما نزلت " براءة " بفرائض الصدقات وتفصيلها انتهت الصدقات إليها .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.39%)]