عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 30-01-2023, 11:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(364)
الحلقة (378)
صــ 558 إلى صــ 575



6133 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " ومما أخرجنا لكم من الأرض " قال : من ثمر النخل . [ ص: 558 ]

6134 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد قوله : " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم " قال : من التجارة " ومما أخرجنا لكم من الأرض " من الثمار .

6135 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ومما أخرجنا لكم من الأرض " قال : هذا في التمر والحب .
القول في تأويل قوله - جل وعز - ( ولا تيمموا الخبيث )

قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - " ولا تيمموا الخبيث " ولا تعمدوا ، ولا تقصدوا .

وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله : ( ولا تؤموا ) من " أممت " وهذه من " يممت " والمعنى واحد وإن اختلفت الألفاظ .

يقال : " تأممت فلانا " " وتيممته " " وأممته " بمعنى : قصدته وتعمدته ، كما قال ميمون بن قيس الأعشى :


تيممت قيسا وكم دونه من الأرض من مهمه ذي شزن


وكما : - [ ص: 559 ]

6136 - حدثنا موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولا تيمموا الخبيث " ولا تعمدوا .

6137 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " ولا تيمموا " لا تعمدوا .

6138 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة مثله .
القول في تأويل قوله : ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - ب " الخبيث " : الرديء ، غير الجيد ، يقول : لا تعمدوا الرديء من أموالكم في صدقاتكم فتصدقوا منه ، ولكن تصدقوا من الطيب الجيد .

وذلك أن هذه الآية نزلت في سبب رجل من الأنصار علق قنوا من حشف - في الموضع الذي كان المسلمون يعلقون صدقة ثمارهم - صدقة من تمره .

ذكر من قال ذلك :

6139 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال : حدثنا أبي ، عن أسباط ، عن السدي ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب في قول الله عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض [ ص: 560 ] " إلى قوله : " والله غني حميد " قال : نزلت في الأنصار ، كانت الأنصار إذا كان أيام جذاذ النخل أخرجت من حيطانها أقناء البسر ، فعلقوه على حبل بين الأسطوانتين في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيأكل فقراء المهاجرين منه . فيعمد الرجل منهم إلى الحشف فيدخله مع أقناء البسر ، يظن أن ذلك جائز .

فأنزل الله - عز وجل - فيمن فعل ذلك : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " قال لا تيمموا الحشف منه تنفقون .

6140 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، زعم السدي ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب بنحوه ، إلا أنه قال : فكان يعمد بعضهم ، فيدخل قنو الحشف ويظن أنه جائز عنه في كثرة ما يوضع من الأقناء ، فنزل فيمن فعل ذلك : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " القنو الذي قد حشف ، ولو أهدي إليكم ما قبلتموه .

6141 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن البراء بن عازب قال : كانوا يجيئون في الصدقة بأردإ [ ص: 561 ] تمرهم وأردإ طعامهم ، فنزلت : " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم " الآية .

6142 - حدثني عصام بن رواد قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة السلماني قال : سألت عليا عن قول الله : " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " قال : فقال علي : نزلت هذه الآية في الزكاة المفروضة ، كان الرجل يعمد إلى التمر فيصرمه ، فيعزل الجيد ناحية . فإذا جاء صاحب الصدقة أعطاه من الرديء ، فقال عز وجل : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " .

6143 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني عبد الجليل بن حميد اليحصبي ، أن ابن شهاب حدثه ، قال : حدثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف في الآية التي قال الله - عز وجل - : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " قال : هو الجعرور ، ولون حبيق ، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤخذ في الصدقة . [ ص: 562 ]

6144 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " قال : كانوا يتصدقون - يعني من النخل - بحشفه وشراره ، فنهوا عن ذلك ، وأمروا أن يتصدقوا بطيبه .

6145 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم " إلى قوله : " واعلموا أن الله غني حميد " ذكر لنا أن الرجل كان يكون له الحائطان على عهد نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فيعمد إلى أردئهما تمرا فيتصدق به ، ويخلط فيه من الحشف ، فعاب الله ذلك عليهم ونهاهم عنه .

6146 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " قال : تعمد إلى رذالة مالك فتصدق به ، ولست بآخذه إلا أن تغمض فيه .

6147 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن يزيد بن إبراهيم ، عن الحسن قال : كان الرجل يتصدق برذالة ماله ، فنزلت : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " .

6148 - حدثنا المثنى قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرنا عبد الله بن كثير : أنه سمع مجاهدا يقول : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " قال : في الأقناء التي تعلق ، فرأى فيها حشفا ، فقال : [ ص: 563 ] ما هذا ؟ . قال ابن جريج : سمعت عطاء يقول : علق إنسان حشفا في الأقناء التي تعلق بالمدينة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما هذا ؟ بئسما علق هذا ! ! فنزلت : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " .

وقال آخرون : معنى ذلك : ولا تيمموا الخبيث من الحرام منه تنفقون وتدعوا أن تنفقوا الحلال الطيب .

ذكر من قال ذلك :

6149 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد - وسألته عن قول الله عز وجل : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " - قال : الخبيث : الحرام ، لا تتيممه تنفق منه ، فإن الله عز وجل لا يقبله .

قال أبو جعفر : وتأويل الآية هو التأويل الذي حكيناه عمن حكينا [ عنه ] من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ لصحة إسناده ] ، واتفاق أهل التأويل في ذلك دون الذي قاله ابن زيد .
القول في تأويل قوله : ( ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : ولستم بآخذي الخبيث في حقوقكم ، " والهاء " في قوله : " بآخذيه " من ذكر الخبيث " إلا أن تغمضوا فيه " يعني : إلا أن تتجافوا في أخذكم إياه عن بعض الواجب لكم من حقكم ، فترخصوا فيه لأنفسكم . [ ص: 564 ]

يقال منه : " أغمض فلان لفلان عن بعض حقه ، فهو يغمض ، ومن ذلك قول الطرماح بن حكيم :


لم يفتنا بالوتر قوم وللضي م رجال يرضون بالإغماض


قال أبو جعفر : واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : معنى ذلك : ولستم بآخذي الرديء من غرمائكم في واجب حقوقكم قبلهم ، إلا عن إغماض منكم لهم في الواجب لكم عليهم .

ذكر من قال ذلك :

6150 - حدثنا عصام بن رواد قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة قال : سألت عليا عنه فقال : " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " يقول : ولا يأخذ أحدكم هذا الرديء حتى يهضم له .

6151 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن البراء بن عازب : " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " يقول : لو كان لرجل على رجل ، فأعطاه ذلك لم يأخذه ، إلا أن يرى أنه قد نقصه من حقه . [ ص: 565 ]

6152 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " يقول : لو كان لكم على أحد حق ، فجاءكم بحق دون حقكم ، لم تأخذوا بحساب الجيد حتى تنقصوه ، فذلك قوله : " إلا أن تغمضوا فيه " فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم ، وحقي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسها ؟ .

وهو قوله : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) . [ سورة آل عمران : 92 ] .

6153 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " قال : لا تأخذونه من غرمائكم ولا في بيوعكم إلا بزيادة على الطيب في الكيل .

6154 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " وذلك أن رجالا كانوا يعطون زكاة أموالهم من التمر ، فكانوا يعطون الحشف في الزكاة ، فقال : لو كان بعضهم يطلب بعضا ثم قضاه ، لم يأخذه إلا أن يرى أنه قد أغمض عنه حقه .

6155 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " يقول : لو كان لك على رجل دين فقضاك أردأ مما كان لك عليه ، هل كنت تأخذ ذلك منه إلا وأنت له كاره ؟

6156 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم " [ ص: 566 ] إلى قوله : " إلا أن تغمضوا فيه " قال : كانوا - حين أمر الله أن يؤدوا الزكاة - يجيء الرجل من المنافقين بأردإ طعام له من تمر وغيره ، فكره الله ذلك وقال : " أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض " يقول : " لستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " يقول : لم يكن رجل منكم له حق على رجل فيعطيه دون حقه فيأخذه ، إلا وهو يعلم أنه قد نقصه فلا ترضوا لي ما لا ترضون لأنفسكم فيأخذ شيئا وهو مغمض عليه أنقص من حقه .

وقال آخرون : معنى ذلك : ولستم بآخذي هذا الرديء الخبيث - إذا اشتريتموه من أهله - بسعر الجيد ، إلا بإغماض منهم لكم في ثمنه .

ذكر من قال ذلك :

6157 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن عمران بن حدير ، عن الحسن : " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " قال : لو وجدتموه في السوق يباع ، ما أخذتموه حتى يهضم لكم من ثمنه .

6158 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " يقول : لستم بآخذي هذا الرديء بسعر هذا الطيب إلا أن يغمض لكم فيه .

وقال آخرون : معناه : ولستم بآخذي هذا الرديء الخبيث لو أهدي لكم ، إلا أن تغمضوا فيه ، فتأخذوه وأنتم له كارهون ، على استحياء منكم ممن أهداه لكم .

ذكر من قال ذلك :

6159 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال : حدثنا أبي ، عن أسباط ، عن السدي ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب : " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " قال : لو أهدي لكم ما قبلتموه إلا على استحياء من صاحبه ، أنه بعث إليك بما لم يكن له فيه حاجة . [ ص: 567 ]

6160 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط قال : زعم السدي ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء نحوه ، إلا أنه قال : إلا على استحياء من صاحبه ، وغيظا أنه بعث إليك بما لم يكن له فيه حاجة .

وقال آخرون : معنى ذلك : ولستم بآخذي هذا الرديء من حقكم إلا أن تغمضوا من حقكم .

ذكر من قال ذلك :

6161 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن ابن معقل : " ولستم بآخذيه " يقول : ولستم بآخذيه من حق هو لكم " إلا أن تغمضوا فيه " يقول : أغمض لك من حقي .

وقال آخرون : معنى ذلك : ولستم بآخذي الحرام إلا أن تغمضوا على ما فيه من الإثم عليكم في أخذه .

ذكر من قال ذلك :

6162 - حدثني يونس قال : حدثنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : وسألته عن قوله : " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " قال : يقول : لست آخذا ذلك الحرام حتى تغمض على ما فيه من الإثم . قال : وفي كلام العرب : أما والله لقد أخذه ، ولقد أغمض على ما فيه ، وهو يعلم أنه حرام باطل .

قال أبو جعفر : والذي هو أولى بتأويل ذلك عندنا أن يقال : إن الله - عز وجل - حث عباده على الصدقة وأداء الزكاة من أموالهم ، وفرضها عليهم فيها ، فصار ما فرض من ذلك في أموالهم حقا لأهل سهمان الصدقة . ثم أمرهم - تعالى ذكره - أن [ ص: 568 ] يخرجوا من الطيب - وهو الجيد من أموالهم - الطيب . وذلك أن أهل السهمان شركاء أرباب الأموال في أموالهم ، بما وجب لهم فيها من الصدقة بعد وجوبها .

فلا شك أن كل شريكين في مال فلكل واحد منهما بقدر ملكه ، وليس لأحدهما منع شريكه من حقه من الملك الذي هو فيه شريكه ، بإعطائه - بمقدار حقه منه - من غيره مما هو أردأ منه أو أخس . فكذلك المزكي ماله حرم الله عليه أن يعطي أهل السهمان - مما وجب لهم في ماله من الطيب الجيد من الحق فصاروا فيه شركاء - من الخبيث الرديء غيره ، ويمنعهم ما هو لهم من حقوقهم في الطيب من ماله الجيد ، كما لو كان مال رب المال رديئا كله غير جيد ، فوجبت فيه الزكاة وصار أهل سهمان الصدقة فيه شركاء بما أوجب الله لهم فيه لم يكن عليه أن يعطيهم الطيب الجيد من غير ماله الذي منه حقهم .

فقال تبارك وتعالى لأرباب الأموال : زكوا من جيد أموالكم الجيد ، ولا تيمموا الخبيث الرديء تعطونه أهل سهمان الصدقة ، وتمنعونهم الواجب لهم من الجيد الطيب في أموالكم ، ولستم بآخذي الرديء لأنفسكم مكان الجيد الواجب لكم قبل من وجب لكم عليه ذلك من شركائكم وغرمائكم وغيرهم ، إلا عن إغماض منكم وهضم لهم وكراهة منكم لأخذه . يقول : ولا تأتوا من الفعل إلى من وجب له في أموالكم حق ، ما لا ترضون من غيركم أن يأتيه إليكم في حقوقكم الواجبة لكم في أموالهم .

فأما إذا تطوع الرجل بصدقة غير مفروضة ، فإني - وإن كرهت له أن يعطي فيها إلا أجود ماله وأطيبه ، لأن الله عز وجل أحق من تقرب إليه بأكرم الأموال [ ص: 569 ] وأطيبها ، والصدقة قربان المؤمن - فلست أحرم عليه أن يعطي فيها غير الجيد ؛ لأن ما دون الجيد ربما كان أعم نفعا لكثرته ، أو لعظم خطره - وأحسن موقعا من المسكين ، وممن أعطيه قربة إلى الله عز وجل - من الجيد ؛ لقلته أو لصغر خطره وقلة جدوى نفعه على من أعطيه .

وبمثل ما قلنا في ذلك قال جماعة أهل العلم .

ذكر من قال ذلك :

6163 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سلمة بن علقمة ، عن محمد بن سيرين قال : سألت عبيدة عن هذه الآية يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " قال : ذلك في الزكاة ، الدرهم الزائف أحب إلي من التمرة .

6164 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا سلمة بن علقمة ، عن محمد بن سيرين قال : سألت عبيدة عن ذلك ، فقال : إنما ذلك في الزكاة ، والدرهم الزائف أحب إلي من التمرة .

6165 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس ، عن هشام ، عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة عن هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه " فقال عبيدة : إنما هذا في الواجب ، ولا بأس أن يتطوع الرجل بالتمرة ، والدرهم الزائف خير من التمرة . [ ص: 570 ]

6166 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا ابن إدريس ، عن هشام ، عن ابن سيرين في قوله : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " قال : إنما هذا في الزكاة المفروضة ، فأما التطوع فلا بأس أن يتصدق الرجل بالدرهم الزائف ، والدرهم الزائف خير من التمرة .
القول في تأويل قوله : ( واعلموا أن الله غني حميد ( 267 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : واعلموا أيها الناس أن الله - عز وجل - غني عن صدقاتكم وعن غيرها ، وإنما أمركم بها ، وفرضها في أموالكم ؛ رحمة منه لكم ليغني بها عائلكم ،

ويقوي بها ضعيفكم ، ويجزل لكم عليها في الآخرة مثوبتكم ، لا من حاجة به فيها إليكم .

ويعني بقوله : " حميد " أنه محمود عند خلقه بما أولاهم من نعمه ، وبسط لهم من فضله ، كما : -

6167 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال : حدثنا أبي ، عن أسباط ، عن السدي ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب في قوله والله غني حميد " عن صدقاتكم .
[ ص: 571 ] القول في تأويل قوله : ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - تعالى ذكره - : " الشيطان يعدكم " أيها الناس - بالصدقة وأدائكم الزكاة الواجبة عليكم في أموالكم - أن تفتقروا " ويأمركم بالفحشاء " يعني : ويأمركم بمعاصي الله - عز وجل - وترك طاعته " والله يعدكم مغفرة منه " يعني أن الله - عز وجل - يعدكم أيها المؤمنون أن يستر عليكم فحشاءكم بصفحه لكم عن عقوبتكم عليها ، فيغفر لكم ذنوبكم بالصدقة التي تتصدقون " وفضلا " يعني : ويعدكم أن يخلف عليكم من صدقتكم ، فيتفضل عليكم من عطاياه ويسبغ عليكم في أرزاقكم .

كما : -

6168 - حدثنا محمد بن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : اثنان من الله ، واثنان من الشيطان : " الشيطان يعدكم الفقر " يقول : لا تنفق مالك ، وأمسكه عليك ، فإنك تحتاج إليه ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه " على هذه المعاصي " وفضلا " في الرزق .

6169 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا " يقول : مغفرة لفحشائكم ، وفضلا لفقركم .

6170 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن عطاء بن السائب ، [ ص: 572 ] عن مرة ، عن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن للشيطان لمة من ابن آدم ، وللملك لمة : فأما لمة الشيطان ، فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق . وأما لمة الملك ، فإيعاد بالخير ، وتصديق بالحق . فمن وجد ذلك ، فليعلم أنه من الله وليحمد الله ، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ، ثم قرأ : " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء " . [ ص: 573 ]

6171 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا الحكم بن بشير بن سليمان قال : حدثنا عمرو ، عن عطاء بن السائب ، عن مرة ، عن عبد الله قال : إن للإنسان من الملك لمة ، ومن الشيطان لمة . فاللمة من الملك إيعاد بالخير ، وتصديق بالحق ، واللمة من الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق . وتلا عبد الله : " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا " . قال عمرو : وسمعنا في هذا الحديث أنه كان يقال : إذا أحس أحدكم من لمة الملك شيئا فليحمد الله ، وليسأله من فضله ، وإذا أحس من لمة الشيطان شيئا ، فليستغفر الله وليتعوذ من الشيطان .

6172 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا عطاء بن السائب ، عن أبي الأحوص أو عن مرة قال : قال عبد الله : ألا إن للملك لمة وللشيطان لمة . فلمة الملك : إيعاد بالخير وتصديق بالحق ، ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وذلكم بأن الله يقول :

" الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم " فإذا وجدتم من هذه شيئا فاحمدوا الله عليه ، وإذا وجدتم من هذه شيئا فتعوذوا بالله من الشيطان . [ ص: 574 ]

6173 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عبد الله بن مسعود في قوله : " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء " قال : إن للملك لمة ، وللشيطان لمة . فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجدها فليحمد الله . ولمة الشيطان : إيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، فمن وجدها فليستعذ بالله .

6174 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا حجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أخبرنا عطاء بن السائب ، عن مرة الهمداني أن ابن مسعود قال : إن للملك لمة ، وللشيطان لمة . فلمة الملك : إيعاده بالخير وتصديق بالحق . ولمة الشيطان : إيعاد بالشر وتكذيب بالحق . فمن أحس من لمة الملك شيئا فليحمد الله عليه ، ومن أحس من لمة الشيطان شيئا فليتعوذ بالله منه . ثم تلا هذه الآية الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم " . .

6175 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن فطر ، عن المسيب بن رافع ، عن عامر بن عبدة ، عن عبد الله بنحوه . [ ص: 575 ]

6176 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن مرة بن شراحيل ، عن عبد الله بن مسعود قال : إن للشيطان لمة ، وللملك لمة ، فأما لمة الشيطان فتكذيب بالحق وإيعاد بالشر ، وأما لمة الملك : فإيعاد بالخير وتصديق بالحق . فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله وليحمد الله عليه . ومن وجد الأخرى فليستعذ من الشيطان . ثم قرأ : " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا " . .
القول في تأويل قوله : ( والله واسع عليم ( 268 ) )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - : والله واسع الفضل الذي يعدكم أن يعطيكموه من فضله وسعة خزائنه " عليم " بنفقاتكم وصدقاتكم التي تنفقون وتصدقون بها ، يحصيها لكم حتى يجازيكم بها عند مقدمكم عليه في آخرتكم .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 49.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.27%)]