
25-01-2023, 11:11 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ المائدة
المجلد السادس
الحلقة( 253)
من صــ 491 الى صـ 5ج
أحدهما: أنهم كالمحاربين لأن القتل بالحيلة كالقتل مكابرة كلاهما لا يمكن الاحتراز منه؛ بل قد يكون ضرر هذا أشد؛ لأنه لا يدري به. والثاني: أن المحارب هو المجاهر بالقتال؛ وأن هذا المغتال يكون أمره إلى ولي الدم. والأول أشبه بأصول الشريعة؛ بل قد يكون ضرر هذا أشد؛ لأنه لا يدري به. واختلف الفقهاء أيضا فيمن يقتل السلطان كقتلة عثمان. وقاتل علي رضي الله عنهما هل هم كالمحاربين فيقتلون حدا أو يكون أمرهم إلى أولياء الدم - على قولين في مذهب أحمد وغيره - لأن في قتله فسادا عاما.
فصل:
وهذا كله إذا قدر عليهم. فأما إذا طلبهم السلطان أو نوابه لإقامة الحد بلا عدوان فامتنعوا عليه فإنه يجب على المسلمين قتالهم باتفاق العلماء حتى يقدر عليهم كلهم. ومتى لم ينقادوا إلا بقتال يفضي إلى قتلهم كلهم قوتلوا وإن أفضى إلى ذلك؛ سواء كانوا قد قتلوا أو لم يقتلوا. ويقتلون في القتال كيفما أمكن: في العنق وغيره. ويقاتل من قاتل معهم ممن يحميهم ويعينهم. فهذا قتال وذاك إقامة حد. وقتال هؤلاء أوكد من قتل الطوائف الممتنعة عن شرائع الإسلام.
وسئل شيخ الإسلام تقي الدين:
عمن يزعمون أنهم يؤمنون بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويعتقدون أن الإمام الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو علي بن أبي طالب وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نص على إمامته وأن الصحابة ظلموه ومنعوه حقه وأنهم كفروا بذلك. فهل يجب قتالهم؟ ويكفرون بهذا الاعتقاد أم لا؟.
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، أجمع علماء المسلمين على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله. فلو قالوا: نصلي ولا نزكي أو نصلي الخمس ولا نصلي الجمعة ولا الجماعة أو نقوم بمباني الإسلام الخمس ولا نحرم دماء المسلمين وأموالهم أو لا نترك الربا ولا الخمر ولا الميسر أو نتبع القرآن ولا نتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نعمل بالأحاديث الثابتة عنه أو نعتقد أن اليهود والنصارى خير من جمهور المسلمين وأن أهل القبلة قد كفروا بالله ورسوله ولم يبق منهم مؤمن إلا طائفة قليلة أو قالوا: إنا لا نجاهد الكفار مع المسلمين أو غير ذلك من الأمور المخالفة لشريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وما عليه جماعة المسلمين. فإنه يجب جهاد هذه الطوائف جميعها كما جاهد المسلمون مانعي الزكاة وجاهدوا الخوارج وأصنافهم وجاهدوا الخرمية والقرامطة والباطنية وغيرهم من أصناف أهل الأهواء والبدع الخارجين عن شريعة الإسلام.
وذلك لأن الله تعالى يقول في كتابه: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}. فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب قتالهم حتى يكون الدين كله لله. وقال تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} فلم يأمر بتخلية سبيلهم إلا بعد التوبة من جميع أنواع الكفر وبعد إقام الصلاة وإيتاء الزكاة. وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} فقد أخبر تعالى أن الطائفة الممتنعة إذا لم تنته عن الربا فقد حاربت الله ورسوله والربا آخر ما حرم الله في القرآن فما حرمه قبله أوكد. وقال تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض}.
فكل من امتنع من أهل الشوكة عن الدخول في طاعة الله ورسوله فقد حارب الله ورسوله ومن عمل في الأرض بغير كتاب الله وسنة رسوله فقد سعى في الأرض فسادا؛ ولهذا تأول السلف هذه الآية على الكفار وعلى أهل القبلة؛ حتى أدخل عامة الأئمة فيها قطاع الطريق الذين يشهرون السلاح لمجرد أخذ الأموال وجعلوهم بأخذ أموال الناس بالقتال محاربين لله ورسوله ساعين في الأرض فسادا. وإن كانوا يعتقدون تحريم ما فعلوه ويقرون بالإيمان بالله ورسوله. فالذي يعتقد حل دماء المسلمين وأموالهم ويستحل قتالهم. أولى بأن يكون محاربا لله ورسوله ساعيا في الأرض فسادا من هؤلاء.
كما أن الكافر الحربي الذي يستحل دماء المسلمين وأموالهم ويرى جواز قتالهم: أولى بالمحاربة من الفاسق الذي يعتقد تحريم ذلك. وكذلك المبتدع الذي خرج عن بعض شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته واستحل دماء المسلمين المتمسكين بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته وأموالهم: هو أولى بالمحاربة من الفاسق وإن اتخذ ذلك دينا يتقرب به إلى الله. كما أن اليهود والنصارى تتخذ محاربة المسلمين دينا تتقرب به إلى الله. ولهذا اتفق أئمة الإسلام على أن هذه البدع المغلظة شر من الذنوب التي يعتقد أصحابها أنها ذنوب. وبذلك مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أمر بقتال الخوارج عن السنة وأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم والصلاة خلفهم مع ذنوبهم وشهد لبعض المصرين من أصحابه على بعض الذنوب أنه يحب الله ورسوله ونهى عن لعنته وأخبر عن ذي الخويصرة وأصحابه - مع عبادتهم وورعهم - أنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية. وقد قال تعالى في كتابه: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}.
فكل من خرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته فقد أقسم الله بنفسه المقدسة أنه لا يؤمن حتى يرضى بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع ما يشجر بينهم من أمور الدين والدنيا وحتى لا يبقى في قلوبهم حرج من حكمه. ودلائل القرآن على هذا الأصل كثيرة. وبذلك جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين. ففي الصحيحين: عن أبي هريرة قال: " لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد من العرب قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله}؟ فقال أبو بكر: ألم يقل إلا بحقها؟ فإن الزكاة من حقها. والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. فقال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعلمت أنه الحق ". فاتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال أقوام يصلون ويصومون إذا امتنعوا عن بعض ما أوجبه الله عليهم من زكاة أموالهم. وهذا الاستنباط من صديق الأمة قد جاء مصرحا به.
ففي الصحيحين: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها} فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتالهم حتى يؤدوا هذه الواجبات. وهذا مطابق لكتاب الله. وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة وأخرج منها أصحاب الصحيح عشرة أوجه ذكرها مسلم في صحيحه وأخرج منها البخاري غير وجه. وقال الإمام أحمد - رحمه الله -: صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه. قال صلى الله عليه وسلم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم. يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لو يعلم الذين يقاتلونهم ماذا لهم على لسان محمد لنكلوا عن العمل}. وفي رواية {لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد} وفي رواية: {شر قتلى تحت أديم السماء. خير قتلى من قتلوه}. وهؤلاء أول من قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومن معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم بحرورا لما خرجوا عن السنة والجماعة واستحلوا دماء المسلمين وأموالهم؛ فإنهم قتلوا عبد الله بن خباب وأغاروا على ماشية المسلمين.
فقام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وخطب الناس وذكر الحديث وذكر أنهم قتلوا وأخذوا الأموال فاستحل قتالهم وفرح بقتلهم فرحا عظيما ولم يفعل في خلافته أمرا عاما كان أعظم عنده من قتال الخوارج. وهم كانوا يكفرون جمهور المسلمين حتى كفروا عثمان وعليا. وكانوا يعملون بالقرآن في زعمهم ولا يتبعون سنة رسول صلى الله عليه وسلم التي يظنون أنها تخالف القرآن. كما يفعله سائر أهل البدع - مع كثرة عبادتهم وورعهم. وقد ثبت عن علي في صحيح البخاري وغيره من نحو ثمانين وجها أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر ثم عمر.
وثبت عنه أنه حرق غالية الرافضة الذين اعتقدوا فيه الإلهية. وروي عنه بأسانيد جيدة أنه قال: لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري. وعنه أنه طلب عبد الله بن سبأ لما بلغه أنه سب أبا بكر وعمر ليقتله فهرب منه. وعمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر برجل فضله على أبي بكر أن يجلد لذلك. وقال عمر رضي الله عنه لصبيغ بن عسل؛ لما ظن أنه من الخوارج: لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك. فهذه سنة أمير المؤمنين علي وغيره قد أمر بعقوبة الشيعة: الأصناف الثلاثة وأخفهم المفضلة. فأمر هو وعمر بجلدهم.
والغالية يقتلون باتفاق المسلمين وهم الذين يعتقدون الإلهية والنبوة في علي وغيره مثل النصيرية والإسماعيلية الذين يقال لهم: بيت صاد وبيت سين ومن دخل فيهم من المعطلة الذين ينكرون وجود الصانع أو ينكرون القيامة أو ينكرون ظواهر الشريعة: مثل الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت الحرام ويتأولون ذلك على معرفة أسرارهم وكتمان أسرارهم وزيارة شيوخهم. ويرون أن الخمر حلال لهم ونكاح ذوات المحارم حلال لهم. فإن جميع هؤلاء الكفار أكفر من اليهود والنصارى. فإن لم يظهر عن أحدهم ذلك كان من المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار ومن أظهر ذلك كان أشد من الكافرين كفرا. فلا يجوز أن يقر بين المسلمين لا بجزية ولا ذمة ولا يحل نكاح نسائهم ولا تؤكل ذبائحهم؛ لأنهم مرتدون من شر المرتدين. فإن كانوا طائفة ممتنعة وجب قتالهم كما يقاتل المرتدون كما قاتل الصديق والصحابة أصحاب مسيلمة الكذاب وإذا كانوا في قرى المسلمين فرقوا وأسكنوا بين المسلمين بعد التوبة وألزموا بشرائع الإسلام التي تجب على المسلمين. وليس هذا مختصا بغالية الرافضة بل من غلا في أحد من المشايخ وقال:
إنه يرزقه أو يسقط عنه الصلاة أو أن شيخه أفضل من النبي أو أنه مستغن عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم وإن له إلى الله طريقا غير شريعة النبي صلى الله عليه وسلم أو أن أحدا من المشايخ يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم كما كان الخضر مع موسى. وكل هؤلاء كفار يجب قتالهم بإجماع المسلمين وقتل الواحد المقدور عليه منهم.
وأما الواحد المقدور عليه من الخوارج والرافضة فقد روي عنهما - أعني عمر وعليا - قتلهما أيضا. والفقهاء وإن تنازعوا في قتل الواحد المقدور عليه من هؤلاء فلم يتنازعوا في وجوب قتلهم إذا كانوا ممتنعين. فإن القتال أوسع من القتل كما يقاتل الصائلون العداة والمعتدون البغاة وإن كان أحدهم إذا قدر عليه لم يعاقب إلا بما أمر الله ورسوله به. وهذه النصوص المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج قد أدخل فيها العلماء لفظا أو معنى من كان في معناهم من أهل الأهواء الخارجين عن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجماعة المسلمين؛ بل بعض هؤلاء شر من الخوارج الحرورية؛ مثل الخرمية والقرامطة والنصيرية وكل من اعتقد في بشر أنه إله أو في غير الأنبياء أنه نبي وقاتل على ذلك المسلمين:
فهو شر من الخوارج الحرورية. والنبي صلى الله عليه وسلم إنما ذكر الخوارج الحرورية لأنهم أول صنف من أهل البدع خرجوا بعده؛ بل أولهم خرج في حياته. فذكرهم لقربهم من زمانه كما خص الله ورسوله أشياء بالذكر لوقوعها في ذلك الزمان مثل قوله: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق}. وقوله: {من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} ونحو ذلك. ومثل تعيين النبي صلى الله عليه وسلم قبائل من الأنصار وتخصيصه أسلم وغفار وجهينة وتميما وأسدا وغطفان وغيرهم بأحكام؛ لمعان قامت بهم وكل من وجدت فيه تلك المعاني ألحق بهم؛ لأن التخصيص بالذكر لم يكن لاختصاصهم بالحكم؛ بل لحاجة المخاطبين إذ ذاك إلى تعيينهم؛ هذا إذا لم تكن ألفاظه شاملة لهم. وهؤلاء الرافضة إن لم يكونوا شرا من الخوارج المنصوصين فليسوا دونهم؛ فإن أولئك إنما كفروا عثمان وعليا وأتباع عثمان وعلي فقط؛ دون من قعد عن القتال أو مات قبل ذلك. والرافضة كفرت أبا بكر وعمر وعثمان وعامة المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه وكفروا جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم من المتقدمين والمتأخرين.
فيكفرون كل من اعتقد في أبي بكر وعمر والمهاجرين والأنصار العدالة أو ترضى عنهم كما رضي الله عنهم أو يستغفر لهم كما أمر الله بالاستغفار لهم ولهذا يكفرون أعلام الملة: مثل سعيد بن المسيب وأبي مسلم الخولاني وأويس القرني وعطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي ومثل مالك والأوزاعي وأبي حنيفة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة والثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والجنيد بن محمد وسهل بن عبد الله التستري وغير هؤلاء. ويستحلون دماء من خرج عنهم ويسمون مذهبهم مذهب الجمهور كما يسميه المتفلسفة ونحوهم بذلك وكما تسميه المعتزلة مذهب الحشو والعامة وأهل الحديث.
ويرون في أهل الشام ومصر والحجاز والمغرب واليمن والعراق والجزيرة وسائر بلاد الإسلام أنه لا يحل نكاح هؤلاء ولا ذبائحهم وأن المائعات التي عندهم من المياه والأدهان وغيرها نجسة ويرون أن كفرهم أغلظ من كفر اليهود والنصارى. لأن أولئك عندهم كفار أصليون وهؤلاء. مرتدون وكفر الردة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي. ولهذا السبب يعاونون الكفار على الجمهور من المسلمين فيعاونون التتار على الجمهور. وهم كانوا من أعظم الأسباب في خروج جنكيزخان ملك الكفار إلى بلاد الإسلام وفي قدوم هولاكو إلى بلاد العراق؛ وفي أخذ حلب ونهب الصالحية وغير ذلك بخبثهم ومكرهم؛ لما دخل فيه من توزر منهم للمسلمين وغير من توزر منهم. وبهذا السبب نهبوا عسكر المسلمين لما مر عليهم وقت انصرافه إلى مصر في النوبة الأولى.
وبهذا السبب يقطعون الطرقات على المسلمين. وبهذا السبب ظهر فيهم من معاونة التتار والإفرنج على المسلمين والكآبة الشديدة بانتصار الإسلام ما ظهر وكذلك لما فتح المسلمون الساحل - عكة وغيرها - ظهر فيهم من الانتصار للنصارى وتقديمهم على المسلمين ما قد سمعه الناس منهم. وكل هذا الذي وصفت بعض أمورهم وإلا فالأمر أعظم من ذلك.
وقد اتفق أهل العلم بالأحوال؛ أن أعظم السيوف التي سلت على أهل القبلة ممن ينتسب إليها وأعظم الفساد الذي جرى على المسلمين ممن ينتسب إلى أهل القبلة: إنما هو من الطوائف المنتسبة إليهم. فهم أشد ضررا على الدين وأهله وأبعد عن شرائع الإسلام من الخوارج الحرورية ولهذا كانوا أكذب فرق الأمة. فليس في الطوائف المنتسبة إلى القبلة أكثر كذبا ولا أكثر تصديقا للكذب وتكذيبا للصدق منهم وسيما النفاق فيهم أظهر منه في سائر الناس؛ وهي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم {آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان} وفي رواية: {أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر}.
وكل من جربهم يعرف اشتمالهم على هذه الخصال؛ ولهذا يستعملون التقية التي هي سيما المنافقين واليهود ويستعملونها مع المسلمين {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم} ويحلفون ما قالوا وقد قالوا ويحلفون بالله ليرضوا المؤمنين والله ورسوله أحق أن يرضوه. وقد أشبهوا اليهود في أمور كثيرة لا سيما السامرة من اليهود؛ فإنهم أشبه بهم من سائر الأصناف: يشبهونهم في دعوى الإمامة في شخص أو بطن بعينه والتكذيب لكل من جاء بحق غيره يدعونه وفي اتباع الأهواء أو تحريف الكلم عن مواضعه وتأخير الفطر وصلاة المغرب وغير ذلك وتحريم ذبائح غيرهم. ويشبهون النصارى في الغلو في البشر والعبادات المبتدعة وفي الشرك وغير ذلك. وهم يوالون اليهود والنصارى والمشركين على المسلمين وهذه شيم المنافقين.
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم} وقال تعالى: {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون} {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون}. وليس لهم عقل ولا نقل ولا دين صحيح ولا دنيا منصورة وهم لا يصلون جمعة ولا جماعة - والخوارج كانوا يصلون جمعة وجماعة - وهم لا يرون جهاد الكفار مع أئمة المسلمين ولا الصلاة خلفهم ولا طاعتهم في طاعة الله ولا تنفيذ شيء من أحكامهم؛ لاعتقادهم أن ذلك لا يسوغ إلا خلف إمام معصوم. ويرون أن المعصوم قد دخل في السرداب من أكثر من أربعمائة وأربعين سنة. وهو إلى الآن لم يخرج ولا رآه أحد ولا علم أحدا دينا ولا حصل به فائدة بل مضرة. ومع هذا فالإيمان عندهم لا يصح إلا به ولا يكون مؤمنا إلا من آمن به ولا يدخل الجنة إلا أتباعه: مثل هؤلاء الجهال الضلال من سكان الجبال والبوادي أو من استحوذ عليهم بالباطل: مثل ابن العود ونحوه ممن قد كتب خطه مما ذكرناه.
من المخازي عنهم وصرح بما ذكرناه عنهم وبأكثر منه. وهم مع هذا الأمر يكفرون كل من آمن بأسماء الله وصفاته التي في الكتاب والسنة وكل من آمن بقدر الله وقضائه: فآمن بقدرته الكاملة ومشيئته الشاملة وأنه خالق كل شيء. وأكثر محققيهم عندهم - يرون أن أبا بكر وعمر وأكثر المهاجرين والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل عائشة وحفصة وسائر أئمة المسلمين وعامتهم؛ ما آمنوا بالله طرفة عين قط؛ لأن الإيمان الذي يتعقبه الكفر عندهم يكون باطلا من أصله كما يقوله بعض علماء السنة. ومنهم من يرى أن فرج النبي صلى الله عليه وسلم الذي جامع به عائشة وحفصة لا بد أن تمسه النار ليطهر بذلك من وطء الكوافر على زعمهم؛ لأن وطء الكوافر حرام عندهم. ومع هذا يردون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة المتواترة عنه عند أهل العلم مثل أحاديث البخاري ومسلم ويرون أن شعر شعراء الرافضة: مثل الحميري وكوشيار الديلمي وعمارة اليمني خيرا من أحاديث البخاري ومسلم. وقد رأينا في كتبهم من الكذب والافتراء على النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وقرابته أكثر مما رأينا من الكذب في كتب أهل الكتاب من التوراة والإنجيل.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|