عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 26-01-2023, 12:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,551
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام




فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ المائدة
المجلد السادس
الحلقة( 247)

من صــ 401 الى صـ 415

وقال تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا - أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} [الإسراء: 56 - 57].
وقد حصل بما ذكرناه الجواب عن قولهم: (وعلى هذا المثال نقول: في السيد المسيح طبيعتان: طبيعة لاهوتية التي هي طبيعة كلمة الله وروحه، وطبيعة ناسوتية التي أخذت من مريم العذراء واتحدت به).
وعرف أن هذا قول من أقوال النصارى، وأن لهم أقوالا أخر تناقض هذا.
وكل فريق منهم يكفر الآخر، إذ كانوا ليسوا على مقالة تلقوها عن المسيح والحواريين، بل هي مقالات ابتدعها من ابتدعها منهم، فضلوا بها وأضلوا، كما قال تعالى: {ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} [المائدة: 77]
فذكر سبحانه أنهم أضلوا من قبل مبعث محمد - صلى الله عليه وسلم -.
والنصارى أمة يلزمهم الضلال الذي أصله الجهل.
ولا يوجد قط من هو نصراني باطنا وظاهرا، إلا وهو ضال جاهل بمعبوده وبأصل دينه، لا يعرف من يعبد ولا بماذا يعبد، مع اجتهاد من يجتهد منهم في العبادة والزهد، ومكارم الأخلاق.
(قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين (15) يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم (16)
الرد علي المسألة السادسة
ما الحكمة في أنه لم يوجد فيه من الشارع نص يعصم من الوقوع في المهالك، وقد كان حريصا علي هدي أمته؟.
فنقول: هذا السؤال مبني علي الأصل الفاسد المتقدم المركب من الإعراض عن الكتاب والسنة، وطلب الهدي في مقالات المختلفين المتقابلين في النفي والإثبات للعبارات المجملات المشتبهات، الذين قال الله فيهم {وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد} [البقرة: 19]، وقال تعالى {وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم} [آل عمران: 19]، وقال تعالى {فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون} [المؤمنون: 53].
وقد تقدم التنبيه علي منشأ الضلال في هذا السؤال وأمثاله، وما في ذلك من العبارات المتشابهات المجملات المبتدعات، سواء كان المحدث هو اللفظ ودلالته، أو كان المحدث هو استعمال ذلك اللفظ في ذلك المعني، كلفظ أصول الدين حيث أدخل فيه كل قوم من المسائل والدلائل ما ظنوه هم من أصول دينهم، وإن لم يكن من أصول الدين الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، كما ذكرنا، وأنه إذا منع إطلاق هذه المجملات المحدثات في النفي والإثبات ووقع الاستفسار والتفصيل تبين سواء السبيل.
وبذلك يتبين أن الشارع عليه الصلاة والسلام نص علي كل ما يعصم من المهالك نصا قاطعا للعذر، وقال تعالى {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} [التوبة: 115]، وقال تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة: 3]، وقال تعالى {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} [النساء: 165]، وقال تعالى {وما على الرسول إلا البلاغ المبين} [النور: 54]،وقال {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} [الإسراء: 9]، وقال تعالى {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا * وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما * ولهديناهم صراطا مستقيما} [النساء: 66 - 68]، وقال تعالى {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} [المائدة: 15 - 16].

و «قال أبو ذر لقد توفي رسول الله صلي الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما».
وفي صحيح مسلم: «أن بعض المشركين قالوا لسلمان: لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة، قال: أجل».
و «قال صلى الله عليه وسلم تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» وقال

«ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به، ولا من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم عنه» وقال «ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه خيرا لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه شرا لهم».
وهذه الجملة يعلم تفصيلها بالبحث والنظر والتتبع والاستقراء، والطلب لعلم هذه المسائل في الكتاب والسنة، فمن طلب ذلك وجد في الكتاب والسنة من النصوص القاطعة للعذر في هذه المسائل ما فيه غاية الهدي والبيان والشفاء.
وذلك يكون بشيئين: أحدهما: معرفة معاني الكتاب والسنة.
والثاني: معرفة معاني الألفاظ التي ينطق بها هؤلاء المختلفون، حتى يحسن أن يطبق بين معاني التنزيل ومعاني أهل الخوض في أصول الدين، فحينئذ يتبين له أن الكتاب حاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، كما قال تعالي {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} [البقرة: 213]، وقال تعالي {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} [الشورى: 10]، وقال {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا * ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} [النساء: 59 - 61].
ولهذا يوجد كثيرا في كلام السلف والأئمة النهي عن إطلاق موارد النزاع بالنفي والإثبات، وليس ذلك وليس ذلك لخلو النقيضين عن الحق، ولا قصور، أو تقصير في بيان الحق، ولكن لأن تلك العبارة من الألفاظ المجملة المتشابهة المشتملة علي حق وباطل، ففي إثباتها إثبات حق وباطل، وفي نفيها نفي حق وباطل، فيمنع من كلا الإطلاقين، بخلف النصوص الإلهية فإنها فرقان فرق الله بها بين الحق والباطل، ولهذا كان سلف الأمة وأئمتها يجعلون كلام الله ورسوله هو الإمام والفرقان الذي يجب اتباعه، فيثبتون ما أثبته الله ورسوله، وينفون ما نفاه الله ورسوله، ويجعلون العبارات المحدثة المجملة المتشابهة ممنوعا من إطلاقها: نفيا إثباتا، لا يطلقون اللفظ ولا ينفونه إلا بعد الاستفسار والتفصيل، فإذا تبين المعني أثبت حقه ونفي باطله، بخلاف كلام الله ورسوله، فإنه حق يجب قبوله، وإن لم يفهم معناه، وكلام غير المعصوم لا يجب قبوله حتى يفهم معناه.
وأما المختلفون في الكتاب المخالفون له المتفقون علي مفارقته، فتجعل كل طائفة ما أصلته من أصول دينها الذي ابتدعته هو الإمام الذي يجب اتباعه، وتجعل ما خالف ذلك من نصوص الكتاب والسنة من المجملات المتشابهات، التي لا يجوز اتباعها، بل يتعين حملها علي ما وافق أصلهم الذي ابتدعوه، أو الإعراض عنها وترك التدبر لها.
وهذان الصفتان يشبهان ما ذكره الله في قوله {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون (75) وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون (76) أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون (77) ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون (78) فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون (79)} [البقرة: 75 - 79].
فإن الله ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة علي ما أصله هو من البدع الباطلة، وذم الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، وهو متناول لمن ترك تدبر القرآن، ولم يعلم إلا مجرد تلاوة حروفه، ومتناول لمن كتب كتابا بيده مخالفا لكتاب الله لينال به دينا، وقال: إنه من عند الله، مثل أن يقول: هذا هو الشرع والدين، وهذا معني الكتاب والسنة، وهذا
قول السلف والأئمة، وهذا هو أصول الدين الذي يجب اعتقاده علي الأعيان أو الكفاية، ومتناول لمن كتم ما عنده من الكتاب والسنة لئلا يحتج به مخالفه في الحق الذي يقوله، وهذه الأمور كثيرة جدا في أهل الأهواء جملة، كالرافضة والجهمية ونحوهم من أهل الأهواء والكلام، وفي أهل الأهواء تفصيلا، مثل كثير من المنتسبين إلي الفقهاء مع شعبة من حال الأهواء.
وهذه الأمور المذكورة في الجواب مبسوطة في موضع آخر.
نهاية الإجابة علي السؤال والله أعلم.

(لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير (17)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
فقد قال - تعالى -: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} [المائدة: 17] في الموضعين.

وقال - تعالى -: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} [المائدة: 73] وقال - تعالى -: {ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم} [النساء: 171].
وقال - تعالى -: {وقالت النصارى المسيح ابن الله} [التوبة: 30].
والنصارى قالت الأقوال الثلاثة فذكر الله عنهم هذه الأقوال لكن من الناس من يظن أن هذا قول طائفة منهم وهذا قول طائفة منهم.
كما ذكره طائفة من المفسرين كابن جرير الطبري والثعلبي وغيرهما ثم تارة يحكون عن اليعقوبية أن عيسى هو الله
وعن النسطورية أنه ابن الله وعن المريوسية أنه ثالث ثلاثة وتارة يحكون عن النسطورية أنه ثالث ثلاثة وعن الملكية أنه الله ويفسرون قولهم: ثالث ثلاثة بالآب والابن وروح القدس.
والصواب أن هذه الأقوال جميعها قول طوائف النصارى المشهورة الملكية واليعقوبية والنسطورية، فإن هذه الطوائف كلها تقول بالأقانيم الثلاثة الآب والابن وروح القدس، فتقول إن الله ثالث ثلاثة وتقول عن المسيح أنه الله وتقول أنه ابن الله وهم متفقون على اتحاد اللاهوت والناسوت وأن المتحد هو الكلمة وهم متفقون على عقيدة إيمانهم التي تتضمن ذلك وهو قولهم: نؤمن بإله واحد أب ضابط الكل خالق السماوات والأرض كل ما يرى وما لا يرى وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق مولود غير مخلوق.
[إبطال دعوى النصارى إلهية المسيح عليه السلام]
وقولهم إنه إله بلاهوته ورسول بناسوته كلام باطل من وجوه.
منها أن الذي كان يكلم الناس إما أن يكون هو الله أو هو رسول الله، فإن كان هو الله بطل كونه رسول الله وإن كان رسول الله بطل كونه هو الله.
ولهذا لما كان الذي كلم موسى - عليه السلام - من الشجرة هو الله لم تنطق الكتب بأنه رسول الله، وهذا وارد بأي وجه فسروا الاتحاد، فإنه من المعلوم أن الناس كانوا يسمعون من المسيح كلاما بصوته المعروف وصوته لم يختلف ولا حاله عند الكلام تغيرت كما يختلف الإنسان وحاله عند الكلام إذا حل فيه الجني وإذا فارقه الجني، فإن الجني إذا تكلم على لسان المصروع ظهر الفرق بين ذلك المصروع وبين غيره من الناس بل اختلف حال المصروع وحال كلامه وسمع منه من الكلام ما يعلم يقينا أنه لا يعرفه وغاب عقله بحيث يظهر ذلك للحاضرين واختلف صوته ونغمته فكيف بمن يكون رب العالمين هو الحال فيه المتحد به المتكلم بكلامه.
فإنه لا بد أن يكون بين كلامه وصوته وكلام سائر البشر وصوتهم من الفرق أعظم من الفرق الذي بين المصروع وغير المصروع بما لا نسبة بينهما.
يبين هذا أن موسى لما سمع كلامه سمع صوتا خارقا للعادة مخالفا لما يعهد من الأصوات ورأى من الآيات الخارقة والعجائب ما يبين أن ذلك الذي سمعه لا يقدر على التكلم به إلا الله وأما المسيح فلم يكن بين كلامه وصوته مع طول عمره وكلام سائر الناس فرق يدل على أنه نبي فضلا عن أن يدل على أنه إله وإنما علم أنه نبي بأدلة منفصلة ولم يكن حاله يختلف مع أنهم يقولون: أن الاتحاد ملازم له من حين خلق ناسوته في بطن أمه مريم وإلى الأبد لا يفارق اللاهوت لذلك الناسوت أبدا وحينئذ فمن المعلوم أن خطابه للناس إن كان خطاب رب العالمين لم يكن هو رسوله وإن كان خطاب رسوله لم يكن ذلك صوت رب العالمين.
الوجه الثاني: أن خطابه خطاب رسول ونبي كما ثبت ذلك عنه في عامة المواضع.
الثالث: أن مصير الشيئين شيئا واحدا مع بقائهما على حالهما بدون الاستحالة، والاختلاط ممتنع في صريح العقل وإنما المعقول مع الاتحاد أن يستحيلا ويختلطا كالماء مع الخمر واللبن، فإنهما إذا صار شيئا واحدا استحالا واختلطا.
الرابع: أنه مع الاتحاد يصير الشيئان شيئا واحدا فيكون الإله هو الرسول، والرسول هو الإله؛ إذ هذا هو هذا، وإن كان الإله غير الرسول فهما شيئان ومهما مثلوا به قولهم كتشبيههم ذلك بالنار في الحديد والروح في البدن، فإنه يدل على فساد قولهم:، فإن الحديد متى طرق أو وضع في الماء كان ذلك مصيبا للنار وكذلك البدن إذا جاع أو صلب وتألم كان ذلك الألم مصيبا للروح فيلزم أن يكون رب العالمين قد أصابه ألم الجوع والعطش وكذلك الضرب والصلب على قولهم وهذا شر من قول اليهود: أنه فقير وأنه بخيل وأنه مسه اللغوب.
[فصل: المسلمون لم يصدقوا نبوة أحد من هؤلاء إلا مع نبوة محمد صلى الله عليه وسلم]
وإن كان مقصودهم الاحتجاج بذلك على المسلمين قيل لهم: أولا هذه حجة جدلية فما مستندكم فيما بينكم وبين الله في تصديق شخص وتكذيب آخر مع أن دلالة الصدق فيهما واحدة بل هي في الذي كذبتموه أظهر، فإن كانت حقا لزم تصديق من كذبتموه وفسد دينكم وإن كانت باطلة بطل استدلالكم بها على دينكم فثبت أنهم مع تكذيب محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يستقيم لهم الاستدلال بكلام أحد من الأنبياء - عليهم السلام.

وقيل لهم ثانيا: المسلمون إنما عرفوا صدق هؤلاء الأنبياء بما دلهم على صدق محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن لم يكن محمد صادقا لم يعرفوا صدق هؤلاء فيبطل دليلكم وإن كان صادقا بطل دين النصارى فيبطل دليل صحته فثبت بطلان دليلهم على كل تقدير.
وقيل لهم ثالثا: المسلمون لم يصدقوا نبوة أحد من هؤلاء إلا مع نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وإن قيل أنهم عرفوا ذلك بطريق آخر، فإن الدليل الذي يدل على صدق واحد منهم يدل على صدق محمد - صلى الله عليه وسلم - بطريق الأولى فلا يمكنهم تصديق نبي مع تكذيب محمد - صلى الله عليه وسلم.

وقيل لهم رابعا: هم إنما يصدقون موسى وعيسى اللذين بشرا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فإن كانا قد بشرا به فثبتت نبوته وإن لم يكونا بشرا به فهم لا يؤمنون إلا بالمبشرين به وبالتوراة والإنجيل اللذين هو مكتوب فيهما.
فإن قدر عدم ذلك فهم لا يسلمون وجود موسى وعيسى وتوراة وإنجيل منزلين من الله ليس فيهما ذكره - صلى الله عليه وسلم.
وإن قالوا: نحن صدقنا هؤلاء الأنبياء بلا علم لنا بصدقهم وطريق يدل على صدقهم ; لأن هذا دين آبائنا وجدناهم يعظمون هؤلاء ويقولون هم أنبياء فاتبعنا آباءنا في ذلك من غير علم وهذا هو الواقع من أكثرهم قيل فإذا كان هذا قولكم في الأنبياء وفيما شهدوا به إن كانوا شهدوا فيلزم أن لا يكونوا عالمين به بل متبعين فيه لآبائهم بغير علم بطريق الأولى وبهذا يحصل المقصود وهو أن ما أنتم عليه من اعتقاد دين النصرانية لا علم لكم ولا دليل لكم على صحته بل أنتم فيه متبعون لآبائكم كاتباع اليهود والمشركين لآبائهم.
ولا ريب أن هذا حال النصارى ولهذا سماهم الله ضلالا في قوله: {ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} [المائدة: 77]
وقال - تعالى -: {وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم} [الكهف: 4] وقال - تعالى -: {وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم} [النساء: 157] وقال - تعالى -: {وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب} [الشورى: 14].
ولهذا كان النصارى معروفين بالجهل والضلال كما أن اليهود معروفون بالظلم والقسوة والعناد فتبين بما ذكرناه أنه لا يمكنهم مع تكذيب محمد - صلى الله عليه وسلم - في كلمة واحدة الاحتجاج بقول واحد من الأنبياء على شيء من دينهم ولا دين غيرهم.
[فصل: نقض قولهم إن اللطائف لا تظهر إلا في الكثائف ولهذا تجسمت كلمة الله الخالقة بعيسى]
قالوا: وأما تجسم كلمة الله الخالقة بإنسان مخلوق وولادتهما معا، أي الكلمة مع الناسوت، فإنه لم يخاطب الباري أحدا من الأنبياء إلا وحيا أو من وراء حجاب، حسب ما جاء في هذا الكتاب بقوله:
{وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء} [الشورى: 51].
وإذا كانت اللطائف لا تظهر إلا في الكثائف - روح القدس - وغيرها، فكلمة الله التي بها خلقت اللطائف والكثائف، تظهر في غير كثيف كلا.
ولذلك ظهر في عيسى ابن مريم، إذ الإنسان أجل ما خلقه الله، ولهذا خاطب الخلق، وشاهدوا منه ما شاهدوا.
والجواب من طرق:
أحدها: أنه يقال: هذا الذي ذكروه، وادعوا أنه تجسم كلمة الله الخالقة بإنسان مخلوق، وولادتهما معا، أي الكلمة مع الناسوت، وهو الذي يعبر عنه باتحاد اللاهوت بالناسوت - هو أمر ممتنع في صريح العقل، وما علم أنه ممتنع في صريح العقل لم يجز أن يخبر به رسول، فإن الرسل إنما تخبر بما لا يعلم بالعقل أنه ممتنع، فأما ما يعلم بصريح العقل أنه ممتنع، فالرسل منزهون عن الإخبار عنه.

الطريق الثاني: أن الأخبار الإلهية صريحة بأن المسيح عبد الله ليس بخالق العالم، والنصارى يقولون: هو إله تام وإنسان تام.
الطريق الثالث: الكلام فيما ذكروه.
فأما الطريق الأول فمن وجوه:
أحدها: أن يقال: المتحد بالمسيح إما أن يكون هو الذات المتصفة بالكلام أو الكلام فقط، وإن شئت قلت: المتحد به، إما الكلام مع الذات، وإما الكلام بدون الذات، فإن كان المتحد به الكلام مع الذات كان المسيح هو الأب وهو الابن وهو روح القدس، وكان المسيح هو الأقانيم الثلاثة.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.12 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]