عرض مشاركة واحدة
  #242  
قديم 26-01-2023, 12:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,685
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام




فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ المائدة
المجلد السادس
الحلقة( 242)

من صــ 326 الى صـ 340


فصل:
قوله تعالى {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء} الآية.
هذا مما أشكل على بعض الناس. فقال طائفة من الناس: " أو " بمعنى الواو وجعلوا التقدير: وجاء أحد منكم من الغائط. ولامستم النساء. قالوا: لأن من مقتضى " أو " أن يكون كل من المرض والسفر موجبا للتيمم؛ كالغائط والملامسة. وهذا مخالف لمعنى الآية
فإن " أو " ضد الواو: والواو: للجمع والتشريك بين المعطوف والمعطوف عليه.
وأما معنى: " أو " فلا يوجب الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه بل يقتضي إثبات أحدهما. لكن قد يكون ذلك مع إباحة الآخر كقوله: جالس الحسن أو ابن سيرين؛ وتعلم الفقه أو النحو؛ ومنه خصال الكفارة يخير بينها ولو فعل الجميع جاز. وقد يكون مع الحصر؛ يقال للمريض: كل هذا أو هذا. وكذلك في الخبر: هي لإثبات أحدهما إما مع عدم علم المخاطب. وهو الشك أو مع علمه وهو الإيهام كقوله تعالى: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} لكن المعنى الذي أراده: هو الأصح وهو أن خطابه بالتيمم: للمريض والمسافر وإن كان قد جاء من الغائط أو جامع. ولا ينبغي - على قولهم - أن يكون المراد: أن لا يباح التيمم إلا مع هذين. بل التقدير: بالاحتلام أو حدث بلا غائط فالتيمم هنا أولى وهو سبحانه لما أمر كل قائم إلى الصلاة بالوضوء أمرهم إذا كانوا جنبا: أن يطهروا وفيهم المحدث بغير الغائط كالقائم من النوم والذي خرجت منه الريح. ومنهم الجنب بغير جماع بل باحتلام. فالآية عمت كل محدث وكل جنب. فقال تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفر} {فتيمموا} فأباح التيمم للمحدث والجنب إذا كان مريضا أو على سفر ولم يجد ماء. والتيمم رخصة. فقد يظن الظان: أنها لا تباح إلا مع خفيف الحدث والجنابة كالريح والاحتلام بخلاف الغائط والجماع. فإن التيمم مع ذلك والصلاة معه: مما تستعظمه النفوس وتهابه. فقد أنكر بعض كبار الصحابة تيمم الجنب مطلقا. وكثير من الناس يهاب الصلاة مع الحدث بالتيمم إذ كان جعل التراب طهورا كالماء: هو مما فضل الله به محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته.
ومن لم يستحكم إيمانه: لا يستجيز ذلك. فبين الله سبحانه: أن التيمم مأمور به مع تغليظ الحدث بالغائط وتغليظ الجنابة بالجماع. والتقدير: وإن كنتم مرضى أو مسافرين أو كان - مع ذلك - جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء. ليس المقصود: أن يجعل الغائط والجماع فيما ليس معه مرض أو سفر. فإنه إذا جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء وليسوا مرضى ولا مسافرين. فقد بين ذلك بقوله {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} وبقوله: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} فدلت الآية على وجوب الوضوء والغسل على الصحيح والمقيم.
وأيضا فتخصيصه المجيء من الغائط والجماع: يجوز أن يكون لا يتيمم في هذه الحالة دون ما هو أخف من ذلك من خروج الريح ومن الاحتلام. فإن الريح كالنوم والاحتلام يكون في المنام. فهناك يحصل الحدث والجنابة والإنسان نائم. فإذا كان في تلك الحال يؤمر بالوضوء والغسل فإذا حصل ذلك وهو يقظان: فهو أولى بالوجوب. لأن النائم رفع عنه القلم بخلاف اليقظان. ولكن دلت الآية على أن الطهارة تجب وإن حصل الحدث والجنابة بغير اختياره كحدث النائم واحتلامه.

وإذا دلت على وجوب طهارة الماء في الحال فوجوبها مع الحدث الذي حصل باختياره أو يقظته: أولى. وهذا بخلاف التيمم. فإنه لا يلزم إذا أباح التيمم للمعذور الذي أحدث في النوم باحتلام أو ريح: أن يبيحه لمن أحدث باختياره فقال تعالى: {أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء} ليبين جواز التيمم لهذين. وإن حصل حدثهما في اليقظة وبفعلهما وإن كان غليظا. ولو كانت " أو " بمعنى الواو: كان تقدير الكلام: أن التيمم لا يباح إلا بوجود الشرطين - المرض والسفر - مع المجيء من الغائط والاحتلام. فيلزم من هذا أن لا يباح مع الاحتلام ولا مع الحدث بلا غائط كحدث النائم ومن خرجت منه الريح.

فإن الحكم إذا علق بشرطين لم يثبت مع أحدهما. وهذا ليس مرادا قطعا بل هو ضد الحق؛ لأنه إذا أبيح مع الغائط الذي يحصل بالاختيار فمع الخفيف وعدم الاختيار أولى. فتبين أن معنى الآية: وإن كنتم مرضى أو على سفر فتيمموا. وإن كان مع ذلك قد جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء.
كما يقال: وإن كنت مريضا أو مسافرا. والتقدير: وإن كنتم أيها القائمون إلى الصلاة - وأنتم مرضى أو مسافرين - قد جئتم من الغائط أو لامستم النساء؛ ولهذا قال من قال: إنها خطاب للقائمين من النوم: إن التقدير إذا قمتم إلى الصلاة أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء. فإنه سبحانه ذكر أولا فعلهم بقوله: {إذا قمتم} {أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء} الثلاثة أفعال. وقوله: {وإن كنتم مرضى أو على سفر} حال لهم. أي كنتم على هذه الحال. كقوله: وإن كنتم على حال العجز عن استعمال الماء - إما لعدمه أو لخوف الضرر باستعماله - فتيمموا إذا قمتم إلى الصلاة من النوم. أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء. ولكن الذي رجحناه: أن قوله: {إذا قمتم} عام: إما لفظا ومعنى. وإما معنى.
وعلى هذا فالمعنى: إذا قمتم إلى الصلاة فتوضئوا أو اغتسلوا إن كنتم جنبا وإن كنتم مرضى أو مسافرين أو فعلتم ما هو أبلغ في الحدث - جئتم من الغائط أو لامستم النساء - إذ التقدير: وإن كنتم مرضى أو مسافرين وقد قمتم إلى الصلاة أو فعلتم - مع القيام إلى الصلاة والمرض أو السفر - هذين الأمرين المجيء من الغائط والجماع. فيكون قد اجتمع قيامكم إلى الصلاة والمرض والسفر وأحد هذين. فالقيام موجب للطهارة والعذر مبيح وهذا القيام. فإذا قمتم وجب التيمم إن كان قياما مجردا. أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء. ولكن من الناس من يعطف قوله {أو جاء} {أو لامستم} على قوله {إذا قمتم} والتقدير: وإذا قمتم أو جاء أو لامستم. وهذا مخالف لنظم الآية.
فإن نظمها يقتضي أن هذا داخل في جزاء الشرط. وقوله: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا} فإن الذي قاله قريب من جهة المعنى. ولكن التقدير: وإن كنتم إذا قمتم إلى الصلاة مرضى أو على سفر أو كان مع ذلك: جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء. فهو تقسيم من مفرد ومركب. يقول: إن كنتم مرضى أو على سفر قائمين إلى الصلاة فقط بالقيام من النوم أو القعود المعتاد. أو كنتم - مع هذا -: قد جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء. فقوله تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفر} خطاب لمن قيل لهم: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} {وإن كنتم جنبا فاطهروا} فالمعنى يا أيها القائم إلى الصلاة توضأ. وإن كنت جنبا فاغتسل.

وإن كنت مريضا أو مسافرا تيمم. أو كنت مع هذا وهذا مع قيامك إلى الصلاة وأنت محدث أو جنب. ومع مرضك وسفرك قد جئت من الغائط أو لامست النساء: فتيمم إن كنت معذورا. وإيضاح هذا: أنه من باب عطف الخاص على العام الذي يخص بالذكر لامتيازه. وتخصيصه يقتضي ذلك. ومثل هذا يقال: إنه داخل في العام ثم ذكر بخصوصه. ويقال: بل ذكره خاصا يمنع دخوله في العام. وهذا يجيء في العطف بأو وأما بالواو: فمثل قوله تعالى {وملائكته ورسله وجبريل وميكال} وقوله: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم} الآية ومن هذا قوله: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} ونحو ذلك.

وأما في " أو " ففي مثل قوله تعالى {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم} وقوله: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} وقوله: {ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا} وقوله {فمن خاف من موص جنفا أو إثما} فإن الجنف هو الميل عن الحق وإن كان عامدا.
قال عامة المفسرين " الجنف " الخطأ و " الإثم " العمد. قال أبو سليمان الدمشقي: الجنف: الخروج عن الحق. وقد يسمى " المخطئ العامد " إلا أن المفسرين علقوا " الجنف " على المخطئ و " الإثم " على العامد. ومثله قوله: {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} فإن " الكفور " هو الآثم أيضا. لكنه عطف خاص على عام. وقد قيل: هما وصفان لموصوف واحد وهو أبلغ. فإن عطف الصفة على الصفة والموصوف واحد كقوله: {الذي خلق فسوى} {والذي قدر فهدى} وقوله: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن} وقوله: {قد أفلح المؤمنون} {الذين هم في صلاتهم خاشعون} {والذين هم عن اللغو معرضون} {والذين هم للزكاة فاعلون} {والذين هم لفروجهم حافظون} ونظائر هذا كثيرة. قال ابن زيد: الآثم المذنب الظالم والكفور.
هذا كله واحد. قال ابن عطية: هو مخير في أنه يعرف الذي ينبغي أن لا يطيعه بأي وصف كان من هذين؛ لأن كل واحد منهم فهو آثم وهو كفور ولم يكن للأمة من الكثرة بحيث يغلب الإثم على المعاصي. قال: واللفظ إنما يقتضي نهي الإمام عن طاعة آثم من العصاة أو كفور من المشركين. وقال أبو عبيدة وغيره: ليس فيها تخيير " أو " بمعنى الواو. وكذلك قال طائفة: منهم البغوي وابن الجوزي. وقال المهدوي: أي لا تطع من أثم أو كفر. ودخول " أو " يوجب أن لا تطيع كل واحد منهما على انفراده. ولو قال: ولا تطع منهما آثما أو كفورا لم يلزم النهي إلا في حال اجتماع الوصفين. وقد يقال: إن " الكفور " هو الجاحد للحق وإن كان مجتهدا مخطئا. فيكون هذا أعم من وجه وهذا أعم من وجه التمسك (1).
وقوله تعالى {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء} من هذا الباب. فإنه خاطب المؤمنين. فقال: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} وهذا يتناول المحدثين كما تقدم. ثم قال: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} ثم قال " وإن كنتم - مع الحدث والجنابة - مرضى أو على سفر ولم تجدوا ماء فتيمموا "وهذا يتناول كل محدث سواء كان قد جاء من الغائط أو لم يجئ كالمستيقظ من نومه. والمستيقظ إذا خرجت منه الريح. ويتناول كل جنب سواء كانت جنابته باحتلام أو جماع.
فقال " وإن كنتم محدثون - جنب مرضى أو على سفر - أو جاء أحد منكم من الغائط " وهذا نوع خاص من الحدث {أو لامستم النساء} وهذا نوع خاص من الجنابة. ثم قد يقال: " لفظ الجنب " يتناول النوعين وخص المجامع بالذكر وكذلك " القائم إلى الصلاة " يتناول من جاء من الغائط ومن أحدث بدون ذلك لكن خص الجائي بالذكر كما في قوله: {فمن خاف من موص جنفا أو إثما} فالآثم هو المتعمد وتخصيصه بالذكر - وإن كان دخل - ليبين حكمه بخصوصه ولئلا يظن خروجه عن اللفظ العام. وإن كان لم يدخل فهو نوع آخر. والتقدير: إن كنتم مرضى أو على سفر فتيمموا. وهذا معنى الآية.
فصل:
وقوله: {أو جاء أحد منكم من الغائط} ذكر الحدث الأصغر. فالمجيء من الغائط هو مجيء من الموضع الذي يقضي فيه الحاجة. وكانوا ينتابون الأماكن المنخفضة وهي الغائط. وهو كقولك: جاء من المرحاض. وجاء من الكنيف ونحو ذلك. هذا كله عبارة عمن جاء وقد قضى حاجته بالبول أو الغائط. والريح يخرج معهما. وقد تنازع الفقهاء: هل تنقض الريح لكونها تستصحب جزءا من الغائط. فلا يكون على هذا نوعا آخر؟ أو هي لا تستصحب جزءا من الغائط. بل هي نفسها تنقض. ونقضها متفق عليه بين المسلمين.
وقد دل عليه القرآن في قوله: {إذا قمتم} سواء كان أريد القيام من النوم أو مطلقا. فإن القيام من النوم: مراد على كل تقدير. وهو إنما نقض بخروج الريح. هذا مذهب الأئمة الأربعة وجمهور السلف والخلف: أن النوم نفسه ليس بناقض ولكنه مظنة خروج الريح. وقد ذهبت طائفة إلى أن النوم نفسه ينقض ونقض الوضوء بقليله وكثيره. وهو قول ضعيف. وقد ثبت في الصحيحين {عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينام حتى يغط ثم يقوم يصلي ولا يتوضأ ويقول: تنام عيناي ولا ينام قلبي}. فدل على أن قلبه الذي لم ينم كان يعرف به أنه لم يحدث ولو كان النوم نفسه كالبول والغائط والريح: لنقض كسائر النواقض.
وأيضا قد ثبت في الصحيحين " أن الصحابة كانوا ينتظرون الصلاة حتى تخفق رءوسهم. ثم يصلون ولا يتوضئون وهم في المسجد ينتظرون العشاء خلف النبي صلى الله عليه وسلم ". وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل عن العشاء ليلة فأخرها حتى رقدنا في المسجد ثم استيقظنا. ثم رقدنا ثم استيقظنا. ثم خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: ليس أحد من أهل الأرض الليلة ينتظر الصلاة غيركم}.

ولمسلم عنه قال {مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة. فخرج علينا حين ذهب ثلث الليل أو بعضه - ولا ندري أي شيء شغله من أهله أو غير ذلك - فقال حين خرج: إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة. ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى}. ولمسلم أيضا عن عائشة رضي الله عنها قالت {اعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل وحتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلى. فقال: إنه لوقتها؛ لولا أن أشق على أمتي}. ففي هذه الأحاديث الصحيحة: أنهم ناموا وقال في بعضها " إنهم رقدوا ثم استيقظوا ثم رقدوا ثم استيقظوا " وكان الذين يصلون خلفه جماعة كثيرة وقد طال انتظارهم وناموا. ولم يستفصل أحدا لا سئل ولا سأل الناس: هل رأيتم رؤيا؟ أو هل مكن أحدكم مقعدته؟ أو هل كان أحدكم مستندا؟ وهل سقط شيء من أعضائه على الأرض؟ فلو كان الحكم يختلف لسألهم. وقد علم أنه في مثل هذا الانتظار بالليل - مع كثرة الجمع - يقع هذا كله. وقد كان يصلي خلفه النساء والصبيان. وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: {اعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي بصلاة العشاء فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال عمر بن الخطاب: نام النساء والصبيان.

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأهل المسجد حين خرج عليهم: ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم. وذلك قبل أن يفشو الإسلام في الناس}. وقد خرج البخاري هذا الحديث في " باب خروج النساء إلى المسجد بالليل والغلس " وفي " باب النوم قبل العشاء لمن غلب عليه النوم " وخرجه في " باب وضوء الصبيان وحضورهم الجماعة " وقال فيه {إنه ليس أحد من أهل الأرض يصلي هذه الصلاة غيركم}.
وهذا يبين أن قول عمر " نام النساء والصبيان " يعني والناس في المسجد ينتظرون الصلاة. وهذا يبين أن المنتظرين للصلاة كالذي ينتظر الجمعة إذا نام أي نوم كان لم ينتقض وضوءه. فإن النوم ليس بناقض. وإنما الناقض: الحدث فإذا نام النوم المعتاد الذي يختاره الناس في العادة - كنوم الليل والقائلة - فهذا يخرج منه الريح في العادة وهو لا يدري إذا خرجت فلما كانت الحكمة خفية لا نعلم بها: قام دليلها مقامها. وهذا هو النوم الذي يحصل هذا فيه في العادة.
وأما النوم الذي يشك فيه: هل حصل معه ريح أم لا؟ فلا ينقض الوضوء. لأن الطهارة ثابتة بيقين فلا تزول بالشك. وللناس في هذه المسألة أقوال متعددة ليس هذا موضع تفصيلها لكن هذا هو الذي يقوم عليه الدليل. وليس في الكتاب والسنة نص يوجب النقض بكل نوم. فإن قوله: {العين وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء} قد روي في السنن من حديث علي بن أبي طالب ومعاوية رضي الله عنهما وقد ضعفه غير واحد. وبتقدير صحته: فإنما فيه {إذا نامت العينان استطلق الوكاء} وهذا يفهم منه: أن النوم المعتاد هو الذي يستطلق منه الوكاء. ثم نفس الاستطلاق لا ينقض. وإنما ينقض ما يخرج مع الاستطلاق. وقد يسترخي الإنسان حتى ينطلق الوكاء ولا ينتقض وضوءه. وإنما قوله في حديث صفوان بن عسال {أمرنا أن لا ننزع خفافنا إذا كنا سفرا - أو مسافرين - ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة. لكن من غائط أو بول أو نوم} فهذا ليس فيه ذكر نقض النوم. ولكن فيه: أن لابس الخفين لا ينزعهما ثلاثة أيام إلا من جنابة ولا ينزعهما من الغائط والبول والنوم فهو نهي عن نزعهما لهذه الأمور. وهو يتناول النوم الذي ينقض. ليس فيه: أن كل نوم ينقض الوضوء.
هذا إذا كان لفظ " النوم " من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. فكيف إذا كان من كلام الراوي؟ وصاحب الشريعة قد يعلم أن الناس إذا كانوا قعودا أو قياما في الصلاة أو غيرها فينعس أحدهم وينام ولم يأمر أحدا بالوضوء في مثل هذا. أما الوضوء من النوم المعروف عند الناس: فهو الذي يترجح معه في العادة خروج الريح وأما ما كان قد يخرج معه الريح وقد لا يخرج: فلا ينقض على أصل الجمهور. الذين يقولون: إذا شك هل ينقض أو لا ينقض؟ أنه لا ينقض. بناء على يقين الطهارة.
فصل:

وهو سبحانه أمرنا بالطهارتين الصغرى والكبرى وبالتيمم عن كل منهما فقال: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} فأمر بالوضوء. ثم قال: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} فأمر بالتطهر من الجنابة كما قال في المحيض: {ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} وقال في سورة النساء: {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} وهذا يبين أن التطهر هو الاغتسال. والقرآن يدل على أنه لا يجب على الجنب إلا الاغتسال وأنه إذا اغتسل جاز له أن يقرب الصلاة. والمغتسل من الجنابة ليس عليه نية رفع الحدث الأصغر كما قال جمهور العلماء. والمشهور في مذهب أحمد: أن عليه نية رفع الحدث الأصغر وكذلك ليس عليه فعل الوضوء ولا ترتيب ولا موالاة عند الجمهور. وهو ظاهر مذهب أحمد. وقيل: لا يرتفع الحدث الأصغر إلا بهما. وقيل: لا يرتفع حتى يتوضأ. روي ذلك عن أحمد.
__________
Q (1) بياض في الأصل





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.88 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]