
25-01-2023, 11:04 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ المائدة
المجلد السادس
الحلقة( 241)
من صــ 311 الى صـ 325
(ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون (6)
قال الشيخ الإمام العالم مفتي الأنام المجتهد الفقيه الإمام: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني - رحمه الله ورضي عنه -:
قول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ... }.
هذا الخطاب يقتضي: أن كل قائم إلى الصلاة فإنه مأمور بما ذكر من الغسل. والمسح. وهو الوضوء. وذهبت طائفة: إلى أن هذا عام مخصوص.
وذهبت طائفة: إلى أنه يوجب الوضوء على كل من كان متوضئا وكلا القولين ضعيف. فأما الأولون: فإن منهم من قال: المراد بهذا: القائم من النوم وهذا معروف عن زيد بن أسلم ومن وافقه من أهل المدينة من أصحاب مالك وغيرهم. قالوا: الآية أوجبت الوضوء على النائم بهذا وعلى المتغوط بقوله: {أو جاء أحد منكم من الغائط} وعلى لامس النساء بقوله: {أو لامستم النساء} وهذا هو الحدث المعتاد. وهو الموجب للوضوء عندهم. ومن هؤلاء من قال: فيها تقديم وتأخير. تقديره: إذا قمتم إلى الصلاة من النوم أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء. فيقال: أما تناولها للقائم من النوم المعتاد: فظاهر لفظها يتناوله.
وأما كونها مختصة به بحيث لا تتناول من كان مستيقظا وقام إلى الصلاة - فهذا ضعيف. بل هي متناولة لهذا لفظا ومعنى. وغالب الصلوات يقوم الناس إليها من يقظة: لا من نوم:
كالعصر والمغرب والعشاء. وكذلك الظهر في الشتاء؛ لكن الفجر يقومون إليها من نوم. وكذلك الظهر في القائلة. والآية تعم هذا كله. لكن قد يقال: إذا أمرت الآية القائم من النوم - لأجل الريح التي خرجت منه بغير اختياره - فأمرها للقائم الذي خرج منه الريح في اليقظة أولى وأحرى. فتكون - على هذا - دلالة الآية على اليقظان بطريق تنبيه الخطاب وفحواه.
وإن قيل: إن اللفظ عام يتناول هذا بطريق العموم اللفظي. فهذان قولان متوجهان. والآية على القولين عامة. وتعم أيضا القيام إلى النافلة بالليل والنهار والقيام إلى صلاة الجنازة كما سنبينه إن شاء الله. فمتى كانت عامة لهذا كله: فلا وجه لتخصيصها. وقالت طائفة: تقدير الكلام: إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم محدثون أو قد أحدثتم. فإن المتوضئ ليس عليه وضوء. وكل هذا عن الشافعي رحمه الله. ويوجبه الشافعي في التيمم فإن ظاهر القرآن يقتضي وجوب الوضوء والتيمم على كل قائم يخالف هذا.
فإن كان قد قال هذا: كان له قولان. ومن المفسرين من يجعل هذا قول عامة الفقهاء من السلف والخلف؛ لاتفاقهم على الحكم. فيجعل اتفاقهم على هذا الحكم اتفاقا على الإضمار كما ذكر أبو الفرج بن الجوزي.
قال: وللعلماء في المراد بالآية قولان. أحدهما: إذا قمتم إلى الصلاة محدثين فاغسلوا فصار الحدث مضمرا في وجوب الوضوء. وهذا قول سعد بن أبي وقاص وأبي موسى وابن عباس رضي الله عنهم والفقهاء. قال: والثاني أن الكلام على إطلاقه من غير إضمار فيجب الوضوء على كل من يريد الصلاة محدثا كان أو غير محدث. وهذا مروي عن عكرمة وابن سيرين. ونقل عنهم: أن هذا الحكم غير منسوخ. ونقل عن جماعة من العلماء: أن ذلك كان واجبا بالسنة. وهو ما روى بريدة رضي الله عنه {أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد. وقال: عمدا فعلته يا عمر}. قلت: أما الحكم - وهو أن من توضأ لصلاة صلى بذلك الوضوء صلاة أخرى - فهذا قول عامة السلف والخلف: والخلاف في ذلك شاذ. وقد علم بالنقل المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يوجب الوضوء على من صلى ثم قام إلى صلاة أخرى فإنه قد ثبت بالتواتر {أنه صلى بالمسلمين يوم عرفة الظهر والعصر جميعا جمع بهم بين الصلاتين} وصلى خلفه ألوف مؤلفة لا يحصيهم إلا الله. ولما سلم من الظهر. صلى بهم العصر ولم يحدث وضوءا لا هو ولا أحد ولا أمر الناس بإحداث وضوء ولا نقل ذلك أحد وهذا يدل على أن التجديد لا يستحب مطلقا.
وهل يستحب التجديد لكل صلاة من الخمس؟ فيه نزاع. وفيه عن أحمد رحمه الله روايتان. وكذلك أيضا لما قدم مزدلفة: {صلى بهم المغرب والعشاء جمعا} من غير تجديد وضوء للعشاء. وهو في الموضعين قد قام هو وهم إلى صلاة بعد صلاة. وأقام لكل صلاة إقامة. وكذلك سائر أحاديث الجمع الثابتة في الصحيحين من حديث ابن عمر وابن عباس وأنس رضي الله عنهم. كلها تقتضي: أنه هو صلى الله عليه وسلم - والمسلمون خلفه - صلوا الثانية من المجموعتين بطهارة الأولى لم يحدثوا لها وضوءا.
وكذلك هو صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه في الصحيحين من حديث ابن عباس وعائشة وغيرهم {أنه كان يتوضأ لصلاة الليل. فيصلي به الفجر} مع أنه كان ينام حتى يغط. ويقول {تنام عيناي ولا ينام قلبي} فهذا أمر من أصح ما يكون أنه: كان ينام ثم يصلي بذلك الوضوء الذي توضأ للنافلة يصلي به الفريضة. فكيف يقال: إنه كان يتوضأ لكل صلاة؟. وقد ثبت عنه في الصحيح {أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر. ثم قدم عليه وفد عبد القيس. فاشتغل بهم عن الركعتين بعد الظهر حتى صلى العصر ولم يحدث وضوءا}.
وكان يصلي تارة الفريضة ثم النافلة. وتارة النافلة ثم الفريضة وتارة فريضة ثم فريضة. كل ذلك بوضوء واحد. وكذلك المسلمون صلوا خلفه في رمضان بالليل بوضوء واحد مرات متعددة. وكان المسلمون على عهده يتوضئون ثم يصلون ما لم يحدثوا كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة. ولم ينقل عنه - لا بإسناد صحيح ولا ضعيف -: أنه أمرهم بالوضوء لكل صلاة.
فالقول باستحباب هذا يحتاج إلى دليل.
وأما القول بوجوبه: فمخالف للسنة المتواترة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولإجماع الصحابة.
والنقل عن علي رضي الله عنه بخلاف ذلك لا يثبت؛ بل الثابت عنه خلافه. وعلي رضي الله عنه أجل من أن يخفى عليه مثل هذا والكذب على علي كثير مشهور: أكثر منه على غيره. وأحمد بن حنبل رحمه الله - مع سعة علمه بآثار الصحابة والتابعين - أنكر أن يكون في هذا نزاع. وقال أحمد بن القاسم: سألت أحمد عمن صلى أكثر من خمس صلوات بوضوء واحد؟ فقال: لا بأس بذلك إذا لم ينتقض وضوءه.
ما ظننت أن أحدا أنكر هذا. وروى البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: {كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة. قلت: وكيف كنتم تصنعون؟ قال: يجزئ أحدنا الوضوء ما لم يحدث} وهذا هو في الصلوات الخمس المفرقة. ولهذا استحب أحمد ذلك في أحد القولين مع أنه كان أحيانا يصلي صلوات بوضوء واحد. كما في صحيح مسلم عن بريدة رضي الله عنه قال: {صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد ومسح على خفيه. فقال له عمر: إني رأيتك صنعت شيئا لم تكن صنعته؟ قال: عمدا صنعته يا عمر}. والقرآن أيضا يدل على أنه لا يجب على المتوضئ أن يتوضأ مرة ثانية من وجوه: أحدها: أنه سبحانه قال: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} فقد أمر من جاء من الغائط ولم يجد الماء: أن يتيمم الصعيد الطيب. فدل على أن المجيء من الغائط يوجب التيمم. فلو كان الوضوء واجبا على من جاء من الغائط ومن لم يجئ فإن التيمم أولى بالوجوب. فإن كثيرا من الفقهاء يوجبون التيمم لكل صلاة. وعلى هذا فلا تأثير للمجيء من الغائط. فإنه إذا قام إلى الصلاة وجب الوضوء أو التيمم وإن لم يجئ من الغائط.
ولو جاء من الغائط ولم يقم إلى الصلاة: لا يجب عليه وضوء ولا تيمم فيكون ذكر المجيء من الغائط عبثا على قول هؤلاء. الوجه الثاني: أنه سبحانه خاطب المؤمنين. لأن الناس كلهم يكونون محدثين فإن البول والغائط أمر معتاد لهم وكل بني آدم محدث. والأصل فيهم: الحدث الأصغر. فإن أحدهم من حين كان طفلا قد اعتاد ذلك فلا يزال محدثا بخلاف الجنابة. فإنها إنما تعرض لهم عند البلوغ. والأصل فيهم: عدم الجنابة كما أن الأصل فيهم: عدم الطهارة الصغرى؛ فلهذا قال: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} ثم قال: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} فأمرهم بالطهارة الصغرى مطلقا.
لأن الأصل: أنهم كلهم محدثون قبل أن يتوضئوا. ثم قال: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} وليس منهم جنب إلا من أجنب. فلهذا فرق سبحانه بين هذا وهذا. الثالث: أن يقال: الآية اقتضت وجوب الوضوء إذا قام المؤمن إلى الصلاة. فدل على أن القيام هو السبب الموجب للوضوء. وأنه إذا قام إلى الصلاة صار واجبا حينئذ وجوبا مضيقا. فإذا كان العبد قد توضأ قبل ذلك: فقد أدى هذا الواجب قبل تضييقه كما قال: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} فدل على أن النداء يوجب السعي إلى الجمعة. وحينئذ يتضيق وقته فلا يجوز أن يشتغل عنه ببيع ولا غيره. فإذا سعى إليها قبل النداء: فقد سابق إلى الخيرات وسعى قبل تضييق الوقت. فهل يقول عاقل: إن عليه أن يرجع إلى بيته ليسعى عند النداء؟. وكذلك الوضوء: إذا كان المسلم قد توضأ للظهر قبل الزوال أو للمغرب قبل غروب الشمس أو للفجر قبل طلوعه وهو إنما يقوم إلى الصلاة بعد الوقت. فمن قال: إن عليه أن يعيد الوضوء فهو بمنزلة من يقول: إن عليه أن يعيد السعي إذا أتى الجمعة قبل النداء. والمسلمون على عهد نبيهم كانوا يتوضئون للفجر وغيرها قبل الوقت وكذلك المغرب. فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجلها ويصليها إذا توارت الشمس بالحجاب.
وكثير من أصحابه كانت بيوتهم بعيدة من المسجد. فهؤلاء لو لم يتوضئوا قبل المغرب: لما أدركوا معه أول الصلاة بل قد تفوتهم جميعا لبعد المواضع. وهو نفسه صلى الله عليه وسلم لم يكن يتوضأ بعد الغروب ولا من حضر عنده في المسجد ولا كان يأمر أحدا بتجديد الوضوء بعد المغرب. وهذا كله معلوم مقطوع به. وما أعرف في هذا خلافا ثابتا عن الصحابة: أن من توضأ قبل الوقت عليه أن يعيد الوضوء بعد دخول الوقت. ولا يستحب أيضا لمثل هذا تجديد وضوء. وإنما تكلم الفقهاء فيمن صلى بالوضوء الأول: هل يستحب له التجديد؟ وأما من لم يصل به: فلا يستحب له إعادة الوضوء؛ بل تجديد الوضوء في مثل هذا بدعة مخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما عليه المسلمون في حياته وبعده إلى هذا الوقت.
فقد تبين أن هذا قبل القيام قد أدى هذا الواجب قبل تضييقه كالساعي إلى الجمعة قبل النداء وكمن قضى الدين قبل حلوله؛ ولهذا قال الشافعي وغيره: إن الصبي إذا صلى ثم بلغ لم يعد الصلاة؛ لأنها تلك الصلاة بعينها سابق إليها قبل وقتها. وهو قول في مذهب أحمد وهذا القول أقوى من إيجاب الإعادة. ومن أوجبها قاسه على الحج وبينهما فرق. كما هو مبسوط في غير هذا الموضع. وهذا الذي ذكرناه في الوضوء: هو بعينه في التيمم. ولهذا كان قول العلماء: إن التيمم كالوضوء فهو طهور المسلم ما لم يجد الماء.
وإن تيمم قبل الوقت وتيمم للنافلة فيصلي به الفريضة وغيرها؛ كما هو قول ابن عباس. وهو مذهب كثير من العلماء: أبي حنيفة وغيره وهو أحد القولين عن أحمد. والقول الآخر - وهو التيمم لكل صلاة - هو المشهور من مذهب مالك والشافعي وأحمد. وهو قول لم يثبت عن غيره من الصحابة كما قد بسط في موضعه. فالآية محكمة ولله الحمد. وهي على ما دلت عليه من أن كل قائم إلى الصلاة فهو مأمور بالوضوء. فإن كان قد توضأ قبل ذلك فقد أحسن وفعل الواجب قبل تضييقه وسارع إلى الخيرات كمن سعى إلى الجمعة قبل النداء. فقد تبين أن الآية ليس فيها إضمار ولا تخصيص ولا تدل على وجوب الوضوء مرتين. بل دلت على الحكم الثابت بالسنن المتواترة وهو الذي عليه جماعة المسلمين وهو وجوب الوضوء على المصلي. كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ فقال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط}
وفي صحيح مسلم وغيره عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول}. وهذا يوافق الآية الكريمة. فإنه يدل على أنه لا بد من الطهور ومن كان على وضوء فهو على طهور وإنما يحتاج إلى الوضوء من كان محدثا.
كما قال: {لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ} وهو إذا توضأ ثم أحدث: فقد دلت الآية على أمره بالوضوء إذا قام إلى الصلاة وإذا كان قد توضأ فقد فعل ما أمر به. كقوله: لا تصل إلا بوضوء. أو لا تصل حتى تتوضأ ونحو ذلك. مما بين أنه مأمور بالوضوء لجنس الصلاة الشامل لأنواعها وأعيانها. ليس مأمورا لكل نوع أو عين بوضوء غير وضوء الآخر. ولا في اللفظ ما يدل على ذلك. لكن هذا الوجه لا يدل على تقدم الوضوء على الجنس كمن أسلم فتوضأ قبل الزوال أو الغروب أو كمن أحدث فتوضأ قبل دخول الوقت. بخلاف الوجه الذي قبله. فإنه يتناول هذا كله.
فصل:
وقوله تعالى {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} يقتضي وجوب الوضوء على كل مصل مرة بعد مرة فهو يقتضي التكرار وهذا متفق عليه بين المسلمين في الطهارة. وقال دلت عليه السنة المتواترة بل هو معلوم بالاضطرار من دين المسلمين عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم يأمرنا بالوضوء لصلاة واحدة. بل أمر بأن يتوضأ كلما صلى: ولو صلى صلاة بوضوء وأراد أن يصلي سائر الصلوات بغير وضوء: استتيب فإن تاب وإلا قتل. لكن المقصود هنا: دلالة الآية عليه وذلك من لفظ " الصلاة " فإن " الصلاة " هنا اسم جنس. ليس المراد صلاة واحدة. فقد أمر إذا قام إلى جنس الصلاة أن يتوضأ. والجنس يتناول جميع ما يصليه من الصلوات في جميع عمره.
فإن قيل: هذا يقتضي عموم الجنس فمن أين التكرار؟ فإذا قام إلى أي صلاة توضأ لكن من أين أنه إذا قام إليها يوما آخر يتوضأ؟ قيل: لأنه في هذا اليوم الثاني قائم إلى الصلاة. فهو مأمور بالوضوء إذا قام إلى مسمى الصلاة؛ فحيث وجد قيام إلى مسمى الصلاة فهو مأمور بالوضوء متى وجد ذلك. فعليه الوضوء. وهو كقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} فالمراد: جنس الدلوك فهو مأمور بإقامة الصلاة له.
وكذلك قوله: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} فهو متناول لكل طلوع وغروب وليس المراد طلوعا واحدا فكأنه قال: قبل كل طلوع لها وقبل كل غروب. وأقم الصلاة عند كل دلوك وكل صلاة يقوم إليها متوضئا لها. وقد تنازع الناس في الأمر المطلق: هل يقتضي التكرار؟ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره. قيل: يقتضيه كقول طائفة منهم القاضي أبو يعلى وابن عقيل. وقيل: لا يقتضيه كقول كثير منهم أبو الخطاب. وقيل: إن كان معلقا بسبب اقتضى التكرار. وهذا هو المنصوص عن أحمد كآية الطهارة والصلاة.
فإن قيل: فهذا لا يتكرر في الطلاق والعتق المعلق. قيل: لأن عتق الشخص الواحد لا يتكرر. وكذلك الطلاق المعلق نفسه لا يتكرر. بل الطلقة الثانية حكمها غير حكم الأولى. وهو محدود بثلاث. ولكن إذا قال الناذر: لله علي إن رزقني الله ولدا أن أعتق عنه وإذا أعطاني مالا أن أزكيه أو أتصدق بعشره: تكرر. وبسط هذا له موضع آخر.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|