
18-01-2023, 06:21 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,583
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السادس
الحلقة (456)
سُورَةُ الزُّمَرِ
صـ 349 إلى صـ 356
قوله تعالى : إن هذا لرزقنا ما له من نفاد . ما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن نعيم الجنة ، لا نفاد له ، أي : لا انقطاع له ولا زوال ، ذكره جل وعلا في آيات أخر كقوله تعالى فيه : عطاء غير مجذوذ [ 11 \ 108 ] [ ص: 349 ] وقوله تعالى : ما عندكم ينفد وما عند الله باق [ 16 \ 96 ] .
قوله تعالى : إن ذلك لحق تخاصم أهل النار . قد قدمنا ما يوضحه ، من الآيات القرآنية في مواضع متعددة ، من هذا الكتاب المبارك ، ذكرنا بعضها في سورة البقرة ، في الكلام على قوله تعالى : إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا الآية [ 2 \ 166 ] ، وذكرنا بعضه في سورة الأعراف ، في الكلام على قوله تعالى : حتى إذا اداركوا فيها جميعا الآية [ 7 \ 38 ] وغير ذلك من المواضع .
قوله تعالى : قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين .
قد تقدم إيضاحه ، مع بعض المباحث في سورة البقرة ، في الكلام على قوله تعالى : إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين [ 2 \ 34 ] .
قوله تعالى : قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة هود ، وذكرنا الأحكام المتعلقة بالآيات ، في الكلام على قوله تعالى عن نبيه نوح : ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله الآية [ 11 \ 29 ] .
قوله تعالى : ولتعلمن نبأه بعد حين . الحين المذكور هنا ، قال بعض العلماء : المراد به بعد الموت ، ويدل له ما قدمنا في سورة الحجر ، في الكلام على قوله تعالى : واعبد ربك حتى يأتيك اليقين [ 15 \ 99 ] .
وقال بعض العلماء : الحين المذكور هنا ، هو يوم القيامة ولا منافاة بين القولين ; لأن الإنسان بعد الموت تتبين له حقائق الهدى والضلال .
واللام في لتعلمن موطئة للقسم ، وقد أكد في هذه الآية الكريمة أنهم سيعلمون نبأ القرآن أي صدقه ، وصحة جميع ما فيه بعد حين بالقسم ، ونون التوكيد .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من تهديد الكفار بأنهم سيعلمون نبأه بعد حين ، قد أشار إليه تعالى ، في سورة الأنعام ، في قوله تعالى : وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون [ 6 \ 66 - 67 ] .
[ ص: 350 ] قال غير واحد من العلماء : لكل نبإ مستقر ، أي : لكل خبر حقيقة ووقوع ، فإن كان حقا تبين صدقه ولو بعد حين ، وإن كان كذبا تبين كذبه ، وستعلمون صدق هذا القرآن ولو بعد حين .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الزُّمَرِ
[ ص: 351 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ . قَدْ دَلَّ اسْتِقْرَاءُ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، عَلَى أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا ، إِذَا ذَكَّرَ تَنْزِيلَهُ لِكِتَابِهِ ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِبَعْضِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى ، الْمُتَضَمِّنَةِ صِفَاتَهُ الْعُلْيَا .
فَفِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ ، لَمَّا ذَكَرَ تَنْزِيلَهُ كِتَابَهُ ، بَيَّنَ أَنَّ مَبْدَأَ تَنْزِيلِهِ كَائِنٌ مِنْهُ جَلَّ وَعَلَا ، وَذَكَرَ اسْمَهُ اللَّهَ ، وَاسْمَهُ الْعَزِيزَ ، وَالْحَكِيمَ ، وَذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْجَاثِيَةِ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ [ 45 \ 1 - 3 ] ، وَفِي أَوَّلِ سُورَةِ الْأَحْقَافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ الْآيَةَ [ 46 \ 1 - 3 ] .
وَقَدْ تَكَرَّرَ كَثِيرًا فِي الْقُرْآنِ ، ذِكْرُهُ بَعْضَ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، بَعْدَ ذِكْرِ تَنْزِيلِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، كَقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [ 40 \ 1 - 3 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ فُصَّلَتْ : حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [ 41 \ 1 - 2 ] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ هُودٍ : الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [ 11 \ 1 ] وَقَوْلِهِ فِي فُصِّلَتْ : وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [ 41 \ 41 - 42 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي صَدْرِ يس تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ [ 36 \ 5 - 6 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ الْآيَةَ [ 26 \ 192 - 193 ] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى : تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ الْآيَةَ [ 69 \ 43 - 44 ] .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَهُ جَلَّ وَعَلَا هَذِهِ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى الْعَظِيمَةَ ، بَعْدَ ذِكْرِهِ تَنْزِيلَ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، يَدُلُّ بِإِيضَاحٍ ، عَلَى عَظَمَةِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَجَلَالَةِ شَأْنِهِ وَأَهَمِّيَّةِ نُزُولِهِ ، [ ص: 352 ] وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
قوله تعالى : فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص . أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم . في هذه الآية الكريمة ، أن يعبده في حال كونه ، مخلصا له الدين ، أي مخلصا له في عبادته ، من جميع أنواع الشرك صغيرها وكبيرها ، كما هو واضح من لفظ الآية .
والإخلاص ، إفراد المعبود بالقصد ، في كل ما أمر بالتقرب به إليه ، وما تضمنته هذه الآية الكريمة ، من كون الإخلاص في العبادة لله وحده ، لا بد منه ، جاء في آيات متعددة ، وقد بين جل وعلا ، أنه ما أمر بعبادة ، إلا عبادة يخلص له العابد فيها .
أما غير المخلص فكل ما أتى به من ذلك ، جاء به من تلقاء نفسه ، لا بأمر ربه ، قال تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين الآية [ 98 \ 5 ] ، وقال جل وعلا : قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين إلى قوله تعالى : قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه [ 39 \ 14 ، 15 ] .
وقد قدمنا الكلام على العمل الصالح ، وأنه لا بد فيه من الإخلاص ، في أول سورة الكهف ، في الكلام على قوله تعالى : ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات الآية . وفي غير ذلك من المواضع .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : ألا لله الدين الخالص أي : التوحيد الصافي من شوائب الشرك ، أي : هو المستحق لذلك وحده ، وهو الذي أمر به .
وقول من قال من العلماء : إن المراد بالدين الخالص كلمة لا إله إلا الله موافق لما ذكرناه . والعلم عند الله تعالى .
ثم لما ذكر جل وعلا إخلاص العبادة له وحده ، بين شبهة الكفار التي احتجوا بها للإشراك به تعالى ، في
قوله تعالى هنا : والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى . فبين أنهم يزعمون أنهم ما عبدوا الأصنام ، إلا لأجل أن تقربهم من الله زلفى ، والزلفى : القرابة .
[ ص: 353 ] فقوله : زلفى ، ما ناب عن المطلق من قوله ليقربونا ، أي ليقربونا إليه قرابة تنفعنا بشفاعتهم في زعمهم .
ولذا كانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك .
وقد قدمنا في سورة المائدة في الكلام على قوله تعالى : وابتغوا إليه الوسيلة [ 6 \ 35 ] أن هذا النوع من ادعاء الشفعاء ، واتخاذ المعبودات من دون الله وسائط من أصول كفر الكفار .
وقد صرح تعالى بذلك في سورة يونس في قوله جل وعلا : ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون [ 10 \ 18 ] .
فصرح تعالى بأن هذا النوع ، من ادعاء الشفعاء شرك بالله ، ونزه نفسه الكريمة عنه ، بقوله جل وعلا سبحانه وتعالى عما يشركون وأشار إلى ذلك في آية الزمر هذه ; لأنه جل وعلا لما قال عنهم : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون [ 39 \ 3 ] أتبع ذلك بقوله تعالى : إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار [ 39 \ 3 ] .
وقوله : كفار ، صيغة مبالغة ، فدل ذلك على أن الذين قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى جامعون بذلك ، بين الكذب والمبالغة في الكفر بقولهم ذلك ، وسيأتي إن شاء الله لهذا زيادة إيضاح في سورة الناس .
قوله تعالى : لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار . قد قدمنا الآيات الموضحة ، بكثرة في سورة النحل ، في الكلام على قوله تعالى : ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون [ 16 \ 57 ] .
قوله تعالى : خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة ، أنه خلق بني آدم من نفس واحدة هي أبوهم [ ص: 354 ] آدم ، ثم جعل من تلك النفس ، زوجها يعني حواء . أي : وبث جميع بني آدم منهما ، وأوضح هذا في مواضع أخر من كتابه ، كقوله تعالى في أول سورة النساء : ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء [ 4 \ 1 ] وقوله في الأعراف : هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها الآية [ 7 \ 189 ] ، وتأنيث الوصف ، بقوله واحدة ، مع أن الموصوف به مذكر ، وهو آدم نظرا إلى تأنيث لفظ النفس ، وإن كان المراد بها مذكرا ، ونظير ذلك من كلام العرب قوله :
أبوك خليفة ولدته أخرى وأنت خليفة ذاك الكمال
قوله تعالى : وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج . قد قدمنا إيضاح هذه الأزواج الثمانية بنص القرآن العظيم ، في سورة آل عمران في الكلام على قوله تعالى : والخيل المسومة والأنعام والحرث [ 3 \ 14 ] .
قوله تعالى : يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الحج ، في الكلام على قوله تعالى : ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب الآية [ 22 \ 5 ] وبينا هناك المراد بالظلمات الثلاث المذكورة هنا .
قوله تعالى : إن تكفروا فإن الله غني عنكم . قد بين جل وعلا ، في هذه الآية الكريمة ، أنه غني عن خلقه الغنى المطلق ، وأنه لا يضره كفرهم به ، والآيات الموضحة لهذا المعنى كثيرة ، كقوله تعالى وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد [ 14 \ 8 ] وقوله تعالى : فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد [ 64 \ 6 ] ، وقوله تعالى : قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني الآية [ 10 \ 68 ] . وقوله تعالى : ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد [ 35 \ 15 ] وقوله تعالى : والله الغني وأنتم الفقراء [ 47 \ 38 ] ، وقد أوضحنا هذا بالآيات في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك .
[ ص: 355 ] قوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم . قد قدمنا إيضاحه مع إزالة الإشكال ، والجواب عن الأسئلة الواردة ، على تلك الآيات في سورة بني إسرائيل ، في الكلام على قوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [ 17 \ 15 ] ، وأوضحنا ذلك ، مع إزالة الإشكال في بعض الآيات ، في سورة النحل ، في الكلام على قوله تعالى : ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم الآية [ 16 \ 25 ] .
قوله تعالى : وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة يونس ، في الكلام على قوله تعالى : وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما الآية [ 10 \ 12 ] .
قوله تعالى : قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار . قد قدمنا الآيات الموضحة له مع الإشارة إلى بحث أصوله في سورة الحجر في الكلام على قوله تعالى : ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون [ 15 \ 3 ] .
قوله تعالى : وأرض الله واسعة . الظاهر أن معنى الآية أن الإنسان إذا كان في محل لا يتمكن فيه من إقامة دينه على الوجه المطلوب ، فعليه أن يهاجر منه ، في مناكب أرض الله الواسعة ، حتى يجد محلا تمكنه فيه إقامة دينه .
وقد أوضح تعالى هذا المعنى في غير هذا الموضع كقوله تعالى : إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها [ 4 \ 97 ] . وقوله تعالى : ياعبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون [ 29 \ 56 ] ، ولا يخفى أن الترتيب بالفاء في قوله : فإياي فاعبدون على قوله : إن أرضي واسعة دليل واضح على ذلك .
قوله تعالى : قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين .
[ ص: 356 ] قد قدمنا الآيات الموضحة له ، من أوجه في سورة يونس ، في الكلام على قوله تعالى قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين [ 10 \ 45 ] .
قوله تعالى : لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده . قد قدمنا الآيات الموضحة له ، في سورة الأنبياء ، في الكلام على قوله تعالى : لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم الآية [ 21 \ 39 ] ، وذكرنا طرفا من ذلك ، في سورة بني إسرائيل ، في الكلام على قوله تعالى : وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا [ 17 \ 8 ] .
قوله تعالى : والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله . ما تضمنته هذه الآية الكريمة ، من تحقيق معنى لا إله إلا الله ، قد قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية ، في سورة الفاتحة ، في الكلام على قوله تعالى : إياك نعبد [ 1 \ 5 ] .
قوله تعالى : الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه . أظهر الأقوال في الآية الكريمة ، أن المراد بالقول ، ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، من وحي الكتاب والسنة ، ومن إطلاق القول على القرآن قوله تعالى : أفلم يدبروا القول الآية [ 23 \ 68 ] . وقوله تعالى : إنه لقول فصل وما هو بالهزل [ 86 \ 13 - 14 ] . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : فيتبعون أحسنه [ 39 \ 18 ] أي : يقدمون الأحسن ، الذي هو أشد حسنا ، على الأحسن الذي هو دونه في الحسن ، ويقدمون الأحسن مطلقا على الحسن . ويدل لهذا آيات من كتاب الله .
أما الدليل على أن القول الأحسن المتبع . ما أنزل عليه صلى الله عليه وسلم من الوحي ، فهو في آيات من كتاب الله كقوله تعالى : واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم [ 39 \ 55 ] وقوله تعالى لموسى يأمره بالأخذ بأحسن ما في التوراة : فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها [ 7 \ 145 ] .
وأما كون القرآن فيه الأحسن والحسن ، فقد دلت عليه آيات من كتابه .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|