عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 17-01-2023, 10:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,520
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السادس
الحلقة (451)
سُورَةُ الصَّافَّاتِ
صـ 309 إلى صـ 316




[ ص: 309 ] قوله تعالى : احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم . المراد بـ : الذين ظلموا الكفار ، كما يدل عليه قوله بعده : وما كانوا يعبدون من دون الله .

وقد قدمنا إطلاق الظلم على الشرك في آيات متعددة ; كقوله تعالى : إن الشرك لظلم عظيم [ 31 \ 13 ] ، وقوله تعالى : والكافرون هم الظالمون [ 2 \ 254 ] ، وقوله تعالى : ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين [ 10 \ 106 ] .

وقد ثبت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر الظلم بالشرك ، في قوله تعالى : ولم يلبسوا إيمانهم بظلم [ 6 \ 82 ] ، وقوله تعالى : وأزواجهم ، جمهور أهل العلم منهم : عمر وابن عباس ، على أن المراد به أشباههم ونظراؤهم ، فعابد الوثن مع عابد الوثن ، والسارق مع السارق ، والزاني مع الزاني ، واليهودي مع اليهودي ، والنصراني مع النصراني ، وهكذا وإطلاق الأزواج على الأصناف مشهور في القرآن ، وفي كلام العرب ; كقوله تعالى : والذي خلق الأزواج كلها الآية [ 43 \ 12 ] ، وقوله تعالى : سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون [ 36 \ 36 ] ، وقوله تعالى : فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى الآية [ 20 \ 53 ] ، وقوله تعالى : ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم [ 15 \ 88 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

فقوله تعالى : احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ، أي : اجمعوا الظالمين وأشباههم ونظراءهم ، فاهدوهم إلى النار ليدخلها جميعهم ، وبذلك تعلم أن قول من قال : المراد بـ أزواجهم نساؤهم اللاتي على دينهم ، خلاف الصواب . وقوله تعالى : وما كانوا يعبدون من دون الله ، أي : احشروا مع الكفار الشركاء التي كانوا يعبدونها من دون الله ليدخل العابدون والمعبودات جميعا النار ; كما أوضح ذلك بقوله تعالى : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون [ 21 \ 98 - 99 ] . وقد بين تعالى أن الذين عبدوا من دون الله من الأنبياء ، والملائكة ، والصالحين ; كعيسى وعزير خارجون عن هذا ، وذلك في [ ص: 310 ] قوله تعالى : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون [ 21 \ 101 ] ، إلى قوله : هذا يومكم الذي كنتم توعدون [ 21 \ 103 ] ، وأشار إلى ذلك في قوله تعالى : ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون إن هو إلا عبد أنعمنا عليه الآية [ 43 \ 57 - 59 ] .

وقوله تعالى : أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه الآية [ 17 \ 57 ] .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : فاهدوهم ، من الهدى العام ، أي : دلوهم وأرشدوهم إلى صراط الجحيم ، أي : طريق النار ليسلكوها إليها ، والضمير في قوله تعالى : فاهدوهم ، راجع إلى الثلاثة ، أعني : الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله .

وقد دلت هذه الآية أن الهدى يستعمل في الإرشاد والدلالة على الشر ، ونظير ذلك في القرآن قوله : كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير [ 22 \ 4 ] ، ولذلك كان للشر أئمة يؤتم بهم فيه ; كقوله تعالى : وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار الآية [ 28 \ 41 ] .
قوله تعالى : وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الأعراف " ، في الكلام على قوله تعالى : فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين [ 7 \ 6 ] ، وبينا هناك وجه الجمع بين الآيات في نحو قوله تعالى : ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون [ 28 \ 78 ] ، وقوله تعالى : فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان [ 55 \ 39 ] ، مع قوله تعالى : فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون [ 15 \ 92 - 93 ] ، وقوله تعالى : فلنسألن الذين أرسل إليهم الآية [ 7 \ 6 ] . وقوله هنا : وقفوهم إنهم مسئولون .
قوله تعالى : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون . قد قدمنا الآيات الموضحة له مع التعرض لإزالة إشكالين في بعض الآيات المتعلقة بذلك ، في سورة " قد أفلح المؤمنون " ، في الكلام على قوله تعالى : فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون [ 23 \ 101 ] .
[ ص: 311 ] قوله تعالى : فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون فأغويناكم إنا كنا غاوين . قد قدمنا الآيات المبينة للمراد بالقول الذي حق عليهم في سورة " يس " ، في الكلام على قوله تعالى : لقد حق القول على أكثرهم الآية [ 36 \ 7 ] ، وما ذكره جل وعلا عنهم من أنهم قالوا : إنه لما حق عليهم القول ، الذي هو : لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [ 32 \ 13 ] ، فكانوا غاوين أغووا أتباعهم ; لأن متبع الغاوي في غيه لا بد أن يكون غاويا مثله ، ذكره تعالى في غير هذا الموضع ; كقوله تعالى في سورة " القصص " : قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا الآية [ 28 \ 63 ] ، والإغواء : الإضلال .
قوله تعالى : فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الضالين والمضلين مشتركون في العذاب يوم القيامة ، وبين في سورة " الزخرف " ، أن ذلك الاشتراك ليس بنافعهم شيئا ; وذلك في قوله تعالى : ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون [ 43 \ 39 ] ، وبين في مواضع أخر أن الأتباع يسألون الله ، أن يعذب المتبوعين عذابا مضاعفا لإضلالهم إياهم ; كقوله تعالى : حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف الآية [ 7 \ 38 ] ، وقوله تعالى : وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا [ 33 \ 67 - 68 ] .

وقد قدمنا الكلام على تخاصم أهل النار ، وسيأتي إن شاء الله له زيادة إيضاح في سورة " ص " ، في الكلام على قوله تعالى : إن ذلك لحق تخاصم أهل النار [ 38 \ 64 ] .
قوله تعالى : إنا كذلك نفعل بالمجرمين إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون الآية [ 37 \ 34 - 35 ] .

بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن ذلك العذاب الذي فعله بهؤلاء المعذبين ، [ ص: 312 ] المذكورين في قوله تعالى : إنا لذائقون [ 37 \ 31 ] ، أي : العذاب الأليم . وقوله تعالى : فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون [ 37 \ 33 ] ، أنه يفعل مثله من التعذيب والتنكيل بالمجرمين ، والمجرمون جمع مجرم ، وهو مرتكب الجريمة وهي الذنب الذي يستحق صاحبه عليه التنكيل الشديد ، ثم بين العلة لذلك التعذيب ; لأنها هي امتناعهم من كلمة التوحيد التي هي لا إله إلا الله ، إذا طلب منهم الأنبياء وأتباعهم أن يقولوا ذلك في دار الدنيا . فلفظة إن في قوله تعالى : إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ، من حروف التعليل ; كما تقرر في الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه .

وعليه فالمعنى : كذلك نفعل بالمجرمين لأجل أنهم كانوا في دار الدنيا ، إذا قيل لهم : لا إله إلا الله يستكبرون ، أي : يتكبرون عن قبولها ولا يرضون أن يكونوا أتباعا للرسل .

وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة ، من كون ذلك هو سبب تعذيبهم بالنار ، دلت عليه آيات ; كقوله تعالى مبينا دخولهم النار : ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير [ 40 \ 12 ] ، وقوله تعالى في ذكر صفات الكفار وهم أهل النار : وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون [ 39 \ 45 ] .
قوله تعالى : ويقولون أئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون .

قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الشعراء " ، في الكلام على قوله تعالى : والشعراء يتبعهم الغاوون [ 26 \ 224 ] .
قوله تعالى : لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون .

قد قدمنا تفسيره مع ذكر الآيات الدالة على معناه في سورة " المائدة " ، في الكلام على قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون [ 5 \ 90 ] ، وبينا هنا كلام أهل العلم في نجاسة عين خمر الدنيا دون خمر الآخرة ، وأن ذلك يشير إلى قوله تعالى : وسقاهم ربهم شرابا طهورا [ 76 \ 21 ] .
[ ص: 313 ] قوله تعالى : وعندهم قاصرات الطرف عين كأنهن بيض مكنون .

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة ثلاث صفات من صفات نساء أهل الجنة :

الأولى : أنهن قاصرات الطرف ، وهو العين ، أي : عيونهن قاصرات على أزواجهن ، لا ينظرن إلى غيرهم لشدة اقتناعهن واكتفائهن بهم .

الثانية : أنهن عين ، والعين جمع عيناء ، وهي واسعة دار العين ، وهي النجلاء .

الثالثة : أن ألوانهن بيض بياضا مشربا بصفرة ; لأن ذلك هو لون بيض النعام الذي شبههن به ، ومنه قول امرئ القيس في نحو ذلك :


كبكر المقانات البياض بصفرة غذاها نمير الماء غير المحلل


لأن معنى قوله : كبكر المقانات البياض بصفرة : أن لون المرأة المذكورة كلون البيضة البكر المخالط بياضها بصفرة ، وهذه الصفات الثلاث المذكورة هنا ، جاءت موضحة في غير هذا الموضع مع غيرها من صفاتهن الجميلة ، فبين كونهن قاصرات الطرف على أزواجهن ، بقوله تعالى في " ص " : وعندهم قاصرات الطرف أتراب [ 38 \ 52 ] ، وكون المرأة قاصرة الطرف من صفاتها الجميلة ، وذلك معروف في كلام العرب ، ومنه قول امرئ القيس :


من القاصرات الطرف لو دب محول
من الذر فوق الإتب منها لأثرا


وذكر كونهن عينا في قوله تعالى فيهن : وحور عين [ 56 \ 22 ] ، وذكر صفا ألوانهن وبياضها في قوله تعالى : كأمثال اللؤلؤ المكنون [ 56 \ 23 ] ، وقوله تعالى : كأنهن الياقوت والمرجان [ 55 \ 58 ] ، وصفاتهن كثيرة معروفة في الآيات القرآنية .

واعلم أن الله أثنى عليهن بنوعين من أنواع القصر :

أحدهما : أنهن قاصرات الطرف ، والطرف العين ، وهو لا يجمع ولا يثنى ; لأن أصله مصدر ، ولم يأت في القرآن إلا مفردا ; كقوله تعالى : لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء [ 14 \ 43 ] ، وقوله تعالى : ينظرون من طرف خفي ، ومعنى كونهن قاصرات الطرف هو ما قدمنا من أنهن لا ينظرن إلى غير أزواجهن بخلاف نساء الدنيا .

[ ص: 314 ] والثاني من نوعي القصر : كونهن مقصورات في خيامهن ، لا يخرجن منها ; كما قال تعالى لأزواج نبيه صلى الله عليه وسلم : وقرن في بيوتكن [ 33 \ 33 ] ، وذلك في قوله تعالى : حور مقصورات في الخيام [ 55 \ 72 ] ، وكون المرأة مقصورة في بيتها لا تخرج منه من صفاتها الجميلة ، وذلك معروف في كلام العرب ; ومنه قوله :


من كان حربا للنساء فإنني سلم لهنه
فإذا عثرن دعونني وإذا عثرت دعوتهنه
وإذا برزن لمحفل فقصارهن ملاحهنه


فقوله : قصارهن ، يعني : المقصورات منهن في بيوتهن اللاتي لا يخرجن إلا نادرا ، كما أوضح ذلك كثير عزة في قوله :


وأنت التي حببت كل قصيرة إلي وما تدري بذاك القصائر
عنيت قصيرات الحجال ولم أرد قصار الخطا شر النساء البحاتر


والحجال : جمع حجلة ، وهي البيت الذي يزين للعروس ، فمعنى قصيرات الحجال : المقصورات في حجالهن . وذكر بعضهم أن رجلا سمع آخر ، قال : لقد أجاد الأعشى في قوله :


غراء فرعاء مصقول عوارضها تمشي الهوينا كما يمشي الوجى الوحل
كأن مشيتها من بيت جارتها مر السحابة لا ريث ولا عجل
ليست كمن يكره الجيران طلعتها ولا تراها لسر الجار تختتل


فقال له : قاتلك الله ، تستحسن غير الحسن هذه الموصوفة خراجة ولاجة ، والخراجة الولاجة لا خير فيها ولا ملاحة لها ، فهلا قال كما قال أبو قيس بن الأسلت :


وتكسل عن جاراتها فيزرنها وتعتل من إتيانهن فتعذر


قوله تعالى : أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم . قد قدمنا إيضاحه بالقرآن في سورة " الفرقان " ، في الكلام على قوله تعالى : قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون [ 25 \ 15 ] .
[ ص: 315 ] قوله تعالى : إنا جعلناها فتنة للظالمين إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم الآية . قد قدمنا إيضاحه في سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن [ 17 \ 60 ] .
قوله تعالى : فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم . ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن الكفار في النار يأكلون من شجرة الزقوم ، فيملئون منها بطونهم ، ويجمعون معها : لشوبا من حميم ، أي : خلطا من الماء البالغ غاية الحرارة ، جاء موضحا في غير هذا الموضع ; كقوله تعالى في " الواقعة " : ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم [ 56 \ 51 - 52 ] . وقوله : شرب الهيم ، الهيم : جمع أهيم وهيماء وهي الناقة مثلا التي أصابها الهيام ، وهو شدة العطش بحيث لا يرويها كثرة شراب الماء فهي تشرب كثيرا من الماء ، ولا تزال مع ذلك في شدة العطش . ومنه قول غيلان ذي الرمة :


فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد صداها ولا يقضي عليها هيامها


وقوله تعالى في " الواقعة " : فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم [ 56 \ 54 - 55 ] ، يدل على أن الشوب ، أي : الخلط من الحميم المخلوط لهم بشجرة الزقوم المذكور هنا في " الصافات " ، أنه شوب كثير من الحميم لا قليل .

وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسير هذه الآية : لشوبا من حميم ، الشوب : الخلط ، والشوب والشوب لغتان ، كالفقر والفقر ، والفتح أشهر . قال الفراء : شاب طعامه وشرابه إذا خلطهما بشيء يشوبهما شوبا وشيابة ، انتهى منه .
قوله تعالى : إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون . ما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن الكفار الذين أرسل إليهم نبينا صلى الله عليه وسلم : إنهم ألفوا آباءهم ، أي : وجدوهم على الكفر ، وعبادة الأوثان ، فهم على آثارهم يهرعون [ ص: 316 ] أي : يتبعونهم في ذلك الضلال والكفر مسرعين فيه ، جاء موضحا في غير هذا الموضع ; كقوله تعالى عنهم : قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا [ 2 \ 170 ] ، وقوله عنهم : قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا [ 5 \ 104 ] ، وقوله عنهم : إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون [ 43 \ 23 ] ، وقوله عنهم : إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا الآية [ 14 \ 10 ] . ورد الله عليهم في الآيات القرآنية معروف ; كقوله تعالى : أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون [ 2 \ 170 ] ، وقوله : أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون [ 5 \ 104 ] ، وقوله تعالى : قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم [ 43 \ 24 ] .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : فهم على آثارهم ، أي : فهم على اتباعهم والاقتداء بهم في الكفر والضلال ; كما قال تعالى عنهم : وإنا على آثارهم مقتدون [ 43 \ 23 ] .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : يهرعون ، قد قدمنا في سورة " هود " ، أن معنى : يهرعون : يسرعون ويهرولون ، وأن منه قول مهلهل :


فجاءوا يهرعون وهم أسارى تقودهم على رغم الأنوف

قوله تعالى : ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين [ 37 \ 71 ] . قد قدمنا الآيات التي بمعناه في سورة " يس " ، في الكلام على قوله تعالى : لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون [ 36 \ 7 ] ، وفي سورة " الأنعام " ، في الكلام على قوله تعالى : وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله الآية [ 6 \ 116 ] .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.62 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.73%)]