
17-01-2023, 10:29 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,675
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السادس
الحلقة (448)
سُورَةُ يس
صـ 285 إلى صـ 292
[ ص: 285 ] وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : ولباسهم فيها حرير قد قدمناه مع الآيات المماثلة ، والمشابهة له في سورة " النحل " في الكلام على قوله تعالى : وتستخرجوا منه حلية تلبسونها .
قوله تعالى : وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الأعراف " ، في الكلام على قوله تعالى : يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل الآية [ 7 \ 53 ] .
قوله تعالى : قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض الآية . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الفرقان " ، في الكلام على قوله تعالى : واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون [ 25 \ 3 ] . وفي سورة " الرعد " ، في الكلام على قوله تعالى : أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء الآية [ 13 \ 16 ] .
قوله تعالى : إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا الآية . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الحج " ، في الكلام على قوله تعالى : ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه [ 22 \ 65 ] .
قوله تعالى : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم الآية . قد قدمنا الكلام عليه في سورة " الأنعام " ، في الكلام على قوله تعالى : أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم الآية [ 6 \ 157 ] .
قوله تعالى : ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة الآية . قد قدمنا الآيات الموضحة له وشواهده العربية في سورة " النحل " ، في الكلام على قوله تعالى : ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة الآية [ 16 \ 61 ] .
[ ص: 286 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ يس
قَوْلُهُ تَعَالَى : يس . التَّحْقِيقُ إِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ ، وَالْيَاءُ الْمَذْكُورَةُ فِيهِ ذُكِرَتْ فِي فَاتِحَةِ سُورَةِ " مَرْيَمَ " ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : كهيعص [ 19 \ 1 ] ، وَالسِّينُ الْمَذْكُورَةُ فِيهِ ذُكِرَتْ فِي أَوَّلِ " الشُّعَرَاءِ " وَ " الْقَصَصِ " ، فِي قَوْلِهِ : طسم [ 26 \ 1 ] وَفِي أَوَّلِ " النَّمْلِ " ، فِي قَوْلِهِ : طس [ 27 \ 1 ] ، وَفِي أَوَّلِ " الشُّورَى " ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : حم عسق [ 42 \ 1 - 2 ] .
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ مُسْتَوْفًى عَلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّورَةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ " هُودٍ " .
قَوْلُهُ تَعَالَى : وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ . قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مُوجِبَ التَّوْكِيدِ لِكَوْنِهِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ، هُوَ إِنْكَارُ الْكُفَّارِ لِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا [ 13 \ 43 ] ، فِي سُورَةِ " الْبَقَرَةِ " ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [ 2 \ 252 ] .
قوله تعالى : لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون . لفظة ما في قوله تعالى : ما أنذر آباؤهم ، قيل : نافية ، وهو الصحيح . وقيل : موصولة ، وعليه فهو المفعول الثاني لتنذر ، وقيل : مصدرية .
وقد قدمنا دلالة الآيات على أنها نافية ، وأن مما يدل على ذلك ترتيبه بالفاء عليه قوله بعده : فهم غافلون ; لأن كونهم غافلين يناسب عدم الإنذار لا الإنذار ، وهذا هو الظاهر مع آيات أخر دالة على ذلك ; كما أوضحنا ذلك كله في سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [ 17 \ 15 ] .
[ ص: 287 ] قوله تعالى : لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون . الظاهر أن القول في قوله : لقد حق القول على أكثرهم ، وفي قوله تعالى : وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول الآية [ 41 \ 25 ] ، وفي قوله تعالى : قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا الآية [ 28 \ 63 ] .
وفي قوله تعالى : ويحق القول على الكافرين [ 36 \ 70 ] ، وقوله تعالى : فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون [ 37 \ 31 ] ، والكلمة في قوله تعالى : إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم [ 10 \ 96 - 97 ] ، وفي قوله تعالى : قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين [ 39 \ 71 ] ، أن المراد بالقول والكلمة أو الكلمات على قراءة : حقت عليهم كلمات ربك بصيغة الجمع ، هو قوله تعالى : لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [ 11 \ 119 ] ، كما دلت على ذلك آيات من كتاب الله تعالى ; كقوله تعالى في آخر سورة " هود " : ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [ 11 \ 118 - 119 ] ، وقوله تعالى في " السجدة " : ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [ 32 \ 13 ] .
وقوله تعالى في أخريات " ص " : قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين [ 38 \ 84 - 85 ] .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : لقد حق القول على أكثرهم ، يدل على أن أكثر الناس من أهل جهنم ، كما دلت على ذلك آيات كثيرة ; كقوله تعالى : ولكن أكثر الناس لا يؤمنون [ 11 \ 17 ] ، وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ، [ 12 \ 103 ] ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين [ 37 \ 71 ] ، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين [ 26 \ 174 ] .
وقد قدمنا الكلام على هذا في سورة " الأنعام " ، في الكلام على قوله تعالى : وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله الآية [ 6 \ 116 ] .
[ ص: 288 ] وبينا بالسنة الصحيحة في أول سورة " الحج " : أن نصيب النار من الألف تسعة وتسعون وتسعمائة ، وأن نصيب الجنة منها واحد .
قوله تعالى : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون . الأغلال : جمع غل وهو الذي يجمع الأيدي إلى الأعناق . والأذقان : جمع ذقن وهو ملتقى اللحيين . والمقمح بصيغة اسم المفعول ، وهو الرافع رأسه . والسد بالفتح والضم : هو الحاجز الذي يسد طريق الوصول إلى ما وراءه .
وقوله : فأغشيناهم ، أي : جعلنا على أبصارهم الغشاوة ، وهي الغطاء الذي يكون على العين يمنعها من الإبصار ، ومنه قوله تعالى : وعلى أبصارهم غشاوة [ 2 \ 7 ] ، وقوله تعالى : وجعل على بصره غشاوة [ 45 \ 23 ] ، وقول الشاعر وهو الحارث بن خالد بن العاص :
هويتك إذ عيني عليها غشاوة فلما انجلت قطعت نفسي ألومها
والمراد بالآية الكريمة : أن هؤلاء الأشقياء الذين سبقت لهم الشقاوة في علم الله المذكورين في قوله تعالى : لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون ، صرفهم الله عن الإيمان صرفا عظيما مانعا من وصوله إليهم ; لأن من جعل في عنقه غل ، وصار الغل إلى ذقنه ، حتى صار رأسه مرفوعا لا يقدر أن يطأطئه ، وجعل أمامه سدا ، وخلفه سدا ، وجعل على بصره الغشاوة لا حيلة له في التصرف ، ولا في جلب نفع لنفسه ، ولا في دفع ضر عنها ، فالذين أشقاهم الله بهذه المثابة لا يصل إليهم خير .
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة من كونه جل وعلا يصرف الأشقياء الذين سبقت لهم الشقاوة في علمه عن الحق ويحول بينهم وبينه ، جاء موضحا في آيات كثيرة ; كقوله تعالى : إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا [ 18 \ 57 ] ، وقوله تعالى : ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة [ 2 \ 7 ] ، وقوله تعالى : أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة [ 45 \ 23 ] ، وقوله تعالى : ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء [ 6 \ 125 ] ، وقوله تعالى : من يضلل الله فلا هادي له [ 7 \ 186 ] ، [ ص: 289 ] وقوله تعالى : ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم [ 5 \ 41 ] .
وقوله تعالى : أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون [ 16 \ 108 ] ، وقوله تعالى : وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون [ 11 \ 20 ] ، وقوله تعالى : الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا [ 18 \ 101 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة .
وقد قدمنا أن هذا الطبع والختم على القلوب ، وكذلك الأغلال في الأعناق ، والسد من بين أيديهم ومن خلفهم ، أن جميع تلك الموانع المانعة من الإيمان ، ووصول الخير إلى القلوب أن الله إنما جعلها عليهم بسبب مسارعتهم لتكذيب الرسل ، والتمادي على الكفر ، فعاقبهم الله على ذلك ، بطمس البصائر والختم على القلوب والطبع عليها ، والغشاوة على الأبصار ; لأن من شؤم السيئات أن الله جل وعلا يعاقب صاحبها عليها بتماديه على الشر ، والحيلولة بينه وبين الخير جزاه الله بذلك على كفره جزاء وفاقا .
والآيات الدالة على ذلك كثيرة ; كقوله تعالى : بل طبع الله عليها بكفرهم [ 4 \ 155 ] ، فالباء سببية . وفي الآية تصريح منه تعالى أن سبب ذلك الطبع على قلوبهم هو كفرهم ; وكقوله تعالى : ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم [ 63 \ 3 ] ، ومعلوم أن الفاء من حروف التعليل ، أي : فطبع على قلوبهم بسبب كفرهم ذلك ، وقوله تعالى : فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم [ 61 \ 5 ] ، وقوله تعالى : ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون [ 6 \ 110 ] ، وقوله تعالى : في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا [ 2 \ 10 ] ، إلى غير ذلك من الآيات ، كما تقدم إيضاحه .
وقد دلت هذه الآيات على أن شؤم السيئات يجر صاحبه إلى التمادي في السيئات ، ويفهم من مفهوم مخالفة ذلك ، أن فعل الخير يؤدي إلى التمادي في فعل الخير ، وهو كذلك ; كما قال تعالى : والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم [ 47 \ 17 ] ، وقوله [ ص: 290 ] تعالى : والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا [ 29 \ 69 ] ، وقوله تعالى : ومن يؤمن بالله يهد قلبه [ 64 \ 11 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
واعلم أن قول من قال من أهل العلم : إن معنى قوله تعالى في هذه الآية الكريمة : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا ، أن المراد بذلك الأغلال التي يعذبون بها في الآخرة ; كقوله تعالى : إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون [ 40 \ 71 - 72 ] ، خلاف التحقيق ، بل المراد بجعل الأغلال في أعناقهم ، وما ذكر معه في الآية هو صرفهم عن الإيمان والهدى في دار الدنيا ; كما أوضحنا . وقرأ هذا الحرف : حمزة ، والكسائي ، وحفص ، عن عاصم : سدا ، بالفتح في الموضعين ، وقرأه الباقون بضم السين ، ومعناهما واحد على الصواب ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب . تقدم إيضاحه مع نظائره من الآيات في سورة " فاطر " ، في الكلام على قوله تعالى : إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة [ 35 \ 18 ] .
قوله تعالى : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أربعة أشياء :
الأول : أنه يحيي الموتى ، مؤكدا ذلك متكلما عن نفسه بصيغة التعظيم .
الثاني : أنه يكتب ما قدموا في دار الدنيا .
الثالث : أنه يكتب آثارهم .
الرابع : أنه أحصى كل شيء في إمام مبين ، أي : في كتاب بين واضح ، وهذه الأشياء الأربعة جاءت موضحة في غير هذا الموضع .
أما الأول منها وهو كونه يحيي الموتى بالبعث ، فقد جاء في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى ، كقوله تعالى : قل بلى وربي لتبعثن [ 64 \ 7 ] ، وقوله تعالى : قل إي وربي إنه لحق [ 10 \ 53 ] ، وقوله تعالى : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا [ 16 \ 38 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة .
[ ص: 291 ] وقد قدمناها بكثرة في سورة " البقرة " ، وسورة " النحل " ، في الكلام على براهين البعث ، وقدمنا الإحالة على ذلك مرارا .
وأما الثاني منها وهو كونه يكتب ما قدموا في دار الدنيا ، فقد جاء في آيات كثيرة ; كقوله تعالى : أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون [ 43 \ 80 ] ، وقوله تعالى : هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون [ 45 \ 29 ] ، وقوله تعالى : وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا [ 17 \ 13 - 14 ] ، وقوله تعالى : ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها الآية [ 18 \ 49 ] ، وقوله تعالى : ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد [ 50 \ 18 ] . وقد قدمنا بعض الكلام على هذا في سورة " الكهف " .
وأما الثالث منها وهو كونهم تكتب آثارهم ، فقد ذكر في بعض الآيات أيضا .
واعلم أن قوله : وآثارهم ، فيه وجهان من التفسير معروفان عند العلماء .
الأول منهما : أن معنى ما قدموا : ما باشروا فعله في حياتهم ، وأن معنى آثارهم : هو ما سنوه في الإسلام من سنة حسنة أو سيئة ، فهو من آثارهم التي يعمل بها بعدهم .
الثاني : أن معنى آثارهم : خطاهم إلى المساجد ونحوها من فعل الخير ، وكذلك خطاهم إلى الشر ، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم " ، يعني : خطاكم من بيوتكم إلى مسجده صلى الله عليه وسلم .
أما على القول الأول : فالله جل وعلا قد نص على أنهم يحملون أوزار من أضلوهم وسنوا لهم السنن السيئة ; كما في قوله تعالى : ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم الآية [ 16 \ 25 ] ، وقوله تعالى : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم [ 29 \ 13 ] .
وقد أوضحنا ذلك في سورة " النحل " ، في الكلام على قوله تعالى : ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم الآية [ 16 \ 25 ] [ ص: 292 ] وذكرنا حديث جرير وأبي هريرة ، في صحيح مسلم في إيضاح ذلك .
ومن الآيات الدالة على مؤاخذة الإنسان بما عمل به بعده مما سنه من هدى أو ضلالة ، قوله تعالى : ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر [ 75 \ 13 ] ، بناء على أن المعنى بما قدم : مباشرا له ، وأخر : مما عمل به بعده مما سنه من هدى أو ضلال ، وقوله تعالى : علمت نفس ما قدمت وأخرت [ 82 \ 5 ] ، على القول بذلك .
وأما على التفسير الثاني : وهو أن معنى آثارهم : خطاهم إلى المساجد ونحوها ، فقد جاء بعض الآيات دالا على ذلك المعنى ; كقوله تعالى : ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم [ 9 \ 121 ] ; لأن ذلك يستلزم أن تكتب لهم خطاهم التي قطعوا بها الوادي في غزوهم .
وأما الرابع : وهو قوله تعالى : وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ، فقد تدل عليه الآيات الدالة على الأمر الثاني ، وهو كتابة جميع الأعمال التي قدموها بناء على أن المراد بذلك خصوص الأعمال .
وأما على فرض كونه عاما ، فقد دلت عليه آيات أخر ; كقوله تعالى : وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا [ 72 \ 28 ] ، وقوله تعالى : ما فرطنا في الكتاب من شيء [ 6 \ 38 ] ، بناء على أن المراد بالكتاب اللوح المحفوظ ، وهو أصح القولين ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا [ 17 \ 94 ] .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|